انقلابات أفريقيا: ابحث عن فرنسا
تاريخ النشر: 3rd, September 2023 GMT
انقلابات أفريقيا: ابحث عن فرنسا
د.فيصل محمد صالح
فتح انقلاب الغابون جرحاً جديداً في جسد القارة الأفريقية التي ضربتها موجة الانقلابات بشدة في الفترة الأخيرة، حيث بلغ عددها 8 انقلابات في ظرف 3 سنين، تركزت في حزام وسط وغرب أفريقيا، وبتركيز أكبر على المستعمرات الفرنسية السابقة، حيث شملت السودان، تشاد، غينيا، بوركينا فاسو، مالي، النيجر، الغابون.
وعندما يشير الناس إلى فرنسا لا يعني هذا بالضرورة أن فرنسا هي التي دبرت الانقلابات، لكنها طرف حاضر بقوة في معظم هذه الانقلابات، سواء أكانت وراء واحد من هذه الانقلابات، أو أن بعضها الآخر استهدف النفوذ الفرنسي في المنطقة.
ليست خافية المصالح الفرنسية الكثيرة في موارد المنطقة، من البترول والموارد المعدنية المختلفة، للمنتجات الزراعية الرخيصة والمواد الخام التي يتم تصنيعها في فرنسا، وبطبيعة الاستعمار الفرنسي الاستيطاني، فإن النفوذ الفرنسي بعد الاستقلال لم يتقلص كثيراً، فقد صنعت فرنسا في هذه البلدان طبقات سياسية مرتبطة سياسياً وثقافياً واقتصادياً بباريس، يدرس أبناؤها ويقيمون بفرنسا، ولا يأتون إلى بلدانهم إلا ليحكموا، ثم بعد ذلك يقضي بعضهم معظم حياته في فرنسا ويدير البلاد بالريموت كونترول.
ولو أدرنا النظر في ما تبقى من الحكام الأبديين فسنجد أن معظمهم مرتبط بفرنسا ويتمتع بدعمها وتأييدها، من رئيس الكونغو دينيس ساسو نجيسو الذي يحكم منذ عام 1979، وغاب لفترة رئاسية واحدة، ثم عاد عام 1997 ولا يزال يحكم، ثم ثيودور أوبيانج أونجيما الذي يحكم غينيا الاستوائية منذ عام 1979، وبول ببا الذي يحكم الكاميرون منذ عام 1982، وفور أياديما غناسينغبي الذي يحكم توغو منذ عام 2005.
في حالة الغابون التي وقع فيها الانقلاب العسكري يوم الأربعاء الماضي، فإن أسرة بونغو ورثت البلاد والعباد، وحكمت لمدة 56 عاماً، بدأها الرئيس عمر بونغو، وبعد وفاته خلفه ابنه علي بونغو الذي أعلنت لجنة الانتخابات قبل أيام فوزه في الانتخابات الرئاسية بنسبة 64.27 في المائة. بعيداً عن الوراثة والاحتكار وقصص الفساد، فإن الرئيس علي بونغو أصيب بجلطة وشلل وغاب عن البلاد 14 شهراً تحت العلاج، وعاد ليترشح ويفوز بالانتخابات التي قالت بعثات المراقبة الدولية من الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي إنها تفتقد معايير الحرية والنزاهة المطلوبة.
وجود أنظمة وراثية فاسدة تجد دعماً فرنسياً ودولياً أثار غضب كثير من الشعوب وأثار حنقها وعداءها لفرنسا، وفي كل بلد أفريقي لا يزال هناك ضباط طامعون في السلطة وقادرون على مغازلة طموحات ورغبات الشعوب وإقناع الناس أن السبيل الوحيدة للتخلص من الحكام الفاسدين هو الانقلاب العسكري، رغم أن تاريخ الانقلابات في أفريقيا لا يقل سواداً عن تاريخ الأنظمة الوراثية. ومثلما استثمر الحكام الأبديون في تقوية العلاقات مع فرنسا لضمان بقائهم في السلطة، فإن الأنظمة الانقلابية الحالية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر وغيرها تستثمر في العداء لفرنسا، وتقدم خطاباً شعبوياً جاذباً للجماهير، وخادعاً لها بالتأكيد، وإن كان خداعه لا يظهر الآن.
وللسبب نفسه، فإن دولاً أخرى دخلت اللعبة، مثل روسيا، التي بدأت أيضاً في الاستثمار في روح العداء لفرنسا وتغذيتها لدرجة أن هذه الشعوب المقهورة تخرج في مظاهرات مؤيدة للانقلابات وترفع علم روسيا وصور زعيم «فاغنر» المغدور به يفغيني بريغوجين، وكأنه هو مخلص الشعوب.
مرت فرنسا بحركة تغيير ضخمة حين انتخبت الرئيس الشاب إيمانويل ماكرون عام 2017، ثم أعقبت ذلك انتخابات نيابية قبل وقتها، وأخرجت أكثر من 70 في المائة من الطبقة السياسية القديمة لصالح وجوه جديدة، لكن هذا التغيير لم ينعكس على سياسة فرنسا الخارجية وعلى علاقاتها بمستعمراتها السابقة والطبقة السياسية الحاكمة، وهي الآن تجني ثمار الفشل والعجز عن قراءة التغيرات الكبرى في العالم وفي أفريقيا.
الخطوة الأولى في تغيير هذه الصورة هي تفهم فرنسا لرغبات وطموحات الشعوب، ثم رفع يدها عن دعم الحكام الطغاة، والاستثمار في العلاقات مع الشعوب الأفريقية واحترام رغباتها، عند ذلك قد يتلاقى هذا التغيير مع حركة وعي جماهيرية أفريقية تعرف أن هناك طرقاً ووسائل للتغيير غير الانقلابات العسكرية.
رغم ما قلناه عن الدور المحوري لفرنسا في معظم هذه الانقلابات، معه أو ضده، فإنه بالتأكيد توجد عوامل أخرى تتسبب في حالات الانقلابات وعدم الاستقرار في القارة البكر، منها كما ذكرنا طموحات القيادات العسكرية التي لا تشبع من السلطة، ثم سيادة روح القبلية والجهوية والعنصرية التي تجهض محاولات التحول الديمقراطي، مثلما حدث في النيجر التي وصل الرئيس محمد بازوم، وهو من الأقلية العربية، للسلطة فيها عبر عملية ديمقراطية مشهود لها، لكن لم يرضِ هذا الأمر بعض المجموعات الأخرى في البلاد، فدبرت الانقلاب، ثم وفرت له قاعدة شعبية قبلية بالأساس.
يبدو أن طريق الديمقراطية والحريات العامة والعدالة والسلام والتنمية المتوازنة في أفريقيا لا تزال بعيدة، لكنها ليست مستحيلة، ببساطة لأنه لا توجد طريق بديلة.
الوسومإنقلاب عسكري الغابون النيجر فرنسا فيصل محمد صالح
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: إنقلاب عسكري الغابون النيجر فرنسا
إقرأ أيضاً:
معاناة الشعوب العربية بسبب ويلات الحروب تتصدر مسابقة آفاق بـ«القاهرة السينمائي»
نجح مهرجان القاهرة السينمائى الدولى فى دورته الـ45، منذ لحظاته الأولى فى خطف الأنظار بقوة ليحافظ على صدارته ضمن أفضل المهرجانات حول العالم؛ لا سيما أنه أحد أعرق المهرجانات فى العالم العربى وأفريقيا، إذ ينفرد بكونه المهرجان الوحيد فى المنطقة العربية والأفريقية المسجل فى الاتحاد الدولى للمنتجين فى بروكسل FIAPF، وقد تميز المهرجان فى دورته الحالية بتنوع كبير فى الأفلام المشاركة بجميع المسابقات، وبخاصة مسابقة آفاق السينما العربية التى سيطرت عليها القضايا الإنسانية والعربية كالقضية الفلسطينية والحرب على لبنان والأزمة السورية، حيث نقل صورة ومعاناة الشعوب من خلال السينما.
«أرزة» يجسد صلابة المرأة اللبنانيةوكان فى مقدمة تلك الأفلام «أرزة» للمخرجة ميرا شعيب، وهو إنتاج مشترك بين مصر ولبنان والسعودية، ويعود اسم الفيلم إلى الأرزة وهى شعار لبنان والعلم اللبنانى، ويتناول معاناة الشعب اللبنانى من أزمات مستمرة منذ عدة سنوات، والعمل من بطولة الفنانة اللبنانية دايموند بو عبود، ووضع زوجها الفنان هانى عادل الموسيقى التصويرية للفيلم، والذى تدور أحداثه حول الأم العزباء «أرزة»، والتى تصطحب ابنها المراهق فى مغامرة عبر بيروت بحثاً عن دراجتهما البخارية التى تُعد مصدر دخل العائلة الوحيد، وتضطر لاستخدام أساليب لحماية نفسها وابنها من خلال التنكر وتغير لهجتها من أجل إيجاد الدراجة.
«وين صرنا؟» يرصد محنة غزةكما تناول الفيلم الوثائقى «وين صرنا» معاناة الشعب الفلسطينى، وهو العرض العالمى الأول للفيلم من خلال مسابقة آفاق للسينما العربية بمهرجان القاهرة السينمائى الدولى بدورته الـ45، وهو إنتاج وإخراج الفنانة درة، التى أرادت توثيق معاناة أشخاص حقيقيين من فلسطين ورحلتهم فى النزوح من غزة بعد أيام صعبة تحت القصف المستمر.
وقالت الفنانة درة لـ«الوطن»، إنها أرادت ألا تشارك بالفيلم كممثلة لكى تسلط الضوء على الأبطال الحقيقيين للقصة، قائلة: «أردت فقط دعم القضية الفلسطينية من خلال خبرتى الفنية». وتدور أحداث «وين صرنا»، حول شخصية امرأة شابة من غزة، نزحت إلى مصر بعد نحو 3 أشهر من الحرب، مع ابنتيها الرضيعتين، واللتين أنجبتهما قبل الحرب ببضعة أشهر ومعاناة 5 سنوات.
«سلمى» يعكس الواقع السورى المريرويشارك فى مسابقة آفاق للسينما العربية فيلم «سلمى»، والذى يبرز معاناة الشعب السورى، ورحلته المستمرة منذ سنوات من أجل الوصول إلى الراحة والاطمئنان فى ظل ما يعايشه من أحداث مؤسفة جراء الحرب المستمرة منذ سنوات، من خلال قصة واقعية بعد الحرب وزلزال سوريا، وهو من بطولة وإنتاج الفنانة السورية سولاف فواخرجى، التى أرادت دعم بلادها فى محنتها من خلال رسائل فنية تعبر عنها وترصد واقعاً يعيشه آلاف الأسر السورية تحت ويلات الحرب.
وأوضحت «سولاف»، لـ«الوطن»، أن «سلمى» يخاطب الجمهور العادى ويعبر عن حال المرأة القوية، قائلة: «أحب دائماً فى أعمالى مخاطبة الناس لأن عملى ليهم فى الأساس، وهناك قصص كتيرة صعبة»، وأشارت إلى أن الظروف المعيشية فى سوريا أصعب من التخيل، بسبب توابع الحرب والزلزال، وهو ما جسّدته شخصية «سلمى» من لحظات الضعف والقوة وقلة الحيلة وعدة مشاعر متباينة، فى محاولة للصمود أمام ما يحدث حولها، فهى تجسد دور الأم والمعلمة والمضحية من أجل المجتمع، فتحولت لشخصية أخرى لكى تحمى مَن حولها فى ظل معاناة لا متناهية.