عربي21:
2025-03-16@10:27:38 GMT

أفريقيا وعودة الانقلابات

تاريخ النشر: 4th, September 2023 GMT

ظلت أفريقيا لعقود مثالا سيئا عن ظاهرة الانقلابات العسكرية، فما بين 1960، وهو تاريخ بداية استقلال الأقطار الأفريقية عن الاستعمار، وعام 2000، قُدر متوسط الانقلابات في القارة السمراء بأربع محاولات كل عام. ففي سنة 2021 لوحدها وقعت ستة انقلابات نجح منها أربعة في كل من مالي والسودان وغينيا كونكري وبوركينا فاسو، وخلال صيف 2023، حصل انقلابان في كل من النيجر والغابون، ولا يُعرف على وجه اليقين أين ومتى تتوقف موجة الانقلابات العسكرية في القارة الأفريقية.



كُتب الكثير عن الظاهرة الانقلابية في أفريقيا، ومصادر استبداد العسكر بالسلطة في هذه البلاد، فأظهرت التجارب، بما لا يترك مجالا للشك، بأن عوامل التفسير عديدة ومتنوعة، يتقاطع فيها الخارج والداخل، وتتضافر من أجل وقوعها ضغوطات التاريخ، وحتمية الجغرافيا، ومسؤولية الجهل والفقر والتخلف، علاوة طبعا على الاستعمار، ومظاهر استمراره في الاقتصاد والسياسة والثقافة والمجتمع. ثم إن التوزيع الجغرافي للانقلابات غير موحد بين مناطق أفريقيا وجهاتها الكبرى، حيث تحظى منطقة الساحل بالنصيب الأكبر من عدد المحاولات الانقلابية الناجحة منها والفاشلة، إذ أفادت بعض الدراسات أن من أصل 25 انقلابا ناجحا منذ 1990 في غرب أفريقيا، كان نصيب الساحل وحده 12، و8 انقلابات في خليج غينيا. وتؤكد الأحداث المتواترة في القارة أن ظاهرة الانقلابات مرشحة للزيادة في هذه المنطقة، لاعتبارات أمنية، وجيوسياسية، واقتصادية.

أظهرت التجارب، بما لا يترك مجالا للشك، بأن عوامل التفسير عديدة ومتنوعة، يتقاطع فيها الخارج والداخل، وتتضافر من أجل وقوعها ضغوطات التاريخ، وحتمية الجغرافيا، ومسؤولية الجهل والفقر والتخلف، علاوة طبعا على الاستعمار، ومظاهر استمراره في الاقتصاد والسياسة والثقافة والمجتمع. ثم إن التوزيع الجغرافي للانقلابات غير موحد بين مناطق أفريقيا وجهاتها الكبرى، حيث تحظى منطقة الساحل بالنصيب الأكبر
فلو تأملنا في عدد الانقلابات التي حصلت في أفريقيا على مدار ستة عقود أعقبت الإعلان عن الاستقلال، وهو ما قدرته الكثير من الدراسات بقرابة 200 انقلاب أو أكثر بقليل، بين ناجح وفاشل، لوجدنا أن المعطى الأمني حاضر بقوة في الكثير منها، لا سيما تلك التي وقعت في غرب أفريقيا ومنطقة الساحل. فمن جهة، ثمة هشاشة أمنية، حيث تشترك دول هذه المنطقة في ضعف إمكانياتها لمواجهة التحديات الأمنية الناجمة عن الصراعات الداخلية، وأنشطة الجماعات الإرهابية بكل أنواعها، وما يترتب عن العمليات المحظورة دوليا، والتي غالبا ما تجد في هذه المنطقة بيئة ملائمة ومشجعة لها، من قبيل تهريب المخدرات، والاتجار في البشر.

وقد قدمت دولة مالي في هذا الصدد نموذجا لافتا لتغلغل أعمال العنف والإرهاب في أراضيها، واستعصاء التغلب عليها من قبل الدولة، مما جعل الأراضي المالية مجالا مفتوحا للجيوش الأجنبية، لا سيما الغربية والفرنسية على وجه التحديد، بل الحالة نفسها حصلت في دولة بوركينا فاسو منذ العام 2015، حين داهمتها تنظيمات متطرفة، مثل "داعش" و"القاعدة"، مخلفة أضرارا بشرية ومادية جسيمة، وشردت قرابة 15 مليون من المواطنين، عجز الحكم المدني عن التصدي لها، فكان مآله الإطاحة والانقلاب عليه.

بيد أن فهم انتشار الظاهرة الانقلابية في القارة الأفريقية، مع وجود تباينات في توزيها الجغرافي، لا يستقيم بالتركيز على الهشاشة الأمنية، على أهميتها، بل تتضافر معها محددات أخرى لا تقل أهمية في تعرية مصادر الروح الانقلابية في السياق الأفريقي.

الديمقراطية لا تستقيم مع الفقر وضيق العيش والهشاشة الاجتماعية، بل خلافا لما ظنت الدعوات الغربية، يشكل الفقر عائقا أساسيا وقاتلا للديمقراطية، لأن استبداد الجوع بالناس يمنعهم من امتلاك الحس المدني والثقافة المواطنة، والاحتكام لسلطان القانون وحكم المؤسسات، ويحولهم في الغالب إلى قوى مضادة للديمقراطية
ويبرز في هذا المضمار فشل النموذج الأوروبي والغربي لبناء الديمقراطية والدعوة إلى إرساء مؤسساتها، أي ما يسمى "المشروطية الأوروبية" (Conditionnalité européenne)، التي تصدرت فرنسا الدعوة إليها والتبشير بفوائدها على عموم بلدان القارة. والحال أن المحصلة الإجمالية لم تكن كما توقعتها الأوساط الغربية، حتى حين تراجعت الحرب الباردة نهاية الثمانينيات (1989)، وانطلاق موجة الدمقرطة عبر الندوات الدستورية الكبرى في أفريقيا مع العقد الأخير من القرن الماضي.

فاشتراط الديمقراطية وفرضها بالقوة المباشرة وغير المباشرة على بلدان القارة الأفريقية، لا سيما الناطقة بالفرنسية، من أجل المحافظة على الدعم والتعاون والمساعدة الغربية، لم يتأسس على فهم سليم للواقع الأفريقي في تعقيده وتنوع مكوناته السسيوثقافية والإثنية. ثم إن الديمقراطية في أصل نشأتها وتطورها التاريخي لم تستقم في الممارسة، وتتوطن في الثقافة لو لم تتوفر لها ظروف حاضنة، وعلى رأسها مستوى التعليم، ودرجة الثقافة السياسية المشاركة، وحيّز واضح ومقبول من الرفاه والعيش الكريم، وهو ما ظل محدودا وشبه منعدم في الكثير من الدول الأفريقية.

فالديمقراطية لا تستقيم مع الفقر وضيق العيش والهشاشة الاجتماعية، بل خلافا لما ظنت الدعوات الغربية، يشكل الفقر عائقا أساسيا وقاتلا للديمقراطية، لأن استبداد الجوع بالناس يمنعهم من امتلاك الحس المدني والثقافة المواطنة، والاحتكام لسلطان القانون وحكم المؤسسات، ويحولهم في الغالب إلى قوى مضادة للديمقراطية، ويجعل من سلوكياتهم معاول لنقض وتقويض البناء الديمقراطي.

تجد عودة تجد عودة الانقلابات إلى أفريقيا مصادرها في العوامل ذاتها: الفقر والهيمنة الاستعمارية بكل أشكالها وأدواتها. ثم إن بعضا من الدول الأفريقية التي تمكنت من رفع تحدي الفقر، والخروج من عباءة الاستعمار، تتصدر اليوم قائمة الدول ذات معدل النمو المرتفع، والاستثمار الفعلي في الإنسان
لذلك، خلص أحدى تقارير منظمة "فريدوم هاوس" (Freedom House)، صدرت في شباط/ فبراير 2017، إلى أنه على الرغم من التحسن المضطرد لمناخ الحريات، وهي مفاتيح للديمقراطية ومن نتائجها المباشرة. إذ من أصل 54 دولة أفريقية، تعرف عشر دول منها حرية تامة، بينما تتمتع 21 بحرية جزئية، في حين ما زالت 23 دول بدون حرية.

لكل ما سبق، تجد عودة تجد عودة الانقلابات إلى أفريقيا مصادرها في العوامل ذاتها: الفقر والهيمنة الاستعمارية بكل أشكالها وأدواتها. ثم إن بعضا من الدول الأفريقية التي تمكنت من رفع تحدي الفقر، والخروج من عباءة الاستعمار، تتصدر اليوم قائمة الدول ذات معدل النمو المرتفع، والاستثمار الفعلي في الإنسان، وما يمكنه من المساهمة في إنتاج الثروة الوطنية، من قبيل التعليم والتربية، والصحة، والتنمية المستدامة.

وإذا كانت الانقلابات حركة غير مقبولة، لصلتها البعيدة والمتناقضة مع القانون وحكم المؤسسات، فهي تعبر، بشكل ما، عن خيبات أمل المجتمعات التي لم تجرب بعد بدائل حقيقية لأنظمة الحكم، وبناء المؤسسات، وما يبدو واضحا أن دائرة العودة ستتسع، وأن دولا أخرى قد تعرف المالات نفسها.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه أفريقيا الانقلابات الديمقراطية انقلاب أفريقيا الديمقراطية الإستعمار التنمية مقالات مقالات مقالات سياسة اقتصاد رياضة سياسة رياضة صحافة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی القارة

إقرأ أيضاً:

السعودية تتفوّق على مصر وإسرائيل.. الدول التي تمتلك أقوى «مقاتلات عسكرية»!

نشر موقع “غلوبال فاير باور”، تقريرا حول “أقوى الدول التي تمتلك مقاتلات عسكرية”.

وبحسب التقرير، “تقدمت السعودية على مصر وإسرائيل في قائمة القوة الجوية ضمن أقوى الدول التي تمتلك مقاتلات، وجاءت السعودية في المركز الـ9 وتلتها إسرائيل في المركز الـ10، بينما مصر في المركز الـ11″، و”حصلت المملكة العربية السعودية على المرتبة الثانية عربياً والـ24 عالمياً”.

ووفقا للتصنيف، “يحتل الجيش المصري المرتبة الـ19 عالميا، مما يجعله الأقوى عربيا وأفريقيا، ويمتلك الجيش المصري مجموعة متنوعة من الأسلحة والمعدات المتقدمة، تشمل طائرات ودبابات حديثة ونظام دفاع جوي متطور”.

وبحسب التصنيف، “تمتلك القوات الجوية المصرية أسطولا كبيرا من الطائرات المقاتلة، بما في ذلك طائرات إف 16 ( F-16) الأميركية الصنع، وطائرات رافال الفرنسية، وتعد F-16 العمود الفقري للقوات الجوية المصرية، مع أكثر من 200 من هذه الطائرات في مخزونها، وهي مقاتلة متعددة المهام، قادرة على القيام بمهام جو-جو وجو-أرض، أما طائرة “رافال” فهي مقاتلة حديثة مجهزة بإلكترونيات طيران وأنظمة أسلحة متطورة”.

ووفق التصنيف، “هناك العديد من العناصر التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار في حال أردنا تحديد مدى قوة سلاح الجو وكفاءته لدى الجيوش، من أهمها مستوى الحداثة والتطور ونوعية التكنولوجيا المستخدمة في هذه الطائرات”.

مقالات مشابهة

  • تركيا الأولى عالميا ضمن الدول التي يصعب فيها امتلاك منزل!
  • الشمس والظلام وبينهما أفريقيا
  • بينها اليمن.. قائمة الجنسيات التي ستفرض عليها إدارة ترامب حظر سفر
  • FP: هل يتمكن حكام سوريا الجدد من مواجهة المشاكل التي زرعها الاستعمار الغربي
  • جيهان عبد السلام: الرئيس السيسي وضع ملف القارة الإفريقية في مقدمة اهتماماته
  • الدول التي تدرس إدارة ترامب فرض حظر سفر عليها
  • السعودية تتفوّق على مصر وإسرائيل.. الدول التي تمتلك أقوى «مقاتلات عسكرية»!
  • وزير الشباب يشهد اجتماع الجمعية العامة لـ الأنوكا بالجزائر
  • حرب خفية في أفريقيا.. كيف تنافس روسيا فرنسا على السيطرة؟
  • برلماني: نتمنى أن تصبح مصر نواة لتصنيع الدواء في أفريقيا