في استراحة محارب .. صهيونية صناعة سودانية
تاريخ النشر: 4th, September 2023 GMT
جزء 1
هذا المقال نشرته في فبراير عام2021 متابعةً للصراع الدائر الآن عند بدئه وقتها، بعنوان:
صهيونية صناعة سودانية
شاءت الأقدار أن تجيب على تخوفاتي عام 2021 لتكون بداية الصراع العبثي الذي نراه الآن، ونشهد ما تخوفت منه عندها لتصبح جزءاً أولاً ، لأكمل رأيي فيها في الجزء الثاني الذي كنت أخاف حدوثه، ولكنني لم أتوقعه أن يحدث.
أحمِرة الأحزاب تحمل للمتشنجين دينياً من بني صهيون وبني كوز أضابير حلمهم باحتلال الدولة الإسرائيلية من الرافدين إلى النيل، ينفذون فيها مشروعهم وهم نائمون، بعد أن درس الصهاينة وخُدّامهم، عمهانهم وسكرهم الكهنوتي.
لا. لا تقُل كانت تجربة حرية شورية في السودان. لا، لم تقم بالمرة ولا أساس لها، ليس لأن السودان لا يصلح لها، فقط لأن السودان كان معملاً للسلاطين المصريين والنخاسين الوافدين للسودان وصوفية السودان لتبعية وسرقة السودان، وليس لحضارة السودان. حتى مملكة الفونج والثورة المهدية تشكلتا على ذلك البرنامج المرسوم مسبقاً بالرق الأطلسي والرق الإسلامي.
التجربة الحزبية في السودان لم تتأسس بالديمقراطية الليبرالية، وقد كشفت هذه الثورة التصحيحية، مدى عمهانها وعجزها عن المبادرة بعلاج ذلك العيب الذي أقصاها من الدور القيادي والقومي بعزم وجدية أولئك الثوار الذين بسخاء دمائهم بسبب خَوْرها السياسي، لن توقفهم من حرب أهلية شاملة لزوم ما لا يجب أن يلزم، هلّت بوادرها في الأفق الآن.
أحزاب نشأت على الديمقراطية الوصائية وهي تخادع بأنها ديمقراطية ليبرالية. وهذا ما شجع العسكر لاختراقها و"نتف ريشها" بدءاً بنظام إبراهيم عبود الذي تعدّى فيها على الوصائية الطبقية فقط، أي الشيوعية، وغالباً يكون ذلك طوعاً لعرابه حزب الأمة الذي أتى به والذي يحمل خطاباً دينياً. وفي النهاية أصبح كل الصراع المدني الحزبي في السودان هوساً دينياً وهوساً آخر ضد الدين، وهو الشيوعية، والتي لا نظريات ماركسية أو لينينية منظورة في السودان مسببة لها، خلاف الرجعية في الدين الذي اكتست به تلك الأحزاب. فالسودان لم يكن بلداً صناعياً يذخر بطبقة عمالية مضطهدة، ولا دولة مشاريع زراعية فيها طبقة مزارعين مضطهدة، بل دولة بها من الخيرات لمن يريد أن يزرع حراً، ولمن يريد أن يصنّع حراً، زيوتأً، جلوداً، وأخشاباً، وصمغٍ عربي، وسمسمٍ، وخضرواتٍ ولحوم وذهباً ومعادن إلخ.... وكل ما أهّل السودان كسلة غذاء العالم، لم تكن مجهولة حتى يقوم حزب شيوعي لمناصرة الطبقة العاملة أو البروليتيريا قبل قيام مشاريع صناعية وزراعية تؤمها.
وسرعان ما تحوّل العسكر من اختراقها إلى احتقارها، لأنهم لا يعرفون عن السودان إلا أنه كنزٌ، لا يحق إلا للبندقية من اقتناصه.
وسادت ثقافة البندقية (مقاليّ :ثقافة السلاح والعسكرية ما بين الثورة والديمقراطية ج1، ج 2).
وتأصلت بواسطة الإسلاميين الذين رضعوا ثروات البلاد ودماء العباد في أمن نظام النميري الذي آثروا رضاعته من حمايته، حتى استووا على الفساد والسحل والذي به أنشئت مليشيات الجنجويد وكتائب الظل والدبابين والدفاع الشعبي، وسرقت أراضي الإسكان ومشاريع التخضير والزراعة، وحرقت الغابات وأحيت القبلية للسحل والتشريد والتوطين. كله نحو امتلاك السودان امتلاكَ الصهاينة لفلسطين، أو بيعِه لصالح مشروعهم الإسلامي انتقاماً، إذا تعذّر ذلك.
إن ما يدور الآن هو ما دار بنفس خيانة الطائفية في ولاية المشكل الفلسطيني عام 1917- 1939 عند تنفيذ وعد بلفور بقيام به الصهاينة بمؤامرة تقسيم فلسطين بشراء الأراضي الزراعية من السكان بأسعار مغرية، ثم تجميعها للتقدم بها للأمم المتحدة لطلب تقرير المصير، لأن الانقسام كان الحل الوحيد لدولة صهيونية بعد حرب عصابات مناخم بيقن لطرد الانجليز بسبب رفضهم مطالب الصهاينة لوضعهم كمواطنين درجة أولى في فلسطين ليكون الفلسطينيون مواطنين من الدرجة الثالثة.
هذا هو السناريو الذي بدأ طفحه إلى السطح الآن: آل دوقلو، العمالة الوافدة، يُهجّرون السودانيين ويعيدون توطين الوافدين من دول غرب إفريقيا، المميز لتلك البونانزا، هو السحنة والقبيلة والدين الإسلامي، لتمليكهم الأرض وبطاقة الجنسية السودانية، حتى يدخلوا مع أولئك المرتزقة وعرّابوهم من دول الجوار لتجارة أراضي السودان لمن يدفع أكثر (وليس هناك أكثر مما تستحقه تلك الأرض لليهود ودول الخليج ومصر اللاتي تُهاتَيْن بامتلاك أراضي السودان، كلاً لغرضٍ استعماري عزيز لمن فاته قطار الاستعمار.
وهذا هو البرنامج الذي تنفذه اللجنة الأمنية للكيزان من عهد النميري. وتساعدهم في ذلك الضباع (الهايينا) من الطامعين من دول الجوار، والذين يعرضون المساعدات للقاء جزءٍ من الغنائم. ونرى الآن كيف هرول كل هؤلاء للموساد الإسرائيلي (ملاحظة: ليس للحكومة الإسرائيلية) لتلقي التعليمات والخطط لإكمال الصفقة.
والآن والحمد لله حررت الثورة نفسها من قيود المكون العسكري، وعليها التحرر من أذنابه من الحركات المسلحة إلا من ينضم لها خلف لجان المقاومة، ثم عليها الشروع فوراً في التسليح والحرب ضد هذه المؤامرة، فالمسألة ليست مسألة دبلوماسية أو أخلاق، المسألة الآن هي قاعدة أساس الدفاع عن النفس والأرض النفيسة، والسودان ليبقى أو لا يبقى....
عسى أن يكون هناك بصيص أمل لعل الأحزاب الكبيرة، الطائفية، قد راجعت نفسها وتطوّر شبابها ونساؤها بالوطنية، بدلاً من القبلية والطائفية. إلا أن حزب الأمة أعلن التنسيق مع المؤتمر الشعبي الذي شارك في قلب نظام الحكم والتعدي على هوية الدولة بفرض الوصاية الدينية، فقط لأنه حُرم من اقتسام الكيكة المنهوبة بسبب خيانة نصفه الآخر من المؤتمر الوطني وشارك في الثورة عليهم لخيانتهم.
ولا يهم ما سبب مشاركته في الثورة، ولكن المشكلة أن حزب الأمة، مثله مثل المؤتمر الشعبي، كانوا صورة من بعض، فقط أحدهما متخفي، وهو الأمة: المؤتمر الشعبي (وقرينه الوطني) حزب يؤمن بالتسييس الديني، أي الوصائية الدينية، بتحويل حدود الله كقوانين جنائية بينما هي حدود، أي لا يجب اختراقها وليس يجب تنفيذها، وترك الدين العقاب بما يراه المجتمع من ردع أو تأديب أو تربية أو تعويض. والأحوال الشخصية كقانون عام مع أنه قانون يسري فقط على المسلم أو من قبل به لزواجه أو ميراثه إلخ. ولذا تسييس الدين هو سحبه من المسئولية الفردية لمن يعمل به إلى مسئولية جماعية لقومٍ لا يشترط في هويتهم أن يجمعهم الإسلام.
وحزب الأمة يؤيد التسييس الدين مواربةً، ولهذا السبب اقترحت ولا زلت أطالب بإعادة تسجيل الأحزاب مع حظر الوصاية على الحريات دينياً، عرقياً أو اجتماعياً.
وأهمية خبر تنسيق حزب الأمة مع المؤتمر الشعبي في هذه المرحلة بالذات، تدق نواقيس الخطر إذ ان حزب الأمة حزب كبير ويُعال عليه في سند الوحدة القومية والحراك الثوري، وحزب المؤتمر الشعبي أؤيد عدم إقصائه ما دام يقبل المحاسبة على قيامه بالمشاركة في انقلاب يونيو 89، ولكن مثله كذلك المؤتمر الوطني، غير أن الأخير يجب محاسبته على الانقلاب وعلى جرائم الإدارة الإقصائية والاستبدادية، ومحاسبة أفراده الذين مارسو التقتيل والتعذيب واستباحة المال العام وبقية جرائم النظام السابق، كذلك العدل والمساواة التي تكوّنت في رحم الإسلاميين وشاركت في الانقلاب.
لكن القاسم المشترك الأعظم بينها جميعاً هو التسييس الديني.
أهمية هذا الموضوع للخطر الذي يلوح في عنوان المقالة، أن المعطيات للتغلب على هذه المؤامرة الإقليمية التي بدأت تستوي للتنفيذ، هذه المعطيات توافرت الآن بالدفع العالي لتحرك الشارع السوداني في نفس الوقت الذي تتآمر فيه القوى العسكرية، والتي تستلزم عدم تبديد الوقت وهذه السانحة لتحريك الثورة الشعبية المسلحة لمقاومة هذه المؤامرة الكبيرة، حيث الوحدة الوطنية ضرورة قصوى، وآن الأوان للأحزاب والحركات المسلحة التوبة وتحكيم الضمير نحو الأمانة التي في يديهم والتي أودعها الشعب السوداني الوريث الشرعي الوحيد لهذا الوطن وثروته
izcorpizcorp@yahoo.co.uk
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: المؤتمر الشعبی فی السودان حزب الأمة
إقرأ أيضاً:
وكالة السودان للانباء تجري استطلاعات وسط المشاركين في المؤتمر الاقتصادي الأول لمواجهة تحديات الحرب
أجرت وكالة السودان للانباء استطلاعات واسعة وسط المشاركين في المؤتمر الاقتصادي الأول لمواجهة تحديات الحرب حول انطباعهم ورؤيتهم لما سيخرج به المؤتمر.واستهل وزير المالية بولاية الجزيرة عاطف ابوشوك حديثه معلقا على خطاب رئيس مجلس السيادة في المؤتمر الذي اكد ان الحرب في خواتيمها لذلك لابد من وضع خطة للتعافي الاقتصادي لمابعد الحرب باعتبار ان هذه الحرب هي حرب اقتصادية على الموارد في المقام الأول استهدفت البنية التحتية داعيا الي ضرورة وضع خطة لإعادة تأهيل البنية التحتية التي خربتها المليشيا المتمردة لياخذ الاقتصاد مساره الطبيعي.واكد ثقته في القطاع الخاص في إعادة تأهيل المنشأت الصناعية والزراعية والخدمية في ولاية الجزيرة.دكتور عبدالرحمن سيداحمد الامين العام لجهاز المغتربين قال ان الاوراق التي قدمت في المؤتمر عولت على المغتربين لتمويل النشاط الاقتصادي قائلا(علي الدولة تقديم امتيازات ومحفزات للمغتربين ليقدموا الدعَم اثناء الحرب وبعدها) واشار الي ضرورة ان يبدا التعافي الاقتصادي بالقطاع الزراعي.السيد محمود علي محمد مدير الميزانية بوزارة المالية ولاية البحر الأحمر ذكر ان المؤتمر تقدم برؤية واضحة لعلاج الاقتصاد لمواجهة تحديات الحرب من خلال أوراق علمية وضعت توصيات ناجعة لما افرزته الحرب لقطاعات الزراعة والصناعة والخدمات .وقال كنا نتوقع حضورا متكاملا للصناديق الدولية والعربية واشتراك القطاع الخاص الذي تضرر كثيرا من الحرب وذلك لتقديم مقترحات حول كيفية معالجة الإستثمار وأضاف المؤتمر قدم الامل لقيام السودان من كبوته المفتعلة لما له من موارد طبيعية وبشرية هائلة.دكتورة شذى عثمان الشريف رئيس العلاقات الدولية للمستوردين والمصدرين العرب قالت ان قيام المؤتمر في هذا التوقيت فكرة زكية لنثبت للعالم نحن يد تحارب متقدمة على مستوى العمليات العسكرية وأخرى تبني مؤسسات الدولة.وأشارت الى ان حضور كل مؤسسات الدولة في المؤتمر ليكونوا شهودا على توصيات المؤتمر وهذا يعد نهجا جديدا الناظر محمد الأمين تزك ناظر عموم الهدندوة ورئيس العموديات المستقلة.أعرب عن أمله ان يخرج المؤتمر بتوصيات تتنزل الي أرض الواقع وأضاف يحتاج تعافي الاقتصاد السوداني الي جهد كبير في المرحلة القادمة.واكد ان انعقاد المؤتمر في هذا التوقيت يمثل تحديا الإنعاش الاقتصاد وإثبات للمستثمر الاجنبي ان البلاد مهياة لاستقبالهم.سونا إنضم لقناة النيلين على واتساب