أليس الصبح بقريب؟… بقلم: أ.د.بثينة شعبان
تاريخ النشر: 4th, September 2023 GMT
الأشدّ وطأة من الإجراءات القسرية أحادية الجانب واللاشرعيّة واللاقانونيّة على سورية وشعبها هو أن تستمع إلى المندوبة الدائمة للولايات المتحدة في مجلس الأمن تتحدث عن الأوضاع الإنسانية في سورية وتبعات هذه الأوضاع على الأمن والسلم الدوليين، وخاصة أنها تختزل سورية في المناطق التي يسيطر عليها الإرهابيون المدعومون من الولايات المتحدة.
لا أعلم ما الشعور الشخصي لهذه المندوبة بينها وبين نفسها وهي تعلم ومن دون شك أن جذر ومنتهى المشكلة في سورية هي الخطط الصهيوأميركية التي مكّنت آلاف الإرهابيين من التدفّق إلى سورية، وحين فشلوا في مهمتهم قدمت القوات الأميركية محاولة بث روح الاستمرار فيهم واضعة يديها الآثمة على مقدرات الشعب السوري؛ فتنهب قواتها النفط السوري وتفرض قوانينها حصاراً وحشياً على الملايين من المدنيين السوريين.
والسؤال ذاته موصول لثلاثة أعضاء كونغرس يوصفون بأنهم «رجال قانون» يتسلّلون إلى الشمال الغربي من سورية لمدة نصف ساعة وينسحبون خوفاً من استهدافهم لعلمهم علم اليقين أن ما يقومون به غير شرعي ومعيب بحقهم وخطير؛ كيف يمكن لدولة تقوم تماماً بعكس ما تدّعيه أن تظنّ نفسها قادرة على تقديم أنموذج قيادي للعالم وأي ديمقراطية هذه وأي حقوق إنسان يتحدثون عنها؟! لقد تسلّل أعضاء الكونغرس فرينش هيل وبين كلين وسكوت فيتزجيرالد إلى الأراضي السورية، كما يتسلّل السارق والمهرّب والإرهابي، عبر معبر باب السلامة الذي يحاولون إبقاءه مفتوحاً لإيصال المساعدات الإنسانية كما يدّعون، ومن خلال زيارتهم يقرّون أنهم يدعمون الإرهاب الذي يعبث بأمن وسلامة الملايين من المدنيين العزّل في سورية.
إن مثل هذه المفارقات الصارخة بين الأقوال والأفعال في السياسة الأميركية ليس حيال سورية فحسب وإنما حيال العالم برمّته، هي التي أشعلت حركات التمرّد في أفريقيا على الغرب برمّته وهي التي تساهم يومياً في تحوّل مزيد من دول العالم للبحث عن بدائل للنظام الغربي الاستعماري المتوحّش الذي يعطي نفسه حق العبث بحياة الشعوب والاستهانة بمقدّراتهم الفكرية والمادية ونهب ثرواتهم الغنية.
وليس من المبالغة القول إن ما نشهده اليوم على الساحة الدولية يمثل يقظة غير مسبوقة لدى معظم شعوب العالم بحقيقة النظم الغربية القمعيّة وحقيقة كل ما تدّعيه من شعارات زائفة وحقيقة الأهداف الأساسية التي تسعى إليها من سلب الثروات وارتهان الإرادات والإبقاء على استعمار خبيث مقنّع أشدّ وأدهى من الاستعمار القديم والمباشر.
فبعد الانقلاب في النيجر نُشرت دراسات تتحدث عن أهمية برامج التدريب التي قدمتها الولايات المتحدة لعسكريين من بلدان أفريقية وأن هذه البرامج قد ركزت أولاً وبشكل أساسي على تبنّي القيم «الليبرالية» التي تعني الولاء لقيم القمع والنهب والعبوديّة وليس على نشر القيم الديمقراطية في تلك البلدان وأن هذه البرامج قد أوصلت نخباً عسكرية ليبرالية عميلة وفاسدة إلى سدة الحكم في دول أفريقية كثيرة، ولذلك فإن هذه الانقلابات التي يشهدها غرب أفريقيا والتي تمتد إلى بلدان أخرى تطيح بقواعد بشرية ليبرالية قيادية عملت الولايات المتحدة على تدريبها وإنضاجها وإيصالها إلى سدّة الحكم وتوريطها بالفساد وبالعمالة للمخابرات الأجنبية ما هي إلا دليل على وعي الشعوب المتنامي بحقيقة الواقع الذي يعايشونه ودور الغرب في الفقر المدقع الذي وجدوا أنفسهم فيه رغم ثروات بلدانهم الهائلة.
وفي بحث مشترك لثلاثة من أساتذة العلوم السياسية في الولايات المتحدة بعنوان «كسب حرب التأثير ضد الصين» ينكشف للقارئ من حيث يقصد المؤلفون أو لا يقصدون جوهر وهدف المساعدات الأميركية في أي مكان وفي أي مجال كان.
وهم يقدمون ما يسمّونه «مساعدات» للجيوش مباشرة، ومنها رواتب نقدية وغيرها من أشكال الهيمنة على هذه الجيوش من برامج تدريبية.
يقول الباحثون: إن القوة العسكرية «للعالم الحرّ» كما يسمّون أنفسهم مهمّة ولكنها ليست كافية في الوقت الذي يستخدم فيه الحزب الشيوعي الصيني الحافز الاقتصادي والنخب الفكرية لتوسيع نفوذ الصين في العالم والذي يهدف أن يكون بديلاً للولايات المتحدة كقوة عالمية ومن دون شك سيقوّض المصالح الاستعمارية الأميركية.
ولذلك يقول الباحثون الذين يخدمون أنظمتهم الاستعمارية: إنه لا بد من إستراتيجية واضحة وحملة نشطة لتشجيع الدول في مقاومة التأثير الصيني.
فقد بدأت الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية بفكرة «المساعدات»؛ من خطة مارشال بألمانيا إلى إغداق المساعدات على اليابان وكوريا لمنع تحوّلهما إلى فلك الاتحاد السوفييتي.
وخلال الحرب الباردة كانت المساعدات الأميركية تمثل جزءاً من إستراتيجيتها للاحتواء، وكان لهذه المساعدات تأثير كبير في تحقيق المصالح الأميركية، ومن ضمن هذه الجهود تأسيس USAID) ) في عام 1961 ومؤسسة دعم الديمقراطية عام 1983.
وتُري الأبحاث أن هذه المساعدات قد ساعدت على تعزيز مصالح الولايات المتحدة في البلدان المتلقية لهذه المساعدات كما أنها خلقت فرصاً وأسواقاً جديدة للأعمال والتجارة الأميركية، حيث إن إحدى عشرة دولة من أهم الشركاء التجاريين للولايات المتحدة كانت دولاً تتلقّى المساعدات الأميركية.
وبهذا فإن المساعدات الأميركية تخلق حلفاء وشركاء وعملاء موثوقين للولايات المتحدة ولنظامها الليبرالي.
وبين عامي 2012 و2022 تمكنت ثماني دول من عكس مسارها السياسي والعودة إلى الفلك الأميركي بسبب الدعم الأميركي لها.
بالنظر إلى هذه التجربة الناجحة من وجهة النظر الأميركية فإن الباحثين يدعون إلى: «تكثيف المساعدات للدول المهمّة استراتيجياً في المنافسة مع الصين وروسيا. أي إن المساعدات يجب أن تضع المنافسة مع الصين الهدف الأول بغض النظر عن مستوى الدخل ومن هي البلدان الأكثر حاجة للمساعدة.
ومن هذا المنظور يجب الربط بين المساعدات وأهداف السياسة الخارجية الأميركية ومصالح الولايات المتحدة، وربط هذه المساعدات بالأمن وبرامج الإصلاح كما فعلت الولايات المتحدة في أوروبا الغربية وكولومبيا وكوريا الجنوبية وتشيلي.
كما أنه على الولايات المتحدة أن تجعل من تعزيز «الديمقراطية» هدفاً أساسياً لسياساتها التنموية».
ويضيف الباحثون: إن التنافس على التأثير العالمي ليس فقط في المحيط الهادئ وإنما في البرلمانات والمجالس المحلية والمكاتب التنفيذية والأحزاب والنقابات والجيوش طبعاً.
أوليس في هذا الإفصاح وفي هذه الدراسة التفصيلية آلية عمل واضحة لاختراق المجتمعات ليس من خلال السياسيين رفيعي المستوى فقط، وإنما من خلال المسؤولين المحليين والضباط والبرلمانات والبلديات وكل من يمكن جذبه إلى الانخراط في العمل من أجل نشر الفكر الليبرالي والقيم الغربية وعمليّاً خدمة المشروع الأميركي ومصالحه؟ أوليس في هذه الدراسة دليل على أن المساعدات الأميركية وفي أي مجال كان ومن أجل أي هدف يدّعونه هي رأس حربة لبسط النفوذ الأميركي والإرادة الأميركية وتحقيق المصالح الأميركية والعائدات لهم وشراء الولاء والذمم من أجل استمرار هيمنة النفوذ الأميركي ضد إرادة ومصلحة الشعوب التي يدّعون تقديم العون لها ومساعدتها على التنمية والازدهار؟
ولهذا فإن المساعدات الأميركية اليوم وتقديم المال بشكل سرّي وغير مشروع هي التي تعمل على تفتيت البلدان وإيقاف عجلة الإنماء ونهب الثروات.
لحسن الحظ فإن أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية قد استيقظت في معظمها اليوم ونأمل أن يكون يوماً قريباً حين لا تجد المعونات الأميركية من يتقبلها ولا تجد المؤسسات التي أسبغوا عليها أسماء ديمقراطية من يقبل الاستفادة منها لأنهم يدركون سلفاً أن هذه الأموال ثمنها ارتهان الإرادة والتبعية المذلّة وتحقيق مصالح الولايات المتحدة وليس مصلحة الطرف الذي يدّعون مساعدته، إن موعدهم الصبح، أليس الصبح بقريب؟
أ. د. بثينة شعبان المساعدات الأميركية 2023-09-04anwarسابق ارتفاع أسعار النفط وسط توقعات بخفض إمدادات أوبك بلس انظر ايضاً الرعايا.. بقلم: أ. د. بثينة شعبانكان لافتاً متابعة ما حدث في النيجر وردود الأفعال عليه، فرغم المصالح الكبرى لفرنسا في …
آخر الأخبار 2023-09-04ارتفاع أسعار النفط وسط توقعات بخفض إمدادات أوبك بلس 2023-09-04مصرع شخصين وإصابة 12 آخرين إثر انهيار مبنى شمال الهند 2023-09-04مع انطلاق العام الدراسي.. توزيع مستلزمات مدرسية بالسويداء 2023-09-04طقس اليوم.. أجواء صيفية وسديمية مغبرة في بعض المناطق 2023-09-04انفجار بمنجم للفحم شمال شرق إيران ومصير 6 من عماله ما زال مجهولاً 2023-09-04إصابة فلسطينية واعتقال آخر جنوب طوباس 2023-09-04الدفاع الروسية: لأول مرة مقاتلة (سو-34) تستخدم صاروخ كينجال في أوكرانيا 2023-09-04القوات الروسية تدمر 4 زوارق حربية على متنها قوات أوكرانية في البحر الأسود 2023-09-03هزة أرضية بقوة 5 درجات تضرب شمال أذربيجان 2023-09-03رئيس جنوب إفريقيا: توسع بريكس سيسهم في تشكيل نظام عالمي جديد
مراسيم وقوانين الرئيس الأسد يصدر مرسوماً تشريعياً ينهي العمل بمرسوم إحداث محاكم الميدان العسكرية 2023-09-03 الرئيس الأسد يصدر مرسوماً بمعالجة أوضاع عدة شرائح من طلاب الجامعات 2023-08-29 مرسوم تشريعي برفع سن انتهاء خدمة الطبيب البشري العامل بالدولة إلى الخامسة والستين 2023-08-28الأحداث على حقيقتها ميليشيا (قسد) الانفصالية تستولي على مقر المركز الثقافي في القامشلي 2023-09-03 استشهاد عضو قيادة شعبة نوى بريف درعا برصاص إرهابيين 2023-09-03صور من سورية منوعات قطاع البرمجيات في الصين يسجل نمواً سريعاً خلال العام الجاري 2023-09-03 إيران: تسليم قمر طلوع 3 الصناعي لمنظمة الفضاء تمهيداً لوضعه بالخدمة 2023-09-02فرص عمل التنمية الإدارية تصدر قرارات تعيين بدل المستنكفين في مسابقة التوظيف المركزية 2023-08-23 السورية للاتصالات تعلن حاجتها للتعاقد مع 14 مواطناً لشغل وظائف شاغرة لديها 2023-08-20الصحافة أليس الصبح بقريب؟… بقلم: أ.د.بثينة شعبان 2023-09-04 أرضنا وسنحررها..بقلم: ديب حسن 2023-09-03حدث في مثل هذا اليوم 2023-09-033 أيلول 2013- افتتاح مكتبة برمنغهام أكبر مكتبة عامة بلدية في المملكة المتحدة 2023-09-022 أيلول 1945.. انتهاء الحرب العالمية الثانية 2023-09-01الأول من أيلول 1971 – الإعلان رسمياً عن قيام اتحاد الجمهوريات العربية والذي ضم مصر وليبيا وسورية 2023-08-3131 آب 2010- الرئيس الأمريكي باراك أوباما يعلن نهاية العمليات العسكرية الأمريكية في العراق 2023-08-3030 آب 2006- وفاة الأديب والمفكر المصري نجيب محفوظ 2023-08-2929 آب 1950 – تأسيس البحرية السورية
مواقع صديقة | أسعار العملات | رسائل سانا | هيئة التحرير | اتصل بنا | للإعلان على موقعنا |
المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء
كلمات دلالية: المساعدات الأمیرکیة للولایات المتحدة الولایات المتحدة هذه المساعدات أن هذه
إقرأ أيضاً:
القاعدة الأميركية في بولندا.. روسيا تلوح بـ"تحرك خطير"
أعلنت وزارة الخارجية الروسية، الخميس، أن قاعدة الدفاع الصاروخي الجديدة، التي أقامتها الولايات المتحدة في شمال بولندا ستزيد المستوى العام للخطر النووي وهي على قائمة أهداف تعتزم روسيا تدميرها إذا لزم الأمر.
وافتُتحت القاعدة الجديدة الواقعة في بلدة ريدزيكوفو قرب ساحل بحر البلطيق في إطار درع صاروخية أوسع نطاقا لحلف شمال الأطلسي في 13 نوفمبر.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا: "هذه خطوة أخرى تنطوي على استفزاز صريح في سلسلة من الإجراءات التي تؤدي لاضطرابات عميقة يتخذها الأميركيون وحلفاؤهم في حلف شمال الأطلسي".
وأضافت: "هذا يقوض الاستقرار الاستراتيجي ويزيد المخاطر الاستراتيجية وبالتالي يرفع المستوى العام للخطر النووي".
وتشكل القاعدة الأميركية في ريدزيكوفو جزءا من درع صاروخية أوسع نطاقا لحلف شمال الأطلسي يطلق عليها اسم (إيجيس آشور).
ويقول الحلف إنها قادرة على اعتراض الصواريخ الباليستية القصيرة والمتوسطة المدى.
وقالت زاخاروفا: "نظرا لطبيعة ومستوى التهديدات التي تشكلها مثل هذه المنشآت العسكرية الغربية، أضيفت قاعدة الدفاع الصاروخي في بولندا منذ فترة طويلة إلى قائمة الأهداف ذات الأولوية للتدمير المحتمل، والتي يمكن تنفيذها إذا لزم الأمر بمجموعة واسعة من الأسلحة المتقدمة".
ويقول حلف شمال الأطلسي إن درعه تشمل مواقع في بولندا ورومانيا بالإضافة إلى مدمرات تابعة للبحرية الأميركية في قاعدة بإسبانيا ورادار للإنذار المبكر في تركيا.
الصين تنتقد تصريح البنتاغون حول إمكانية تبادل الضربات النووية
انتقدت الخارجية الصينية تصريح البنتاغون حول عدم استبعاده تبادل الضربات النووية، على أن يبقى لدى واشنطن أسلحة نووية تستخدمها بعد انتهاء تبادل هذه الضربات.
وقال المتحدث باسم الخارجية الصينية لين جيان في تصريحات صحفية إن "تصريحات المسؤولين الأمريكيين تعكس تفكير الولايات المتحدة الذي عفا عليه الزمن، والسعى إلى الهيمنة والتفوق الاستراتيجي المطلق".
ودعا المتحدث الولايات المتحدة إلى الوفاء بالتزاماتها في مجال نزع السلاح النووي وتخفيض ترسانتها النووية، وتهيئة الظروف لتقليل المخاطر الاستراتيجية وتحقيق نزع السلاح النووي الشامل والكامل والحد من المخاطر الاستراتيجية والحفاظ على السلام والاستقرار في العالم.
ويأتي تعليق الخارجية الصينية ردا على تصريحات ممثل القيادة الاستراتيجية في البنتاغون الأدميرال توماس بيوكانن بأن بلاده تقر بإمكانية تبادل الضربات النووية إذا ما ظل لديها احتياطي في ترسانتها النووية يسمح لها بالهيمنة.
وأشار بيوكانن إلى أن الولايات المتحدة تفضل تجنب التبعات التي ستنجم عن تبادل الضربات النووية، وإن الظروف المثلى من وجهة النظر الأمريكية هي تلك التي تضمن "استمرار قيادة الولايات المتحدة للعالم" حسب زعمه، ما يتطلب الحفاظ على احتياطي استراتيجي من الأسلحة النووية.