الإعلام المضلّل ضد التقارب العربي
تاريخ النشر: 3rd, September 2023 GMT
لكي يُحقِّق الإعلام أهدافه الأخلاقيَّة لا بدَّ أن تسانده قنوات الاتصال الأخرى خاصة الاتصال الاجتماعي والثقافي، وإقناع الجمهور بالمواقف السياسيَّة والفكريَّة، بل والإيديولوجيَّة، ويعول كل ذلك على المواطن الصحفي والكاتب الشريف والمفكر المستنير الذي يسهم في الدفاع عن قيم دينه وأمن وطنه، وتعزيز الروح المعنويَّة لمواطنيه، ما يصنع مناعة وحصانة للمتلقي العربي.
الفكر العربي أصبح مرتعًا خصبًا للخوف من الآخر
فإن كان قد فاتنا قطار الأمم المتقدمة؛ فذلك لأنّ معاني الوحدة الوطنيَّة العربيَّة نجحت في مساعٍ وخاب مسعاها في أخرى. الوحدة الوطنيَّة داخل أوطاننا طريق نحو التضامن العربي. المواطنة ممارسة يوميَّة نحو التقدم والتعمير والإنتاج واحترام دولة القانون، وتعزيز دور القيم المدنيَّة والسلوك والحضاري، فضلًا عن أنَّ قيم العروبة والإسلام والقيم الإنسانيَّة تأبى الانقلاب على الشرعيَّة الوطنيَّة، أو السعي إلى جرّ الأوطان إلى أتون القتل والدمار، حيث ما يزال مفهوم الوطنيَّة من الثوابت والمسلَّمات التي جمعت تحت لوائها الحضارات الإنسانيَّة جميعهـا.
الأمّة- أي أمة- تعيش بين ثنائيات لا تنتهي، وأمتنا العربيَّة تتوزع بين سياقات مهمّة، مثل: العروبة والإسلام، الوطنيَّة والقوميَّة، التراث والمعاصرة، وقد تداخلت المعاني، لكنّها ما انفصلت وتمايزت في أرض الواقع، ولا بدَّ أن نغامر بتقديم التصوّر الصحيح لتلك العلاقة المطلوبة، وللمثقف دوره الذي لا يليق به أن يتخلى عنه، فهو الدور الذي يرقى إلى مستوى الفريضة الوطنيَّة في أن يحلّ هذه الإشكالات القائمة.
هل يمكن لأحد ذي وعي أن ينكر أن هناك ذراعًا قويَّة للاعلام المضلل، وأن هناك الكثير من المحاولات التي تعمل على "شيطنة" كل تعاون عربي، أو تضامن خليجي، أو حل سياسي للأزمات العالقة، وكل هذا لتضمن نافذة تتدخل من خلالها في الشأن العربي أو الإقليمي.
ليس أمامنا مناص من الاقتناع بفكرة المؤامرة؛ فهي أكثر الأفكار التي تتجلّى معانيها في ثقافتنا العربيَّة المعاصرة، وقد نجحت للأسف في هزّ الكثير من معاني التقارب العربي، ووأد تجلياتها في مهدها؛ لأنّنا نعيش في العالم القديم وهو مهد الحضارات الإنسانيَّة، وكذلك مهد جميع الديانات السماويَّة، ولأننا محلّ أطماع الأمم؛ لما نمتلكه من خيرات ومقدسات.
ومما يؤسف له أيضًا أن الفكر العربي أصبح مرتعًا خصبًا للخوف من الآخر؛ ما رسَّخ في العقليَّة العربيَّة النزعة السلبيَّة، والسلفيَّة الأصوليَّة، والتشدُّد الأصولي، والانغلاق على الذات، والتعاطي مع الماضي وتراثه بحذافيره من دون انتقائيَّة أو فرز، وبما لا يتناسب مع العصر.
إنّ الأصل هو تحقيق الوحدة الوطنيَّة في الداخل قبل الشروع في الوحدة العربيَّة أو القوميَّة؛ فلا يمكن تجسيد معاني الوحدة العربيَّة من دون إرساء الأمن والأمان في كل بلد عربي على حدة، وتقديم مُثُل وقيم المواطنة الصالحة، فهي القادرة على أن تعزيز الأمن والاستقرار والتنمية، وإعلاء قيمة الوطن والمواطنة، كأولويَّة فوق كل الاعتبارات العرقيَّة والطائفيَّة، وأهميَّة بناء الهويَّة الوطنيَّة الناضجة من خلال الثقافة، علمًا بأن الثقافة ذات صلة متينة بالهويَّة وبالمستقبل، وبذلك تؤثر الثقافة والنظام الثقافي السائد في نجاح عمليات الخيارات الوطنيَّة.
علينا كمثقفين وأصحاب أقلام شريفة التصدي لمحاولات جماعات الغلو والتطرف اختطاف الدين الإسلامي، من خلال مروقهم من الدين، ليتم الانقضاض على الأوطان، بتسخير الدين لأغراضهم، فمن هنا تأتي أهميَّة الدور الذي يمكن أن يقوم به رجال الوطن، من المؤمنين بقيم المواطنة الصالحة في تدعيم اللُّحمة الوطنيَّة أولًا لمواجهة هذا الطيف الشاذ، وتقديم ما يمثله الوطن من قيم إيجابيَّة بنّاءة تُعزّز الأمن والاستقرار والتنمية.
كما يجب أن نتصدَّى للعولمة والوسائل الحديثة التي ألغت الحدود والحواجز، لا سيما في هذه الظروف الاستثنائيَّة التي نعيشها في الدفاع عن أمن أمتنا العربيَّة؛ لهذا لا بدَّ من محاربة الدعايات الكاذبة، والوقوف أمام أقاويل المرجفين في وقت أحوج ما نكون فيه لشدِّ الأزر، وتدعيم الأواصر الأخويَّة ما بين أوطاننا الخليجيَّة والعربيَّة، فلطالما كنا نحلم بأن نكون على كلمة سواء، والذود معًا عن الأوطان العربيَّة.
إننا بحاجة إلى ذراع إعلاميَّة عربيَّة، تتكامل في تحقيق أهدافها القوميَّة، ومحاربة التضليل الفاضح؛ من أجل توجيه رسالة سياسيَّة معيّنة، يراد لها أن توجه رسالة إلى كل من يتربص بالأمة شرًّا، سواءً كان قريبًا في منطقتنا، أو بعيدًا عنها، وترسيخ مشاعر الهزيمة والإحباط، خاصةً في أوقات الأزمات السياسيَّة والصراعات الداخليَّة.
إن الإعلام المعادي الذي يحمل أجندات سياسيَّة خارجيَّة، لا يتورع عن الكذب والتضليل والتدليس ومخالفة الحقائق، بل يصل الأمر إلى التزوير، والفبركة، والتضليل، وتغيير التاريخ والروايات الحقيقيَّة بهتانًا! بل هم يعتبرونه أمرًا مقبولًا، ومطلبًا سياسيًّا ودينيًّا!
الثورة التقنيَّة الكبيرة في الإعلام حاضرة وبقوة في المشهد، فإذا كانت قنواتهم مرآة لسياستهم، فلتكن قنواتنا مرآة لسياستنا، الأمر الذي يصنع مناعة وحصانة للمتلقي العربي من كل تلك التأثيرات السلبيَّة، الإعلام المضلل يحقق مبتغاه، حيث وجد جمهوراً تنقصه المعلومة والحقيقة المنشورة، نستطيع المواجهة من خلال لغة تنجح في معالجة الأحداث، والتعاطي مع كل ما يستجد على الساحة الإعلاميَّة في العالم أجمع، عدا ذلك سنظل نهب أبواقهم الإعلاميَّة المضللة.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني ة العربی ة الوطنی
إقرأ أيضاً:
لماذا يميل الناس إلى العزلة عند الحزن؟ وهل الوحدة هي الحل؟
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
يميل أغلب الناس إلى الانعزال عند الشعور بالحزن الشديد أو بعد فقدان شخص عزيز، وهو ما يحقّق لهم أحياناً راحة نفسية ويخفف عنهم بعضاً من الألم، بينما يرى آخرون أن العزاء الحقيقي قد يأتي من دعم الأصدقاء والعائلة، ما يجعلنا نتساءل: هل تُعَد العزلة علاجاً أم تزيد من الآلام؟
حاول تقرير لموقع "بي سايكولوجي توداي" تفسير ظاهرة العزلة في الحزن، واستعرض كيفية تأثير الوحدة على الشخص الحزين. في هذا السياق، يقول الكاتب الأميركي جورج ميشيلسن فوي إن العزلة في أوقات الحزن العميق قد تدفع بالشخص إلى "دوامة متفاقمة من الحزن والاكتئاب"، ما قد يفاقم الحالة النفسية ويدخل الشخص في حالة يُعرفها الطب النفسي باسم "الحزن المرضي"، حيث تصبح مشاعر الحزن عميقة ومستديمة، وتخرج عن السيطرة، وتؤدي إلى ألم عاطفي طويل الأمد.
من جهة أخرى، تشير المعالجة النفسية هوب إيجلهارت إلى أن الشخص الذي يعيش حالة الحداد يكون أشبه بمن فقد صلته بالعالم الخارجي، حيث يبدو كما لو كان في "عالمٍ سفلي" بعيد عن الواقع، فاقداً لإحساسه بالزمن والمكان. تقول إيجلهارت إن هذا الانقطاع العاطفي قد يجعل التواصل مع الآخرين عبئاً، إذ يُرهق الشخص الحزين الحديث عن نفسه أو عن من فقده، وكأن الجرح يتجدد مع كل محاولة للتواصل.
ويفسر بعض علماء النفس ميل الشخص إلى العزلة في هذه الحالة بأنه رغبة في الاحتفاظ بذكريات الشخص المفقود بعيداً عن محاولات الناس لفهمها أو مواساتها، إذ يشعر الشخص، كالزوج الذي فقد شريك حياته، أن أحداً لا يمكنه فهم حجم الخسارة بالطريقة التي يدركها.
وبينما يرى البعض في العزلة علاجاً مؤقتاً لتفادي المواجهة، فإن التقرير يشير إلى أهمية تحقيق التوازن بين قضاء بعض الوقت في عزلة للتأمل وتذكر الأحبة، وبين العودة التدريجية إلى الحياة الاجتماعية. ويؤكد التقرير أن الدعم من الأصدقاء والعائلة يبقى حاجة أساسية في رحلة الشفاء، ما قد يساعد الشخص على مواجهة الألم والتغلب على عزلته في الوقت المناسب.