تحدثنا كثيراً عن مساوئ الحرب ولكن لو كان لها أن تجود بتجسيد مفهوم المثل القائل "رُبّ ضارةٍ نافعة"، لقلنا أنها وضعت الخيارات واضحة أمام الشعب السوداني وبأن يختار بين السودان أو الكيزان.
كل ما يُثار من دعوات استقطاب للفرز في وسائط التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها، او في القنوات الفضائية او استاثرت بها جلسات الأُنس الخاصة او أعتمرت تشويشاً في النفوس أو اختمرت تارة في العقول، من شاكلة "الغرابة والجلابة"، "دولة الزغاوة الكبرى"، "التركيز في مثلث حمدي" "دولة البحر والنهر"، "فصل دارفور"، "الشباب والكبار"، "الأحزاب سبب البلاء"، "رفض أصحاب الجوازات الأجنبية".
ثلاثون سنة من حكم ماوتسيى تونج في الصين، كانت كافية لتجعل من الصين دولة نووية، ثلاثون سنة من الحكم، كانت كافية لتنقل الحكومات الهندية المتعاقبة، الشعب الهندي من مجاعة إلى وفرة وتصدير الغذاء، ثلاثون سنة كانت كافية للحكومات اليابانية المتعاقبة أن تجعل من اليابان دولة صناعية منافسة للولايات المتحدة الأمريكية، ثلاثون سنة كانت كافية لتنقل سينغافورا من اقليم مرفوض من ماليزيا إلى دولة مرفّهة، ثلاثون سنة من الحكم كانت كافية لتصبح في كوبا، أفضل خدمات صحّية في قارتها، ثلاثون سنة كانت كافية لتنتقل رواندا من أشلاء الإبادة والانقسام والحرب إلى الوحدة والتنمية في وئام، والأمثلة بلا حدود.
الأخوان المسلمون بتعدد المسمّى، جبهة الميثاق، الجبهة القومية الإسلامية، المؤتمر الوطني، المؤتمر الشعبي، النظام الخالف أو ما قد يأتي من تسمية جديدة، قد انتزعوا السلطة وأنفردوا بها لثلاثين سنة، ورغم أنهم لم يأتوا بتفويض من الشعب، إلا أنها كانت فرصة لم تُتَح مثلها لغيرهم من التنظيمات السياسية في السودان، لتسويق أنفسهم، رؤيةً وتنظيماً وأفراداً من خلال عمل ملموس يقدمونه للمواطن والوطن، ولكنهم عوضاً عن ذلك، انخرطوا في التمكين، فكانت النتيجة هي السودان المنهار الآن، وهي نتيجة كافية كان ينبغي أن تقودهم للاعتراف بفشلهم والانزواء على الأقل خلال أي فترة انتقالية لتقييم تجربتهم توطئة لتقديم أنفسهم للشعب في أي انتخابات قادمة إن كانوا يأملون.
هناك حقيقة لا يمكن القفز عليها وهي أن كل المعادلات السابقة لحكم السودان لم تحقق نجاحاً، بل قادت في أقسى تجلّياتها إلى تقسيمه إلى بلدين. الخطاب نفسه يجري تسويقه الآن. المطلوب بلا تشويش هو أن ينخرط السودانيون أينما كانوا، في حوارات صريحة وشفّافة، فيها اعتراف بفشل كل معادلات الحكم السابقة، لأنها قفزت في التأطير والممارسة على مبدأ المواطنة وتكافؤ الحقوق والواجبات. ولا بد لهذه الحوارات أن تبدأ في عقل وضمير كل سوداني، أولاً بالاختيار بين السودان أو الكيزان، وثانياً، العمل على انتاج معادلة للحكم تحافظ على شعار "حرية سلام وعدالة"، لأنه الشعار الوحيد الذي بتطبيقه يمكن أن يحفظ ما تبقّى من السودان وطناً واحداً.
تأكدوا أن الاختيار الخاطئ الذي تسوقه دعوات الاستقطابات المسعورة، ستقود إلى المزيد من النزاعات التي بدورها ستقود إلى انقسامات ودويلات، ربما آخرها يمكن أن تكون حدودها هي مساحة القصر الجمهوري، فهناك من لا يهمه إذا كان رئيساً على دولة حدودها هي أسوار القصر الجمهوري.
jabdosa@yahoo.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
قواتالدعم السريع تستهدف القصر الجمهوري في الخرطوم بالمدفعية بعيدة المدى
عواصم "أ ف ب" "العمانية": استهدفت قوات الدعم السريع اليوم القصر الجمهوري في وسط العاصمة السودانية الخرطوم بـ"قصف مدفعي بعيد المدى"، بحسب مصدر عسكري.
وقال المصدر العسكري لوكالة فرانس برس إن القصف انطلق من منطقة الصالحة جنوب أم درمان بالخرطوم الكبرى، وطال كذلك مقر وزارة المعادن في المنطقة الحكومية في العاصمة.
ولم ترد تقارير بحدوث إصابات جراء القصف.
وكانت قوات الدعم السريع قصفت السبت مقر القيادة العامة للجيش السوداني بقذائف مدفعية بعيدة المدى.
وأتى استهداف مواقع تابعة للجيش بعد أسابيع من إعلان الأخير إخراج قوات الدعم السريع من الخرطوم.
وأطلق الجيش السوداني في مارس عملية واسعة من وسط البلاد أفضت إلى استعادة السيطرة على القصر الجمهوري ومطار الخرطوم ومواقع حيوية أخرى انتهت بإعلان قائد الجيش "الخرطوم حرة".
وما زالت قوات الدعم السريع تحتفظ بمعاقلها في جنوب وغرب أم درمان التي تنطلق منها هجماتها الأخيرة على الجيش السوداني.
وتستمر الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ أبريل 2023 متسببة في مقتل عشرات الآلاف ونزوح 13 مليون شخص ما أدى لأكبر أزمة جوع ونزوح في العالم.
حصيلة الأسابيع الماضية
قُتل 542 مدنيا على الأقلّ في ولاية شمال دارفور السودانية في الأسابيع الثلاثة الأخيرة، لكن "يُرجّح أن تكون الحصيلة الفعلية أعلى من ذلك بكثير"، بحسب ما جاء الخميس في بيان لمفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان.
وأشار فولكر تورك في تعليقه حول الوضع في السودان حيث تتواجه قوات الدعم السريع مع الجيش السوداني في حرب مستمرّة منذ سنتين إلى أن "المأساة المتفاقمة في السودان لا تعرف أي حدود".
أصبحت ولاية شمال دارفور ساحة معركة رئيسية في الحرب التي اندلعت في 15 أبريل 2023 بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو الملقب "حميدتي".
وأسفرت الحرب عن سقوط عشرات آلاف القتلى وعن أكثر من 13 مليون نازح ولاجئ، وأغرقت السودان البالغ عدد سكانها 50 مليون نسمة في أزمة إنسانية حادة بحسب الأمم المتحدة.
في الأسابيع الأخيرة كثّف مقاتلو قوات الدعم السريع هجماتهم على الفاشر التي تعد آخر مدينة كبرى في إقليم دارفور (غرب) ما زال الجيش يسيطر عليها.
وأشار تورك إلى هجوم شنته قوات الدعم السريع قبل ثلاثة أيام على الفاشر ومخيم أبو شوك أسفر عن مقتل 40 مدنيا على الأقل.
وقال "بهذا، يرتفع العدد المؤكد للضحايا المدنيين في شمال دارفور إلى ما لا يقل عن 542 خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة فقط، فيما يُرجّح أن تكون الحصيلة الفعلية أعلى من ذلك بكثير".
كذلك، أشار إلى "التحذير القاتم الذي أطلقته قوات الدعم السريع من -سفك الدماء- قبل معارك وشيكة مع القوات المسلحة السودانية والحركات المسلحة المرتبطة بها".
وقال "ينبغي بذل كل جهد لحماية المدنيين المحاصرين وسط ظروف مأسوية في الفاشر ومحيطها".
وسلط الضوء على "تقارير عن إعدامات ميدانية في ولاية الخرطوم" معتبرا أنها "مقلقة جدا".
وقال إن "مقاطع فيديو مروعة مُتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر 30 رجلا على الأقل بملابس مدنية يُعتقلون ويُعدمون على يد مسلحين يرتدون زي قوات الدعم السريع في الصالحة جنوب أم درمان"، مضيفا أنه في مقطع فيديو لاحق، "أقر قائد ميداني من قوات الدعم السريع بعمليات القتل".
وأضاف تورك أن هذه التسجيلات جاءت بعد "تقارير صادمة في الأسابيع الأخيرة عن إعدام ميداني لعشرات الأشخاص المتهمين بالتعاون مع قوات الدعم السريع في جنوب الخرطوم، يعتقد أن لواء البراء هو من ارتكبها"، وهو مجموعة تابعة للقوات المسلحة السودانية.
وشدد على أن "القتل المتعمد لمدني أو أي شخص لم يعد يشارك بشكل مباشر في الأعمال الحربية يُعد جريمة حرب".
وقال المفوض السامي لحقوق الإنسان إنه "نبه شخصيا قادة قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية إلى العواقب الكارثية لهذه الحرب على حقوق الإنسان".
وأضاف أن "هذه العواقب الوخيمة واقع يومي يعيشه ملايين السودانيين. لقد آن الأوان بل تأخر كثيرا، لوقف هذا النزاع".
الأغذية العالمي يحذر
حذر برنامج الأغذية العالمي من أن 638 ألف سوداني يواجهون جوعًا كارثيًّا، وهو المعدل الأعلى في العالم، جراء الحرب المشتعلة في السودان منذ عامين، مؤكدًا أن 24.6 مليون شخص يعانون جوعًا حادًّا. وقال منسق الطوارئ الإقليمي للبرنامج العالمي بالسودان إنهم "في سباق مع الزمن" مؤكدًا الحاجة الملحة إلى زيادة مخزونه الغذائي قبل أن تغمر المياه الطرق وتصبح غير سالكة، مشيرًا إلى أن حالات الجوع وتفشي الأمراض قابلة للزيادة الكبيرة خلال موسم الأمطار العام الماضي. وأضاف "نغطي حاليًّا 4 ملايين شخص، لكننا بحاجة إلى زيادة هذا العدد ليصل إلى 7 ملايين على الأقل في الأشهر المقبلة". وبيّن أن البرنامج الأممي يحتاج إلى مزيد من التمويل، وإلا سيضطر إلى تقليص الدعم في الوقت الذي يحتاج فيه البرنامج إلى زيادة حجم المساعدات. وأكد أن 10 مواقع في السودان تعاني من المجاعة، من بينها 8 مواقع شمال دارفور، بما في ذلك مخيم زمزم، وموقعان في جبال النوبة الغربية. وذكر أن هناك 17 منطقة أخرى معرضة لخطر المجاعة، بما في ذلك الخرطوم، مبينًا أن المناطق الأكثر تضررًا، يعاني فيها واحد من كل 3 أطفال من سوء التغذية الحاد متجاوزًا بذلك عتبة المجاعة وفقًا لبرنامج الأغذية العالمي.