أثير – د. رجب بن علي العويسي خبير الدراسات الاجتماعية والتربوية في مجلس الدولة

يطرح تساؤلنا الأبعاد التعليمية المتحققة من شعار وزارة التربية والتعليم للعام الدراسي 2023/ 2024 “تعلم مستدام” كلغة خطابية تواصلية مع المدارس عبر المنصات الاجتماعية تأتي امتدادا لروح التغيير التي جاء بها قانون التعليم المدرسي وعبّرت خلالها مواده ونصوصه عن تحولات يجب أن تطرأ في عملية تعلم الطلبة والبرنامج التعليمي الذي يتجه لصالح تحقيق تعلم نشط، وبالتالي ما يحمله من مساحة للتفاؤل ومحطة تعلم قادمة كفيلة بتغيير النمطية وتصحيح المساحات غير المستغلة في الموقف التعليمي، ومع التأكيد على أن تحقيق هذا الشعار يضع المدارس أمام مسؤولية إنتاج نموذج للتعليم المستدام، يحتاج إلى مرتكزات واضحة للعمل ومحطات للتفكير، ومبادرات تطبيقية تصنع للتعلم المستدام موقعه في بيئة التعلم، ومزيد من التفاعل بين مكونات البيت التعليمي على مختلف المستويات الإدارية (المدارس، والمديريات التعليمية وديوان عام الوزارة) الذي بدوره يمنح المدارس فرصة أكبر في التفكير خارج الصندوق لتجد في نواتج التعلم المتحققة فرصتها في المنافسة وطريقها للإنتاجية وتغيير المسار وإعادة هندسة السلوك التعليمي، فإن استمرار صور العطاء والإنجاز وتحقيق التحول الشامل والسعي نحو تحقيق النجاح في العام الدراسي، ليس أمرا مستحيلا، بل هو ممكن التحقق عندما ترافقه الإرادة والشغف والاهتمام والحرص والمسؤولية وحس التعلم والروح الوطنية العالية، والاستفادة من كل الفرص التي أتاحتها الدولة لنجاح منظومة التعليم سواء بتوفير المعلمين في جميع المدارس ولكل المواد، وتوفير إدارات المدارس وتوفير الكتب والمناهج الدراسية وتهيئة بيئات مصادر التعلم والمختبرات والمراكز العلمية، ليبقى التميز والنجاح صناعة ذاتية، واستشعار للمسؤولية، والتزام يحفظ الحقوق ويصنع من الواجبات استحقاقات قوة من أجل الوطن وأبنائه، فإن في النموذج التعليمي محطات لصناعة التغيير وإدارة المواقف، وتحقيق مسار الجاهزية وبناء منصات التحول القادمة، خاصة في ظل ما تتعامل معه من فئات ممثلة في أعضاء الهيئات التعليمية والوظائف المساندة لها، والعاملين في المدارس وسائقي الحافلات المدرسية والحراس وغيرهم، ثم الطلبة، والشركاء الآخرون كأولياء الأمور ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات المهنية ومؤسسات التعليم الأخرى كالجامعات ومراكز التدريب ومراكز الاستشارات التعليمية والنفسية، والمجتمع بما فيه من كتاب وباحثين ومهمين بالشأن التعليمي، مساحة فكرية قادرة على تحقيق إنجاز تعليمي مبهر، وحوار  قادر على توفير ممكنات النجاح.

وعليه فإن إسقاط مسار الاستدامة في ظل معطيات الواقع التعليمي ليشكل البوصلة التي تفعل من خلالها المدارس أطر العمل وتستفيد من التفاعلات داخل المدرسة وخارجها في سبيل تحقيق تعلم مستدام ينطلق من أهمية تفعيل الدور التعليمي في المسار التنموي، ويجسد في دلالاته مسار التجديد والابتكار ووضوح المسار، ويتجه إلى العمق التعليمي، ويؤصل مفهوم التعلم النشط القائم على إعادة إنتاج الفكر والثقافة والمعرفة وحسن توجيهها وإدارة طرائقها وفق مواصفات الجودة والريادة والتسويق والاستثمار في البرامج التعليمية، ورسم خريطة التميز واقترابها من احتياج الإنسان بالشكل الذي يضمن لها استمرارية في العطاء وقدرة على المواجهة وثبات وصلابة في مواجهة رياح التغيير والمنافسة وعبر الخروج بالتعليم من جدران المدارس والجامعات إلى معايشة الواقع الاجتماعي والاقتصادي ومحاكاته وتوفير الأدوات الناضجة التي يستطيع من خلالها الطلبة التكيف مع عالمهم، وتمكين صناعة المواطن القادر على الاستفادة من منتجات البيئة وتوظيفها في تحقيق تعلم أفضل، وتعزيز المدرسة المنتجة التي توجه الطالب إلى البحث والثقة بالنفس والاعتماد على الذات وإدارة الممارسات والتعامل مع الأزمات وقراءة التحديات الفكرية والاقتصادية والاستهلاكية بوعي واستنطاق القيم وتعزيز مهارات التفكير العليا والتحليل والنقد البناء، وتوظيف شبكات التواصل الاجتماعي وتوجيهها لصالح جودة الحياة المدرسية والمهنية؛ فإن وضوح سياسات التعليم وقدرته على توجيه بوصلة الأداء الداخلي لمؤسساته بحيث تتناغم مع الحراك الاقتصادي المجتمعي ورفع درجة الاستحقاقات للمورد البشري العماني في الدقم والمدن الاقتصادية والمناطق الصناعية وغير ذلك، من شأنه أن يضمن انتقال أثر هذا الجهد التعليمي الذي يتم داخل المدارس على أداء المخرجات في مواقع العمل المختلفة.

من هنا نعتقد بأن شعار “استدامة التعلم” قراءة جديدة للتحولات الحاصلة في التعليم ومنظومة الأداء وفتح المجال  للمنافسة والابتكارية والتسويق والاستثمار في البرامج التعليمية، تضيف إلى سابقتها استحقاقات أكثر للابتكار والريادة والتقنية والمنافسة وتربط الطالب بالعديد من القضايا المعززة لتعلمه وتحصيله الدراسي ومشاركته في صناعة واقعه التعليمي، كما تؤسس المعرفة التعليمية لمرحلة متقدمة من التجريب والتطبيق العملي بنقلها إلى ميدان المنافسة، ليكون المنتج التعليمي متسلحا بالعلم والمعرفة والمهارات والقيم والأخلاق، بما يعنيه من إعادة قراءة دور التعليم في بناء أرضيات النجاح، وتأسيس المورد البشري الكفء القادر على الإسهام الفاعل في برامج التنمية والتطوير، ووضع معالجات عملية جادة تجيب عن كل التساؤلات التي يطرحها واقع تعلم الطلبة في التعامل مع أدوات الإنتاج الحديثة وانخراط الطلبة في مسارات التعليم  التقني والمهنية.

أخيرا، يبقى شعار ” تعلم ستدام” مؤشر قوة، ومدخل للمنافسة، وفرصة لتعظيم مفهوم الجاهزية التعليمية وفق أدوات واضحة وإستراتيجيات مقننة وأطر ولوائح تجسد متطلبات تحقيق الجودة والكفاءة، وتضع المدارس أمام مراجعة للممارسة التعليمية وحسن إدارتها وتوجيهه لصالح تعلم نشط عالي الجودة، كما يضع وزارة التربية والتعليم أمام مسؤوليتها في تعزيز مسارات التشخيص والمتابعة والرقابة والتوجيه للمنتج للمدارس، وتفعيل الدور الفني للمديريات التعليمية بالمحافظات ومديري العموم فيها، بحيث تتجه إلى العمق في قراءة محتوى البرامج وتأثيرها في إنتاج السلوك التعليمي. إن الاستدامة بذلك حدس بالمستقبل يصنع القوة والكفاءة، يأتي من رحم التغيير المنتج الذي تمتد خيوطه لتستمر لأبعد مدى وتتجلى في أداء الرأسمال البشري الاجتماعي في كل موقع ومهمة ومسؤولية.

المصدر: صحيفة أثير

إقرأ أيضاً:

"ملتقى البحوث التربوية" يفتح آفاقا جديدة لتحسين التعليم في عصر الرقمنة

مسقط- الرؤية
اختتمت أعمال ملتقى البحوث التربوية في نسخته الثانية، والتي استمرت لمدة 3 أيام، قدمت فيها عدداً من أوراق العمل والبحوث العلمية؛ وذلك لتطوير العملية التعليمية وتعزيز التعاون والتواصل بين الباحثين من مختلف المؤسسات التعليمية، مما يُعزز من فرص التعاون وتبادل الأفكار والخبرات، وتشجيع الابتكار في المجال التربوي.
وشهد اليوم الثالث تقديم عدد من أوراق العمل، ففي محور استراتيجيات التعليم والتعلم الفعالة ناقش مقدمو أوراق العمل درجة صعوبة حل المسائل الرياضية اللفظية لدى طلبة الصف الرابع الأساسي من وجهة نظر معلمات المجال الثاني، وأثر البرنامج التدريسي القائم على استخدام استراتيجيات التعليم المتمايز في تنمية مهارات التفكير التاريخي والتحصيل الدراسي والاتجاه نحو مادة الحضارة الإسلامية، وفاعلية البرنامج التدريبي القائم على النظرية البنائية في تطوير الممارسات التدريسية لمعلمي اللغة العربية، وفاعلية التعلم المبني على الأوريجامي في تنمية مهارات التفكير البصري واكتساب المفاهيم العلمية لدى طلبة الصف الأول الأساسي في مادة العلوم، وأثر التدريس المدعم بالتأثيرات الضوئية في اكتساب الهندسة التحليلية لدى الطلبة ودافعيتهم نحو تعلم الرياضيات، ومستوى مهارات التعلم المنظم ذاتيا وفق مقياس ويليامسون في التجارب العملية لمادة الأحياء لدى الطلبة.
وشهد محور تطبيقات الذكاء الاصطناعي ومهارات المستقبل مناقشة دور القيادة التحويلية في توظيف أدوات الذكاء الاصطناعي لتطوير برامج التنمية المهنية للمعلمين بسلطنة عُمان، وفاعلية التدريس بالواقع المعزز في تصويب التصورات البديلة للمفاهيم العلمية وتنمية الدافعية لتعلم العلوم لدى الطلبة، والبرامج التدريبية المقترحة لتنمية مهارات القيادة الافتراضية لمديري المدارس بسلطنة عُمان في ضوء بعض التطورات التكنولوجية، وفاعلية بعض تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تنمية مهارات القراءة الإبداعية وبقاء أثر التعلم لدى الطلبة، ومدى توافر تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مناهج الدراسات الاجتماعية في مدارس التعليم الأساسي بسلطنة عمان، وأثر استخدام التعلم المدمج في تنمية بعض مهارات القرن الحادي والعشرين لدى الطلبة.
واشتمل محور التنمية المهنية للمعلم والاتجاهات على عدد من أوراق العمل التي ركزت على أثر استراتيجية الصف المقلوب في التحصيل الدراسي في ضوء استقراء الدراسات السابقة، وفاعلية الممارسات التدريسية لمعلمي العلوم والرياضيات في ضوء الإطار الوطني لمهارات المستقبل للمدرسة العمانية، وتوظيف معلمات مادة الفيزياء استراتيجية دورة التعلم الخماسية في تنمية مهارات الاستقصاء العلمي لدى الطلبة، ودور مديري المدارس في تفعيل مجتمعات التعلم المهنية في مدارس التعليم الأساسي بسلطنة عمان، وفاعلية توظيف استراتيجيات قائمة على التعليم الممتع في تنمية الاتجاه نحو الفيزياء لدى الطلبة، وأثر توظيف استراتيجية التعلم باللعب على دافعية التعلم نحو الفيزياء لدى الطلبة.
ويعد ملتقى البحوث التربوية فرصة للباحثين والممارسين في التعليم، حيث تتنوع الرؤى والأفكار نحو حلول أكثر فعالية للمشكلات التي يواجهها النظام التعليمي، ومساحة للتجديد، وتطوير مهارات المعلمين، وفتح آفاق جديدة لتحسين التعليم في عصر الرقمنة، ودعم البحوث التربوية، وتطوير المناهج التعليمية؛ لذا أكد المشاركون في الملتقى على أهمية الاستمرار في البحث والتطوير لتحسين العملية التربوية، وتطوير التعليم في سلطنة عمان.

مقالات مشابهة

  • “الفرص الاستثمارية بقطاعات الزراعة”.. ورشة عمل بمنطقة جازان
  • “الالتزام البيئي” يُقيّم أداء أنشطة الزراعة والثروة الحيوانية والسمكية
  • خاص| توقعات عبير فؤاد لبرج العذراء 2025.. اغتنم الفرص التي تتاح لك
  • "ملتقى البحوث التربوية" يفتح آفاقا جديدة لتحسين التعليم في عصر الرقمنة
  • تحت شعار: “عيد ميلاد دون إبادة”.. مظاهرة حاشدة في العاصمة الأرجنتينية تطالب بوقف العدوان على غزة
  • المفتي يستقبل وكيل “جامعة الإمام” للشؤون التعليمية
  • تحقيق صحفي يكشف ثغرات خطيرة في أداة “شات جي بي تي” للذكاء الاصطناعي
  • “أسوشيتد برس” تكشف حقيقة الوعكة التي أصابت كلينتون
  • “تنفيذية الحج المركزية” تناقش الاستعدادات
  • “مجرى” يدعو الشركات للحصول على ختم “مشروع أثر مستدام”