كشفت الحرب التي اندلعت في أبريل 2023 الكثير عن الطبقة السياسية السودانية والمثقفين وصناع الرأي العام. من بين أوجه القصور التي كشفت عنها الحرب انتشار الضحالة واحيانا التدليس الشديد في هذه الأوساط.

لقد تبين أن هناك جيلاً من السياسيين والناشطين الذين تشكلت آفاقهم العقلية بشكل كامل وصارم أيام الدراسة الجامعية أثناء نضالهم ضد الإخوان.

يعاني هؤلاء الطلاب الجامعيون السابقون من مزيج مؤلم من رغبة الثأر من الإخوان والتنافس على السلطة ضدهم.

إن هذه الرضات (تروما) ورغبة الثأر والتنافس على السلطة هي أمور مشروعة ومبررة تماما وحق لهم. ولكن الكارثة تكمن في فقدانهم القدرة على رؤية أي خطر أو مصدر للشر مهما كان ماثلا ومتعينا غير الإخوان.

هذه العقلية المصدومة المرضودة لا تستطيع أن ترى خطر المستنقعات التي يتوالد فيها بعوض قاتل، وقد تزايدت اوهامها إلى درجة أنه – كما تقول النكتة – إذا أصيب أحدهم بالملاريا يتهم بعوضة انثي انوفوليس تنتمي للإخوان أو انها مغفلة نافعة في خدمتهم.

لقد أصبحت هذه العقلية خطراً داهماً وحاضراً على سلامة البلاد ووجودها لأن هوسها بالإخوان يعميها عن الأخطار الكبيرة الأخرى التي تواجه الأمة كخطر الجنجويد وخطر العمالة وخطر النهب الاستعماري المفتت للوحدة الوطنية على سبيل المثال.

لكن العقول المرضودة بالصدمة ليست وحدها. عجز العديد من الاذكياء الطيبين الشرفاء عن استيعاب أن الحرب كانت بمثابة نقطة تحول مفصلية، غيرت قواعد اللعبة وخلقت واقعًا جديدًا تمامًا.

ومن الحمق الشديد الاستمرار في التفكير السياسي بنفس الطريقة وبنفس معطيات ما قبل الحرب كما لو أنها لم تحدث أبدًا، وأن نتبنى نفس المواقف ونفس الارتكازات التحليلية ونفس ثنائيات الخير والشر التبسيطية ونفس هلال-مريخيات السياسية السقيمة.

لقد خلقت الحرب تحديات جديدة تماماً، والموقف الصحيح هو التفكير بطريقة جديدة في ظل التحديات الملموسة الملحة والفورية، وتحديد الأولويات وفقاً للمخاطر الوجودية التي تهدد البلاد هنا الآن، والتوقف عن التفكير المبني على الأحقاد والثأريات القديمة.

لقد سقط الخطاب السياسي لفترة ما قبل الحرب مع أول طلقة والمتشبثون به يمسكون بجيفة ستقتل جراثيمها الجميع.

ومن حسن الحظ وجود مفكرين وعوا فرادة اللحظة وارتفعوا لتحدي الواقع الجديد نذكر منهم ساندرا فاروق كدودة وبركة ساكن وقصي همرور, وعشاري محمود (الاب) ومحمد سليمان ومحمد جلال هاشم وغيرهم.

ولكن للأسف فان صوت العقول المعتقلة في داخل خطاب ما قبل الحرب (بشقيه حسن النية والآخر) ما زال عاليا ومؤثرا. اذ يأتي متمترسا – في افضل حالاته- حماية لعذرية سياسية تساوي بين “طرفي الصراع”. وفي أسوأ حلاته يخدم الغزاة المغتصبين عمدا بتوزيع مختل وانتقائي للإدانات والسكوت الطوعي ولكنه يتخابث ويتذاكي ولا يجرؤ علي التصريح فالشينة منكورة.

معتصم أقرع

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

لم أعد شابا ولا أسير بسلاسة كما في السابق ولكن.. بايدن يشعل تفاعلا بخطاب بعد مناظرة ترامب

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)—أثار الرئيس الأمريكي، جو بايدن، تفاعلا بين نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي في خطاب ألقاء عقب مناظرة سلفه دونالد ترامب والانتقادات التي واجهها حول أدائه.

وتداول نشطاء مقاطع فيديو لتصريحات بايدن خلال خطاب ألقاه في كارولاينا الشمالية أمام حشود من مؤيديه قائلا: "دعوني اختم بهذا.. أعلم أنني لست شابا يافعا، لنقول الواضح، لا أسير بسهولة كما كنت بالسابق ولا اتحدث بسلاسة كما كنت بالسابق ولا اناظر جيدا كما كنت بالسابق، ولكن أعلم ما أعلم، أعلم كيف أقول الحقيقة، أعلم الصواب من الخطأ واعلم كيف أقوم بهذا العمل، أعلم كيفية تنفيذ الأمور.."

وتابع بايدن في الكلمة التي نشرها على صفحته بمنصة أكس (تويتر سابقا): "أعلم كما يعلم الملايين من الأمريكيين عندما تسقط فإنك تنهض مجددا.. أعلم كيف انهض باقتصادنا من أعماق الجائحة كما هي اليوم اقوى اقتصاد في العالم.. أعلم ما يتطلبه الأمر لحشد العالم للوقوف بوجه بوتين والدفاع عن الحرية وليس الانحناء أمامه.."

أظهر استطلاع أجرته شبكة CNN وSSRS تراجع آراء مراقبي المناظرة تجاه بايدن قليلاً بعد المناظرة: 31% فقط نظروا إليه بشكل إيجابي، مقارنة بـ 37% في استطلاع أجري على نفس الناخبين قبل المناظرة، على النقيض من ذلك، كان 43% من مراقبي المناظرة ينظرون إلى ترامب بشكل إيجابي، على غرار 40% الذين لديهم آراء إيجابية عنه قبل حدث الخميس.

ويقول 48% من مراقبي المناظرة إن ترامب عالج المخاوف بشأن قدرته على التعامل مع الرئاسة بشكل أفضل، بينما قال 23% إن بايدن قام بعمل أفضل و22% لم يفعلها أي من المرشحين. ويعتقد 7% آخرون أن كلا المرشحين قاما بعمل جيد بنفس القدر في تهدئة المخاوف.

مقالات مشابهة

  • إليسا تكشف حقيقة زواجها.. “معقول وين وصلت العالم!”
  • الصمت الانتخابي.. فترة التفكير الحر للناخبين
  • لم أعد شابا ولا أسير بسلاسة كما في السابق ولكن.. بايدن يشعل تفاعلا بخطاب بعد مناظرة ترامب
  • الإمارات الأولى عربياً في «التفكير الإبداعي» و«المعرفة المالية»
  • مصطفى بكري: مصر كانت تمضي نحو الحرب الأهلية قبل ثورة 30 يونيو
  • الجنوب أسير الحل الدبلوماسي الأميركي
  • مذيعة الحدث تنهار باكية بعد قصة اغتصاب أسير فلسطيني من قبل كلب .. فيديو
  • بين العلم والدين.. تقف الفلسفة بين الاثنين
  • ندوة تؤكد أهمية تكاتف الجهود لمكافحة المخدرات بولاية طاقة
  • أسير يتحدث عن نقص العناصر في قوات الدفاع الإشعاعي والكيميائي والبيولوجي الأوكرانية