الناشرون السودانيون في خضم الحرب.. هل تأفل شمس الكتاب بالخرطوم؟
تاريخ النشر: 4th, September 2023 GMT
معاناة الناشرين وصناعة الكتاب ليست بالخافية في عموم العالم، وهي أكثر وضوحًا في العالم العربي، لكن صناع الكتب رغم ذلك يصرون على مواصلة العطاء، ساعين ليكونوا جسرا بين الكاتب والقارئ وإن أرهقتهم هذه المهنة.
وتتضاعف المعاناة والمشاكل عندما يكون هؤلاء الناشرون في بلد يعاني ظروفا استثنائية، وتمزقه الحرب ويغيب عنه الاستقرار ويثقله التدهور الاقتصادي، تماما كما يعاني الناشرون السودانيون.
وجوه متعددة للمعاناة عاشتها دور النشر السودانية في السنوات الماضية، فالتدهور الاقتصادي جعل الكتاب يتدحرج إلى أسفل سلم أولويات المواطن السوداني، فثمنه قد يسد ثغرة في قائمة المطلوبات اليومية التي يصعب مجابهتها، إضافة للتدهور المستمر في سعر صرف الجنيه السوداني مقابل الدولار.
مدير “دار عزة ” والأمين العام لاتحاد الناشرين السودانيين نورالهدى محمد ذكر بعض الذي أرهق صناعة الكتاب في السودان قائلا إن “المشاكل كثيرة ومتعددة، والدولة من أكبرها، فهي لا تقدم أي مساعده للناشر، بل إن وزارة ثقافتها عبء على الناشر”.
ويضيف نور الهدى في حديث للجزيرة نت أن “عدم سلاسة التحويلات المالية -بين المؤلف والناشر والمطبعة-، والتهاوي في سعر العملة، إضافة لغلاء إيجارات المقار والمعارض، وعدم وجود شركات توزيع”، كلها عوائق في طريق الناشرين.
صاحب “دار الأجنحة” متوكل زروق شبَّه طباعة الكتاب بالمغامرة، خاصة عندما يطبع الناشر لأسماء جيدة لكنها غير مشهورة، والمؤسف بحسب وصفه “أنك عندما تربح مغامرتك، وتبدأ مبيعات الكتاب في الارتفاع سرعان ما تمتلىء الأرصفة بالنسخ المزورة”.
لا تبدو الصورة واضحة في الخرطوم، ولا تعلم الأكثرية هناك حال خرطومهم، ولا حال ما يخصهم فيها إلا في آحايين قليلة. غير أن اليقيني أن عجلة الحياة تعطلت تماما، وأن محيط الخراب في تمدد.
سألنا نورالهدى عن مصير داره (دار عزة) فقال “الدار مجاورة لجامعة الخرطوم وبالقرب من مناطق العمليات العسكرية ولم أستطع الوصول إليها منذ بداية المعارك (في منتصف أبريل/نيسان الماضي)، ولا أعرف ما حلَّ بها”، ويستطرد قائلا “أما المخازن فتعرضت للحريق بسبب المقذوفات”.
عماد أبو مدين مدير “دار الريم” ناشر آخر يتلظى بالحرب ولا يدري شيئا عن مكتبه ومخازنه، ويقول “لا أدري ما مصير المقر، ولا المخازن، ولا الكتب التي كانت كتابتها قصة، وطباعتها حياة”.
وبحسب إفادة أبو مدين للجزيرة نت فإن مكتب الدار ومخزنها يقعان في منطقة كثيرة الاشتباكات العسكرية، ولكونها منطقة تجارية وغير مأهولة بالسكان لذلك يصعب ورود معلومات.
يصف متوكل زروق الوضع الذي يكاد يشترك فيه الناشرون السودانيون كلهم، قائلا “تقع أغلب دور النشر في الخرطوم، وأقل ضرر واقع على الناشر السوداني أنه لا يستطيع الوصول إلى كتبه، دعك من بيعها”.
ويضيف في حديثه للجزيرة نت “واحدة من المعضلات المؤرقة أن هناك التزامات من دور النشر للمؤلفين ولأصحاب المطابع، وكان الإيفاء بها في الغالب بعد عمليات البيع، وما من بيع”.
تحت الرصاص وضغط الالتزامات توزع عدد من الناشرين السودانيين في العواصم، توجهت الأكثرية صوب مصر لأكثر من اعتبار، منها أن غالبهم يطبع كتبه هناك وله علاقات عمل، فسافروا مصطحبين أسرهم والكثير من الأمنيات بتحسين أوضاعهم.
ومن أولئك عماد أبو مدين الذي يواصل إفادته للجزيرة نت قائلا “بعد إغلاق مطار الخرطوم وتعليق الرحلات الجوية، توجهت عبر معبر أرقين برًّا إلى جمهورية مصر العربية”، ومثله فعل عدد من الناشرين، مثل متوكل زروق الذي قال “إن التزاماته تجاه مؤلفين -وخاصة غير سودانيين- جعلت من خروجه ضرورة ملحة”.
وتعد المشاركة في المعارض الخارجية من أكثر الأسباب التي دعت ناشري السودان للخروج منه، وتمثل هذه المعارض لدور النشر ذروة مواسمهم، كما أن لها أكثر من بعد بحسب ما أفاد مدير دار عزة نور الهدى محمد، الذي يقول إن “المعارض الخارجية من أهم الموارد المالية للدور، وتزداد هذه الأهمية مع توقف السوق الداخلية، كما أن الحضور يتيح مساحات إعلامية ولقاءات بالمؤلفين والزملاء الناشرين”.
لأجل ذلك بدأ نور الهدى محمد رحلة الترتيب والركض بين المطابع وشركات الشحن، بينما استطاع بعض الناشرين اللحاق بمعرض أبو ظبي للكتاب في مهاية مايو/آيار، ومنه توجهوا لمعرض الدوحة، الذي أقيم هذا العام في يونيو/حزيران، وقد التحقت به من القاهرة دار الريم، ودار الشريف الأكاديمية.
كانت المشاركة في معرض الدوحة للكتاب جميلة ومفيدة للناشرين السودانين بحسب ما أفاد أبو مدين، ويقول إن “إدارة المعرض والعاملين فيه قاموا بالكثير وساعدوا دور النشر السودانية بدعمها بالشراء بتوجيه من وزير الثقافة ومدير المعرض، ولقد أسهمت الجالية السودانية إسهاما كبيرا بالترويج في وسائل التواصل الاجتماعي، والشراء وتحفيز أبناء الجالية السودانية للحضور والتطوع للتعرف على الكتاب والمبدعين السودانيين في كافة مجالات إبداعهم”، لكن المعاناة حسب قوله بدأت بعد المعرض.
الناشر المصري المستشار أسامة شتات شارك في المعرض وشهد معاناة زملائه السودانيين، وقال “عند انتهاء المعرض عاد بعضهم إلى دول لهم فيها إقامات، وتبقى منهم زميلان ليس لديهم إقامة في أي دولة إلا إقامتهم في السودان، بلدهم الذي عجزوا عن الذهاب إليه، ولم يجدوا بلدًا يسمح بدخولهم إليه” ليتعقد الوضع خاصة عند القادمين من القاهرة.
يقول أبو مدين “بدأنا طباعة كتب جديدة في القاهرة وتركناها وتركنا أسرنا للمشاركة في معرض الدوحة ثم العودة لما تركناه، لكن العودة تعذرت ولم نمنح تأشيرة دخول لمصر”.
سألناه عن المساعي التي بذلت فقال “إدارة المعرض كتبت خطابًا إلى من يهمهم الأمر عبر السفارة السودانية لاستثنائنا ومنحنا الإذن بالسفر إلى مصر.. ولكن للأسف لم تفلح كل المحاولات في ذلك.. ثم قامت إدارة المعرض بتمديد الزيارة بالدوحة حتى نكون موجودين بشكل قانوني”.
في الماضي كان الناشر السوداني يسافر من الخرطوم للمعارض، والذين يطبعون في القاهرة ربما جعلوها نقطة انطلاق للمشاركات الخارجية، لكن خيار الخرطوم لم يعد ممكنا، وربما كانت العودة للقاهرة بذات صعوبة العودة للخرطوم، فعلى سبيل المثال مازال عماد أبو مدين ومتوكل شريف في الدوحة تحت التمديد الثاني لزيارتهما وأمامهما جدول مشاركات، لكن إلى أين يرجع الناشران بعد المشاركة؟
وعلق الأمين العام لاتحاد الناشرين السودانيين على هذا الوضع في حديث للجزيرة نت قائلا إن المشاركة في المعارض أصبحت معقدة بسبب تأشيرات الدخول، “فعندما يشارك سوداني في أي معرض لا يستطيع العودة الى الجهة التي قدم منها للمعرض، إذ لا يمنح تأشيرة دخول، ويبقى بعيدا عن أسرته وقد يتعرض للغرامة وربما السجن بسبب مخالفة قوانين الإقامة بعد نهاية فترة التأشيرة”.
ويضيف نور الهدى متحسرا “ولا يستطيع العودة لوطنه بسبب الحرب وإغلاق مطار الخرطوم التي ينتمي إليها أغلبهم، والآن هم بين الدوحة والإمارات والقاهرة، وإذا سافر أحدهم لأي معرض لا يستطيع العودة، بخلاف معضلات الشحن وتحريك الكتب من معرض لآخر”، كل ذلك ينذر بتوقف المشاركات السودانية في المعارض العربية وهذا ما لا يتمناه السودانيون في مهاجرهم ولا يتمناه الناشرون.
أبو مدين يأمل أن تنطفئ نار الحرب وأن تصبح العودة للديار ممكنة، وإلى ذلك الحين يأمل في مساعدة اتحاد الناشرين العرب لكون اتحاد الناشرين السودانيين منضويا تحت لوائه.
ويوضح ما يحتاجون إليه قائلا “نحتاج مخاطبة مديري المعارض العربية لمنحنا وضعا استثنائيا ييسر المشاركة في المعارض، خاصة في ما يتعلق برسوم اشتراكات الأجنحة والتأشيرات. كما نرجو من اتحاد الناشرين العرب مساعدة دور النشر السودانية في إجراءات الشحن وتسهيل استخراج أرقام الإيداع والترقيم الدولي للكتاب من القاهرة، إذ إن معظم دور النشر السودانية تطبع بالقاهرة”.
طرقنا باب اتحاد الناشرين العرب وراسلنا أمينه العام حاملين أسئلتنا من قبيل “ما الذي قدمه اتحاد الناشرين العرب لأعضائه من ناشري السودان؟ أو ينوي تقديمه؟ وبشكل أدق في تنقلاتهم للمشاركة في المعارض.. أو على أي وجه آخر مناسب” لكننا لم نتلق ردا.
الجزيرة نت
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: المشارکة فی للجزیرة نت فی المعارض لا یستطیع
إقرأ أيضاً:
العودة الإجبارية للجامعات المهاجرة تثير مخاوف طلاب السودان
أثار القرار الذي أصدرته وزارة التعليم العالي السودانية يوم الأربعاء، والقاضي بإلزام الجامعات الحكومية والخاصة التي ظلت تواصل عملها عبر مراكز خارج البلاد، بالعودة الفورية واستئناف عملها من داخل السودان وإغلاق مراكزها الخارجية، مخاوف كبيرة من تعرض الطلاب مجددا لمخاطر أمنية وضياع المزيد من السنوات الدراسية في ظل غياب مؤشرات لنهاية الحرب المستمرة منذ منتصف أبريل 2023.
وقبل اندلاع الحرب كان نحو مليون طالب يدرسون في 155 جامعة وكلية متخصصة، يقع 60 في المئة منها في الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري، والتي شهدت اشتباكات واسعة أدت إلى أحداث دمار هائل في البنى التحتية للجامعات مثل المكتبات والمعامل وغيرها من المنشآت المهمة.
وفي أعقاب اندلاع القتال عملت العديد من تلك الجامعات على فتح مراكز لها في الدول التي تشهد تمركزات كبيرة للسودانيين الفارين من القتال.
وعلى الرغم من التكاليف المالية العالية التي تحمّلها الطلاب، إلا أن تلك المراكز ساعدت عشرات الآلاف على الاستمرار في الدراسة، وتمكنت بعض الجامعات من إكمال 4 فصول دراسية في مراكزها الخارجية.
ويأتي القرار الجديد لوزارة التعليم العالي السودانية على الرغم من استمرار القتال في معظم أنحاء البلاد، وعدم توفر الظروف اللازمة لعودة أكثر من 15 مليون شخص فروا من مناطقهم خصوصا مدن العاصمة الخرطوم ومدن إقليم دارفور وكردفان التي تشكل مركز الثقل السكاني في البلاد، إذ كان يعيش فيها أكثر من 45 في المئة من مجمل سكان البلاد البالغ تعدادهم نحو 48 مليون نسمة.
وإضافة إلى الدمار الهائل الذي لحق بمباني ومنشآت معظم الجامعات الرئيسية، تشتت السبل بالآلاف من أساتذة الجامعات الذين هاجر بعضهم نهائيا إلى دول أخرى بعد اندلاع الحرب.
صعوبات عملية
وصف محمد يوسف الأستاذ في جامعة الخرطوم وأحد مؤسسي تجمع المهنيين السودانيين قرار العودة الإجبارية بأنه “غير مدروس”، وستواجهه مصاعب كبيرة، معتبرا أنه يهدف للإيحاء بأن “الوضع بالداخل آمن و تحت السيطرة”.
وفي حديثه لموقع “سكاي نيوز عربية”، أشار يوسف إلى صعوبات عملية وواقعية كبيرة، أوضحها قائلا: “تعاني الجامعات بالداخل من دمار واسع في بنيتها التحتية الضرورية لأي عملية تعليمية ذات معنى، كما أن الطلاب والأساتذة سيواجهون مشكلة كبيرة في إيجاد السكن المناسب والآمن، إضافة إلى غياب الخدمات الضرورية للمعيشة من مياه و كهرباء”.
وأضاف يوسف: “ستترتب على الجامعات خسائر مادية كبيرة إذا أجبرت على إخلاء مراكزها الحالية في الخارج بهذه الطريقة المتعجلة”.
ويرى خبراء ومختصون أن إصلاح الدمار الذي لحق بالجامعات سيحتاج إلى سنين عديدة بعد انتهاء الحرب، خصوصا أن معظم الجامعات كانت تعاني من شحّ الموارد وضعف التمويل، مما يجعل من الصعوبة بمكان تعويض الأضرار التي لحقت بالمكتبات والمعامل والمنشآت الأساسية والتي ستتطلب مبالغ كبيرة.
كما يتوقع أن تواجه الجامعات أزمة كبيرة في استعادة أعضاء هيئات التدريس وغيرهم من الكوادر المساعدة والذين اضطر نحو 70 بالمئة منهم للهجرة والعمل بجامعات ومؤسسات بحثية في الخارج، وفقا لبيانات غير رسمية.
رفض مهني
أعلن تحالف تجمعات أساتذة الجامعات السودانية رفضه للقرار، وطالب باتخاذ إجراءات تضمن عودة تدريجية ومنظمة تأخذ في الاعتبار التحديات الأمنية والإنسانية والاقتصادية التي تواجه منسوبي الجامعات من طلاب وأساتذة وعاملين.
وقال التحالف إن القرار لم يضع في الاعتبار الواقع الذي فرضته الحرب والتحديات الجسيمة التي تواجه المؤسسات الأكاديمية.
وأكد أن الحرب تسببت في دمار شامل للجامعات السودانية حيث دمرت البنى التحتية لمؤسسات التعليم العالي وأجبرت العديد من الأساتذة والعاملين على الهجرة خارج السودان.
ودعا التحالف إلى إجراء تقييم شامل للوضع الراهن للجامعات وتحديد الاحتياجات الأساسية التي تضمن العودة الآمنة والفعالة، ووضع خطة واضحة لتعويض الأساتذة والعاملين عن الأضرار التي لحقت بهم على المستويين المادي والنفسي، وتوفير بنية تحتية مناسبة تضمن استقرار العملية التعليمية في بيئة آمنة ومجهزة.
مخاوف كبيرة
تقول نهى عثمان إنها عندما اندلع القتال في العاصمة السودانية الخرطوم في منتصف أبريل 2023، كانت تستعد لبدء الفصل التاسع في كلية الطب بإحدى الجامعات الحكومية، بينما كان شقيقها محمد عثمان قد بدأ للتو الفصل السابع بكلية الطب أيضا في جامعة خاصة، لكنه اليوم بات على وشك التخرج حيث كانت جامعته من أوائل الجامعات التي نقلت مقارها للخارج في أعقاب القتال.
وأوضحت عثمان لموقع “سكاي نيوز عربية” أنه “بعد الانتقال المتأخر لجامعتنا إلى الخارج شعرنا ببعض الاستقرار رغم ضياع وقت طويل كان كفيلا بتمكيننا من إنهاء دراستنا، لكننا اليوم نشعر بالقلق من عودة حالة عدم الاستقرار فالعاصمة والمدن الأخرى التي تتركز فيها الجامعات لا تزال تشهد عمليات قتال وهجمات بالقصف الجوي والمسيرات مما يجعل من المستحيل استمرار الدراسة”.
واختتمت حديثها قائلة: “استفاد الطلاب كثيرا من نقل جامعاتهم إلى الخارج حيث أدى ذلك إلى استمرار الدراسة دون انقطاع فشقيقي الذي كنت أتقدم عنه بفصلين دراسيين بات على وشك التخرج ولا يدري حجم العقبات التي قد تواجهه بعد الانتقال إلى السودان”.
سكاي نيوز
إنضم لقناة النيلين على واتساب