ما هو مصير فاغنر في إفريقيا بعد رحيل بريغوجين.. خبير أمريكي يجيب
تاريخ النشر: 4th, September 2023 GMT
رغم مقتل مؤسس جماعة فاغنر العسكرية الروسية يفيغيني بريغوجين، ومواراة جثمانه الثرى في مدينة سان بطرسبرغ، ستظل الجماعة المسلحة باقية على الأقل خارج روسيا.
وإلى أن تقدم الولايات المتحدة وحلفاؤها بما في ذلك شركاؤها من المنظمات الإقليمية والحكومات الإفريقية بديلاً موثوقاً فيه يقدم ما تقدمه فاغنر لدول القارة، فإن هذه الجماعة التي تضم عشرات الآلاف من المرتزقة الذين يقدمون خدماتهم العسكرية لمن يطلب ويدفع، ستظل ليس فقط باقية بشكل أو بآخر وإنما ستواصل نشر الخراب في مناطق واسعة من القارة وغيرها، بحسب السفير السابق والباحث الزميل في مركز أبحاث "مجلس الأطلسي" الأمريكي بيتر فام.
وفي تحليل نشرته مجلة "ناشونال إنتريست" الأمريكية يقول فام المستشار الكبير في معهد كراش للدبلوماسية الفنية، والمبعوث الأمريكي السابق لمناطق الساحل والبحيرات العظمى في إفريقيا، إنه "في حين اتجه أغلب التركيز بعد حادث تحطم الطائرة المدنية الخاصة فوق شمال غرب موسكو، وأدى إلى مقتل بريغوجين واثنين من كبار مساعديه وسبعة آخرين، على معرفة حقيقة أسباب الحادث وهل كان مدبراً أو عارضاً، لم يهتم كثيرون بالمكان الذي كان بريغوجين فيه قبيل الحادث مباشرة".
What is Wagner’s “Value Proposition” in Africa? | The National Interest https://t.co/Z9yPdtU5Qg
— juggernaut (@juggern98573726) September 3, 2023فقد كان فريق محققي صحيفة "وول ستريت جورنال" هو أول من قال إنه أمضى أيامه الأخيرة في زيارة نقاط الارتكاز التي أقامتها مجموعته في إفريقيا، حيث لم ينشر حوالي 5000 مقاتل محترف فقط، بل أقام إمبراطورية اقتصادية تتاجر في كل شيء من الموارد الطبيعية إلى الخمور وأغلبها تجارة غير شرعية.
وبحسب تقرير "وول ستريت جورنال"، فإن بريغوجين زار جمهورية إفريقيا الوسطى ومالي، حيث التقى هناك مع قادة من قوات الدعم السريع المتمردة في السودان.
بعد مصرع بريغوجين.. ما هو مصير فاغنر في إفريقيا؟ https://t.co/Oriik2U4PC
— 24.ae (@20fourMedia) August 24, 2023ويقول فام الدبلوماسي الأمريكي السابق إن "المعلومات التي حصل عليها من مسؤولين سياسيين وأمنيين أفارقة، أثناء جولته في دول منطقة الساحل والتي تزامنت بالصدفة مع وجود بريغوجين هناك، تشير إلى أن المرتزق الروسي الراحل لم يكن يحاول فقط منع سيطرة الحكومة الروسية على شبكته في إفريقيا، وإنما يسعى إلى توسيع نطاق عملها".
وقدم رئيس أحد الأجهزة الأمنية في إفريقيا عرضاً مفصلًا لكيفية استخدام فاغنر لأراضي إحدى الدول التي تتواجد فيها، لكي تجند المناوئين لنظام حكم بلاده، ثم تنظمهم في مجموعة مسلحة، وبعد تدريبهم يمكن إرسالهم إلى الدولة لمحاولة الإطاحة بنظام الحكم، أو على الأقل إثارة اضطرابات عنيفة.
ويفتح مقتل بريغوجين ومساعديه ديمتري في. أوكتين وفاليري واي. شيكالوف في حادث تحطم الطائرة يوم 23 أغسطس (آب) الماضي، مستقبل فاغنر على سيناريوهات عديدة.. بالطبع فإن التخلص من القادة الثلاثة دفعة واحدة يسهل ما يقال إنه السيناريو الأفضل بالنسبة للكرملين، وهو سيطرة السلطات الروسية على شبكة جماعة فاغنر بالكامل.
سيناريوهات بعد غياب بريغوجينلكن هناك سيناريو آخر أقل احتمالاً وهو أن يؤدي غياب بريغوجين ونوابه إلى ظهور مجموعتين لفاغنر، الأولى تسيطر عليها مباشرة وزارة الدفاع الروسية، وربما من خلال جهاز المخابرات الرئيسية الروسي "جي.آر.يو"، والأخرى تحتفظ بإدارتها الذاتية.. وربما يكون هذا ما أراد مؤسس المجموعة تأمينه في إفريقيا خلال أيامه الأخيرة.. وأخيراً هناك احتمال ثالث وهو تفكك الشبكة إلى وحدات منفصلة، تتصرف كل منها بشكل انتهازي وفقاً للظروف.
وعلى الرغم من أن بعض صناع السياسة والمحللين الغربيين يأملون في حدوث هذا السيناريو، تقول الخبرات السابقة إن انقسام شبكة فاغنر إلى وحدات عديدة يمكن أن يؤدي إلى زيادة أنشطتها التخريبية، كما يحدث في الشبكات الإرهابية وليس إلى تراجعها.
وعلى الرغم من أهمية الأسئلة المتعلقة بمستقبل فاغنر، هناك سؤال ربما يكون أهم وهو لماذا يستمر نجاحها في إفريقيا.. والإجابة تكمن في فهم حقيقة الطلب على ما قدمه بريغوجين لأنظمة الحكم في تلك الدول، حيث يظهر أمران أساسيان:
الأمر الأول هو بقاء نظام الحكم، فقبل يومين من مقتله تحدث بريغوجين في تسجيل مصور لأول مرة منذ تمرد يونيو (حزيران) الفاشل، وتم بثه عبر قنوات فاغنر على تطبيق التواصل الاجتماعي تلغرام، وفي خطابه القصير الأخير قال زعيم فاغنر، إن "فاغنر تقوم بعمليات بحث واستطلاع لكي تصبح روسيا أعظم في كل قارة، وتصبح إفريقيا أكثر حرية، وتحقيق العدالة والسعادة للأمم الإفريقية".
وعلى الرغم من هذا الكلام الجميل، فإن القيمة الحقيقية التي تقدمها فاغنر لأنظمة الحكم في إفريقيا حيوية للغاية، وهي ضمان بقاء نظام الحكم.. فباستثناء ليبيا ومؤخراً السودان، استهدفت فاغنر الدول الضعيفة والمحاصرة مثل حكومة إفريقيا الوسطى المعترف بها دولياً.
وفي ذلك الوقت بدأ الوجود الروسي على شكل "مدربين مدنيين" روس في أوائل 2018، وكانوا بالكاد قادرين على تأمين العاصمة بانجي.. ثم تنامى وجودهم في الدولة، ولم تعد ميليشيات فاغنر تقدم الحماية للرئيس فاوستين أرشانجي تواديرا، وإنما أصبح العملاء الروس لاعبين أساسيين في جهود تأمين فوزه بفترة حكم جديدة في انتخابات 2020.
وحديثاً، تم نشر هؤلاء العملاء لتنظيم الاستفتاء الذي أجري يوم 5 أغسطس (آب) الماضي، وقيل إنه أسفر عن تأييد 95% من الناخبين لتعديل الدستور الذي يلغي القيود على عدد فترات الرئاسة، ويزيد مدة الفترة الرئاسية من 5 إلى 7 سنوات.
ولذلك لم يكن غريباً أن يستضيف الرئيس تواديرا زعيم فاغنر في القصر الرئاسي على شاطئ نهر يوبانجي، وما تقوم به فاغنر في إفريقيا الوسطى، تفعله في دول أخرى أخرى مجاورة مثل مالي وبوركينا فاسو.
الأمر الثاني الذي تضمنه فاغنر في مناطق عملها بإفريقيا هو حماية وتعظيم مكاسب النخبة في تلك الدول.. ففي تقريرها قالت "وول ستريت جورنال" إن الشبكة الروسية تساعد النخبة في الدول الإفريقية على بيع الثروات الطبيعية لبلادهم في الأسواق العالمية والتربح من ذلك، سواء كان نفط ليبيا أو ذهب مالي والسودان أو الألماس في إفريقيا الوسطى، مقابل حصول الشبكة الروسية على حصة كبيرة من المكاسب.
ولمواجهة تحدي فاغنر المستمر في إفريقيا، يتعين على الولايات المتحدة وأوروبا وشركائهما الأفارقة، ليس فقط الانتباه للخطر، وإنما صياغة إستراتيجية للتعامل معه، من خلال فهم ما يجعل هذا العنصر الشرير جذاباً، بغض النظر عن الشكل الذي يمكن أن يتخذه في المستقبل بعد مقتل بريغوجين، لكي تبدأ به وتقدم البديل له في إفريقيا.
بعد مصرع بريغوجين.. ما هو مصير فاغنر في إفريقيا؟ https://t.co/Oriik2U4PC
— 24.ae (@20fourMedia) August 24, 2023المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني فاغنر أفريقيا بريغوجين فاغنر فی إفریقیا إفریقیا الوسطى
إقرأ أيضاً:
ذكرى رحيل البابا شنودة الثالث.. حكيم الكنيسة وصوت الوطنية
في السابع عشر من مارس 2012، رحل عن عالمنا البابا شنودة الثالث، البطريرك الـ117 للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، تاركًا خلفه إرثًا من الحكمة والوطنية والمواقف الحاسمة التي جعلت منه أحد أبرز الشخصيات الدينية والسياسية في تاريخ مصر الحديث. لم يكن مجرد قائد روحي، بل كان مفكرًا ومثقفًا وصاحب رؤية، لعب دورًا محوريًا في الحياة السياسية والاجتماعية على مدار عقود.
وُلد البابا شنودة الثالث، واسمه الحقيقي نظير جيد روفائيل، في 3 أغسطس 1923، بقرية سلام بمحافظة أسيوط. فقد والدته وهو طفل صغير، وانتقل مع أسرته إلى القاهرة، حيث تلقى تعليمه الأولي، ثم التحق بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليًا)، ودرس التاريخ وتخرج عام 1947. كان منذ صغره محبًا للعلم والأدب، فاهتم بالشعر والكتابة، حتى أصبح واحدًا من أبرز الشعراء المسيحيين في القرن العشرين. كما عمل مدرسًا للغة العربية والتاريخ، ثم اتجه للصحافة، حيث تولى تحرير مجلة "مدارس الأحد"، وهي المجلة التي كانت منبرًا لفكر التجديد في الكنيسة القبطية.
كان نظير جيد مهتمًا بالقضايا الوطنية والسياسية، وتأثر بشخصية مكرم عبيد، الذي كان أحد رموز الحركة الوطنية وقياديًا بارزًا في حزب الوفد.كان يرى فيه نموذجًا للسياسي الوطني الذي يسعى لخدمة بلاده بعيدًا عن المصالح الضيقة، كما أعجب بأفكاره حول الوحدة الوطنية وأهمية التكاتف بين المسلمين والمسيحيين من أجل نهضة مصر. انعكس هذا الاهتمام على مواقفه لاحقًا كبطريرك للكنيسة، حيث كان دائم التأكيد على أن الأقباط جزء لا يتجزأ من نسيج الوطن، وأن الكنيسة ليست كيانًا منعزلًا عن قضايا الأمة.
قبل أن يدخل الرهبنة، التحق نظير جيد بالجيش المصري وأدى الخدمة العسكرية، وكان ضابطًا احتياطيًا في سلاح المشاة. ورغم أن فترة خدمته لم تكن طويلة، فإنها أسهمت في تشكيل وعيه الوطني. وعندما اندلعت حرب أكتوبر 1973، لعب البابا شنودة الثالث دورًا مهمًا في دعم المجهود الحربي، إذ حث الأقباط على المشاركة الفاعلة في الجيش والتبرع لصالح القوات المسلحة، مؤكدًا أن المعركة معركة كل مصري وطني.
في عام 1954، قرر نظير جيد أن يترك الحياة المدنية ويتفرغ للروحانية، فالتحق بدير السريان بوادي النطرون، وأصبح الراهب أنطونيوس السرياني. وفي عام 1962، اختاره البابا كيرلس السادس ليكون أسقفًا للتعليم، ومن هنا بدأ رحلته الحقيقية في نهضة الكنيسة، حيث كرّس جهوده لإعادة إحياء التعليم الكنسي ونشر الفكر الديني المستنير.
في 14 نوفمبر 1971، تم تنصيب البابا شنودة الثالث بطريركًا للكنيسة القبطية الأرثوذكسية. منذ اللحظة الأولى، حمل على عاتقه مسؤولية الدفاع عن حقوق الأقباط، لكنه كان يرى أن الحل يكمن في الوحدة الوطنية وليس في الانفصال أو العزلة. كان للبابا شنودة مواقف سياسية جريئة، أبرزها رفضه اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، حيث اعتبرها اتفاقية لا تحقق العدالة للفلسطينيين، وأعلن موقفه الرافض للتطبيع مع إسرائيل، قائلًا: "لن ندخل القدس إلا مع إخوتنا المسلمين". هذا الموقف دفع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات إلى وصفه بأنه "البابا العربي المدافع عن القضية الفلسطينية"، وأكد أن "موقفه المشرف كان نموذجًا للوطنية الصادقة التي لا تفرّق بين مسلم ومسيحي".
كما أشاد به العديد من القادة العرب، حيث قال الرئيس السوري بشار الأسد إن "البابا شنودة كان صوتًا عاقلًا في زمن الأزمات"، بينما وصفه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بأنه "رجل الحكمة الذي عمل دائمًا على تعزيز التفاهم بين الشعوب". أما الشيخ خليفة بن زايد، رئيس دولة الإمارات آنذاك، فقد قال عنه: "كان نموذجًا لرجل الدين الذي يدرك أن دوره يتجاوز حدود الكنيسة إلى خدمة مجتمعه ووطنه".
على المستوى الفكري والثقافي، كان البابا شنودة يحظى باحترام واسع بين المثقفين العرب. وصفه الكاتب محمد حسنين هيكل بأنه "رجل دولة بحكمة كاهن"، فيما قال عنه جمال الغيطاني إنه "كان شخصية تاريخية لعبت دورًا محوريًا في الدفاع عن الهوية المصرية". أما فرج فودة، فقد أشاد بموقفه الرافض للانعزال الطائفي، ورأى فيه نموذجًا لرجل الدين المستنير.
عاصر البابا شنودة اندلاع ثورة 25 يناير 2011، وكان يدعو دائمًا إلى الاستقرار والحوار الوطني. كان يدرك أن مصر ستواجه تحديات كبيرة بعد الثورة، وكان يخشى من تصاعد الفتن الطائفية، لكنه ظل مؤمنًا بأن وحدة المصريين قادرة على تجاوز الأزمات. في 17 مارس 2012، رحل البابا شنودة الثالث بعد صراع مع المرض، مخلفًا وراءه إرثًا روحيًا وفكريًا ووطنيًا لا يُنسى. شيّعه الملايين في جنازة مهيبة، ودفن في دير الأنبا بيشوي بوادي النطرون، حيث كان يقضي سنوات نفيه الإجباري.
كان البابا شنودة كاتبًا غزير الإنتاج، ومن أهم كتبه: "كلمة منفعة"، "الخلاص في المفهوم الأرثوذكسي"، "الحب المسيحي"، "معالم الطريق الروحي"، و"بدعة الخلاص في لحظة". رحل البابا شنودة، لكنه بقي في ذاكرة المصريين والعرب رمزًا للوطنية والحكمة، ورجلًا لم يخشَ قول الحق مهما كلفه الأمر.
نشر موائد الرحمن بالكنائس.. محطات في حياة البابا شنودة الثالث في ذكرى رحيله
في ذكرى وفاته.. مقولات البابا شنودة الثالث التي دخلت قلوب المصريين
في ذكرى رحيل البابا شنودة الثالث.. كيف كانت حياة «معلم الأجيال»؟