فلل وشقق في فرنسا وسيارات فاخرة.. تفاصيل مثيرة عن ثروة الرئيس الغابوني المعزول
تاريخ النشر: 4th, September 2023 GMT
وقالت الشبكة إن القضاء الفرنسي سبق أن اتهم عائلة بونغو بالإثراء غير المشروع باستخدام المال العام ونظام فساد متكامل الأطراف.
ولم تتم محاكمة بونغو رغم التهم الموجهة له ولعائلته بالثراء عبر المال العام، إلا أن الانقلاب العسكري الذي جرى في البلاد قبل أيام قد يغير الموقف.
وكان القضاء الفرنسي قد وجه عدة تهم لتسعة أفراد من عائلة الرئيس الراحل عمر بونغو من بينها الإثراء غير المشروع واختلاس الأموال العامة والفساد المتعمد، فضلا عن تهمة إساءة تدبير الأموال العمومية.
يصف موقع "ميديا بارت" الفرنسي الرئيس السابق للغابون عمر بونغو، بأنه يجيد بناء التحالفات العائلية حيث يقدر عدد أولاده بالعشرات، وقد اعترف بـ50 منهم فيما تكفل بالبعض الآخر.
واتهم تسعة من أولاد عمر بونغو بوراثة فيلات وشقق فخمة تصل قيمتها إلى 85 مليون يورو اشتراها بالمال العام، من بينها 16 فيلا فاخرة في مدينة نيس الساحلية شرق فرنسا وحوالي 30 شقة فخمة وفنادق خاصة في الأحياء الراقية بالعاصمة باريس.
وتعود أولى الشكاوى حول ثروة عائلة بونغو إلى عام 2007 حيث اتهم عمر بونغو وعائلته بتهم فساد مالي وحكومي. وفي شباط/ فبراير العام الماضي قالت محكمة استئناف باريس إن هذه الثروة الهائلة، جمعت من اختلاس المال العام ومن الرشاوى المحصلة من الشركات البترولية بينها شركة "توتال إنيرجي" الفرنسية.
واتهم في هذه القضية، مصرف "بي إن بي باري با" عام 2021 بغسيل أموال واختلاس الأموال العامة، حيث أشارت التحقيقات إلى أن "البنك الفرنسي لم يلتزم باليقظة المطلوبة ولم يبلغ عن وجود معاملات مالية مشبوهة" بين 2002 و2009 بخصوص "أنشطة شركة فرنسية كانت تعمل لحساب عائلة بونغو، وظيفتها إيجاد ممتلكات عقارية قديمة ثم بعد ذلك إعادة تأهيلها بملايين اليوروهات.
من جانبه ذكر الصحافي فابريس عرفي، من موقع "ميديا بارت"، والذي اطلع على العديد من الوثائق العقارية التابعة لعائلة عمر بونغو، أن التحقيقات التي أجراها القضاء الفرنسي أظهرت "أن قيمة الثروة المالية التي تملكها عائلة بونغو ومن معها بلغت 460 مليون يورو".
وفي ذات السياق كشفت مجلة "لوكنار أونشيني" الفرنسية الساخرة في 24 آب/ أغسطس الماضي، عن خطة لرئيس الغابون المعزول علي بونغو تهدف لتنفيذ مشروع كبير يتمثل في تحويل فندق خاص مساحته 4674 مترا مربعا، اشتري بـ100 مليون يورو في 2010 من طرف الغابون إلى إقامة دبلوماسية".
وفي عام 2009 وبعد أربعة أشهر على توليه الرئاسة اشترى بونغو 29 سيارة فخمة من طراز "رولز رويس" ومرسيدس" و"بنتلي"، بتكلفة وصلت إلى 15 مليون يورو حيث تم اقتناؤها عبر شركة سويسرية.
وذكرت الشبكة أن موقع "مراقبون" التابع لها تمكن في 2014، من الحصول على أدلة تؤكد شراء علي بونغو لهذه السيارات الفخمة والتي انضمت إلى سلسلة السيارات العريقة الأخرى التي كسبها والده عمر بونغو قبل وفاته.
وقال موقع شركة " إيس دي بي" في الغابون إن الرئيس السابق كان يقود دائما هذه السيارات بسرعة فائقة متبوعا بحراسه.
من جهته استبعد محامي منظمة الشفافية العالمية وليام بوردون، الذي يمثل هذه المنظمة في إطار قضية الأملاك غير المشروعة التي اقتنتها عائلة بونغو في فرنسا، أن يمثل الرئيس السابق أمام القضاء الفرنسي.
ونقلت "فرانس24" عن بوردون قوله: "إنه مهما كانت الشكوك التي تحوم حول علي بونغو في قضية الإثراء غير المشروع، إلا أنه بات من الصعب أن يغتنم القضاة الفرنسيون فرصة فقدانه للسلطة لمتابعته قضائيا، مع العلم أن فقدان السلطة هذا جاء على إثر انقلاب عسكري غير شرعي".
وبحسب الشبكة، فإن تراجع نفوذ وقوة بونغو بعد الانقلاب يمكن أن يفتح الباب أمام تسريبات جديدة في ما يتعلق بثروة العائلة والأموال التي تقدر بمئات الملايين.
وكانت ملفات الرشوة والفساد وسوء التسيير أبرز المواضيع التي تحدث عنها منافس علي بونغو، ألبير أوندو أوسا، خلال الحملة الانتخابية الشهر الماضي. يشار إلى أن زعيم الانقلاب "بريس أوليغي نغيما" متهم هو الآخر بالثراء غير المشروع.
ولم يرد اسم أوليغي في قضية الممتلكات غير القانونية، إلا أنه متهم بالإثراء الشخصي، وفق المنظمة الأمريكية لمحاربة الفساد، التي ذكرت أن أوليغي اشترى ما بين 2015 و2018 ثلاث فيلات في ضاحية واشنطن بقيمة مليون دولار
المصدر: مأرب برس
كلمات دلالية: القضاء الفرنسی غیر المشروع عائلة بونغو ملیون یورو عمر بونغو علی بونغو
إقرأ أيضاً:
الغرب والموقف من الانقلاب العسكري في الغابون
لقد مر عام على سقوط نظام الرئيس الغابوني علي بونغو أونديمبا الذي حكمت عائلته البلاد لـ56 عامًا، وذلك على يد الجنرال برايس كلوتير أوليغي نغيما ومجموعته العسكرية في 30 أغسطس/ آب 2023 – اليوم نفسه الذي أُعْلِن فيه عن فوز علي بونغو في الانتخابات التي أُجْرِيَت في 26 أغسطس/ آب 2023.
وفي أقل من أسبوع من الانقلاب العسكري أدى الجنرال نغيما اليمين الدستورية كرئيس انتقالي للغابون، وقال إن الجيش استولى على السلطة دون إراقة دماء؛ بهدف تحسين الظروف المعيشية للغابونيين الذين ظلوا فقراء خلال عقود من حكم أسرة بونغو أونديمبا. وأشار نغيما إلى أنه يريد ضمان عودة النظام إلى البلاد قبل تسليم السلطة للمدنيين. وقد اقترح في الأيام الأخيرة إصلاحات تشمل اعتماد دستور جديد وقوانين انتخابية وجنائية جديدة.
على أن توقيت حدوث الانقلاب في الغابون والحفاوة التي يحظى بها الجنرال نغيما في الغرب يثيران تساؤلات حول أسباب تخلي المؤسسة العسكرية الغابونية الآن عن أسرة بونغو بعد عقود من حمايتها والعمل معها، وخاصة أن معظم مبررات الانقلاب التي ذكرها الجيش الغابوني كانت موجودة إبان رئاسيات عامي 2009 و2016.
مصالح الغرب في الغابون
تقع الغابون في وسط أفريقيا، وتحتل موقعا إستراتيجيًا في خليج غينيا ممتلكةً واجهة بحرية على المحيط الأطلسي. وتحدها الكاميرون وغينيا الاستوائية وجمهورية الكونغو، كما تُعَدّ واحدة من أكبر منتجي النفط في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وهي عضو في منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك)، مع تمثيل النفط الخام والمكرر 80 في المائة من صادراتها وبلوغ احتياطياتها المؤكدة من النفط 2 مليار برميل.
ومن الموارد الإستراتيجية الأخرى التي تتمتع بها الغابون: المنغنيز وخام الحديد والذهب وعناصر الأرض النادرة الأخرى. ويركز قطاع التعدين في البلاد على استغلال المنغنيز (الذي يستخدم في صناعة الصلب والبطاريات)، وخاصة أن البلاد ثاني أكبر منتج لخام المنغنيز عالي الجودة في العالم (بعد جنوب أفريقيا). ولذلك كان قطاع التعدين في الغابون مهمًا لتأمين مستقبلها الاقتصادي وجهودها لتنويع مصادر الدخل في ظلّ انخفاض الطلب على صادراتها النفطية.
وتتركّز جلّ المصالح الغربية في الغابون في قطاعَي النفط والتعدين. وتعدّ فرنسا والولايات المتحدة الأميركية من الدول الغربية التي لها حضور قوي في البلاد. وتشمل الصادرات الأميركية إلى الغابون الآلات والمنتجات الزراعية والمركبات والأجهزة البصرية والطبية، وأبدت واشنطن منذ انقلاب أغسطس/ آب 2023 اهتمامها بتأمين سلاسل توريد المعادن الحرجة في البلاد، وتأمين النفوذ في موانئها لتحقيق الإستراتيجيات الأميركية في المحيط الأطلسي، وذلك عبر تعاونات أمنية واستثمارات كثيرة أشارت إليها واشنطن في بيانها بداية أكتوبر/ تشرين الأول 2024، خلال زيارة قائد الانقلاب الجنرال نغيما إلى الولايات المتحدة.
وقد كان للاستعمار الفرنسي للغابون دور كبير في العلاقات والمصالح الفرنسية في البلاد؛ إذ لم تكن الغابون مجرد حليف تقليدي لباريس، بل احتلت أسرة بونغو مكانة إستراتيجية في السياسة الفرنسية تجاه أفريقيا.
ويوجد في الغابون مجتمع كبير من الفرنسيين المتجنّسين في البلاد. وتستضيف الغابون أيضًا عناصر عسكرية فرنسية (يقدّر عددهم بـ 350 جنديًا) تتمركز في البلاد منذ الاستقلال في عام 1960.
وتتمتع الشركات الفرنسية في الغابون بمصالح اقتصادية أكبر بكثير من أي دولة أجنبية أخرى، وتوجد نحو 80 شركة فرنسية مسجلة في البلاد، إلى جانب العشرات من الشركات الصغيرة والتجار والمطاعم والمحامين وشركات التأمين وشركات الخدمات المالية.
وما يؤشر على العلاقات الغابونية الفرنسية، أن الغابون في عام 2022 أكبر وجهة للصادرات الفرنسية بين الدول الست الأعضاء في الجماعة الاقتصادية والنقدية لوسط أفريقيا (التي تضم أيضًا الكاميرون وجمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد وجمهورية الكونغو وغينيا الاستوائية).
وكشفت تقارير عن بيع الشركات الفرنسية في الغابون ما قيمته 585 مليون دولار من المنتجات الزراعية والغذائية والسلع الرأسمالية والكهربائية والإلكترونية، ومعدات تكنولوجيا المعلومات ومنتجات صيدلانية وغيرها.
هذا إلى جانب الشركات الفرنسية الكبرى في الغابون، مثل شركة كوميلوج التابعة لمجموعة التعدين الفرنسية إيراميت، والتي تستخرج من مناجم مواندا (أكبر مناجم المنغنيز في العالم) 90 في المئة من المنغنيز بالغابون. وهناك شركة سيتراج (التابعة لإيراميت)، التي تدير ترانسغابونيس – خط السكة الحديدية الوحيد في الغابون.
وفي مجال النفط الغابوني تعمل شركة توتال إنرجيز منذ عام 1928، حيث تدير الشركة سبعة مواقع لاستخراج النفط في الغابون وعشرات من محطات الوقود، واستثمرت في عام 2022 في قطاع الغابات. وهناك شركة موريل آند بروم التي تنشط في استكشاف وإنتاج الهيدروكربونات، وشركة بيرينكو النفطية ومقرها في لندن وباريس.
وباعتبار العلاقات الاستثنائية بين أسرة بونغو وباريس والنخبة السياسية الفرنسية والتي ساهمت في كثرة الاستثمارات الفرنسية في قطاعات رئيسية في الغابون؛ فإن تراجع الدعم الفرنسي للرئيس علي بونغو، قد يكون نتيجة الأزمة السياسية التي سبّبها مرضه في عام 2018، والذي أثّر سلبًا في قدرته على ممارسة مهام سلطته، حيث اعتمد في حكمه على أفراد عائلته المقربين، وفشلت محاولة انقلاب في يناير/ كانون الثاني من عام 2019 أثناء فترة تعافيه في الخارج.
ويضاف إلى ما سبق أن تلك الفترة (أي عامي 2018 و2019) شهدت تزايد نسبة الغابونيين المستائين من حكومة الرئيس بونغو، مما أفقدها زخمها في الوقت الذي تحدث سلسلة من الانقلابات في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، بدءًا من مالي (في عامي 2020 و2021)، مرورًا بتشاد (في عام 2021)، وغينيا (في عام 2021)، وبوركينا فاسو (في انقلابين عام 2022)، والنيجر (في عام 2023)، والتي ألهمت الجنرال برايس نغيما بإمكانية تنفيذه انقلابًا ناجحًا في الغابون، وأعطته لمحة عن احتمال قبول تحرّكه من قبل المواطنين المستائين من بونغو، وذلك بدعم من الغرب الذي فقد معظم نفوذه في غرب أفريقيا والساحل ويرى في سيطرة شخص داخل القصر على مفاصل السلطة خطوةً استباقية وتأمينًا لمصالحه في المنطقة.
الغرب وانقلاب الغابون
لم يكن الجنرال نغيما دخيلًا على السياسة الغابونية أو وجهًا جديدًا في الصراع على السلطة في البلاد؛ إذ هو ابن عم الرئيس المخلوع علي بونغو، ومقرّب من الرئيس الراحل عمر بونغو (والد الرئيس المخلوع عليّ)، حيث شغل منصب حارسه الشخصي من عام 2005 حتى وفاته في إسبانيا عام 2009.
وأُبْعِد – أي الجنرال نغيما – من السلطة بعد انتخاب علي بونغو خليفة لوالده، ليعمل لمدة 10 سنوات كملحق عسكري في سفارتي الغابون في المغرب والسنغال. وعاد مرة أخرى إلى الواجهة السياسية الغابونية في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2018 ليحلّ محل فريدريك بونغو – الأخ غير الشقيق للرئيس علي بونغو، كرئيس استخبارات الحرس الجمهوري (وحدة عسكرية نخبوية)، وتمت ترقيته في أبريل/ نيسان 2019 إلى رتبة العميد.
ومما خاضه الجنرال نغيما من الصراعات مع الأسرة الحاكمة التوتر الذي وقع بينه وبين السيدة الأولى (سيلفيا بونغو أونديمبا زوجة الرئيس علي بونغو) الحاكمة ووريث الرئاسة المتوقع.
وعلى الخلفية السابقة تأتي الاستجابات الغربية تجاه سيطرة الجنرال نغيما على الحكم بطريقة غير دستورية؛ إذ إن ردود أفعال الغرب لم تكن تقليدية في مجملها، مقارنة باستجاباتها لمعظم الانقلابات العسكرية الأخيرة في الساحل وغرب أفريقيا، ومواقفها من جيوش قادة تلك الانقلابات.
ففي حين أن بياني المملكة المتحدة وكندا أدانا الاستيلاء العسكري غير الدستوري على السلطة في الغابون، ودعوَا إلى إعادة الحكومة الدستورية والحكم الديمقراطي بقيادة مدنية؛ فقد كان الموقف الأميركي مختلفًا. إذ لم تنتقد واشنطن الجيش الغابوني بلهجة قوية كما كانت معتادة في تصريحاتها القوية تجاه الدول الأخرى. بل استغرق من واشنطن وصف ما حدث في الغابون بانقلاب عسكري (وتعليق معظم مساعداتها إلى البلاد) شهرًا ونصف الشهر.
ويتضح الموقف الأميركي أيضًا في ترحيب إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بالجنرال نغيما في بداية أكتوبر/ تشرين الأول 2024 باعتباره بطلًا للديمقراطية. والتقى به أنتوني بلينكين وزير الخارجية الأميركي، حيث اتفق الجانبان على اتخاذ خطوات ملموسة لتعميق العلاقات الثنائية على أساس الأولويات المشتركة، بما في ذلك التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والأمن البحري والحدودي، والحفاظ على البيئة والتعاون الأمني.
وفي تلك الزيارة استضافت غرفة التجارة الأميركية نغيما لحضور مائدة مستديرة للأعمال والتوقيع الرسمي على ست مذكرات تفاهم بين الشركات الأميركية والحكومة الغابونية، إلى جانب الكشف عن دليل الاستثمار لغرفة التجارة الأميركية الذي يسلط الضوء على الفرص التجارية في الغابون، والإصلاحات الجارية في البلاد لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر.
وفي نفس المنوال الأميركي سارت فرنسا والاتحاد الأوروبي، إذ في حين أنهما – أي فرنسا والاتحاد الأوروبي – طالبا بلهجة شديدة إعادة الرؤساء المخلوعين في انقلابات النيجر، ومالي، وبوركينا فاسو، إلا أنهما لم يفعلا ذلك في حالة الغابون. وكان أقصى درجات التصريحات من فرنسا بعد حدوث انقلاب الغابون ما قالته إليزابيث بورن رئيسة الوزراء الفرنسية إن فرنسا تراقب الوضع بأقصى قدر من الاهتمام.
وفي أواخر مايو الماضي (2024)، أي بعد سبعة أشهر فقط من الانقلاب الغابوني، قام الجنرال نغيما بزيارة رسمية إلى فرنسا، حيث اجتمع مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الإليزيه. وانعقد أيضًا أثناء الزيارة المنتدى الاقتصادي الفرنسي الغابوني الأول في باريس، والذي أسفر عن توقيع عدة اتفاقيات بقيمة تزيد عن 739 مليار فرنك أفريقي (أكثر من 1.100 مليار يورو)، إضافة إلى الكشف عن وثيقة الكتاب الأبيض لمنتدى الأعمال الغابوني الفرنسي التي توضح الفرص التجارية للشركات الفرنسية في الغابون.
استجابات الغرب المتناقضة: معايير مزدوجة؟
إن ما سبق عن المواقف الغربية يقوّي الشعور بازدواجية المعايير، حيث أصبح الكثيرون يشيرون إليها كدليل على نفاق الغرب في تعامله مع القيم التي يدّعيها عندما يرتبط الأمر بمصالحه، وأن الدافع الأساسي للغرب بشأن انقلاب الغابون لا يتعلق بالقضايا الديمقراطية والإنسانية، ولكن بالخوف من أن تتولى السلطة حكومة جديدة غير موالية للغرب، مما يؤثر على مصالحه الاقتصادية والعسكرية في البلاد.
فمن جانب، يُلاحظ دور المصالح الإستراتيجية في موقفي فرنسا والولايات المتحدة الأميركية من خلال انقلابي تشاد والنيجر الأخيرين. ففي حالة تشاد رأى جان إيف لودريان وزير الخارجية الفرنسي، أن استيلاء الجيش على السلطة في تشاد ضروري لدواعٍ أمنية.
والمعلوم أن فرنسا تولي لتشاد مكانة إستراتيجية لكون نجامينا مركز القيادة المركزي لعملياتها المختلفة في غرب أفريقيا والساحل. وفي حالة النيجر واجه الدبلوماسيون الأميركيون صعوبة في وصف الإطاحة بالرئيس محمد بازوم بأنها انقلاب، وذلك لما تلعبه النيجر من دور إستراتيجي للأنشطة العسكرية الأميركية في الساحل، ولحقيقة أن البلاد كانت تستضيف قاعدة عسكرية أميركية.
وتتضح النقطة السابقة بشكل أكبر في أن الجنرال نغيما زعيم الانقلاب الغابوني دُعِيَ إلى واشنطن بعد إطاحته غير الدستورية بالحكومة المدنية، بينما لم يُدْعَ زعماء بوركينا فاسو، ومالي، وغينيا، والسودان إلى قمة زعماء الولايات المتحدة وأفريقيا لعام 2022؛ بدعوى أن هذه الدول تشهد تغييرات غير دستورية في الحكومة.
وفي المنوال نفسه، رحّب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالجنرال نغيما في القمة الفرنكوفونية التاسعة عشرة في 4 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، وهي القمة التي حضرها زعماء بارزون من أفريقيا، بينما لم يُدْعَ إليها زعماء مالي، وبوركينا فاسو، والنيجر رغم كون هذه الدول فرنكوفونية.
وقد رفضت السلطات الفرنسية اتهامها بالمعايير المزدوجة، قائلة إن موقفها المختلف من انقلاب الغابون كان نتيجة امتثال الجنرال نغيما للجدول الزمني للانتقال إلى حكومة مدنية، وأنه تعهّد بإجراء انتخابات حرة وشفافة وذات مصداقية، رغم أن الجنرال لم يحدد إلى اليوم مدة الفترة الانتقالية.
من جانب آخر؛ كان لموارد الغابون دور في التكالب الدولي عليها، وخاصة بين الصين، وروسيا، والولايات المتحدة الأميركية، وفرنسا، وذلك لأن وقوع الغابون في قلب أفريقيا واستقرارها النسبي يجعلانها موقعًا مثاليًا للقوى الدولية التي تسعى وراء التحكم العسكري في المحيط الأطلسي، وبوابة مثالية لشركات تلك القوى للدخول إلى السوق الإقليمية الأفريقية التي تضم أكثر من 250 مليون مستهلك، رغم أن الغابون دولة ذات عدد سكان صغير (2.4 مليون نسمة فقط).
بل في سياق التنافسات الجيوسياسية والجيواقتصادية بين الغرب والصين في خليج غينيا؛ تعزّز الغابون في السنوات القليلة الماضية علاقاتها مع الصين، حيث بلغ حجم التجارة الثنائية بين البلدين 4.55 مليارات دولار في عام 2022. ورست سفن البحرية الصينية في الغابون في زيارات ودية في عامي 2018 و2023، وهناك تقارير من وسائل إعلام أميركية حول مساعٍ أميركية لمواجهة خطط الصين لإنشاء قاعدة عسكرية في الغابون.
وكل هذا يفسر سبب الدعم القوي من الغرب للجيش الغابوني؛ لأن وقوف الغرب ضد الانقلاب وقادته سيدفع القادة العسكريين الغابونيين للميل نحو الصين وروسيا، مما سيعطي الصين اليد العليا ويترك الغرب بلا بصمات إستراتيجية كبيرة في وسط أفريقيا وخليج غينيا.
وأخيرًا؛ تشير التحركات والتطورات في الغابون منذ انقلاب 2023 إلى أن قيادة الجنرال نغيما قد لا تكون مختلفة عن سابقتها. كما أن استعداد فرنسا والولايات المتحدة لقبول انقلاب القصر الذي نفّذه نغيما يُفضي إلى مجموعة من التساؤلات حول ما إذا كان الجنرال لن يترشّح للمنصب الرئاسي، وهو يقود انتقالًا إلى الحكم المدني، أو ما إذا كان سيصبح العضو التالي في عشيرة بونغو لحكم البلاد لسنوات أو عقود قادمة، وخاصة أن هناك انقسامًا بين النخبة السياسية في البلاد، بينما تأثير أحزاب المعارضة ضعيف، حيث كان الهدف الرئيسي لمعظم المعارضين السياسيين في الانتخابات على مدى السنوات الماضية، هو إزاحة الرئيس علي بونغو من السلطة، وهو ما تحقّق عبر الانقلاب العسكري.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية