في سودان “الحرب”.. من يضمد جراح الأطباء؟
تاريخ النشر: 4th, September 2023 GMT
مرتضى أحمد – سكاي نيوز عربية
يعمل الأطباء السودانيين في ظل أوضاع قاسية تحاصرهم نيران الحرب وتردي بيئة المشافي، بينما لم يتقاضوا أجورهم طوال خمسة أشهر ماضية، الشي الذي يهدد بانهيار كلي للخدمات الصحية في البلاد.
وبعد صبر طويل بلا رواتب بدأت حركة إضرابات عن العمل تنتظم المستشفيات في عدة مناطق سودانية خاصة ولايتي شمال كردفان والبحر الأحمر، في تحرك يهدف لنيل المستحقات المالية وتحسين بيئة العمل، وسط تجاوب محدود من السلطات المحلية.
ومنذ اندلاع الحرب بينالجيش وقوات الدعم السريع في 15 أبريل الماضي، توقفت رواتب جميع العاملين في الخدمة العامة في السودان، لكن الأطباء يقولون إنهم يختلفون عن بقية الموظفين لأنهم يواصلون عملهم بدوام كامل في المستشفيات، بينما أغلقت معظم المؤسسات الأخرى ويجلس عمالها دون مهام.
وتقول رئيس اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان د. هبة عمر إبراهيم لموقع "سكاي نيوز عربية" إن "الأطباء يعملون في ظروف لا إنسانية، فقد حرموا من رواتبهم وشتى حقوقهم المالية، في الوقت نفسه يواصلون عملهم بتفان تقديراً لظروف المرضى".
وتشير إلى أن معاناة الكوادر الطبية لم تتوقف عند حرمانهم من مستحقاتهم المالية، لكنهم يجابهون مخاطر أمنية واسعة فهم في خط النار الأول، وفقد العديد من زملاءهم أرواحهم بسبب هذه الحرب.
قتل الأطباء
وبحسب حصيلة للجنة التمهيدية لنقابة الأطباء في السودان، فإن 24 طبياً قتلوا خلال هذه الحرب إثر إصابتهم بالرصاص أو المقذوفات المتفجرة، فيما قتل 5 من الطلاب يدرسون في مراحل مختلفة بكليات الطب خلال الصراع الحالي.
وكانت المشافي في العاصمة الخرطوم قد تعرضت لعمليات قصف مدفعي واقتحام من القوات المتحاربة، مما قاد الى خروج 72% منها عن العمل، مما أدى لتفاقم تدهور الوضع الصحي هناك.
وبعد إغلاق مستشفيات مرجعية في الخرطوم بسبب الحرب تحول آلاف الأشخاص خاصة مرضى السرطان والكلى إلى مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة لمواصلة علاجهم فيها، مما خلق ضغط كبير على المراكز والأطباء.
وتقول أخصائية الأورام في مستشفى علاج السرطان بود مدني د. ندى عثمان لموقع "سكاي نيوز عربية" إن "الأطباء يعملون بطاقتهم القصوى من أجل مقابلة التردد العالي في المستشفى، في حين لم يتقاضوا رواتبهم وحوافزهم منذ شهر مارس الماضي وهو أمر قاسي للغاية".
وتضيف "هؤلاء الأطباء لديهم مسؤوليات حياتية من أين يغطونها في ظل عدم وجود رواتب؟ يقضون كامل يومهم في المستشفى وفي النهاية لا يجدون حتى مبالغ أجرة المواصلات الى منازلهم".
وترى ضرورة أن يكون هناك تحرك قوي وعاجل لحل مشكلة رواتب العاملين في الحقل الطبي، لأن توقفهم عن العمل سيقود إلى انهيار الخدمة الصحية ويفاقم مأساة المرضى.
سلاح الإضراب
وفي ولاية شمال كردفان نفذ أطباء مستشفى الأبيض التعليمي إضراباً عن العمل استمر ما يقارب الشهر في تصعيد يهدف لنيل رواتهم، وقاموا برفعه هذا الأسبوع أثر تفاهمات مع السلطات الحكومية الولائية.
وأفاد المدير الطبي لقسم الطواري بمستشفى الأبيض التعليمي د. عبد الرحيم محمد إبراهيم موقع بأن اضرابهم لم يكن بغرض أمور ترفيهية وإنما أشياء ضرورية تتعلق بحياة الأطباء ومعاشهم.
ويقول "إلى جانب توقف الرواتب، هناك تردي مريع في بيئة العمل حيث تنعدم مياه الشرب والاستراحات المهيئة والوجبات، كما لا توجد خدمة ترحيل للكوادر الطبية، لذلك نفذنا الاضراب الأخير بغرض تحسين الخدمة الصحية للمرضى واستدامتها".
ويضيف "قمنا بتعليق الإضراب لمدة شهر قادم بعد أن تم سداد 90% من مستحقاتنا المالية ولمسنا جدية في الاستجابة لبقية المطالب المتعقلة بالترحيل والاستراحات وغيرها من مطلوبات العمل، وقد باشرنا عملنا إبداء لحسن النية ولأن وضع المرضى لا يحتمل أيضاً".
وعلى الرغم من الواقع الذي يعيشونه والمتمثل في تردي بيئة العمل وتوقف الرواتب، يبدو الأطباء في الولايات السودانية أفضل حالاً من زملاءهم الذين ما يزالون يعملون في خط النار داخل العاصمة الخرطوم وسط مخاطر عالية يواجهون خلالها شبح الموت.
ظروف صعبة
وبحسب أمنية كفاح مصطفى وهي مسعفة متطوعة في مستشفى النو بمدينة أم درمان، فإن الكوادر الطبية في هذا المشتشفى تعمل تحت ظروف صعبة حيث لا يخلو الوضع من تهديد، إذ تسقط المقذوفات والذخائر الطائشة من وقت لآخر في محيطه.
وتقول أمنية في حديثها لموقع "سكاي نيوز عربية" "رغم هذه المخاطر يستمر الأطباء في العمل بمستشفى النو الذي يأتونه بأرجلهم في ظل عدم وجود ترحيل، ويساندهم فريق من الشباب المتطوعين في اسعاف المرضى والمصابين وتوفير الادوية والمستلزمات الطبية".
وتعليقاً على موجة الإضرابات، تقول رئيس اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان د. هبة عمر إبراهيم إن لجنتها تدعم بقوة حراك الأطباء وكل وسائلهم للتعبير عن أوضاعهم ونيل حقوقهم.
وتضيف "الأطباء في مختلف أنحاء السودان لديهم فرعياتهم النقابية التي تعبر عنهم حسب مقتضى الحاجة والظروف التي تواجههم، ونحن بدورنا ندعم كل الخطوات التي من شأنها رد حقوق العاملين في الحقل الطبي وحتى يتسن لهم القيام بواجبهم الإنساني تجاه المرضى".
////////////////////
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: سکای نیوز عربیة الأطباء فی عن العمل
إقرأ أيضاً:
خلاف بولندا- أوكرانيا يستعر: نكء جراح مذبحة فولين
يزداد منسوب التوتر بين بولندا وأوكرانيا بشكل ملحوظ منذ مدّة، لكنّ هذا التوتر بدا واضحا قبل أسابيع، يوم أدلى وزير الخارجية البولندي رادوسلاف سيكورسكي بأكثر من تصريحٍ صاخبٍ، أعلن من خلالها عن وقف وارسو الدفاع عن كييف، موجها انتقادات لاذعة للسلطات الأوكرانية بسبب ما اعتبره تقاعسا غير مبررٍ في إقرار قانون التعبئة، وذلك بعد ارتفاع أعداد الرجال الأوكرانيين الهاربين من الخدمة العسكرية واللاجئين إلى العاصمة البولندية وارسو.
لم يكتفِ سيكورسكي بهذا الحدّ من النقد، بل عاد إلى نكء جراح الماضي، وهدّد كييف باتخاذ إجراءات قاسية بسبب "مذبحة فولين"، التي تُعد من أشدّ القضايا حساسية بين بولندا وأوكرانيا، داعيا إلى بقاء تلك الحادثة الأليمة في ذاكرة البولنديين.
ومنذ الحرب العالمية الثانية، تتهم بولندا جيش التمرد الأوكراني بتنفيذ تلك المذبحة في "بولندا المحتلة"، بدعم من السكان الأوكرانيين المحليين، ضد الأقلية في فولين وغاليسيا الشرقية، وذلك بين الأعوام 1943 و1945.
وقد أسفرت تلك المذبحة في حينه، عن مقتل نحو 100 ألف بولنديّ بينهم أطفال ونساء، بينما الهدف من خلفها كان محاولة أوكرانيا منع بولندا من تأكيد سيادتها على المناطق ذات الأغلبية الأوكرانية، التي كانت جزءا من الدولة البولندية قبل الحرب العالمية الثانية.
ولم يندمل ذاك الجرح مذّاك، إذ وصف معهد الذكرى الوطنية البولندي في العام 2008 تلك المجزرة، بأنّها "إبادة الجماعية"، كما أصدر البرلمان البولندي في العام 2016 أيضا، قرارا يقضي بالاعتراف بتلك المجازر على أنّها "إبادة جماعية". لكن بقي هذا التصنيف موضع جدل بين الأوكرانيين والبولنديين، ثم ردّت كييف على هذا القرار في العام 2017، وأوقفت أعمال البحث عن جثث الضحايا الذين قضوا في تلك المجزرة.
أمّا اليوم، فعادت بولندا لشنّ هجوم دبلوماسيّ من خلال تلك الحملة الإعلامية المناهضة، التي تجلّت بالتصريحات التي أطلقها الوزير البولندي سيكورسكي، خصوصا خلال مقابلة أجراها مؤخرا مع صحيفة "لوموند" الفرنسية.
وتزامنا مع تلك التصريحات، كان قراصنة بولنديون يقومون باختراق معهد الذكرى الوطنية في أوكرانيا، الذي أدى إلى نشر عدد من الشعارات المعادية لأوكرانيا على موقع المعهد الإلكتروني، كما نشر القراصنة مقاطعَ فيديو تتهم الأوكرانيين بالمشاركة في نشاطات إلى جانب شخصيات ودعاة روس من أجل وصمهم بالخيانة.
الترجيحات تشير إلى أنّ الحملة البولندية المستجدّة ليست بريئة على الإطلاق. إذ يبدو أنّ وارسو تستشعر قرب انهيار النظام في أوكرانيا، خصوصا مع احتمال وقف الحرب بعد وصول المرشح الأمريكي دونالد ترامب إلى المكتب البيضاوي في واشنطن
بداية، بدت تلك الحملة مستهجنة وغير مفهومة في توقيتها، لكنّ الترجيحات تشير إلى أنّ الحملة البولندية المستجدّة ليست بريئة على الإطلاق. إذ يبدو أنّ وارسو تستشعر قرب انهيار النظام في أوكرانيا، خصوصا مع احتمال وقف الحرب بعد وصول المرشح الأمريكي دونالد ترامب إلى المكتب البيضاوي في واشنطن.
ترامب سبق وأن تعهّد صراحة خلال حملته الانتخابية، بوقف الحرب في أوكرانيا من خلال وقف الدعم المالي والعسكري لكييف من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين.
ولعلّ هذا السبب كان خلف الحملة البولندية المستجدة ضد كييف، إذ لا يُستبعد أن تكون تلك الحملة حجّة وارسو من أجل رفض مساعدة زيلينسكي عسكريا وماليا، وذلك من خلال إعادة توجيه الأموال المخصصة للقوات الأوكرانية إلى أماكن أخرى، خصوصا أنّ الرئيس الأوكراني المنتهية ولايته فلاديمير زيلينسكي، قد سبق واتهم بولندا بتقديم "وعود كاذبة" بما يخص منحه السلاح، وخصوصا طائرات "ميغ-29".
أمّا القيادة الأوكرانية، فيبدو أنّها اليوم في عالم آخر، إذ تشعر بالامتنان لمساعدة الغرب لها وتتهمه بالتقاعس والتقصير، وذلك في محاولة بائسة لدفع المسؤولية عن نفسها، خصوصا بعد نتائج الصراع المخيّبة للآمال، معتقدة بصدق أنّ دول القارة الأوروبية مُجبرة على مساعدتها وليست مخيّرة، باعتبار أن أوروبا هي المورّد الرئيسي لتغذية حربها ضد روسيا.