مكي المغربي: الحكومة والمخرج و”نظرية طبق البيض”
تاريخ النشر: 4th, September 2023 GMT
هب أنه لديك شحنة من “الورق الفاخر” من جنوب أفريقيا وتريد شحنها من كيب تاون إلى تونس، هل ستأخذ طريق الأطلنطي إلى مضيق جبل طارق، أو تأخذ طريق باب المندب عبر قنال السويس؟ المفاضلة هنا ليست بالمسافة والزمن فقط، هنالك رسوم عبور، وهنالك عوامل أخرى مثل الرطوبة والحرارة لزمن أطول والتي قد تؤثر في الجودة، وهذه عوامل تحتاج إلى استكشاف وسؤال، وتفكير عقلاني غير كسول ولا متوجس.
في الواقع الآن، المفاضلة في السودان ليست بين انتصار الجيش والصف والوطني وهزيمته، فالشعب انحاز للجيش والصف الوطني وأغلق الباب على عودة المليشيات كلها وليس الدعم السريع وحده، وأسقط الفيتو الكاذب على أبناء الوطن إسلاميين أو غيرهم، وهو يريد “القوي الأمين” دون التفات للهواجس الخارجية، ومن المستحيل محاولة إعادة إنتاج حكومة (قحت – الدعم السريع – الوصاية الأجنبية) أو أي شكل احتكار أو إقصاء أو “فزاعة”، هذا مستحيل وربما يكلف من يحاول ذلك ثمنا غاليا جدا، أو على الأقل كما يقال He will be named and shamed
السؤال هو، هل يتم ويكتمل هذا الانتصار للجيش والصف الوطني بطريق الإذعان للضغوط الخارجية ومرواغتها ومساومتها والتحرك ببطء عبر جبل طارق؟ أم يتم بتحرير الخيارات الوطنية واتخاذ القرارات الضرورية “كما يجب” ولتكن بعد ذلك المهارة في الإخراج وتحمل الضغوط وتخفيفها، وهو إتخاذ طريق باب المندب مع سداد رسوم العبور؟
أوضح مثال لهذه المفاضلة هو “قضية الإستنفار” والتي حسمت في النهاية لصالح عودته.
ظللت منذ اليوم الخامس للحرب، وأنا “أنبح” واعذروني على هذه المفردة، لكن التاريخ سجل لي دعوة مبكرة وجهيرة للإستنفار الشعبي الشامل وإسقاط مخاوف عودة الكيزان، ولم يكن هذا شكا في قدرة الجيش ولكن خفضا للتكلفة الباهظة بسقوط الأحياء السكنية، والتقدم خطوة للأمام، إذ بمجرد تجنيد الشعب نظاميا تحت إمرة الجيش تضمن عدم الفوضى المسلحة والإرهاب وتضمن تعزيز الصف الوطني الملتف حول الجيش. الآن معظم الشباب في غالب الولايات تدربوا وسجلوا أسمائهم وصاروا في “عهدة الجيش” وليس مليشيات أهلية، وصار الشباب المجاهد المتطوع “السم النقوع الفي البطن نتاح” للتمرد في ارتكازات المدرعات المتقدمة ومناطق أمدرمان. ماذا فعل “الخارج المرعب”!؟ ازداد احترامه للحكومة، بل صار التفاوض والعروض السرية حول ايقافهم مقابل توفير فرص أفضل للجيش والتضييق على الدعم السريع، وهو ليس خيانة للشباب المجاهد الذي انحاز للجيش، لأن قضيتهم الأساسية ليست حب الظهور إنما إنتصار حقيقي وحاسم للجيش والوطن، وبعدها يعودوا لحياتهم المدنية التي جائوا منها.
المصباح أبو زيد قائد كتيبة البراء الفدائية الذي زاره قائد الجيش في مستشفى عطبرة هو تاجر أواني منزلية ومن معه أطباء ومهندسين ومعلمين وموظفين ويعيشون حياة مدنية عادية تماما، ولكنهم لبوا نداء الوطن والجيش، وبعد الحسم ليست لديهم مطالب تعيين وزراء أو ولاة، وأن كان بعضهم جدير بها، بل قلامة ظفره تسوى خبراء قحت من “عمال الدليفيري” في أوربا وأمريكا الفاشلين أسريا ومهنيا.
في الأيام الأولى ومنذ استباحة “الدعم السريع” للبعثات الدبلوماسية تيقنت أن هذه المليشيا لن تؤثر فيها قوى خارجية ولن تلجمها قيادتها، وأن “الدعم القذر” لها من الخارج وممن يزعمون أنهم اصدقاء السودان لن يهتم بصورتها بل بسقوط مناطق عسكرية بيدها، وأنها ليست بالخصم العاقل الذي يمكن إبرام أي اتفاق معه، ولا بد من إعادة السودان إلى “ضبط المصنع” قبل سنين قحت الغبراء بسرعة ودون تردد لأن الفايروس خطير ومدمر للغاية.
اجتهدت القيادة -بسبب فزاعة الخارج الموروثة من قحت- في تفادي الإستنفار الذي يعيد الإسلاميين للمشهد، ولجأت لاستنفار المعاشيين، وهو ما أدى إلى تزايد إغتيالهم في بيوتهم بإدعاء المليشيا أنهم الآن كلهم جيش، وبات من المؤكد ضرورة الإستنفار الشعبي الشامل.
حدث تماطل ولا يزال حول عودة جسم تنسيقي يشبه منسقيات الدفاع الشعبي سابقا. وأقول لكم، سيعود مثل هذا الجسم لأنه هو الذي ينظم التبرعات والمتطوعين لان طبيعة عمله “مزيج نظامي مدني”. سيعود هذا الجسم، لأنه يخفض التكلفة على الجيش ويعزز دور المشاركة الشعبية، سيعود على الأقل في شكل أمني شرطي لأن تحديات ما بعد الحرب ليست أقل من تحديات الحرب بل أسوأ.
الأفضل للقيادة -دون تردد- إعادته وتأمين بقية المدن والولايات من التلفتات الأمنية لا سيما مناطق النشاط التجاري والزراعي والصناعي والا سيبقى السودان مستوردا للصلصة من السعودية والمياه من الأردن وسيقفز الدولار إلى خمسة آلاف.
أيضا هنالك تحد آخر، وهو إعادة تشغيل الجهاز التنفيذي والولايات والمحليات وعددها (133 محلية) بكفاءة عالية، سيخضع هذا المطلب لذات المفاضلة، طريق باب المندب أم جبل طارق؟ هل تتخذ القيادة القرارات اللازمة لتشغيل البلد وتعيين الكفاءات المحلية دون الخضوع لفزاعة الخارج، أم تتريث وتتوجس وتتهجس من عودة الإسلاميين وتعتقد أن هنالك فسحة من الزمن وأن الخارج سيقدر ويثمن ما تقوم به ويكافئها على الاستمرار فى إقصائهم؟
لدي نظرية أنا مشهور بها وسط زملائي الصحفيين الأفارقة وهي “نظرية طبق البيض”، فقد كانت مدينة جيبوتي غالية جدا بالذات المطاعم في الفنادق التي تعمل لوقت متأخر، ونحن نحب السهر والنقاش، فاقترحت عليهم “ميز” داخل السكن للعشاء، ولم يكن هنالك خيار رخيص سوى البيض، وكنا نشتري الطبق ونسلقه كاملا ونأكله بالخبز الحاف. بالليل توجد كلاب في الطريق الوعر المتعرج، وما أن تحركت من المتجر اجتمعت حولي، قررت أن أرمي بيضة فانشغلت بها، ثم لحقت بي منتصف الطريق، فالقيت ثانية، وبالقرب من الباب ألقيت الثالثة، وحكيت لهم القصة، بعد يومين تأخرنا في العودة فخرج صديقي ليلا وطبق ذات النظرية ونجحت، وصرنا نستخدمها في العمل، عندما يتأخر أحدنا في فيزا أو كرت صحي في المطار يقول سأرمي بيضة وألحق بكم، وعندما يكون هنالك استخلاص حقوق من منظمة أو فضائية يتسائل بعضنا هل الموضوع محتاج بيض؟
هذه الطرفة تؤكد لي أنك أحيانا تعرف انك ستتخذ القرار وتمضي فيه وتعلم تماما انك ستدفع الثمن في الطريق، تشتري طبق البيض وتعلم أن للكلاب فيه نصيب.
الحكومة تحتاج إلى من يفاضل بين باب المندب وجبل طارق ويحسب التكلفة، وتحتاج إلى من يفكر بنظرية طبق البيض، تحتاج إلى من يحرر القرار الوطني تماما، ويفاوض وهو ينفذ فيه في الطريق ولا يفاوض على إتخاذه من الأساس.
مكي المغربي
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الدعم السریع باب المندب طبق البیض
إقرأ أيضاً:
معاريف : هذا هو الكنز الذي استولت عليه حماس من “إسرائيل”
#سواليف
عنونت صحيفة ” #معاريف ” العبرية مقالًا لمحللها #آفي_أشكنازي بـ ” #الكنز الذي سرقته #حماس من #إسرائيل.. قرار دراماتيكي اتخذه الجيش الإسرائيلي بشأن الجنود”، وتضمن #معلومات_استخباراتية_ذهبية حصلت عليها حماس قبل السابع من أكتوبر 2023، ومعركة #طوفان_الأقصى.
وبحسب الصحيفة، فإن التحقيقات في #المعركة التي جرت في قاعدة ” #ناحال_عوز ” العسكرية، أذهلت #جيش الاحتلال، حيث كان مستوى المعلومات الاستخباراتية التي جلبها #المقاومون_الفلسطينيون إلى المعركة من أعلى المستويات التي يمكن جمعها استعداداً لمثل هذه العملية.
وتضمنت المعلومات #خرائط_تفصيلية للموقع من الداخل، ومعرفة عدد الجنود ومواقعهم أثناء العمليات الروتينية وأثناء إطلاق الصواريخ، وموقع الغرف ومركز القيادة، وعدد الدبابات وموقع الآليات، وغيرها.
مقالات ذات صلة الأمن يمنع شاب من القفز عن جسر في إربد / فيديو 2025/03/04ويتبين من التحقيق أن أجزاء كبيرة من المعلومات التي جمعتها حماس عن جيش الاحتلال بشكل عام وموقع “ناحال عوز” بشكل خاص، تم أخذها من شبكات التواصل الاجتماعي، حيث قام الجنود بتوفير المعلومات الاستخبارية.
ويطرح أشكنازي مثلًا، حيث اتضح أن #مجندة كانت مقيمة بالقاعدة، قامت بتصوير نفسها في فيلم تظهر فيه لأصدقائها في المنزل القاعدة بأكملها وتتنقل بالكاميرا من غرفة إلى غرفة ومن جناح إلى آخر في القاعدة العسكرية، ويعلق: “كان من المذهل أنها قامت بتصوير القاعدة بأكملها وتحميلها كقصة “ستوري”، واحتوى الفيديو على قدر هائل من المعلومات التي كانت حماس في حاجة إليها”
ويستدرك: “الأمر غير المفهوم هو أن الجنود والقادة شاهدوا الفعلة في وقتها ولم يفكر أحد في منعها من تصويرها وتوزيعها”.
وبحسب الصحيفة، فإن التحقيقات العسكرية تشير إلى أن حماس، كانت على علم بترتيبات القوات للجنود الذين يذهبون في إجازة، ومتى سيعودون، استناداً إلى المعلومات الواسعة التي جمعتها على مدى فترة من الزمن من وسائل التواصل الاجتماعي.
كما كانت حماس على علم بترتيبات الحراسة على مستوى عميق وحتى حيث كانت هناك خروقات في السياج.
وتنقل الصحيفة عن مصدر عسكري قوله: “حماس حصلت عليها على طبق من فضة، كان عليه فقط أن تجمع الأمور وترسم الصورة الكاملة”
وتشير الصحيفة إلى أنه وبعد هجوم 7 أكتوبر، سيمنع جيش الاحتلال جنوده وموظفيه الدائمين ومسؤوليه من ممارسة أي نشاط على مواقع التواصل الاجتماعي. كما تقرر عدم السماح بالتصوير لمناسبات منح الرتب وأعياد الميلاد وحفلات التسريح والاحتفالات إلا تحت إشراف أمن الميدان.
كما قرر الجيش اتخاذ إجراءات تأديبية صارمة ضد أي جندي يقوم بتحميل مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر فيه وهو يلتقط صوراً أو يصور داخل منشأة عسكرية.
وأمس الإثنين، أكمل جيش الاحتلال الإسرائيلي التحقيق العملياتي بشأن الهجوم والمعركة التي وقعت في قاعدة “ناحل عوز” العسكرية، وجرى عرضه أمام عائلات الجنود القتلى، والجنود الذين كانوا في القاعدة خلال الهجوم. التحقيق، الذي أشرف عليه رئيس أركان جيش الاحتلال هليفي، قُدّم أيضًا إلى وزير حرب الاحتلال الإسرائيلي، إسرائيل كاتس.
وعثر الجيش خلال حربه البرية على غزة على كتيب يتضمن أمر حماس لمقاتليها بمهاجمة قاعدة “ناحال عوز” يوم السابع من أكتوبر، لافتًا إلى أن المعركة في “ناحل عوز” تعبر عن فشل منهجي خطير ومؤلم يمسّ جوهر قيم حيش الاحتلال، فقدت فيه مبادئ أساسية في الدفاع، وكان هناك أيضاً جنود وقادة لم يسعوا إلى القتال وهربوا.
وبحسب مسؤولين كبار في الجيش الإسرائيلي، فإن هذا الملف لا يقل عن ملف عملياتي لوحدة النخبة في جيش الاحتلال، وهو يفصل جميع نقاط الضعف وخصائص القاعدة: الثغرات في السياج التي اخترقها 60 مقاومًا من النخبة القسامية في الموجة الأولى، واجتاحوا المكان فعلياً في غضون نصف ساعة؛ والثغرات في الجدار الغربي التي كانت بمثابة فتحات للمقاومين لإطلاق النار على الجنود في الداخل.