يد خفية تمسك بطائرة ورقية، ورجل عجوز في آخر اللوحة بينهما مراهق متماهٍ في زرقة البحر، قصة حياة كاملة في لوحة، فهمت أولا أنها تحكي العوائق التي نرسمها لأنفسنا في خضم اتساع شاسع. ولكن الصورة أصبحت أوضح بعد أن شرحها لي الفنان التشكيلي حميد العوفي الذي يعرض أعماله الخاصة بالفن التجريدي منذ 22 أغسطس ولغاية 22 أكتوبر القادم في مقهى بسطة مجان بالعذيبة.

لم يشأ العوفي في البداية أن يكشف لي عن المعنى الذي ود إيصاله من اللوحة، فسِرُ الفن التجريدي -كما أوضح لي- يكمن في قراءتي لمشاعري الخاصة ضمن إطار مليء بالرموز، أفسرها كما أشاء. وأضاف: اللوحة ذاتها قد ترينها بشكل معين، وقد تُشعرك بإحساس يختلف عن المشاهد الذي بجوارك، وعن إحساسك ذاته إذا ما وقفتي أمامها في يوم آخر، وهو ما يدفعني للتمسك بالفن التجريدي وتفضيلي إياه عن الأنواع الأخرى.

وهكذا ظل العوفي يفك رموز كل لوحة من لوحاته السبع المعروضة في أرجاء المقهى والمرسومة خصيصًا لهذا المعرض، الذي يقدم خلاله أيضًا مجموعة من الورش الفنية التعليمية للراغبين بكشف أغوار الفن التجريدي والتعرف عليه عن قرب.

وحين سألته «لماذا الفن التجريدي بالذات؟»، أجاب: لأنه غامض، ويدفع الإنسان للتساؤل والتأمل، والتعمق في الرموز وفي نفسه، على عكس الفن الكلاسيكي والواقعي الذي ينقل الصورة كما هي تمامًا.

تُعبر لوحات العوفي عن الصراعات المشاعرية التي يعيشها الإنسان مع ذاته، وعند سؤاله عن ذلك، قال: تحكي أعمالي قصص الإنسان ومشاعره بالفعل، لأنها أكثر ما أستطيع التعبير عنه بعمق، وأكثر ما يمكن أن يلامس كل مشاهد لها. ولا أرسم عن قضية بعينها ليسطع اسمي على حسابها، لا أقول أن ذلك خاطئ، إنه لا يمثلني فحسب.

هل يعني ذلك، أنك تعبر عن أحاسيسك الخاصة فقط؟ سألته. «لا، غالبًا تبدأ قصة اللوحة بعد أن أمسك بالفرشاة، ويقودني في رحلة الرسم هذه موسيقى خاصة أو قصة فيلم شاهدته، وأظل أتأمل اللوحة لأيام حتى أقرر النهاية التي يجب أن تحملها». قُلت: وكيف تعرف أنك وصلت للنهاية؟ «ذلك شعور لا يمكن تحديده، ولكن عندما تكون اللوحة قد حملت المعنى الكامل الذي أود إيصاله ربما»، أجاب.

هل يرمز هذا اللون للفرح أم الأمل؟ هل وصلنا هنا للهدف، أم لا نزال في الرحلة؟. كان العوفي متفهمًا لفضولي حول لوحاته، وقد اعتاد على وابل الأسئلة هذه من زوار المقهى ضمن فضولهم حول الفن التجريدي الذي لم نعتد رؤيته بكثرة في ساحة الفنون العمانية. وقال: وجود اللوحات في مقهى يرتاده العامة بشكل مكثف ويومي يجعلهم يتساءلون حول هذا الفن، وهو أحد أهدافي من المعرض، كما أود تشجيع الشباب لتجربة الرسم التجريدي كأداة تفتح آفاقا أوسع للتعبير عن أفكارهم وإيصالها بشكل جديد ومثير للاهتمام.

ويطمح حميد العوفي إلى أن يقود البداية الحقيقية لفن الرسوم التجريدية محليًا بالإضافة إلى توسيع مشاركاته الخارجية، فبعد عرض لوحاته في معرض للفنون في فنلندا سيشارك الفنان التجريدي في معارض أخرى في البحرين والقاهرة، كما يخطط لافتتاح معرض خاص لعرض أعماله بشكل دائم ضمن مساحة تحتضن عشاق الفنون في سلطنة عمان بعد عام من الآن.

زيارة واحدة للمعرض المقام حاليًا في مقهى بسطة مجان ليست كافية، ولا يرجع ذلك للمعاني المتجددة التي تحملها اللوحات فقط، وإنما لإصرار الرسام بتغيير اللوحات باستمرار حتى ينتهي المعرض بعرض 25 لوحة مختلفة، تُمثل انعكاسات لا متناهية لمشاعر وأحاسيس الواقفين أمامها.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

"مصر المحروسة" .. "الأفروسنتريك" و"الفن التشكيلي المقاوم".. في العدد الجديد

"مصر المحروسة" ..  صدر أمس الثلاثاء عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، برئاسة عمرو البسيوني، العدد الأسبوعي الجديد من مجلة "مصر المحروسة" الإلكترونية، التي تعنى بالآداب والفنون، وتصدر برئاسة تحرير د. هويدا صالح.

 

 حركة "الأفروسنتريك"

 

في مقال رئيس التحرير تكتب د. هويدا عن حركة "الأفروسنتريك" التي تحاول تزييف التاريخ المصري القديم، وتدعي أن لها حقوقا تاريخية فيه، وقد قامت "صالح" بتفنيد ادعاءات هذه الحركة وأشارت إلى أن المصريين القدماء لم يتركوا تفصيلة واحدة من حياتهم السياسية والاجتماعية بل وحتى الاقتصادية إلا وسجلوها على جدران المعابد وفي البرديات العديدة والمحفوظ الكثير منها في كبريات متاحف العالم، فلماذا لم يسجلوا أي أبعاد للوجود الإفريقي في مصر القديمة؟!. كذلك أشارت إلى الأهداف الخبيثة وراء حركات تدفعها  أيديولوجيات قد تغيب عن البعض وضربت المثل بحركة" كيميت" وفيلم "كليوباترا" الذي أنتجته منصة نتفيلكس.

 

"ملفات وقضايا"

 

وفي باب "ملفات وقضايا"  يناقش الدكتور حسين عبد البصير قضية الأفروسنتريك من زاوية أخرى، حيث يؤكد أن الدراسات الحديثة، مثل دراسات الحامض النووي، أظهرت أن المصريين القدماء كانوا مرتبطين جينيًا بشعوب شرق البحر الأبيض المتوسط والشرق الأدنى أكثر من ارتباطهم بشعوب أفريقيا جنوب الصحراء. وأشارت دراسات الهياكل العظمية إلى أن المصريين القدماء كانوا متقاربين في الصفات الجسدية، مما يوضح التجانس في أصولهم العرقية.

ويضم عدد المجلة التي تصدر بإشراف الإدارة المركزية للوسائط  التكنولوجية برئاسة د. إسلام زكي، عدة أبواب أخرى منها باب كتب ومجلات وفيه يستعرض الكاتب اللبناني وسام قدوح كتاب "أوراق مغترب في الخواطر المعلَّقة" للكاتب وجيه ريان جامع معبرا عن أدب الرحلة، جامعا بين الحقيقة والخيال، حيث عبر فيه الكاتب عن رؤية أردني للجغرافيا والمجتمع. ويضم الكتاب ثلاثة أجزاء تمثل رحلة هذا الكاتب إلى بلجيكا، حيث يصرح وجيه ريان بأن :"أغلب الخواطر الإحدى عشرة الأولى مستوحاة من التاريخ البلجيكي والحضارة الغربية"، كذلك أشار ريان في متن الكتاب إلى أن هذه الخواطر تحوي قصصا حقيقيّة واقعيّة، بعضها تاريخية تخصُّ التاريخ البلجيكي.

 

"أزمة الثقافة.. استبداد الأفكار وتزييف الوعي"

 

وفي باب أخبار وأحداث يستعرض الكاتب أكرم مصطفى "أزمة الثقافة.. استبداد الأفكار وتزييف الوعي" للباحث مهدي حنا ويتعرض لأسبابَ الانهيار الذي تعاني منه الثقافة العربية في العصر الراهن على مستويات عدة. ويناقش حنا أبرز المحن والأزمات التي تتعرّض لها المجتمعات العربية من غزو للأفكار وممارسات تؤثّر بشكل مباشر على ثقافة الأجيال القادمة، تلك التي أصبحت مُغيَّبة عن واقعها الموضوعي جملةً وتفصيلاً. ويرى حنا أن هناك العديد من الأمور المشتركة التي تشكِّل سمات الشخصية العربية، ويمكن من خلالها تجاوز أزمة الثقافة التي يعاني منها جيل الشباب، ومنها: ضرورة الخروج عن المألوف، وتحكيم العقل في مسائل الحياة، والاعتماد على الذكاء والعلوم المتاحة وليس فقط على التاريخ والتراث اللذَين يحتاجان إلى التدقيق لاستخلاص ما يتناسب مع طبيعة العصر ومتطلباته منهما.

وفي باب علوم وتكنولوجيا تترجم سماح ممدوح مقالا في علم النفس بعنوان "4 ركائز أساسية لإيجاد المعنى في الحياة" للنكولن براون، حيث يعرض براون تصوره عن أسباب السعادة  الأمريكية من خلال دراسة أجراها استطلاع لشركة"هاريس بول" أفادت بأن ثلث الأمريكيين فقط يشعرون بالسعادة. ويتساءل وماذا عن الآخرين؟ نعم ليسوا كذلك! ويرى الكاتب أنه في العصر الذي يشجعنا الآخرون على ترقية مكانتنا في العالم باستمرار، وبالتالي، ترقية شعورنا تجاه وجودنا فيه، فإن البحث عن السعادة لا يصبح مملاً فحسب، بل محبطًا أيضًا. ويصير التأمل الذاتي، جزءًا اضطراريا من ثقافتنا، ويطلب منا إعادة تقييم وظائفنا وعلاقاتنا ومنازلنا وحياتنا المثالية. وحينها لا تكون النتائج مرضية كفاية.

وفي باب فنون تشكيلية يناقش الناقد التشكيلي شادي أبو ريدة الفن التشكيلي العربي المقاوم بين ما أسماه "الهضم والقضم"، حيث يرى أبو ريدة أنه لولا مقاومة عدد لا بأس به من الفنانين العرب المخلصين لفنهم وشرقيتِهم وعروبتهم للهجمات الثقافية التي تأتينا من الغرب، وتفعيلهم للجهاز المَناعي الثقافي العربِي، بتكوين جماعات ومدارس فنية تضع الفن العربي على درب التجديد والتحديث، وتحافظ على الهوية والتراث العربِي فِي آن لأصيب الفن العربي في هذه الحقبة الخطيرة بالتصحر الوجداني والتحجر البصري.

 

"كتاب مصر المحروسة"

 

وفي باب "كتاب مصر المحروسة" تواصل الدكتورة فايزة حلمي ترجمتها لسلسلة مقالات تحت عنوان" الجميع مدمن" للكاتب كاردر ستاوت، حيث يرى أن هناك صلة قوية بين الإدمان والصدمات التي لم يتم حلها. ويؤكد ستاوت أن هناك صلة قوية بين الإدمان والصدمات التي لم يتم حلها، لا يجب أن تكون الصدمة دائمًا عبارة عن إيذاء جسدي أو جرح أو مشاهدة حدث مفجع أو مخيف، يمكن أن تكون الصدمة مربكة ومحيرة وتأتي من المشاعر القوية المنبثقة مِن الطفولة؛ قد يعاني الطفل الذي يشعر بالتجاهل أو الهجر أو التجاهل من صدمة عاطفية، قد لا يشعر الطفل الذي يكبر مع والد أناني؛ بأنه محبوب أو مدعوم وينتابه إحساسا بأنه عديم القيمة. ويؤكد الكاتب أنه يتم تخزين هذه المشاعر في النفسية الصغيرة وغير الناضجة، وغالبًا ما تتحول إلى معتقدات مؤذية، تعمل هذه المعتقدات في نهاية المطاف؛ كمحفز لتنشيط الإدمان لاحقًا في الحياة، الصدمة لا تخلق الإدمان؛ لكنها جزء من الطاقة المحيطة به.
وفي باب شعر يكتب الشاعر حسين القباحي قصيدة تحت عنوان: "سيدة اليقين".

مقالات مشابهة

  • "مناهضة الفصل العنصري" يطالبون بوقف جنون إسرائيل بشكل فعلي وليس شفوي
  • 6 شخصيات إسرائيلية طالبت الكونجرس بإلغاء دعوة نتنياهو.. أبرزهم إيهود باراك
  • مشرف «إرادة»: 4 عوامل رئيسية لإدمان المخدرات
  • تشيلافي يحدد 29 لاعبا لمعسكر إسبانيا
  • "مصر المحروسة" .. "الأفروسنتريك" و"الفن التشكيلي المقاوم".. في العدد الجديد
  • حاكم عجمان يهنئ أمير قطر بذكرى توليه مقاليد الحكم
  • د. رشا سمير تكتب: مصر الإبداع.. كانت وستبقى
  • في ذكرى ميلاده.. محرم فؤاد إرث فني وزواجه من تحية كاريوكا سبب له أزمة
  • لوحة سيدة المطر: أسرار لوحة مسكونة تثير الرعب
  • لماذا تخاف الجماعات المتطرفة من الفن والثقافة؟.. بطرس دانيال يجيب لـ"الشاهد"