برز الرئيس عبد الرحمن الأرياني كعلم من إعلام ثورة 26 سبتمبر 1962م وشعلة لاتنطفي تستمد نورها من الثورة الأم لجميع الأحرار اليمنيين كونها قضت على فصول الظلم وعصور الانحطاط للنظام الأمامي الكهنوتي المتخلف والتي قضت على آخر السلاليين من حكم ال حميد الدين .
وسنحاول في المشهد اليمني إعطاء الرئيس الثاني للنظام الجمهوري اليمني الإيراني حقه كرمز من رموز ثورة سبتمبر والتي كان لها دورا رئيسيا للوقوف ضد السلالة الكهنوتية .


اولا: بطاقة تعريفية
عبد الرحمن الأرياني هو ثاني رئيس للجمهورية العربية اليمنية ووصل إلى المنصب في 5 نوفمبر 1967 م وغادره في 13 يونيو 1974م بطريقة سلسلة كونه أول رئيس مدني للجمهورية العربية اليمنية .
ولد الارياني في حصن اريان بمحافظة إب وتوفي في 16 ذو القعدة 1418 هـ / 14 مارس 1998م في العاصمة السورية دمشق .
شغل القاضي عبد الرحمن بن يحيى الإرياني منصب عضو مجلس قيادة الثورة ووزيرا للعدل 1962، ثم رئيسا للمجلس الجمهوري 1967 إلى 1974م وشارك في مراحل النضال الوطني ضد الإمامة وسجن أكثر من مرة .
ثانيا : فترة رئاسة الإرياني
بعد انقلاب 5 نوفمبر 1967م الأبيض على الرئيس عبد الله السلال صعد الرئيس عبد الرحمن الأرياني، والذي غلب عليه الطابع المدني مع سمات النظام البرلماني على الطابع العسكري وتراجع نسبياً دور الجيش في الحياة السياسية .
أجريت العديد من التعديلات في الجيش فتغيرت تسمية "اللواء العشرين حرس جمهوري" إلى اللواء العاشر مشاة، وفي نفس الوقت، تم إنشاء القوات الجوية اليمنية، وزود الاتحاد السوفيتي الدولة الوليدة بعدد من الطائرات المقاتلة والقاذفة والنقل والطائرات المروحية، كما تم تزويد القوات البحرية بعدد من القطع البحرية متعددة الأنواع والأغراض لتتولى حماية المياه الإقليمية والسواحل اليمنية. تبع ذلك، عقب انتصار القوى الجمهورية ، وحصار القوى الامامية في ما عرف بحصار السبعين، وتشكيل لواء العاصفة في منطقة السخنة بالحديدة بقيادة العقيد علي سيف الخولاني، وتم نقله إلى صنعاء في أوائل 1968م كما تشكلت وحدات عسكرية جديدة هي لواء العمالقة ولواء المغاوير ولواء الاحتياط ولواء أمن القيادة .
دخل العسكريون طرفاً في معارك السياسة ابتداء من الصراع حول انشاء المجلس الوطني ،حيث قدمت القوات المسلحة ما عرف بقرارات تصحيح للقوات المسلحة في 1971، والذي شكل بداية انقسام حقيقي في السلطة وبشكل خاص الخلاف بين مجلس الشورى الذي يسيطر عليه كبار شيوخ القبائل ب93 مقعداً من أصل 159 مقعد .
مثلت القرارات رد فعل المؤسسة العسكرية تجاه الوضع السياسي والاقتصادي السائد مطلع السبعينات الذي أتسم بالفساد وانتشار الرشوة وهيمنة القبيلة على مؤسسات الدولة، وطالب ضباط التصحيح بإيقاف الأموال التي تقدمها الدولة لمشائخ القبائل، وتنقية مجلس الشورى من العناصر التي تسللت إليه ، في أغسطس 1971م استقالت الحكومة وبرر رئيس الوزراء أحمد محمد نعمان استقالة الحكومة لعدم قدرتها على الوفاء بإلتزاماتها بسبب استنزاف شيوخ القبائل لميزانية الدولة في أكتوبر عام 1972 قامت معارك قصيرة بين الدولتين الجمهورية العربية اليمنية "في الشمال" وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية "في الجنوب" ، وتوقفت بإتفاق القاهرة في28 أكتوبر من نفس العام وأتفقوا على عدة خطوات تأسيسية للوحدة تم إلغاء الاتفاقية من قبل شمال اليمن لمخاوف من نهج الاشتراكية المتبع في الجنوب .
في ديسمبر 1972 استقالة حكومة محسن العيني بسبب مطالبه التي لم يستجاب لها وهي حل مجلس الشورى الذي يهيمن عليه المشائخ وحل. مصلحة شؤون القبائل ووقف ميزانية المشائخ أما شيوخ القبائل فقد حملوا المجلس الجمهوري ورئيسة القاضي عبد الرحمن الإرياني مسؤولية ما آلت إليه أوضاع البلاد.
كانت الأجواء السياسية في صنعاء عام 1973 شديدة التوتر، وقد وقف عدد من العسكريين إلى جانب شيوخ القبائل ضد رئيس المجلس الجمهوري القاضي عبد الرحمن الأرياني وقد أجبر على تقديم استقالته في 13 يونيو 1974 إلى رئيس مجلس الشورى عبد الله بن حسين الأحمر الذي أحالها مرفقة بإستقالته إلى القوات المسلحة، وتولى السلطة مجلس عسكري مكون من سبعة عقداء برئاسة المقدم إبراهيم الحمدي .
وبعد هزيمة حزيران 1967م ؛ كان لابد للقوات المصرية أن تعود إلى مصر ، وكان ذلك يعني واقعاً جديداً يحتم على كل المؤمنين بالثورة والجمهورية أن تتراص صفوفهم وتتوحد كلمتهم خلف ( قيادة ) قادرة على مواجهة الخطر الذي يهدد الثورة والجمهورية ، ولا سيما أن (الجيش اليمني) الموجود في ذلك الحين لم يكن في المستوى الذي يمكنه من سد الفراغ الذي ، بالإضافة إلى الانشقاق في الصف الجمهوري وعدم وجود (قيادة) يلتف حولها الجميع وتكون قادرة على مواجهة التطورات الجديدة.
في أكتوبر 1967م تدهورت العلاقة بين القيادة المصرية وبين المشير (السلال) والمؤيدين له على خلفية رفض هؤلاء الأخيرين للتعامل مع لجنة السلام العربية التي شكلها مؤتمر القمة العربية في الخرطوم لحل المشكلة اليمنية ، إلا أن التغيير كان مطلوباً وصار حتمياً بعد عودة القيادات التاريخية والسياسية والعسكرية من مصر بعد إطلاق سراحها من السجون بعد مناشدات يمنية لم تتوقف ووساطات عربية وبعد اقتناع المصريين بأن السلال لم يعد قادراً على قيادة سفينة الجمهورية بعد رحيلهم.
غادر المشير (السلال) إلى العراق في زيارة رسمية وبدأ الترتيب لحركه التصحيح بعد مغادرة (السلال) وتمحورت فكرة التغيير حول اختيار القاضي عبد الرحمن الارياني رئيساً ليقود البلاد في تلك الفترة الصعبة .
كانت زعامة القاضي الإرياني محل إجماع من كل القائمين على حركة التصحيح لما كان يمثله من دور تاريخي ، ومكانة علمية وعقلية حكيمة كانت ضرورية لتجاوز مرحلة الخطر.
تمت حركة 5 نوفمبر 1967م التصحيحية بدون صعوبات كبيرة وتمت الترتيبات بدقة وتيسرت أمور كثيرة ولا سيما من جهة بعض الوحدات العسكرية التي كانت موالية للمشير السلال .
كان المشاركون في حركة 5 نوفمبر التصحيحية ينتمون إلى تيارات فكرية وسياسية مختلفة ومتناقضة ، ولكن كان يجمعهم الولاء للثورة والجمهورية ، فمعظم مشايخ القبائل كانوا مؤيدين للتغيير وكذلك عدد من الضباط البارزين أغلبهم من البعثيين الذين كانت لهم مشاركة كبيرة في تفجير ثورة سبتمبر نفسها ،كما تم استمالة قوات المظلات والصاعقة فلم تكن الولاءات الحزبية آنذاك لها دور في التمييز بين المشاركين بسبب الحرص على إنقاذ الثورة والجمهورية ، والمجيء بزعامة جديدة تكون محل إجماع الجمهوريين وقادرة على رص صفوفهم بروح قوية وعزيمة صادقه لمواجهة الخطر الذي كان يهدد عاصمة الجمهورية نفسها .
فسقوط صنعاء كان يعنى سقوط النظام الجمهوري ونهاية الثورة وتكرار مأساة سقوط الثورة وصنعاء عام 1948م.
نجحت حركة 5 نوفمبر 1967م في السيطرة على البلاد ، وتم تشكيل المجلس الجمهوري كقيادة جماعية برئاسة القاضي عبدالرحمن الإرياني وعضوية الأستاذ أحمد محمد نعمان والشيخ محمد علي عثمان ، وتولى الأستاذ محسن العيني رئاسة الحكومة .
يعتبر الارياني أول رئيس عربي يقدم أستقالته طوعاً لمجلس شورى منتخب، وتم أخفاء رسالة الأستقاله وبدلاً عنها تم الأعلان أنه اطيح به في انقلاب أبيض في 13 يونيو 1974 وبهذا الأعلان تم أجهاض أول تجربه لأول رئيس مدني يمني.
أنجزت في عهده الكثير من أساسيات الدولة اليمنية الحديثة حيث يرجع له الفضل في المصالحة الوطنية بين الجمهوريين والقوى الإمامية والتي أنقذت اليمن من اتون الحرب الأهليه المخيفه بل انه أرجع لهم الكثير من ممتلكاتهم التي صادرتها الثورة مما عجل في التأم الجراح وأبعااد نزيف الدماء.
بعهده تم صياغة أول دستور يمني حديث وأنتخاب أول مجلس شورى كما تم في عهده وضع اللبنات الأساسية للوحده اليمنية من خلال اتفاقيتي القاهرة وطرابلس .
في خطوة غير معهودة في تاريخ الانقلابات، بخاصة في دول العالم الثالث يتصل الرئيس الشرعي بخصومه ليتسلموا الحكم، هذا ما حدث في واقعة الانقلاب الأبيض على الرئيس عبد الرحمن الإرياني، ثاني رئيس لليمن الجمهوري بعد الرئيس عبد الله السلال .
ثالثا : حياته الأدبية والشعرية
عالم أديب، شاعر، تولى القضاء في النادرة في أول أمره ثم أسهم مع الأحرار المناوئين والمعارضين لحكم الإمام يحيى حميد الدين والحاكمين من أولاده نتيجة أعمالهم الظالمة للناس.
وقد ندد بأعمال ومظالم الإمام وأولاده بقائصد شعرية والتي كانت سبباً في اعتقاله مع رفاقه من الأحرار والسير بهم إلى سجن حجة وأمضى فيه حوالي ثلاثة أعوام ثم أطلق من السجن حتى قتل الإمام يحيى يوم الثلاثاء 7 ربيع الآخر سنة 1367هـ (1948) وخلفه الإمام عبد الله الوزير على رأس حكومة دستورية وعين في إب، فقام بأعمال اللواء وأدارها بحزم ونشاط واستمر حتى سقطت صنعاء في أيدي القبائل الموالية للإمام أحمد يحيى حميد الدين.
أعتقل مرة أخرى هو ومن شارك من الأحرار وأرسلوا إلى سجون حجة والقيود على أقدامهم والسلاسل تطوق أعناقهم وقد لبث في السجن بضع سنين ثم أفرج عنه ثم عينه الإمام أحمد بعدها عضوا في الهيئة الشرعية في تعز، ولم تنقطع صلته بالأحرار، ولكن بحذر وتكتم. كان لا يفتأ ينصح الإمام أحمد في كثير من الأمور، وله مواقف حميدة مشهورة معه في تحذيره من الإصغاء إلى كلام الوشاة، والمتزلفين الذين يسعون ليضروا بالناس لأغراض دنيئة.
عين وزيراً للعدل بعد الثورة، ثم عضواً في مجلس قيادة الثورة، ثم عضواً في مجلس الرئاسة. - ترأس وفد الجمهورية في مؤتمر حرض أمام ممثلي النظام الامامي 1965 م -1385هـ .
أدت الأوضاع المتردية بعد الثورة إلى توليه رئاسة المجلس الجمهوري في شعبان سنة 1387هـ الموافق5 تشرين الثاني (نوفمبر) 1967 م بعد أن التفت حوله القلوب المختلفة، والتقت عنده رغبات زعماء اليمن وعلماؤها ورؤساء القبائل والعشائر واستطاع بسياسته الحكيمة أن يمسك بدفة السفينة وسط أمواج مضطربة، وعواصف عاتية حتى حقق لليمن السلام، والأمن والاستقرار.
ألف العديد من القصائد والكتب ابرزها والمؤلفات :
- ديوان .. ملحمة من سجون حجة: شعره، شرحه وصححه أحمد عبد الرحمن المعلمي .
- تحقيق مجموعة رسائل في علم التوحيد : محمد إسماعيل الأمير وآخرين تصحيح وإشراف عبد الرحمن الإرياني.
- ترجيع الأطيار بمرقص الأشعار: عبد الرحمن الآنسي تحقيق: عبد الرحمن الإرياني – عبد الله عبد الأله الأغبري.
- تحقيق الأبحاث المسددة في فنون متعددة لصالح بن مهدي المقبلي.

المصدر: المشهد اليمني

كلمات دلالية: الرئیس عبد الرحمن مجلس الشورى عبد الله

إقرأ أيضاً:

في ذكرى النكسة المزدوجة.. 30 يونيو و3 يوليو 2013

كل الثورات كان لها أهداف اجتماعية واقتصادية وسياسية وحتى عسكرية واضحة ومحددة ومعلنة؛ إلا ما تسمى بثورة يونيو 2013 لم يكن لها من هدف سوى وصول الجنرال السيسي إلى السلطة، بغض النظر عن قدراته المحدودة وامكاناته المتواضعة وتاريخه المجهول، والذي للأسف لم يرفعه إلا الرئيس الشهيد محمد مرسي حين اختاره وزيرا للدفاع، ليكون خنجرا في ظهر من جاء به من عالم الظلمات ويقلده منصب وزير الدفاع بعد إقالة كل من طنطاوي وسامي عنان.

لم نر لما تسمى بثورة 30 يونيو ومن بعدها انقلاب 3 تموز/ يوليو أي أهداف عامة تخص الشعب سوى شعارات براقة من عينة "أنتم نور عينينا"، و"مصر قد الدنيا وهتبقى قد الدنيا"، و"بكرة تشوفوا مصر"، و"لازم أغني الفقراء الأول"، و"أكرر أن هذا الشعب لم يجد من يرفق به أو يحنو عليه "، و"في 30 يونيو 2020 هتشوفوا مصر حاجة تانية".. وهذا ما حدث فعليا، فقد أصبحت مصر حاجة ثانية وثالثة ورابعة، حتى وصل بنا الحال إلى أن تقطع الكهرباء بالساعات الطوال، والجنرال الذي يضع يديه على المليارات في الصناديق المغلقة يرفض شراء الغاز لإنارة البيوت والمصانع التي أغلقت بسبب انقطاع الكهرباء، وذلك إمعانا في إذلال الشعب رغم إمكانية تشغيل الكهرباء التي يدفع المواطن فاتورتها بالثمن التي تحدده السلطة أو يحدده السيسي نفسه.

لم نر لما تسمى بثورة 30 يونيو ومن بعدها انقلاب 3 تموز/ يوليو أي أهداف عامة تخص الشعب سوى شعارات براقة
كلنا يذكر كيف رفعت ما سميت لاحقا بثورة 23 يوليو 1952 شعارات كان بعضها زائفا وغير حقيقي، مثل إقامة حياة ديمقراطية وهو هدف لم يتحقق وبالطبع لن يتحقق في ظل وجود العسكر، كما حددت ثورة يوليو 1952 أهدافا أخرى نجحت وللتاريخ في تحقيقها ولو جزئيا، مثل الكفاية الإنتاجية والعدالة الاجتماعية، وفي سبيل تحقيق ذلك أنشأت المصانع والشركات الكبرى وساهمت في رفع مستوى الطبقات الدنيا، مع ملاحظة حجم النهب الثوري للثروات الذي قام به الضباط الأحرار في طول البلاد وعرضها، ونجحت الثورة في القضاء على الإقطاع وهيمنة رأس المال على الحكم، ولكنها جعلت من الضباط الأحرار أوصياء على السلطة بدلا من هيمنة رأس المال على الحكم.

ثورة يناير 2011 هي الأخرى رفعت شعارا واضحا وهو "عيش حرية عدالة اجتماعية"، وهو شعار موجز وملخص للحالة السائدة والأهداف المطلوبة، فحالة الفقر الاجتماعي والاقتصادي كانت بارزة خصوصا مع هيمنة رأس المال على السلطة وعلى الثروة والفجوة بين الأغنياء والفقراء تزداد، والحرية تتقلص وتتراجع، والتعذيب والإذلال كان من سمات العصر ففقد المصري كرامته، لذا فقد اقترح البعض تغيير الشعار إلى "عيش حرية كرامة إنسانية"، فالعدالة غائبة والكرامة مهدرة. كانت الثورة واضحة في مطالبها وواضحة في أهدافها وسعت ولم تكلل مساعيها بالنجاح بعد تدخل قوى الشر الخارجية العربية والأجنبية، وساهمت إسرائيل بكل قوة في الانقلاب على الرئيس مرسي وعلى ثورة يناير 2011.

في عام 2012 كانت مطالب المعارضة متواضعة، فالحديث كان عن غلاء الأسعار وارتفاع سعر الدولار وعن رغيف العيش وعن أهداف ثورة يناير 2011 التي لم تتحقق، ولكن الجميع فوجئ بأن القصة لم تكن الاستمرار من أجل تحقيق أهداف ثورة يناير 2011 بل كان القضاء عليها هو الهدف الخفي غير المعلن، وهو ما أكده الجنرال بعد أن استقر له الأمر ودانت له السلطة، وأكد عليه مرارا وتكرارا.

جاءت ترتيبات 30 حزيران/ يونيو لتعبئة الشعب ضد أول رئيس مصري منتخب منذ فجر التاريخ وضد الإخوان، ولم يدرك من انساقوا وراء هذه الترتيبات أن الأمر يتخطى الرئيس مرسي والإخوان بكثير، فبعد وصوله إلى السلطة التي أقسم أنه لن يسعى للحصول عليها حتى لا يقال إن الجيش يعمل من أجل مصالحه الشخصية، عمل الجنرال مبكرا على تشويه الثورة كليا والنيل منها
جاءت ترتيبات 30 حزيران/ يونيو لتعبئة الشعب ضد أول رئيس مصري منتخب منذ فجر التاريخ وضد الإخوان، ولم يدرك من انساقوا وراء هذه الترتيبات أن الأمر يتخطى الرئيس مرسي والإخوان بكثير، فبعد وصوله إلى السلطة التي أقسم أنه لن يسعى للحصول عليها حتى لا يقال إن الجيش يعمل من أجل مصالحه الشخصية، عمل الجنرال مبكرا على تشويه الثورة كليا والنيل منها على الرغم من ذكرها في مقدمة الدستور الذي أقسم على احترامه. وبعد أن كان يمتدح ثورة يناير على استحياء جنبا إلى جنب مع 30 يونيو، بدأ تدريجيا في النيل من الثورة، وبنهاية عام 2015 وفي كانون الأول/ ديسمبر تحديدا حذر من الدعوة للثورة، وتساءل في خطابه بمناسبة المولد النبوي الشريف لماذا تطالب مجموعة بثورة جديدة في 25 يناير، وذكّر الشعب بحال بعض الدول المحيطة قائلا: "انظروا حولكم.. إلى دول قريبة منا، لا أحب أن أذكر اسمها، إنها تعاني منذ 30 عاما، ولا تستطيع أن ترجع.. الدول التي تُدمر لا تعود." ولكنه عاد وبعد أيام ليمتدح يناير ويصفها بثورة التغيير ويصف 30 يونيو بتصويب المسار (ولا أحد يدري أين التصويب الذي جرى حتى اليوم، وإن كنت أفضل تعبير تخريب المسار وليس تصويبه).

ظل متأرجحا بين المديح البسيط والانتقاد التدريجي، ثم بدأ السيسي سلسلة من التصريحات الهدامة ضد ثورة يناير ونال منها حتى بلغ الأمر ذروته حين وصفها بأن "ما حدث في 2011 هو علاج خاطئ لتشخيص خاطئ؛ فالبعض قدم للناس صورة عن أن التغيير من الممكن أن يحدث بهذه الطريقة، وأن هناك عصا سحرية سوف تحل المشكلات". كان ذلك في عام 2018، وحين رد عليه المناضل السياسي يحيى حسين عبد الهادي في مقال نشره على الفيسبوك تمت إحالته للنيابة والحكم عليه بالسجن.

وتوالت التصريحات التي تحمل غلا وحقدا وغيظا كان مكتوما ثم ظهر ضد كل ما يتعلق بالثورة المصرية، والغريب العجيب أنه ورغم تصريحاته عما أسموه ثورة يونيو تجد الجنرال غير معني بها ولا محتف بها؛ لأنه يعلم علم اليقين أنها ليست بثورة، بل هي حركة مسرحية نزل فيها بعض المشاهدين إلى الملعب والتقطت الصور التذكارية ثم انفض كل إلى حال سبيله.

لم نشهد على مدار أحد عشر عاما مضت احتفال حتى من أيدوا هذه الثورة المزعومة بها رغم أن بعضهم كانوا في السلطة أو كانوا فيها أو قريبين منها أو كانوا ضد ثورة يناير، لم نر لهم أثرا ولم نلمس لهم فعلا يمجد ثورتهم سوى بعض الأقلام النائحة والمستأجرة والتي تمجد في ما حدث باعتباره إزاحة للإخوان، وهذا مبلغ علمهم مما جرى، رغم أن ما جرى لم يكن الهدف منه إزاحة الاخوان فحسب بل إزاحة الشعب عن مركز اتخاذ القرار، وقد حدث للأسف.

ما يلفت النظر؛ ضراوة وقسوة هجوم الجنرال والجنرالات على ثورة يناير 2011 وتصريحاتهم القبيحة؛ من عينة تصريحه في تشرين الأول/ أكتوبر 2019 بعد فشل مفاوضاته مع إثيوبيا حول سد النهضة: "لا أحمل الأمور أكثر مما ينبغي، أقول على الحقائق اللي شايفها.. في 2011 كان هيكون فيه اتفاق قوي وسهل لإقامة السد، لكن لما البلد اتكشف ضهرها وعرت كتفها فأي حاجة تتعمل.. ولو مخدتوش بالكم هيتعمل أكتر من كده". وهو كلام غير صحيح وغير حقيقي لأن مصر ما فعلت ذلك بسبب يناير 2011 بل بسبب انقلاب 2013، وبسبب حماقة الجنرال أو عمالته أو الاثنين معا، وبسبب التفريط في مياه النيل والجزر وبيع الشركات الكبرى وتحويل اقتصاد مصر إلى اقتصاد "مقترض" بامتياز وتحويل مصر إلى "تابعية" إماراتية بشكل خاص، لا يمت ما حدث في 30 حزيران/ يونيو 2013 للثورات بصلة، فلم نعرف لهذه الثورة رموزا سوى محمود بدر الشهير بـ"بانجو" وحسن شاهين الشهير بـ"برايز"، ولم نعلم لها أهدافا واضحة، ولم تستمر سوى لساعات لتكون أشبه بأمسية ليلية في قلب القاهرة أخرجها مخرج الفضائح خالد يوسفوهو ما لم يحدث على مر العصور. ثم استمر الجنرال على ذات النهج من النيل من ثورة يناير والتهديد والوعيد إن عدنا لمثلها، وهو تهديد يحمل الكثير من المعاني ولعل أمهها أن ما جرى في حزيران/ يونيو لم يكن ثورة تصويب ولا تصحيح، وأن هدف الجنرال ومموليه هو القضاء على صورة يناير بكل ما فيها وما تمخض عنها.

لا يمت ما حدث في 30 حزيران/ يونيو 2013 للثورات بصلة، فلم نعرف لهذه الثورة رموزا سوى محمود بدر الشهير بـ"بانجو" وحسن شاهين الشهير بـ"برايز"، ولم نعلم لها أهدافا واضحة، ولم تستمر سوى لساعات لتكون أشبه بأمسية ليلية في قلب القاهرة أخرجها مخرج الفضائح خالد يوسف، وانتهت قصة أقصر ثورة في التاريخ.

وبينما كان المغفلون يحتفون في الميدان كان مطبخ الانقلاب مستعدا بالطبخة المسمومة التي ستكلف مصر وشعبها مليارات الدولارات وعشرات السنين من التخلف، إذ أنه وبعد ثلاثة أيام من هذه السهرة سوف يقفز الجنرال على خشبة المسرح ومعه بعض رموز الانقلاب من جبهة الإنقاذ وحركة تمرد وبابا الكنيسة وشيخ الأزهر وعدة جنرالات، ليعلنوا نجاح الثورة التي تمخضت عن انقلاب دموي غير مسبوق.

بالله عليكم هل مر عليكم في التاريخ مثل هكذا ثورة، تستمر لساعات وتلد انقلابا؟

مقالات مشابهة

  • هل هي ثورة على حكم الإخوان.. أم ثورة مضادة لثورة يناير؟!
  • ثورة ٣٠يونيو عمادها شعبها
  • في ذكرى النكسة المزدوجة.. 30 يونيو و3 يوليو 2013
  • رفد مستشفى الثورة ومستشفى 21 سبتمبر في الحديدة بأدوية الإسهالات المائية
  • أستاذ تاريخ: ثورة 30 يونيو كانت مفصلية في التاريخ المصري العظيم
  • «الشعب الجمهوري» بالقليوبية يحتفل بذكرى ثورة 30 يونيو ويكرم أسر الشهداء
  • رئيس هيئة المستشفى الجمهوري بصنعاء لـ “الثورة “: لدينا خطة لتنفيذ مشاريع وإنشاءات بقيمة 500 مليون ريال و10ملايين دولار خلال 1446هـ
  • وزير الصحة يكشف عن رفد المستشفيات الحكومية بأحدث الأجهزة والمعدات الطبية
  • رفد المستشفيات الحكومية باحدث الاجهزة في الشرق الاوسط
  • وزير الصحة يؤكد توفير أجهزة نوعية للمستشفيات الحكومية