الجزيرة:
2024-12-28@11:39:20 GMT

سيبيريا.. قلب روسيا وحديقتها الخلفية

تاريخ النشر: 4th, September 2023 GMT

سيبيريا.. قلب روسيا وحديقتها الخلفية

سيبيريا منطقة شاسعة تقع شرقي روسيا، وتشكل 75% من مساحتها، إذ تزيد على 13 مليون كيلومتر مربع، وتقدر بنحو تُسع مساحة السطح القاري للعالم، وبنحو ثُلث مساحة القارة الآسيوية. وبها جمهورية الساخا التي تبلغ مساحتها 3 ملايين كيلومتر مربع وعاصمتها ياقوتيا، وتتراوح درجة الحرارة بها في فصل الشتاء بين 40 و60 درجة تحت الصفر، ويستمر الشتاء فيها نحو 9 أشهر.

سكنتها مجموعات عرقية متنوّعة منذ قديم الزمن، وكانت وجهة للمستكشفين والتجار الباحثين عن الفراء الفاخرة ومستوطنة روسية ومكانا لمعسكرات الاعتقال وتعذيب المنفيين.

ارتبط اسم سيبيريا بـ"المساحة البيضاء من الجليد اللامتناهي" وببلاد التعذيب والتشريد كما توصف عادة، وتسمى أيضا "حديقة روسيا الخلفية" أو "قلب روسيا"، باعتبارها أرض ثروات دفينة تشكل 60% إلى 90% من إجمالي ثروات روسيا الطبيعية.

توصف سيبيريا حينا بأنها نعمة روسيا، وحينا بأنها لعنتها؛ إذ يؤثر مناخ وجغرافيا المنطقة بشكل سلبي في اقتصادها ويكلّف البلاد الكثير، وغالبا ما يضرّ بالجوانب الاجتماعية والبيئية.

الاسم والتاريخ

أصل اسم سيبيريا مختلف فيه بين المؤرخين، وذلك لتنوع القبائل التي سكنتها واحتلتها وأقامت عليها دولها، ومن أبرز الأقوال في أصل هذا الاسم أنه:

مشتق من لغة التتر السيبيريين التي تعني "الأرض النائمة" أو "أرض النوم". اسم لقبيلة "سيرتيا" القديمة (وتُعرف أيضا باسم سيوبر)، وهي مجموعة عرقية آسيوية قديمة. نسبة إلى شعب "سيبه" أو "سيبو". مزيج من كلمتين تركيتين هما "سو" أي الماء، و"بير" التي تعني الأرض البرية. يعود إلى بلدة "كاشليك"، التي تغير اسمها إلى "إسكير"، وكانت عاصمة الخانية التترية الواقعة بين نهري إيرتيش وأوب، وتعد أقدم وأول دولة أسسها المغول السيبيريون في القرن الـ14. يعود لاسم بلدة قديمة صغيرة شرقي جبال الأورال، كانت وطنا للتتار، تدعى "سيبير"، وتعني بلغتهم العاصفة الثلجية.

وتذكر الروايات التاريخية أن مغول الشمال (القبيلة الذهبية)، عندما استوطنوا جنوب غربي سيبيريا، أقاموا فيها إمارة محلية، من القرن الـ10 إلى منتصف القرن الـ15، واتخذوا قاعدة لهم بنوها على مجرى نهر إرتيش، أطلقوا عليها اسم "سيبر".

بحيرة تطل عليها سلسلة جبال ألتاي في سيبيريا (شترستوك)

ويذكر المؤرخ الروسي كرامزين ميكولا ميخائيلوفيتش أن القيصر الروسي إيفان الرابع، لقب نفسه بـ"قائد سيبيريا كلها"، في رسالة كتبها إلى إدوارد السادس ملك إنجلترا عام 1554.

ووثّق الاستخدام الحديث لاسم "سيبيريا" بعد استيلاء روسيا على المنطقة عام 1582. وبعد وفاة خان سيبيريا كوتشوم عام 1598، تم إدراج لقب "ملك سيبيريا" في اللقب الكامل للملك الروسي بعدها بعام، ثم ثبّت لقبا لملوك سلالة رومانوف. وفي عام 1914، احتلت روسيا معظم أراضي سيبيريا، واستمرت تابعة لها منذ ذلك التاريخ.

الموقع والمساحة

يطلق اسم "سيبيريا" على الأراضي الواسعة الممتدة شمالي قارة آسيا، والواقعة بين جبال الأورال غربا والمحيط الهادي شرقا، وبين تركستان وجبال أواسط آسيا جنوبا والمحيط المتجمد الشمالي شمالا.

وتمتد مسافة 8 آلاف كلم من جبال الأورال إلى المحيط الهادي، و3 آلاف كلم من القطب الشمالي إلى الصين، وتبعد بنحو 8 آلاف كيلومتر عن العاصمة الروسية موسكو.

تغطي هذه الفيافي النائية، مساحة جغرافية تزيد على 13 مليون كيلومتر مربع، وهي أكبر مساحة من أوروبا والولايات المتحدة الأميركية معا، وتشكّل نحو 75% من مساحة روسيا الاتحادية، ولكنها لا تضم سوى 23% من مجموع سكانها.

خلال الفترة السوفياتية، قسّمت أراضي سيبيريا إلى:

سيبيريا الغربية

وتقع بين جبال الأورال ونهر ينسي، على مساحة تقدر بنحو 2.4 مليون كيلومتر مربع، وتنقسم إلى 9 أقاليم إدارية. ومناخها شديد البرودة في الشتاء وصيفها دافئ.

أكثرها سهل واسع، يبلغ ارتفاعه نحو ألفي قدم عن سطح الأرض من الجنوب، ثم ينحدر تدريجيا إلى أن يبلغ البحر شمالا. تغطي أراضيها الزراعية مساحة تقدر بنحو 35 مليون هكتار، وتمتد الغابات على نحو ثلث مساحتها. بها مدينة "تورا" أو "تيومين"، وقد تأسست عام 1586، وهي منطقة إدارية غنية بحقول الغاز والنفط.

سيبيريا الشرقية

محاطة بنهر ينسي من الغرب والمحيط المتجمد الشمالي من الشمال ومنغوليا من الجنوب والشرق الأقصى من الشرق، مساحتها تقدر بنحو 4.1 ملايين كيلومتر مربع، وتشمل 10 أقاليم إدارية.

تغطيها غابات التندرا في الشمال وغابات التايغا في الجنوب، وهي منطقة قليلة السكان، ويعيش معظم القاطنين بها على طول خط سكة الحديد العابرة لسيبيريا، وبحيرة بايكال، ونهر لينا.

أهم مدنها "إيركوتسك"، وقد تأسست عام 1652، وبها صناعات ميكانيكية وغذائية وخشبية، وفي شمالها الغربي منطقة غنية بالفحم الحجري مساحتها 37 ألفا و500 كلم مربع.

الشرق الأقصى

يمتد من سيبيريا الشرقية في الغرب إلى المحيط الهادي شرقا، على مساحة تقدر بنحو 6.2 ملايين كيلومتر مربع، ويشمل 10 أقاليم إدارية.

تشكل الأحواض الجبلية معظم مساحته، وأوسع أراضيه المنخفضة تحيط بنهر لينا، وتعتبر جبال ستانوفري المنطقة الرئيسية في الإقليم، وتغطي غابات التاندرا والتايغا مساحات شاسعة، وتتركز الزراعة في الأودية وفي الأنهار الجنوبية، والثروات المعدنية هناك تتمثل في النيكل والحديد والفحم والنحاس.

المتوسط السنوي لدرجة الحرارة في سيبيريا شتاء يصل إلى نحو الصفر (شترستوك)

في ظل صيغة الاتحاد الروسي للمناطق الفدرالية، يوجد في سيبيريا 182 مدينة، وتتكون من ثلاث مناطق فدرالية هي منطقة الأورال الفدرالية، ومنطقة سيبيريا الفدرالية، ومنطقة الشرق الأقصى الفدرالية.

ومن حيث الجغرافيا السياسية، تنقسم سيبيريا إلى منطقتين فدراليتين، منطقة سيبيريا الفدرالية في الغرب، ومنطقة الشرق الأقصى الفدرالية في الشرق.

وتشكل منطقة سيبيريا الفدرالية الضخمة 30% من إجمالي الأراضي الروسية، وتضم 12 كيانا تأسيسيا موزعة على 5 مناطق و4 جمهوريات و3 أقاليم.

السمات الجغرافية

يبلغ المتوسط السنوي لدرجة الحرارة في سيبيريا شتاء نحو الصفر، ويصل في الشمال الشرقي إلى 18 درجة تحت الصفر، وفي بعض المناطق، وخاصة الشمالية منها، يصل إلى 70 درجة مئوية تحت الصفر، أما في الصيف فدرجة الحرارة في بعض المناطق الجنوبية الشرقية تزيد على 40 درجة مئوية فوق الصفر.

وتتمير المنطقة عموما، بصيف قصير حار ورطب، تصل درجة حرارته إلى نحو 38 درجة مئوية، أما الطقس الشبيه بالشتاء فيمتدّ أحيانا مدة تسعة أشهر في السنة في كثير من الأماكن، ويعد أبرد جزء فيها الهضبة الوسطى.

تقع المنطقة المتجمدة في النواحي الشمالية، إذ يغطيها الثلج أكثر من نصف السنة، ويتجمد البحر نصف سنة، ثم يتكسر جليده في النصف الثاني، ويتعذر السفر فيه على مدار العام.

بالنسبة لعلماء الفلك، توفر سيبيريا ميزة السماء التي لا تتأثر إلى حد كبير بالتلوث الضوئي، وفي بعض الأماكن تكون خالية من السحب أكثر من مئتي يوم في السنة.

ويوجد في المناطق الشرقية أكثر من 80% من الموارد المائية، حيث تضم العديد من الأنهار الجليدية والبحيرات والأنهار، إضافة إلى نشاط بركاني يؤدي إلى ظهور الكثير من الينابيع الساخنة، وتوجد بها سلسلة جبال شاسعة مغطاة بالنباتات، تُعرف باسم "ألتاي الذهبي".

تشير الإحصائيات إلى تدفق آلاف من الأنهار عبر أراضي سيبيريا، مشكّلةً مصادر عالمية للمياه العذبة، منها ثلاثة رئيسية هي:

نهر أوب

طوله أكثر من 5570 كيلومترا، ويشكل ممرا مائيا تجاريا مهما، ينقل البضائع ذهابا وإيابا بين السكك الحديدية العابرة لسيبيريا والمناطق الغنية بالموارد في شمالها.

نهر لينا

طوله نحو 4 كيلومترات، ويعد طريق النقل الرئيسي وسط سيبيريا، لكنه يتجمد مدة تصل إلى 8 أشهر من العام، ولأن مساره يقع كله في منطقة الصقيع الدائم، فإن فيضان الربيع يؤدي إلى سرعة كبيرة في تياره؛ مما يؤدي إلى كوارث كثيرة.

نهر ينسي

طوله نحو 3400 كلم، وهو أكثر قيمة في الملاحة والنقل، ويعد أكبر نهر في روسيا من حيث الحجم، وسادس أطول نظام نهري في العالم.

كما يوجد بسيبيريا أكثر من مئة ينبوع معدني دافئ، وأزيد من مليون بحيرة، منها بحيرة بايكال التي تعد أعمق بحيرة مياه عذبة في العالم، إذ يبلغ عمقها 1642 مترا، وتضم خُمس مخزون المياه العذبة السطحية في العالم.

الثلوج تغطي غابات التايغا جنوب سيبيريا (شترستوك) السكان

كان عدد سكان سيبيريا قليلا جدا حتى نهاية القرن الـ16، وبعد ضمها إلى روسيا بدأ تطور سريع في المناطق الجنوبية من الإقليم.

وارتفع عدد سكان سيبيريا من 1,5 مليون نسمة عام 1815، إلى قرابة 6 ملايين عام 1897، وبين عامي 1891-1903 عبر إلى المنطقة نحو مليون و620 ألفا، وبلغ 10 ملايين عام 1914، ثم 29.6 مليونا عام 1983، وظل يرتفع حتى وصل عام 2021 إلى ما يزيد على 37 مليونا، 90% منهم يقطنون جنوبا، ومعظم سكان المنطقة من الروس والأوكرانيين والبيلاروسيين.

يوجد في المنطقة سكان أصليون يشكلون نحو 4% من سكانها الحاليين، وينتمون إلى أكثر من ثلاثين مجموعة قبلية ولغوية، أهمها: السامويد والأوستياك والتنجوس والياكوت التركية-المغولية واليوكاجير والكامتشدال والتشوكشي، وتقوم حياتهم غالبا على الرعي والصيد.

أما الوافدون الجدد من الروس وغيرهم، فيتركزون في المدن والمراكز العمرانية الجديدة، عند مصبات الأنهار الشمالية غالبا.

على الرغم من أن اللغة الروسية هي اللغة السائدة في معظم أرجاء شمال آسيا، فإن سيبيريا ومنطقة شمال المحيط الهادي المطلة على آسيا لا تزال موطنا لأكثر من ثلاثين لغة أصلية.

وهناك مجموعة متنوعة من المعتقدات في جميع أنحاء سيبيريا، تسود فيها المسيحية الأرثوذكسية، وتجاورها ديانات أخرى مثل البوذية والإسلام.

مسلمو سيبيريا

كان الإسلام أول دين سماوي يصل إلى سيبيريا عن طريق تجار بخارى في العصور الوسطى، الذين ينحدرون من عائلات تركستانية (وسط آسيوية). ويعد "البخارليك" أكثر المجموعات السكانية في مدينتي توبولسك وتومسك إلى اليوم، ويؤكد ذلك وجود عدد منهم يقدر بـ2000 إلى 3000 نسمة.

كان الإسلام الديانة الرسمية لخانية سيبيريا عام 1570م، واعتنق الحكام المغول الإسلام خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر، وشُيّد أول مسجد حجري أواسط القرن 18 في مدينة تارا، لكنه لم يعد موجودا.

استقبلت سيبيريا بداية من القرن الـ17 إلى القرن العشرين، كثيرا من المسلمين المنفيين من الأورال وأورنبورغ، وأعدادا كبيرة من الشعوب المسلمة التي قاومت حكم الروس، من حوض الفولغا ومن القوقاز، خصوصا في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ويقال إن عددهم فاق مليون نسمة.

لا توجد إحصائيات دقيقة لعدد المسلمين في المنطقة، وتقول بعض التقديرات إن عددهم أكثر من مليونين و700 ألف نسمة، أي ما يعادل 25% من سكان المنطقة.

أكثر التجمعات الإسلامية تتركز في الجنوب الغربي، وبشكل خاص في مدن تشيليابينسك وباريا ودلوفسك وتيومين وأومسك ونوفوسيبيرسك وكورغان.

ويوجد في توبولسك وحدها نحو مئة ألف نسمة، والقسم الأعظم في قزليار، التي تعتبر بلدة إسلامية. وفي تومسكي 3 آلاف نسمة يشكلون حيا واحدا، يحيط به نحو 25 قرية مسلمة، وأغلب أهاليها من تتار سيبيريا.

مشهد من جبل كوشيرلا في سيبيريا يظهر فيه المتنزه الوطني بيلوخا (شترستوك) التاريخ مستوطنة روسية

بدأت السيطرة الروسية على أراضي "سيبيريا" عام 1582م، عندما اجتاز "يرماك" وفصيل من القوزاق (سلافيون شرقيون) هذه الأصقاع عام 1585، بعد القضاء على قوات الخان كوتشوم على نهر إريتيش.

فتح هذا الحدث طريق المجال السيبيري أمام التوسع الروسي بمساعدة المغامرين وجماعات القوزاق، وكان ذلك بدوافع اقتصادية للحصول على "الفراء الثمينة" ومناجم الملح.

عام 1556، أعلن القيصر إيفان الرابع نفسه عاهلا على كل أراضي سيبيريا وأراضي الشمال، وشجع الاستيطان هناك، وشهدت المنطقة تأسيس أول المدن المحصنة بين عامي 1586 و1587.

خلال القرن الـ17، نظّمت الدولة استيطانا ريفيا حول الحاميات لتضمن اكتفاء ذاتيا من الغذاء، وكان ذلك مقابل منح المستوطنين الأراضي والماشية والبذور، مع إعفاء ضريبي مدة ثلاث سنوات، مقابل تخليهم عن خُمس الإنتاج لفائدة دولة القياصرة.

كما وفدت خلال هذه الفترة، أعداد متزايدة من الفلاحين الفارين من ضغوط العبودية، إلى أراضي سيبيريا واستقروا بها.

وتوالت بعثات الكشف الروسية في سيبيريا حتى وصلت إلى الباسيفيك في النصف الأول من القرن الـ17، حيث اندمجت المنطقة بشكل أكبر في الدولة الروسية، وأنشئت مدن جديدة مثل "إركوتسك" عام 1652، وكانت جميع الشعوب المحلية تدفع لهم الضرائب (الجزية) بانتظام.

لكن تقدم القوات الروسية نحو نهر آمور، واجه مقاومة شرسة من قبائل البوريات التركية المغولية وقوات الإمبراطورية الصينية. وفي أعقاب ذلك حددت معاهدة "نيرشينسك" الحدود الصينية الروسية في جبال ستانوفوري عام 1689، وقد أدت هذه المعاهدة إلى وقف التوسع الروسي في المنطقة مدة قاربت قرنين من الزمن، حتى عام 1858.

واصلت روسيا تعمير سيبيريا الغربية، واستحدثت مقاطعتين ملحقتين بدولتها هما تومسك وتوبولسك، كما استقبلت آنذاك "منطقة ألتاي" أكبر عدد من الفلاحين المستوطنين.

وشهد عهد القيصر ألكسندر الثاني تقدما كبيرا لاستيطان سيبيريا الشرقية بين عامي 1853 و1875 في جزيرة "سخالين" وأنشئت بها مستوطنة للسجناء.

وظل الوجود السكاني الروسي ضعيفا في المناطق الأخرى حتى عام 1870، بسبب طول المسافات وصعوبة الوصول إلى الإقليم، ثم بدأ إرسال فلاحين مستوطنين إلى الشرق الأقصى عن طريق البحر بداية عام 1882.

في أوائل القرن الـ20، عاد الاهتمام بـ"سيبيريا" مرة أخرى، واتجهت جهود الروس في عهدي ألكسندر الثالث ونيقولا الثاني، إلى دعم موقع الإمبراطورية عبر سياسة التصنيع الحديث.

فكان بناء خط السكك الحديدية العابرة لسيبيريا، بدافع دمج المنطقة وتعزيز انتمائها لروسيا، ثم لنقل النفط المنتج في منطقة باكو، والمواد الأولية المنجمية والزراعية -خاصة القطن- إلى روسيا.

عام 1896، نظّمت روسيا الاستيطان في سيبيريا من خلال إنشاء "مديرية مركزية للهجرات"، ومنحت عقارات وإعفاءات ضريبية وقروضا سخية للراغبين في الاستقرار هناك وخفّضت تكلفة السفر.

خلال هذه الفترة، ارتفعت نسبة المستوطنين تدريجيا، وتراجعت نسبة السكان "المحليين" بشكل كبير، حتى فقدت أهميتها الإحصائية بحلول عام 1914، بعد تأسيس وجود روسي شبه كلي في المجال السيبيري.

في أوائل ثلاثينيات القرن الـ20، اتبعت الدولة السوفياتية سياسة ذات طابع استيطاني، من خلال إرسال أعداد كبيرة من المستوطنين إلى المراكز الصناعية الجديدة في سيبيريا، ومع مرور الوقت، أدى النشاط التجاري المتنامي، إلى تأسيس وجود روسي دائم في سيبيريا.

خلال الحرب الأهلية الروسية (1918-1920)، استولى الأدميرال ألكسندر كولتشاك (المناهض للبلشفية) على جزء كبير من سيبيريا، لكن بحلول عام 1922، أعيد دمج كل سيبيريا تقريبا في الاتحاد السوفياتي الجديد.

ومن حينها ظلت سيبيريا -التي ولد فيها قائد مجموعة فاغنر الراحل يفغيني بريغوجين- مصدرا آمنا للموارد الطبيعية، الأمر الذي ساعد روسيا على أن تكون واحدة من أكبر الدول في العالم.

أرض المنفى

كانت سيبيريا المسماة "القرية المنسية"، المكان الكلاسيكي لنفي المجرمين والسجناء السياسيين، ممن يقع عليهم سخط القياصرة وحكام السوفيات، وفي بعض الفترات التاريخية كان ينفى إليها من أذنب من أهل البلاط أيضا.

كان عدد المنفيين قليلا في البداية، لكن مع بداية من القرن الـ18 بدأ عددهم يزداد، حتى وصل أواخر القرن الـ19 إلى نحو مليوني رجل حسب الإحصائيات الروسية.

كان المحكوم عليهم بالأشغال الشاقة يوضعون في "سجن بلا سقف"، وهو نوع من السجون عُرف في عهد القياصرة، وكانوا يعملون تحت وطأة مناخ سيبيريا القاسي في مناجم الذهب ومعامل الملح أو قطع الغابات.

في الحقبة الممتدة بين عامي 1918 و1956، كثرت في بلاد الثلج الدائم السجون ومعسكرات المعتقلات التي سماها ليو تولستوي (دار الموتى)، حيث كانت متاهات سيبيريا المتجمدة مجزرة للقضاء على السجناء السياسيين والكتاب والمثقفين.

كان التصنيع بالمنفى الجليدي، يرتبط أيضا بنظام سجون غولاغ، وذكر بعض المؤرخين أن 225 من معسكرات العمل القسري الممتدة على أراضي سيبيريا آنذاك، كان يعمل بها نحو 40 مليون شخص، يقبع ما بين 4 و6 ملايين منهم في معسكرات كوليما بأقصى الشمال الشرقي.

منذ منتصف 1949 وحتى وفاة جوزيف ستالين عام 1953، ضمّت هذه المعتقلات المنعزلة نحو 2.5 مليون سجين نصفهم ارتكبوا جرائم مثل السرقة، وبها أنتج نحو 15% إلى 18% من إجمالي الإنتاج الصناعي الروسي.

وأبناء "الغولاغ" الذين ولدوا في هذه المعسكرات أو بعد تحرير والديهم (ويقدر عددهم بنحو 1500 شخص)، هم من ضحايا تلك الفترة.

خزان الموارد

تحت سطح سيبيريا المتجمد، تقبع آبار النفط والغاز وموارد معدنية متعددة، وتأتي 70% من ثروة روسيا من هناك.

تعد منطقة غرب سيبيريا منطقة رئيسية في إنتاج النفط الخام بنحو 6.3 ملايين برميل يوميا، وهو ما يمثل أكثر من 60% من إنتاج روسيا الإجمالي، كما يعد حقل شرق سيبيريا من المناطق المهمة لإنتاج النفط.

وتمتلك روسيا منذ عام 2016، ربع الاحتياطي العالمي من الغاز الطبيعي، ومعظمه في مناطق شمال غرب سيبيريا، إضافة إلى أكبر احتياطي غير مكتشف، ويبلغ 22 مليار برميل، وفق تقديرات المسح الجيولوجي الأميركي.

تقع معظم احتياطيات النفط والغاز الطبيعي في منطقة "تيومين"، وتشكّل بعض أكبر احتياطيات العالم في روسيا، وتشير التقديرات إلى وجود غاز يكفي لنحو 200 سنة.

يوجد نحو 20% من موارد الغابات بغرب سيبيريا، ويقدر إنتاجها السنوي من الأخشاب بنحو 31 مليون متر مكعب، إذ توفر نحو 12.5% من احتياطي الأخشاب، وما يزيد على 150 مليون طن من الفحم سنويا.

تقع ضمن سيبيريا فجوة أرشانوفسكي التي افتتحت عام 2015، وتعد أكبر مناجم روسيا من الفحم بإنتاج يقدر بـ10 ملايين طن.

يعتبر حوض كوزنتسك (تم اكتشافه عام 1721م) قاعدة الفحم الواعدة في البلاد، ويقدر إجمالي احتياطاته الجيولوجية بأكثر من 700 مليار طن، بما يمثل نحو 70% من جميع احتياطيات الفحم في روسيا، وهي من أكبر الاحتياطيات في العالم. وتنتج مدينة كراسنويارسك وحدها 20% من الأخشاب في البلاد.

تتركز أكثر من 95% من موارد روسيا من البلاتين والمواد ذات الصلة في إقليم "كراي" الموجود في سيبيريا، حيث يتم استخراج 80% من النيكل في البلاد و75% من الكوبالت و70% من النحاس و16% من الفحم و10% من الذهب. وتنتج سيبيريا خمس إنتاج العالم من الماس.

تنتج روسيا 7% من الإنتاج العالمي من الألمنيوم، بنسبة إنتاج تصل إلى 95% من سيبيريا. وتحتوي المنطقة على نحو 20% من مناجم الذهب والفضة في العالم، وعلى 84% من مخزون روسيا من الذهب.

يعتبر سد براتسك وسد كراسنويارسك على أعالي نهري إنجارا والينسي، أضخم منتجين للطاقة الكهرومائية حاليا.

توفر سيبيريا 3.8% من إنتاج الحبوب القابلة للتسويق (القمح الربيعي أساسا) و16% من اللحوم و10% من الزيوت الحيوانية. ويتركز بها نحو 11 مليون رأس من الماشية، وأكثر من 16 مليون من الأغنام والماعز.

بحر بارنتس شمالي سيبيريا قرب المحيط المتجمد الشمالي (شترستوك) بلاد الثقافة والعلوم

عام 1973، كان في سيبيريا نحو 190 ألف مدرسة للتعليم العام، وأكثر من 130 ألف مكتبة بها صناديق كتب تحوي 150 مليون نسخة.

وقد بُنيت المدينة الأكاديمية في العام نفسه، لتكون مركز أبحاث للفرع السيبيري من الأكاديمية الروسية للعلوم، وتتركز أبحاثها على الفيزياء والتكنولوجيا والعلوم الطبيعية.

ثم تشكّلت عدة مجمعات في أقسام فرعية لفرع سيبيريا التابع لأكاديمية العلوم الروسية، في مدن تومسك وكراسنويارسك وإيركوتسك، بها ما يزيد على 15 ألف عالم، و16 معهدا للدراسات العليا، ومعهد للدراسات الكهربائية الهندسية.

في مدينة نوفوسبيرسك التي تسمى مدينة العلوم، توجد 30 مؤسسة علمية، تبحث في الذرة والكيمياء والجيولوجيا والأحياء والاقتصاد، وإجراء البحوث العلمية التي تتيح استغلال الثروات الطبيعية، كما تم إنشاء متحف القسم الجغرافي الذي يهتم بالدراسة والبحث عن الثروات الطبيعية.

أصبحت مدينة تومسك المركز التعليمي لشمال غرب سيبيريا منذ عام 1900، وتقع فيها إحدى أكبر الجامعات في البلاد. كما توجد مدرسة خاصة بالمتفوقين وهي أقدم مدرسة هناك، وقد تأسست عام 1963.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: المحیط الهادی الشرق الأقصى درجة الحرارة کیلومتر مربع فی سیبیریا فی العالم تقدر بنحو فی البلاد روسیا من من القرن أکثر من یوجد فی فی بعض

إقرأ أيضاً:

هل أعطى الرئيس أردوغان الضوء الأخضر لداوود أوغلو؟

قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الجمعة، “لن ندير ظهرنا لأي شخص يؤمن بقضيتنا”.

وأضاف أردوغان، في خطاب خلال المؤتمر الحزبي في مدينة باليكسير:”لن نقول لا لأولئك الذين يشاركوننا حلم القرن التركي بالاجتماع تحت هذا السقف”.

هل هذه الكلمات موجهة إلى داود أوغلو؟

 

وتابع أردوغان: “نرى مدى خيبة أمل أولئك الذين أغلقوا الباب وغادروا لأنهم لا يحبوننا، نحن لا ندير ظهرنا لأي شخص يؤمن بمثلنا وقضيتنا، ولن ندير ظهرنا لأي شخص يؤمن بمثلنا وقضيتنا”.

وأردف أردوغان:”لا نقول لمن يشاركنا بصدق حلمنا في أن يجتمع القرن التركي تحت هذا السقف. لدينا أسباب كافية للشعور بالأمل”.

اقرأ أيضا

نتائج استطلاع انتخابي مثير على مكتب رئيس حزب الشعب الجمهوري

مقالات مشابهة

  • هل أعطى الرئيس أردوغان الضوء الأخضر لداوود أوغلو؟
  • مصر يا أخت بلادي يا شقيقة: ٣- لكي لا يظل السودان حديقة مصر الخلفية
  • ترامب يدعو المحكمة العليا لتعليق قانون يهدّد بحظر تيك توك
  • أساطير الشاشة.. نجوم عالميون رحلوا عام 2024
  • ربع القرن اللبناني: زلازل الاستتباع وفجر موعود
  • علماء يحذرون من ثوران بركاني هائل قد يفاجئ العالم قريبًا
  • طوارئ في جنوب روسيا بعد تسرب نفطي في البحر الأسود
  • معظم الناجين في تحطم الطائرة الأذربيجانية كانوا في المقاعد الخلفية
  • روسيا تعلن حالة الطوارئ بسبب تسرب نفطي في البحر الأسود
  • ليس اختراعا أميركيا.. رحلة تطور الكاتشاب عبر قرون