عربي21:
2025-02-07@16:51:17 GMT

أفريقيا وعودة الانقلابات

تاريخ النشر: 4th, September 2023 GMT

ظلت أفريقيا لعقود مثالا سيئا عن ظاهرة الانقلابات العسكرية، فما بين 1960، وهو تاريخ بداية استقلال الأقطار الأفريقية عن الاستعمار، وعام 2000، قُدر متوسط الانقلابات في القارة السمراء بأربع محاولات كل عام. ففي سنة 2021 لوحدها وقعت ستة انقلابات نجح منها أربعة في كل من مالي والسودان وغينيا كونكري وبوركينا فاسو، وخلال صيف 2023، حصل انقلابان في كل من النيجر والغابون، ولا يُعرف على وجه اليقين أين ومتى تتوقف موجة الانقلابات العسكرية في القارة الأفريقية.



كُتب الكثير عن الظاهرة الانقلابية في أفريقيا، ومصادر استبداد العسكر بالسلطة في هذه البلاد، فأظهرت التجارب، بما لا يترك مجالا للشك، بأن عوامل التفسير عديدة ومتنوعة، يتقاطع فيها الخارج والداخل، وتتضافر من أجل وقوعها ضغوطات التاريخ، وحتمية الجغرافيا، ومسؤولية الجهل والفقر والتخلف، علاوة طبعا على الاستعمار، ومظاهر استمراره في الاقتصاد والسياسة والثقافة والمجتمع. ثم إن التوزيع الجغرافي للانقلابات غير موحد بين مناطق أفريقيا وجهاتها الكبرى، حيث تحظى منطقة الساحل بالنصيب الأكبر من عدد المحاولات الانقلابية الناجحة منها والفاشلة، إذ أفادت بعض الدراسات أن من أصل 25 انقلابا ناجحا منذ 1990 في غرب أفريقيا، كان نصيب الساحل وحده 12، و8 انقلابات في خليج غينيا. وتؤكد الأحداث المتواترة في القارة أن ظاهرة الانقلابات مرشحة للزيادة في هذه المنطقة، لاعتبارات أمنية، وجيوسياسية، واقتصادية.

أظهرت التجارب، بما لا يترك مجالا للشك، بأن عوامل التفسير عديدة ومتنوعة، يتقاطع فيها الخارج والداخل، وتتضافر من أجل وقوعها ضغوطات التاريخ، وحتمية الجغرافيا، ومسؤولية الجهل والفقر والتخلف، علاوة طبعا على الاستعمار، ومظاهر استمراره في الاقتصاد والسياسة والثقافة والمجتمع. ثم إن التوزيع الجغرافي للانقلابات غير موحد بين مناطق أفريقيا وجهاتها الكبرى، حيث تحظى منطقة الساحل بالنصيب الأكبر
فلو تأملنا في عدد الانقلابات التي حصلت في أفريقيا على مدار ستة عقود أعقبت الإعلان عن الاستقلال، وهو ما قدرته الكثير من الدراسات بقرابة 200 انقلاب أو أكثر بقليل، بين ناجح وفاشل، لوجدنا أن المعطى الأمني حاضر بقوة في الكثير منها، لا سيما تلك التي وقعت في غرب أفريقيا ومنطقة الساحل. فمن جهة، ثمة هشاشة أمنية، حيث تشترك دول هذه المنطقة في ضعف إمكانياتها لمواجهة التحديات الأمنية الناجمة عن الصراعات الداخلية، وأنشطة الجماعات الإرهابية بكل أنواعها، وما يترتب عن العمليات المحظورة دوليا، والتي غالبا ما تجد في هذه المنطقة بيئة ملائمة ومشجعة لها، من قبيل تهريب المخدرات، والاتجار في البشر.

وقد قدمت دولة مالي في هذا الصدد نموذجا لافتا لتغلغل أعمال العنف والإرهاب في أراضيها، واستعصاء التغلب عليها من قبل الدولة، مما جعل الأراضي المالية مجالا مفتوحا للجيوش الأجنبية، لا سيما الغربية والفرنسية على وجه التحديد، بل الحالة نفسها حصلت في دولة بوركينا فاسو منذ العام 2015، حين داهمتها تنظيمات متطرفة، مثل "داعش" و"القاعدة"، مخلفة أضرارا بشرية ومادية جسيمة، وشردت قرابة 15 مليون من المواطنين، عجز الحكم المدني عن التصدي لها، فكان مآله الإطاحة والانقلاب عليه.

بيد أن فهم انتشار الظاهرة الانقلابية في القارة الأفريقية، مع وجود تباينات في توزيها الجغرافي، لا يستقيم بالتركيز على الهشاشة الأمنية، على أهميتها، بل تتضافر معها محددات أخرى لا تقل أهمية في تعرية مصادر الروح الانقلابية في السياق الأفريقي.

الديمقراطية لا تستقيم مع الفقر وضيق العيش والهشاشة الاجتماعية، بل خلافا لما ظنت الدعوات الغربية، يشكل الفقر عائقا أساسيا وقاتلا للديمقراطية، لأن استبداد الجوع بالناس يمنعهم من امتلاك الحس المدني والثقافة المواطنة، والاحتكام لسلطان القانون وحكم المؤسسات، ويحولهم في الغالب إلى قوى مضادة للديمقراطية
ويبرز في هذا المضمار فشل النموذج الأوروبي والغربي لبناء الديمقراطية والدعوة إلى إرساء مؤسساتها، أي ما يسمى "المشروطية الأوروبية" (Conditionnalité européenne)، التي تصدرت فرنسا الدعوة إليها والتبشير بفوائدها على عموم بلدان القارة. والحال أن المحصلة الإجمالية لم تكن كما توقعتها الأوساط الغربية، حتى حين تراجعت الحرب الباردة نهاية الثمانينيات (1989)، وانطلاق موجة الدمقرطة عبر الندوات الدستورية الكبرى في أفريقيا مع العقد الأخير من القرن الماضي.

فاشتراط الديمقراطية وفرضها بالقوة المباشرة وغير المباشرة على بلدان القارة الأفريقية، لا سيما الناطقة بالفرنسية، من أجل المحافظة على الدعم والتعاون والمساعدة الغربية، لم يتأسس على فهم سليم للواقع الأفريقي في تعقيده وتنوع مكوناته السسيوثقافية والإثنية. ثم إن الديمقراطية في أصل نشأتها وتطورها التاريخي لم تستقم في الممارسة، وتتوطن في الثقافة لو لم تتوفر لها ظروف حاضنة، وعلى رأسها مستوى التعليم، ودرجة الثقافة السياسية المشاركة، وحيّز واضح ومقبول من الرفاه والعيش الكريم، وهو ما ظل محدودا وشبه منعدم في الكثير من الدول الأفريقية.

فالديمقراطية لا تستقيم مع الفقر وضيق العيش والهشاشة الاجتماعية، بل خلافا لما ظنت الدعوات الغربية، يشكل الفقر عائقا أساسيا وقاتلا للديمقراطية، لأن استبداد الجوع بالناس يمنعهم من امتلاك الحس المدني والثقافة المواطنة، والاحتكام لسلطان القانون وحكم المؤسسات، ويحولهم في الغالب إلى قوى مضادة للديمقراطية، ويجعل من سلوكياتهم معاول لنقض وتقويض البناء الديمقراطي.

تجد عودة تجد عودة الانقلابات إلى أفريقيا مصادرها في العوامل ذاتها: الفقر والهيمنة الاستعمارية بكل أشكالها وأدواتها. ثم إن بعضا من الدول الأفريقية التي تمكنت من رفع تحدي الفقر، والخروج من عباءة الاستعمار، تتصدر اليوم قائمة الدول ذات معدل النمو المرتفع، والاستثمار الفعلي في الإنسان
لذلك، خلص أحدى تقارير منظمة "فريدوم هاوس" (Freedom House)، صدرت في شباط/ فبراير 2017، إلى أنه على الرغم من التحسن المضطرد لمناخ الحريات، وهي مفاتيح للديمقراطية ومن نتائجها المباشرة. إذ من أصل 54 دولة أفريقية، تعرف عشر دول منها حرية تامة، بينما تتمتع 21 بحرية جزئية، في حين ما زالت 23 دول بدون حرية.

لكل ما سبق، تجد عودة تجد عودة الانقلابات إلى أفريقيا مصادرها في العوامل ذاتها: الفقر والهيمنة الاستعمارية بكل أشكالها وأدواتها. ثم إن بعضا من الدول الأفريقية التي تمكنت من رفع تحدي الفقر، والخروج من عباءة الاستعمار، تتصدر اليوم قائمة الدول ذات معدل النمو المرتفع، والاستثمار الفعلي في الإنسان، وما يمكنه من المساهمة في إنتاج الثروة الوطنية، من قبيل التعليم والتربية، والصحة، والتنمية المستدامة.

وإذا كانت الانقلابات حركة غير مقبولة، لصلتها البعيدة والمتناقضة مع القانون وحكم المؤسسات، فهي تعبر، بشكل ما، عن خيبات أمل المجتمعات التي لم تجرب بعد بدائل حقيقية لأنظمة الحكم، وبناء المؤسسات، وما يبدو واضحا أن دائرة العودة ستتسع، وأن دولا أخرى قد تعرف المالات نفسها.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه أفريقيا الانقلابات الديمقراطية انقلاب أفريقيا الديمقراطية الإستعمار التنمية مقالات مقالات مقالات سياسة اقتصاد رياضة سياسة رياضة صحافة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی القارة

إقرأ أيضاً:

ما هي الدول الأوروبية التي تعاني أكثر من غيرها من مشاكل التركيز والذاكرة؟

يعاني 15 في المئة من الأشخاص في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي من مشاكل متوسطة إلى حادة في التركيز والذاكرة. ووجد المكتب الإحصائي للجماعات الأوروبية علاقة بين هذه الأعراض وتدني مستوى المعيشة.

اعلان

كشفت أبحاث معهد يوروستات أن ما يقرب من 14.9% من الأشخاص في الاتحاد الأوروبي يعانون من مشاكل متوسطة إلى شديدة في التركيز والذاكرة.

في أوروبا ككل، كانت أعلى المعدلات بشكل عام في دول الشمال الأوروبي: حوالي 34% في النرويج وفنلندا، وحوالي 27% في الدنمارك.

إذا أخذنا في الاعتبار الفئة العمرية 65 عامًا فأكثر فقط، يتضاعف المعدل الإجمالي في الاتحاد الأوروبي إلى 30%.

ولدى كرواتيا أعلى معدل بنسبة 53%، تليها رومانيا وإستونيا بنسبة 45%.

Relatedدراسة: سيجارة واحدة تقصر العمر 20 دقيقة وعلبة كاملة تفقدك 7 ساعات من حياتكدراسة: باحثون يحددون عوامل خطر وراثية جديدة للاكتئاب.. ماذا يعني ذلك وماذا نعرف عنها؟دراسة: خفض استهلاك التبغ والكحول قد يمنع 3 ملايين إصابة بالسرطان بحلول 2050

على الطرف الآخر من الطيف هناك مالطا، ما يقرب من 15%، وأيرلندا بنسبة تزيد قليلاً عن 16% والمجر بنحو 20%.

وجد الباحثون أن هذه الأعراض موجودة بشكل أكبر بين الأشخاص المعرضين لخطر الفقر.

ففي كرواتيا، على سبيل المثال، يرتفع معدل الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في التركيز والذاكرة بنحو 24 نقطة مئوية لدى الأشخاص الذين يعانون من ظروف مالية صعبة، وهو أعلى تفاوت في الاتحاد الأوروبي، تليها إستونيا ولاتفيا والسويد.

منتج شريط الفيديو • Mert Can Yilmaz

Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية كيف اهتدى دونالد ترامب لفكرة تحويل غزة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط"؟ السلفادور تفتح أبوابها لـ "المجرمين الخطرين" المرحّلين من الولايات المتحدة "القاتل الصامت".. كيف يهدد التلوث الضوضائي صحة مواطني الاتحاد الأوروبي وأطفالهم؟ أوروباكبار السندراسة سكانية - ديموغرافيايوروستاتاعلاناخترنا لكيعرض الآنNext زيلينسكي: لن أكون لطيفًا مع بوتين لكنني مستعد للتفاوض من أجل السلام وقد نخسر بعض الأراضي يعرض الآنNext ترامب يريد الاستثمار بغزة.. رغبة الرئيس الأمريكي بالسيطرة على القطاع وتهجير سكانه تثير الجدل يعرض الآنNext حصري: تشريع أوروبي جديد ينص على إنشاء مراكز احتجاز للمهاجرين خارج حدود التكتل يعرض الآنNext وزير خارجية إيران ردا على ترامب: سياسة "الضغط الأقصى" فشلت سابقا وستفشل مجددا يعرض الآنNext نتنياهو: ترامب أفضل صديق في تاريخ إسرائيل واليمين المتطرف يعلّق "مقترحه حول غزة قنبلة" اعلانالاكثر قراءة جوائز غرامي 2025: إطلالة بيانكا سينسوري تثير الاستهجان وانتقادات لقبعة جادن سميث أطويلٌ طريقنا أم يطولُ.. نتنياهو يتجنب العبور فوق الدول الممتثلة لقرار اعتقاله في رحلته إلى واشنطن النرويج تتجه لحظر منتجات "تيمو" والسبب: مواد مسرطنة في ألعاب أطفال وتهديد للخصوبة حب وجنس في فيلم" لوف" مسابقة "بوم بوم" لاختيار أجمل مؤخرة امرأة بالبرازيل اعلانLoaderSearchابحث مفاتيح اليومدونالد ترامبغزةإسرائيلبنيامين نتنياهوحركة حماسسورياالحرب في أوكرانيا أوروبافلاديمير بوتينإسبانياسياحةأسرىالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2025

مقالات مشابهة

  • المخرج الكاميروني جان ماري تينو بمهرجان الإسماعيلية: السينما الأفريقية واجهت الاستعمار
  • تعرف على الدول الأفريقية الأكثر استهلاكا للنفط في 2025 (إنفوغراف)
  • الدول الأفريقية الأكثر استهلاكا للنفط في العام 2025 (إنفوغراف)
  • جان ماري تينو بمهرجان الإسماعيلية: السينما الأفريقية ناهضت الاستعمار
  • ندوة بالاتحاد الأفريقي عن "الرق وآثاره الكارثية على القارة الأفريقية"
  • مجسم كأس العالم للأندية يصل للأراضي الأفريقية
  • ماذا تعرف عن المحكمة الجنائية الدولية التي عاقبها ترامب؟
  • ما هي الخطوة التالية للجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا بعد مغادرة ثلاثة أعضاء؟
  • العلمي: برلمانات أفريقيا متحمسة للشروع في تنزيل المبادرة الملكية الأطلسية
  • ما هي الدول الأوروبية التي تعاني أكثر من غيرها من مشاكل التركيز والذاكرة؟