سودانايل:
2025-03-16@08:30:40 GMT

هل ابتلاؤنا حرب أم حرابة؟ (2/2)

تاريخ النشر: 4th, September 2023 GMT

نقول بأن ما تحت وطأته منذ أبريل 2013 حرباً فقط لأننا لم نفكر إن كان لها سماً ناظراً لخصائصها لا لقاموس العالم. فلم يحص هذا القاموس النزاعات عددا حتى نكتفي بمصطلحه. ودعوتي في هذا المقال أن البلاء الواقع علينا "حرابة" لا "حربا": عبارة من واقعنا ما من أكتر.
هل حدث أن وقع مثل هذا التجريد لمدينة من قبل لنحسن وصف ما وقع للخرطوم؟
لا يماثل ما نحن فيه من ابتلاء شيء إلا واقعة في زائير (جمهورية الكونغو الديمقراطية حالياً) خلال سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) عرفت بـ"pillage" ووجدت "التشليع"، وهو تفكيك الشيء إلى وحداته الأولى، في مصطلح السودان تعريباً مفيداً للكلمة، فتمردت فيها وحدات من الجيش الزائيري بالعاصكة كينشاسا لأنها لم تقبض رواتبها لأشهر، وكان غرضهم من هبتهم الحصول عليها ولا يعرف إن زادوا السياسة على ذلك، ثم اجتمع عليهم مدنيون دوافعهم سياسة وهي نزع رئيسهم موبوتو سيسي سيكو عن الحكم، كما انضم إليهم نهابون.


تمدد هذا العصيان وذيوله إلى مدن أخرى، فاحتل الجند المطار، ونهبوا مستودعاته وعطلوا برج المراقبة، ونهب وعصب تابعيهم من المدنيين نهباً على نطاق واسع أحدث أضراراً اقتصادية كبرى بالبلاد، إذ داهموا المتاجر ومحطات الغاز والمولات وبيوت المواطنين.
نهبوا المولات من أجهزة تلفزيون وثلاجات وماكينات تصوير، كما خربوا مكاتب الحكومة وبيوت الأجانب وشركاتهم، ونهب الناس من حولهم الأسواق وفككوا منشآت بحالها، فخلعوا منها أحواض المطابخ ومقاعد الحمام وشبكات الحديد التي تحمي نوافذها لبيعها في أسواق انفتحت في معسكرات الجيش، وهدموا قسماً كبيراً من المنطقة الصناعية وسرق الناس ماكينات ورشها.
واستولى العساكر على مئات السيارات من مصنع "جنرال موتورز" وخربوه ليتركوه هيكلاً من حديد، وحتى القوى الموالية لموبوتو استهوتها "نزوة التشليع" فمدت يدها مثل الآخرين متجاهلة قمعهم كما هي مهمتهم.
كان الحصاد فادحاً، حيث صرعت الأحداث 200 مواطناً، وقع النهب على 30 إلى 40 في المئة من الشركات، وتحطم 70 في المئة من المؤسسات، وغادر الأجانب زائير بشكل جماعي بعد نهب بيوتهم من دون مس أرواحهم، وهكذا ترحلت عن البلد نصف الشركات وتركت عمالها عاطلين.
وقال عالم سياسة بلجيكي إن نزوة "التشليع" هي ظن غمار الناس أنهم استطاعوا أخيراً فعل ما كانت صفوتهم تفعله بهم لعقود، وهو سرقة كل شيء، وانتهى التمرد بدعوة موبوتو لفرنسا وبلجيكا الراغبتين بالتدخل عسكرياً لفضه.
هل هذه حرب أم حرابة؟
قال أحدهم إن المثقف في عالمنا الثالث ضيف ثقيل على واقعه، فهو زاهد في معرفته بخصائصه لياذاً بمصطلح غربي مستخلص من واقعة غربية جغرافياً تعممت على العالمين من موقع شوكة، فقولنا إن ما نخوض في السودان حرباً على بينة من مصطلحها العالمي أخفى عنا الطاقة الإجرامية التي من ورائه، وهو إجرام يتفق علماء السياسة أنه سمة السياسة المعاصرة في بلدان العالم الثالث تزايل فيها الفاصل بين الجريمة والسياسة أو كاد، فسقطت السياسة في شكل الدولة في هايتي مثلاً لتستبيحها العصابات، وهو مصير بلاد كثيرة أذنت للميليشيات بأدوار سياسية.
سيأتي يوم تكون هذه الميليشيات هي السياسة كما تطمع "الدعم السريع" ليومها، ويستغرب المرء لتكففنا مصطلحاً لما نحن فيه من ابتلاء، وفي فقهنا الإسلامي غناء، فالطاقة المجرمة في "الدعم السريع" مما اصطلحنا كمسلمين على وصفه بـ"الحرابة"، وهي البروز لأخذ المال أو القتل، على سبيل المجاهرة مكابرة اعتماداً على القوة مع البعد عن الغوث، والمحاربة عند السرخسي، عادة قوم لهم منعة وشوكة يدفعون عن أنفسهم ويقوون على غيرهم بقوتهم، والمجاهرة هي أخذ المال قهراً، أي خطفاً، لا خلسة كالسراق. وانسكب حبر فقهي كثير حول "البعد عن الغوث" ومعناها ألا يكون من مغيث لمن اعتدى عليه المحارب، وجعل هذا الشرط الفقه يقصر وقوع الحرابة في الصحاري لا الأمصار حاضرة السلطان التي يلحق الغوث المستغيث، وصارت "الحرابة" بالنتيجة هي فعل قطاع الطرق حصرياً، ولكن مثل أبي حنيفة قال بوقوع الحرابة في الأرياف والأمصار إذا لم يلحق الغوث في كليهما لأي سبب من الأسباب، بل تجد من قال إن وقوعها في المدن في مثل الخطف والقتل والسرقة والنهب وتحريق المحال والمنازل لجريمة أنكى لاستخفاف المحارب بالتجمعات البشرية فيروع أمنها متجرئ غير مبالٍ بقوة الغوث المنتظر.
لم يكن للخرطوم كما رأينا مغيث حين ظهرت "الدعم السريع" لأخذ المال مكابرة اعتماداً على القوة، فإذا لم تكن هذه "حرابة" فما تكون؟


IbrahimA@missouri.edu  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

هل هذا هو إسلامكم ؟

بقلم: كمال فتاح حيدر ..

نحن نعلم ان الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله لعباده المؤمنين الموحدين، فهو دينُ الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وبعث به كل الرسل ليُبلغوه للناس، ودعا له الرسلُ ونشروه في أرجاء المعمورة، فهو أصلُ عقيدتهم التي اتّحدوا عليها، وانطلقوا منها، فكان هو دينهم جميعاً. .
ونعلم أيضاً ان المسلم من سلم الناس من لسانه ويده، لكن بعضهم جعل السلامة مقتصرة على المسلمين وحدهم، فقالوا: المسلم من سلم المسلمون (وليس الناس) من لسانه ويده، ثم جاءنا التكفيريون ووضعوا قواعد جديدة اخرجوا بها عشرات الفرق من الملة، وأهدروا دماءهم، فما بالك بدماء الشعوب والأمم التي لا تنتمي إلى الإسلام ؟. .
المؤسف له ان الصورة التي نراها بأم أعيننا على أرض الواقع تختلف تماما عن كل المفاهيم الإسلامية العامة، وتتقاطع مع أبسط المبادئ الإنسانية في التعامل مع البشر على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم. فمنذ عام 1988 وهو العام الذي تأسس فيه تنظيم (القاعدة) في افغانستان، وعام 1992 الذي انطلقت فيه مذابح العشرية السوداء في الجزائر، وظهور تنظيم (داعش) في العراق والشام، ونحن نقف مندهشين ازاء ممارسات لم نألفها، ولم نسمع بها، وفتاوى ما انزل بها الله من سلطان، حيث صار القتل على الهوية، وفوجئنا بتفشي ظواهر بربرية جديدة تمثلت بسبي النساء واغتصابهن، والتفاخر بقتل الأطفال والتمثيل بأجسادهم، ومصادرة ممتلكات الناس باعتبارها من الغنائم. وظهرت لدينا حكومات غير متدينة (عربية وإسلامية) توفر الدعم المطلق لهذه الجماعات الارهابية التي شوهت صورة الإسلام والمسلمين. .
قبل قليل كنت اشاهد مقطعا مصورا لواجهات الدكاكين المغلقة في الأسواق السورية، مكتوب عليها بأحرف كبيرة (سني) – (شيعي) – (درزي) – (علوي) – (مسيحي)، وشاهدت مقطعا موجها لإخواننا المسيحيين في الشام، يظهر فيه مسلح ملتحي يأمرهم بدفع الجزية. ولقطات مصورة لمسلحين يقتحمون القرى العلوية ويضرمون فيها النيران، ثم يقتلون شبابها ويسبون نساءها. .
فهل هذا هو الإسلام الذي ننتمي اليه ؟.
تارة يأمرون بمعاملة الحيوانات برحمة وعدل، ويقولون: ان الإحسان إليها بابٌ من أبواب الأجر والثواب. وتارة يطلقون النيران على الجموع الغفيرة من المدنيين بلا رحمة وبلا هوادة. .
هل امركم الإسلام ان تقتلوا العلويين والشيعة والمسيحيين والدروز ؟. لماذا ؟. على أي أساس ارتكزتم ؟. وما هو دليلكم ؟. ما هو النص من القرآن، وما هو النص من السنة النبوية ؟. .
ما مورس الآن بحق الطوائف السورية ليس انتقاماً، بل هولوكوست وابادة جماعية تُرتكب على مرأى ومسمع من العالم، يصورونها ويوثقونها ويتفاخرون بها. يقتلون الرجال والأطفال ثم يرمونهم من شاهق، أو يرمونهم في البحر، أو يحرقون جثامينهم كما حدث في بعض القرى والبلدات. فالساحل السوري يغرق الآن بدماء التصفيات حيث الاعدامات الميدانية، والفاعلون يتراقصون فوق جثث المغدورين، وكانت حصيلة القتلى في منطقة الساحل منذ السادس وحتى الثاني عشر من مارس 1225 مدنيا علوياً. بينما يؤكد بشار إسماعيل أنهم 22 ألف قتيل. .
فهل هذا هو اسلامكم يا جولاني ؟. .

د. كمال فتاح حيدر

مقالات مشابهة

  • هل هذا هو إسلامكم ؟
  • تأمل التاريخ
  • العودة إلى السياسة الواقعية الأمريكية
  • السياسة.. طبخة تحتاج لطباخ ماهر
  • موعد عرض مسلسل سيد الناس الحلقة 15
  • التعليم العالي: إتاحة الموارد اللازمة لتنفيذ السياسة الوطنية للابتكار المستدام
  • من الناس من يحب لك الخير على مزاجه
  • روبيو عن بوتين: السياسة الخارجية تعني العمل مع أشخاص لا تحبهم ..فيديو
  • وزير الرباط وسلا…بنسعيد و “كيليميني” أو حينما يدعو وزير القطاعات الثلاثة مغاربة الهامش إلى كره السياسة والسياسيين
  • وزير الرباط وسلا…بنسعيد و “كيليميني” أو حينما يدفع مغاربة الهامش إلى كره السياسة والسياسيين