ليس خافيا أن حكومة صنعاء كانت تصرف رواتب الموظفين بشكل متواصل وبدون تأخير، وكانت تصل الأموال من بنك صنعاء عبر الطائرات إلى عدن وبقية المحافظات، وكان البنك المركزي بصنعاء يصدر الأوامر بالصرف بشكل دوري، وصرفت في تلك الفترة لكل الموظفين المدنيين والعسكريين والأمنيين بمن فيهم أولئك الذين يقاتلون ضد صنعاء إلى جانب تحالف العدوان على اليمن، ولم تنقطع إلا مع نقل البنك المركزي ووظائفه إلى عدن المحتلة، ومنذ ذلك الحين، انقطعت الرواتب عن الموظفين، ولم تعد الحكومة قادرة على صرفها بسبب تحويل وظائف البنك، واستيلاء المرتزقة على الأرصدة الخارجية، والإيرادات الداخلية من المناطق المحتلة، وهي المنافذ الوحيدة التي ظلت مفتوحة، مع إغلاق كل المنافذ في مناطق حكومة صنعاء، برا وجوا، وتقييد خطير لوصول الواردات عبر ميناء الحديدة استمر في التصاعد حتى تعطل الميناء بشكل كامل في العام الذي سبق إقرار الهدنة الإنسانية، أبريل 2022.
هذه المقدمة، للتذكير بحجم الحرب الاقتصادية التي شنها العدوان، واستهدفت لقمة العيش كورقة حرب، لا تنازع.. تنازلات، لم تستطع السعودية فرضها بالحرب والعدوان والمجازر.
كان الشعب اليمني قويا وصامدا في وجه كل أنواع الحرب التي شنت عليه، منذ 26 مارس 2015، وكان على وعي كامل بأهداف العدوان الخبيثة، التي استهدفت كل شيء قتلا وتدميرا، ولم تستثن المدارس ولا الجسور ولا الأسواق ولا العزاءات ولا الأعراس ولا حتى المقابر.
لقد كانت حرباً شرسة ومتوحشة قادتها السعودية، وأيّدتها جحافل الارتزاق على كل جريمة ارتكبتها في اليمن، بل وذهبت لسوق كل المبررات والعلل الكاذبة والمخادعة.
اليوم.. العدوان مستمر، والحرب مستمرة، وإن كان هناك خفض للتصعيد العسكري الميداني، فللحرب ألف وجه، سياسي وإعلامي واقتصادي وغيره.
وقد أثبت شعبنا إصراراً قوياً على الانتصار، ووعياً كبيراً في المواجهة، وشهدت الميادين عملا حثيثا على هزيمة العدوان وإفشال أهدافه، فكانت العمليات العسكرية، والإجراءات الاقتصادية.
حكومة المجلس السياسي الأعلى بدورها سواء في المجلس السياسي الأعلى، بقيادة الرئيس المشاط، أو في رئاسة الوزراء، واللجنة الاقتصادية، وحتى الوفد الوطني المفاوض، تضع في أولوياتها صرف رواتب الموظفين، وتم في اتفاق السويد إقرار بند متعلق بصرف الرواتب، وفتحت الحكومة حسابا خاصا في فرع البنك بالحديدة وفقاً لاتفاق السويد، على أن يتم استيفاء مبلغ الرواتب من بنك عدن ومن عائدات الثروة النفطية والغازية، لأن إيرادات الحديدة لا تتجاوز 7 مليارات ريال، بينما مبلغ الرواتب يصل إلى 70 مليار ريال، وفقاً لكشوفات 2014، ما يعني أن إيرادات الحديدة تمثل فقط 10% من قيمة الرواتب كاملة لجميع موظفي الجمهورية مدنيين وعسكريين.
رغم مضي خمس سنوات على اتفاق السويد، إلا أن الطرف الآخر لم يف بالتزاماته حتى هذه اللحظة، ولا تزال قوى العدوان ومرتزقتها يصرون على أن تبقى رواتب الموظفين ورقة مساومة، للضغط على صنعاء ومواصلة الحرب الشاملة ضد أبناء الشعب اليمني، والهدف معروف للجميع.
أوفت الحكومة بالتزامها في الاتفاق، وحوّلت الأموال المخصصة في فرع البنك في الحديدة، وصرفت منها رواتب الموظفين، تقريباً كل ثلاثة أشهر، لصرف نصف راتب فقط، ولا تزال تطالب الأمم المتحدة لإرغام الطرف الآخر على دفع حصته في الرواتب حسب اتفاق السويد.
لم تترك الحكومة أي فرصة أو وسيلة للتخفيف عن المواطنين، والتزمت إجراءات اقتصادية ناجحة، فضبطت سعر الصرف عن مستوى 530 ريالاً للدولار، مقابل انهيار متواصل في عدن المحتلة، وصل إلى أكثر من 1400 ريال للدولار الواحد.
النجاح في ضبط سعر الصرف، حافظ على قيمة الراتب الذي تصرفه صنعاء، وأصبحت قيمة راتب شهر في صنعاء، تساوي رواتب ثلاثة أشهر في عدن المحتلة.
كانت حكومة صنعاء تستطيع الاحتيال وترك سعر الصرف ينهار، ليوازي مثله في المناطق المحتلة، مع رفع موازي للدولار الجمركي بسعر السوق، عندها سترتفع إيراداتها بالريال إلى ثلاثة أضعاف، وستكون قادرة على صرف الراتب ربما كاملا، لكنه سيكون حينها بلا قيمة، بل سيساهم هذه في تدهور أسرع لن يتوقف ولا حتى عند 5000، حسب الخبراء الاقتصاديين، لأنه ببساطة سيفتح شهية لصوص المرتزقة للمزيد من الطباعة، دون غطاء قانوني.
الحكومة في الواقع وقيادة المجلس السياسي الأعلى، واللجنة الاقتصادية رفضت تلك الإجراءات، من أجل أن تحافظ على قدر معقول من قيمة الراتب، وقدرته الشرائية، مع مواصلة الضغط على تحالف العدوان للوفاء بالتزام السويد، لصرف بقية المبلغ المتفق عليه.
وبهذا يظهر أن الميزة التي تحققها إجراءات البنك المركزي في صنعاء لضبط سعر الصرف، هي في الحقيقة من صالح المواطن وليست في صالح حكومة صنعاء أبداً. نعيد التأكيد على أن الحكومة لم تدخر وسيلة للتخفيف عن المواطنين من آثار الحرب الاقتصادية، وقد جربت فكرة البطاقة التموينية، لكنها خلقت مشاكل أكثر من الحلول، ولا تزال تعاني منها إلى اليوم، وهذا ما كشفه الرئيس المشاط في عمران، ولم يكتب لها النجاح.
على كل حال، فإن البلد في ظل هذا العدوان المستمر، لن يتعافى بالحلول الترقيعية، والإجراءات مهما كانت فعالة، فإنها لا ترقى لفعالية الاستفادة من الثروات الوطنية، ولذلك تصر القيادة على أن الهدنة لن تستمر على هذا الحال، وتهديد الرئيس المشاط واضح: بالاستعداد للذهاب للتصعيد العسكري، من أجل استعادة حقوق الموظفين، ورواتبهم، قبله كان السيد عبدالملك الحوثي أيضا صريحاً في تهديد السعودية، بأن نيوم والاستثمارات الاقتصادية لن تكون في مأمن طالما شعبنا يعيش هذه الظروف الصعبة والمعانة الكبيرة.
الخطوات العملية لمنع نهب الثروة النفطية والتي تم تثبيت معادلاتها بعملية الضبة، قبل عام، ثم ما كشفه الرئيس المشاط بمنع محاولات أربعة أيام مع شركات نهب الغاز من ميناء عدن، كلها خطوات تثبت أن حقوق اليمنيين ليست للمساومة، وليست محلاً للتفاوض، وأن هذه المعادلات يمكن أن تتطور، لتشمل موانئ العدوان، ومنعهم من الاستفادة من ثرواتهم واقتصادهم، في ظل معاناة اليمنيين.
بقي شيء يجب أن يشار إليه هنا، في عام 2014 كانت الإيرادات ترليونين و231 مليار ريال، منها اكثر من 50 % ترليون، 186 مليار، إيرادات النفط والغاز، بينما وصلت النفقات ترليونين، 567 مليار ريال، منها اكثر من الثلث، 927 ملياراً، تحت بند المرتبات والأجور، وفي العام التالي وهو أول عام للعدوان، 2015 ، فقد كانت الإيرادات ترليوناً 53 ملياراً فقط، النفقات ترليون و909 مليارات.. بانخفاض في الإيرادات إلى أقل من 50 % بسبب العدوان والحصار، وكان من المنطقي أن ترتفع النفقات لمواجهة العدوان، إلا أنها انخفضت بشكل ملحوظ، بمقدار 658 ملياراً، ولم ترتفع النفقات.
وبالنظر إلى تلك الأرقام، وتطبيقها على واقع اليوم، فان صنعاء فقدت النسبة الأكبر من الإيرادات، لا سيما بعد نقل البنك إلى عدن المحتلة، وسيطرة قوى العدوان ومرتقتها على الإيرادات الرئيسية في البلاد ، النفط والغاز، والمنافذ البرية والبحرية، وإغلاق المنافذ البرية والبحرية والجوية لحكومة صنعاء، باستثناء رفع بعض القيود مؤخرا عن ميناء الحديدة ومطار صنعاء، إلا أن الإيرادات هنا تظل في مستوياتها الدنيا، واذا أخذنا بعين الاعتبار أن حكومة صنعاء تتقاضى الجمارك وفقا لسعر الدولار 250 ريالا فقط، فإنها تتقاضى فقط نصف المبلغ المفترض، وهذا من اجل تخفيف الأعباء على المواطن ومنع الأسعار من الانفلات، وقيمة العملة من التدهور.
فيكون السؤال المنطقي اليوم هو: كيف استطاعت صنعاء مواجهة كل هذا العدوان، على مدى أكثر من ثمان سنوات، وكيف تنفق على الجانب العسكري، ومن أين، وقد تم قطع كل الإيرادات إلا القليل منها.
في ظل العدوان والحصار، وما تتطلبه مواجهة العدوان من نفقات، تنوء بحملها دول مثل أوروبا، وما يجري في أوكرانيا وحجم الأموال التي وصلت إلى كييف من أوروبا وأمريكا، يكفي لمعرفة حجم حاجة اليمن لمواجهة كل هذا العدوان، والذي في اقل الأحوال يمكن مقارنته بما يجري في أوكرانيا، مع هذا فان اليمن محاصر، ولا يصله أي نوع من المساعدات، وحتى ما تعلنه الأمم المتحدة، ما هو إلا معشار معشار ما تعلنه في أوكرانيا، أما المساعدات العسكرية فحدث ولا حرج، فقد تجاوزت مئات المليارات من الدولارات، أما اليمن فبالكاد يدافع عن نفسه أمام عدوان همجي من أغنى دول العالم تقف معها أقوى دول العالم، وتتواصل إليها شحنات الأسلحة، بمئات المليارات من الدولارات، فعن أي ميزانية يمكن أن نتحدث لتقوى على كل هذه المواجهة، أنها المعجزة فقط، أنها العناية الإلهية، ولله الحمد من قبل ومن بعد.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
«خبط عشواء» أمريكي في اليمن: العمى الاستخباراتي متواصل
الجديد برس..| تقرير*شنّت الطائرات الأميركية عدواناً جوياً واسعاً طاول صنعاء وعدداً من المحافظات، إلا أن أهداف هذا العدوان، والتي تزعم واشنطن أنها عسكرية، كانت في الواقع أحياء سكنية ومناطق ريفية خالية من أي تواجد عسكري. وتسبّب القصف بأضرار واسعة في منازل المواطنين وممتلكاتهم، ووقوع إصابات في العاصمة ومحافظات عدة منها محافظة صعدة. وقالت مصادر أمنية في صنعاء، لـ»الأخبار»، إن العدوان الأميركي طاول مناطق مأهولة بالسكان في منطقة صرف الواقعة في نطاق مديرية بني الحارث، ومنطقة السواد جنوب العاصمة.
وفي الوقت الذي قالت فيه وسائل إعلام موالية لدول التحالف السعودي – الإماراتي، إن القصف طاول معسكرات يمنية في جبل نقم وقاعدة الديلمي العسكرية الواقعة بالقرب من مطار صنعاء الدولي، أكّدت مصادر محلية أن العدوان استهدف منطقة خالية تقع بالقرب من منازل المواطنين في محيط المطار، في منطقة بيت البرطي في مديرية بني الحارث. وعلى رغم ازدحام شوارع صنعاء بالباعة والمتسوّقين لشراء احتياجات عيد الفطر، استهدف الطيران الأميركي، فجر أمس، وسط العاصمة بغارة عنيفة طاولت منطقة القيادة في مديرية التحرير، ما أدّى إلى تضرر منازل المواطنين والمتاجر المحيطة بالمكان. وأظهرت مقاطع فيديو أضراراً كبيرة في شوارع صنعاء، وخاصة شارع القيادة والشوارع المحيطة به.
صنعاء تطلق صواريخ دفاع جوي على الطائرات الأمريكية
كما شنّت الطائرات الأميركية غارات مكثّفة على محافظات صعدة والجوف والحديدة ومأرب وعمران، وسط مزاعم أميركية عن التمكّن من استهداف قيادات في حركة «أنصار الله»، بعد تلقّي واشنطن معلومات استخباراتية من إسرائيل. وأكّد شهود عيان أن الطائرات الأميركية ألقت أجساماً مضيئة فوق بعض مناطق عمران، إلا أن مصادر عسكرية مطّلعة قالت إن الأمر يتعلّق ببالونات يطلقها الطيران المعادي عندما يتعرّض لهجوم بصواريخ دفاع جوي حرارية. ووفقاً لهذه الرواية، فإن ما حدث في أعقاب إطلاق الطيران الأميركي تلك الأجسام، من استهداف مكثّف لمناطق اللبداء والعمشية وحباشة والعادي والعبلا بنحو 19 غارة أميركية، يدل على أن قوات صنعاء أطلقت صواريخ حرارية حاولت من خلالها إسقاط طائرات أميركية مشاركة في الغارات، خاصة أن القصف المكثّف جاء بعد ثلاث ساعات من الحادثة.
وعلى أي حال، أكّدت العمليات الهجومية الأميركية الجديدة أن واشنطن تواصل حربها في اليمن من دون أهداف، وأن فشل إدارة ترامب في تحقيق أهدافها سيكون أضعاف فشل إدارة الرئيس السابق، جو بايدن، والذي نتج منه تعاظم قدرات «أنصار الله» العسكرية، على رغم تنفيذ أكثر من ألف غارة على اليمن. وفي وقت تكثّفت فيه الضربات الأميركية على مدى الأسبوعين الماضيين، تفيد كل المؤشرات بأن نتائجها ستكون عكسية، خاصة أنها تحصل في أماكن سبق استهدافها، ما يعكس استمرار الفشل الاستخباراتي الكبير الذي رافق الجولة الأولى من الحرب، في عهد الإدارة السابقة.
* الأخبار البيروتية