انقلاب الجابون هو الـ8 في المستعمرات الفرنسية السابقة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى خلال السنوات الثلاث الماضية فقط، وهو الانقلاب الـ24 الناجح في أفريقيا في البلدان الناطقة بالفرنسية، ما يشير إلى أن سياسة باريس القائمة على الهيمنة والتحكم في مستعمراتها السابقة، أتت بنتيجة عكسية تماما.

هكذا يتحدث تحليل لموقع "أسباب"، الذي يتوقع أن تمتد هذه الحالة لتشمل انقلابات في عدة دول أخرى بمنطقتي وسط وغرب أفريقيا، وهي ظاهرة لا تدع مجالا للشك حول التدهور المتسارع للنفوذ الفرنسي في القارة.

وفي 30 أغسطس/آب، أعلن ضباط كبار في الجيش ونخبة الحرس الجمهوري، عزل رئيس الجابون علي بونجو أونديمبا، ووضعه قيد الإقامة الجبرية، بعد إعلان فوزه في الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها التي أجريت قبل ذلك التاريخ بـ4 أيام.

كما أعلنوا حل الحكومة، ومجلس الشيوخ، والجمعية الوطنية، والمحكمة الدستورية، وهيئة الانتخابات.

وبرر المجلس العسكري الملقب بـ"لجنة المرحلة الانتقالية واستعادة المؤسسات" تحركه بالقول إن الانتخابات لم تكن حرة ونزيهة، وأن بونجو احتفظ بالسلطة لفترة أطول مما ينبغي (يحكم منذ 2009 خلفا لوالده الذي حكم البلاد منذ 1967).

ووفق التحليل، فإن الانقلاب العسكري يعد مفاجأة، في ظل أن القوات المسلحة الجابونية هي قوة منضبطة نسبيًا ومدربة تدريبًا جيدًا، ودعمت طويلا حكم أسرة بونجو على مدار 56 عاما.

اقرأ أيضاً

انقلاب الجابون.. إثبات جديد على أزمة سياسة فرنسا في أفريقيا

ويضيف: "من المرجح أن قيادات الجيش شعروا بخيبة أمل من بونجو، بعد أن قام بتعديل الدستور للترشح لولاية ثالثة، وسعى للتلاعب بالانتخابات لصالحه".

ويتناغم هذا التحرك مع مشاعر السخط العام ضد حكم عائلة بونجو، واتهامات الناشطين والمعارضة، بأن الانتخابات شابها عمليات تزوير وجرى التلاعب بها، خاصة بعد منع المراقبين، وقطع خدمات الانترنت وحظر تغطية الانتخابات في وسائل الإعلام الدولية، بما فيها الفرنسية.

وكان هذا يمهد لموجة جديدة من الاضطراب، ربما ستكون أوسع من أحداث 2016، حين اندلعت احتجاجات عنيفة رفضا لفوز بونجو بولاية ثانية، وأضرم المتظاهرون النيران في مبنى البرلمان.

ويلفت التحليل إلى أن تحرك المجلس العسكري يحظى بدعم شعبي كاف، وأنه في سبيله لتعزيز سلطته وإبعاد عائلة بونجو وشبكات النفوذ المرتبطة بها، ما يقلل من الضغوط الخارجية على المجلس العسكري، وهو ما يظهر بوضوح في عدم إبداء نيجيريا التي تلوح بتدخل عسكري في النيجر، اهتماما بمقاومة الانقلاب في الجابون.

ويتوقع التحليل أن يواجه المجلس العسكري بعض الضغوط من جيرانه، فقد يدفع قلق زعماء وسط أفريقيا من التدخلات العسكرية، إلى فرض عقوبات اقتصادية على الجابون واتخاذ تدابير جماعية لثني جيوشهم عن السعي إلى السلطة، ومنع تفشي "عدوى الانقلابات" في وسط أفريقيا.

وواجهت تشاد، العضو في الجماعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا "إيكواس"، انقلابا عام 2021، عندما قُتل رئيسها الذي حكم البلاد لفترة طويلة في المعركة، بينما تتمتع الكاميرون وغينيا الاستوائية والكونغو برؤساء من بين الأطول مدة حكم في العالم، في حين تتجه الكونغو الديمقراطية نحو انتخابات متوترة نهاية 2023.

اقرأ أيضاً

انقلابيو النيجر يطالبون بانسحاب القوات الفرنسية بالكامل بحلول الأحد

وقد يفكر بعض زعماء هذه البلدان في التدخل العسكري لإحباط الانقلاب في الجابون، لكنّ هذه تبقى احتمالية ضعيفة، وفق التحليل، في ظل أن المؤسسة العسكرية في الجابون تعتبر قوة قتالية جدية لا يستهان بها استناداً إلى المقارنة الإقليمية.

أما فرنسا الشريك الأمني الرئيسي للجابون، والداعم لحكم عائلة بونجو، فيبدو موقفها مؤشرا مهما على اتجاه سير التدخل الخارجي.

وتتمركز في الجابون كتيبة مشاة البحرية السادسة التابعة للجيش الفرنسي، لكن لا يزال نشر القوات الفرنسية في الجابون أمرا غير مرجح.

وإذا أظهرت باريس نية للتدخل فمن المتوقع أن يثير المجلس العسكري المشاعر المعادية لفرنسا لحشد الدعم الشعبي على غرار الانقلابات في غرب أفريقيا منذ عام 2020، خاصة وقد سبق أن استهدفت اضطرابات الأصول التجارية الفرنسية في الجابون.

وتنشط شركات فرنسية في قطاع النفط والغاز في الجابون، فضلا عن قطاعات التعدين والسياحة والزراعة، وأعلنت مجموعة التعدين الفرنسية "إيراميت"، وقفت أعمالها في البلاد مؤقتا لأسباب أمنية.

وعقب إعلان الانقلاب، تراجعت أسهم 3 شركات فرنسية عاملة في الجابون في بورصة باريس بنسبة 15 إلى 20%، هي: "بروم إند موريل" و"إيراميت" و"توتال إنيرجي".

اقرأ أيضاً

انقلاب جديد.. الجابون تلحق بـ8 دول أفريقية خلال 3 سنوات لتقويض سلطة فرنسا

كما من المحتمل، وفقا للتحليل، أن يؤدي اعتماد الجابون على عائدات النفط إلى كبح التوجهات الصدامية المحتملة لبعض قادة الانقلاب، حيث يمثل قطاع النفط، حسب إحصاءات 2020، أكثر من ثلث عائدات الحكومة وأكثر من ثلثي صادراتها.

ولذلك، قد لا يعطل المجلس العسكري علاقاته مع شركات النفط الدولية، وربما يسعى إلى ترتيب سياسي يكون مقبولاً لشركائه الخارجيين، ما قد يحد بشكل أكبر من شدة الاستجابة الدولية ضد الانقلاب.

ويقول التحليل، إنه بات واضحا أننا إزاء ظاهرة أوسع، قد تمتد لتشمل انقلابات في عدة دول أخرى بمنطقتي وسط وغرب أفريقيا، وهي ظاهرة لا تدع مجالا للشك حول التدهور المتسارع للنفوذ الفرنسي في القارة.

ومنذ عام 1990، وقع 24 انقلابًا ناجحًا في أفريقيا في البلدان الناطقة بالفرنسية، أي ثلثي الانقلابات في القارة، بينهم 16 انقلابا ناجحا منذ عام 2020.

ويعد انقلاب الجابون هو الانقلاب الثامن في المستعمرات الفرنسية السابقة في أفريقيا، جنوب الصحراء الكبرى خلال السنوات الـ3 سنوات الماضية.

يشير ذلك، وفق التحليل، إلى أن سياسة باريس القائمة على الهيمنة والتحكم في مستعمراتها السابقة، أتت بنتيجة عكسية تماما، حيث عززت من قناعة شعوب تلك الدول بأن فرنسا تدعم حكم قادة مستبدين أو فاسدين أو عاجزين عن تحسين أحوال شعوبهم.

اقرأ أيضاً

فرنسا فقط.. انقلابيو النيجر ينفون طلب سفراء أمريكا وألمانيا بالمغادرة

ويضيف: "طالما أن هؤلاء القادة يدينون بالولاء لنمط تبعية استخراجي لمصلحة باريس، جوهره استنزاف موارد تلك الدول الطبيعية دون عوائد اقتصادية كافية لتحقيق رفاه شعوب دول القارة".

ويلفت التحليل إلى أن هذه المشاعر تستغلها روسيا على نطاق واسع، وتعمل على تغذيتها، حيث تقدم مساندة ميدانية طامحة، لكنّها انتهازية في الغالب.

ويتابع: "أي أن موسكو رغم كونها ليست المحرك الرئيسي لصناعة كل هذه السلسلة من الانقلابات العسكرية، فإنّ روسيا أثبتت أنها أحد أكثر الأطراف استفادة منها واستثمارا في تداعياتها، خاصة أن التحرك عبر نشر مجموعة (فاجنر) يمنح التحرك الروسي مرونة وخفة مقارنة بمسألة تدخل دولة عسكريا بصورة رسمية".

ويخلص التحليل إلى أنه "في ظل التنافس الدولي المتصاعد، فإن قادة أفريقيا العسكريين يبدون أكثر جرأة في تحدي النفوذ الغربي في ظل توفر بدائل أمنية واقتصادية تتمثل في روسيا والصين".

ويختتم: "هذا قد يدفع الغرب، ربما باستثناء فرنسا الغاضبة، لمقاربة أكثر براغماتية بهدف تجنب دفع دول القارة بعيدا باتجاه موسكو وبكين".

اقرأ أيضاً

انقلاب النيجر.. شهادة فشل للمقاربة الفرنسية الأمريكية في الساحل الأفريقي

المصدر | الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: انقلابات انقلابات أفريقيا فرنسا روسيا الجابون المجلس العسکری فی أفریقیا فی الجابون انقلاب ا إلى أن

إقرأ أيضاً:

أوروبا تتحسر لضعف جيوشها وأميركا تطالب أوكرانيا بالتنازل لروسيا

أقر مسؤولون وقادة أوروبيون بحاجة دولهم لتعزيز قدراتها العسكرية، في ظل مخاوفهم من انفراط عقد تحالفهم مع الولايات المتحدة التي طالبت أوكرانيا بالتنازل عن بعض أراضيها لروسيا من أجل إنهاء الحرب.

وقد استضافت لندن، ظهر اليوم الأحد، اجتماعا لقادة أوروبيين لبحث دعم أوكرانيا ومستقبل أمن القارة.

وتأتي هذه التطورات بعد يومين من طرد الرئيس الأميركي دونالد ترامب نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من البيت الأبيض، بعد مشادة حادة بينهما حول وقف الحرب بين كييف وموسكو.

وشدد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر على الحاجة إلى سلام في أوكرانيا تدعمه ضمانات أمنية قوية.

وعقب اللقاء الأوروبي، حذر ستارمر من أن الأمن الأوروبي يواجه "لحظة لا تتكرر إلا مرة واحدة في الجيل".

ووجه ستارمر خطابه للرئيس الأوكراني قائلا إننا جميعًا معك ومع شعب أوكرانيا.

وأوضح ستارمر أنه يعمل مع الولايات المتحدة على ضمان السلام، وقال "نتفق مع الرئيس الأميركي على الحاجة العاجلة لسلام مستدام".

وأضاف "علينا أن نبقي على ارتباطنا بالولايات المتحدة لأنه الطريق الوحيد لأمن أوروبا".

وشدد على أن الحفاظ على السلام يقتضي قدرتنا على الدفاع عنه، قائلا إن ما حدث في أوكرانيا بعد الهجوم الروسي أثر بشكل كبير على البريطانيين.

إعلان

وقال إنه في نهاية المطاف يجب إشراك روسيا في خطتنا بشأن أوكرانيا.

حاجة عاجلة للتسلح

وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية "نحتاج لوضع أوكرانيا في موقع قوة".

وجاء، في تصريحاتها، "نريد أن تعرف الولايات المتحدة أننا مستعدون للدفاع عن الديمقراطية.. علينا تعزيز قدراتنا الدفاعية".

ولم تتوقف عند هذا الحد بل قالت "نحن في حاجة لإعادة تسليح أوروبا بشكل عاجل".

وقال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته "نعرف وضعنا الأمني ونحتاج لزيادة إنفاقنا الدفاعي في أوروبا وكندا".

وأضاف أن على أوروبا الاستعداد للحظة إعلان وقف إطلاق النار في أوكرانيا وحراسة السلام.

ومن جانبها، قالت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلوني الأحد إنه "من المهم للغاية تجنب خطر انقسام" الغرب.

موسم العار

وفي وقت سابق، قالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك "بدأت حقبة جديدة من العار يجب أن ندافع فيها أكثر من أي وقت مضى عن النظام الدولي القائم على القواعد وقوة القانون، في مواجهة قانون الأقوى".

ودعت الوزيرة الألمانية إلى تخفيف ضوابط الميزانية المحلية والأوروبية من أجل توفير موارد إضافية لمساعدة أوكرانيا وتعزيز الدفاع الأوروبي.

وكانت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كايا كالاس قالت الجمعة "بات واضحا أن العالم الحر يحتاج إلى زعيم جديد. يتعين علينا نحن الأوروبيين أن نواجه هذا التحدي".

يذكر أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أبدى استعداده "لفتح النقاش" حول ردع أوروبي نووي في المستقبل بعد طلب بهذا الخصوص من المستشار الألماني المقبل فريدريش ميرتس، الذي رأى من الضروري أن تستعد أوروبا "لأسوأ سيناريو" المتمثل بتخلي واشنطن عن حلف شمال الأطلسي.

وأعرب ماكرون، في مقابلة نُشرت السبت، عن أمله في أن تحرز دول الاتحاد الأوروبي تقدما سريعا نحو "تمويل مشترك ضخم ومكثف" مقداره "مئات المليارات من اليورو" لبناء دفاع مشترك.

إعلان

وقال "أرى اليوم أن الوقت حان ليقظة إستراتيجية لأن في كل دولة ثمة عدم يقين حول استمرار الدعم الأميركي على المدى الطويل".

الأرض مقابل الأمن

في المقابل، قال مستشار الأمن القومي الأميركي مايك والتز اليوم الأحد إن إنهاء الحرب في أوكرانيا يتطلب تنازلات أوكرانية عن بعض الأراضي، وتنازلات روسية بشأن الضمانات.

وأضاف والتز، في مقابلة مع شبكة "سي إن إن" الأميركية، أن واشنطن تحتاج قائدا في أوكرانيا قادرا على التعامل معها والتفاوض مع الروس لإنهاء الحرب.

وقال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إن تحقيق السلام ليس ممكنا دون الحديث مع الجانب الروسي ومعرفة مطالبهم.

وأضاف روبيو، في مقابلة مع شبكة "إيه بي سي"، إن الرئيس ترامب هو الشخص الوحيد في العالم الذي يستطيع جلب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى طاولة المفاوضات.

من جانبه، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن بلاده تحتاج إلى سلام مدعوم بضمانات أمنية قوية.

وأضاف أنه من المهم تعزيز مواقف أوكرانيا في التعامل مع الحلفاء بالدول الأوروبية والولايات المتحدة.

مقالات مشابهة

  • ترامب: لم أجلب لروسيا سوى الشقاء والعقوبات وأسعى لتحقيق العدالة
  • نظرة بريطانية متشائمة.. كوردستان ساحة لصراع تركي إيراني مرتقب
  • الحزب الشيوعي السوداني: وحدة السودان وسلامة أراضيه واجب الساعة ولا شرعية لحكومات نتجت عن الانقلاب وحرب ابريل 2023
  • مراقبون: الانقلاب الحوثي نكبة طالت قطاعات عدة أبرزها الاقتصاد والتعليم
  • مدفيديف يصف قمة أوكرانيا في لندن بـ”اجتماعات المشعوذين المعادين لروسيا”
  • شهر الصوم في الصحافة الفرنسية
  • من رحم الإطار.. تحالف انتخابي مرتقب يتزعمه السوداني والحكيم
  • أوروبا تتحسر لضعف جيوشها وأميركا تطالب أوكرانيا بالتنازل لروسيا
  • خسارة جديدة.. بيتيس يقتل الريال بسلاحه القديم
  • ماكرون: مستعد لمناقشة الردع النووي من أجل أوروبا