بعد إعدام الآلاف.. الأسد ينهي العمل بمحاكم الميدان العسكرية
تاريخ النشر: 3rd, September 2023 GMT
بعد أكثر من نصف قرن على استحداثها، أنهى النظام السوري، الأحد، العمل بمحاكم الميدان العسكرية، التي يؤكد حقوقيون أنها أصدرت أحكام إعدام بحق "الآلاف"، في خطوة قابلها ناشطون بحذر في انتظار اتضاح مداها.
وأعلنت رئاسة النظام السوري في بيان الأحد، أن بشار الأسد أصدر مرسوما ينهي العمل بمرسوم صادر عام 1968 يتضمن "إحداث محاكم الميدان العسكرية".
وأوضحت أن القضايا المرفوعة أمام محاكم الميدان ستحال "بحالتها الحاضرة إلى القضاء العسكري لإجراء الملاحقة فيها وفق أحكام قانون العقوبات وأصول المحاكمات العسكرية".
وبات المرسوم نافذا من تاريخه.
وواجهت هذه المحاكم انتقادات خصوصا في فترة النزاع الذي بدأ عام 2011.
وقالت منظمة العفو الدولية إن هذه المحاكم تعمل "خارج نطاق قواعد وأصول النظام القانوني السوري".
وفي تقرير أصدرته عام 2017، نقلت عن قاضِ سابق فيها قوله "يسأل القاضي عن اسم المحتجز، وعما إذا كان قد ارتكب الجريمة أم لا. وسوف تتم إدانة المحتجز بصرف النظر عن إجابته".
وأضافت "يخضع المحتجزون قبل إعدامهم لإجراءات قضائية صورية لا تستغرق أكثر من دقيقة واحدة أو اثنتين.. وتتصف هذه الإجراءات بأنها من الإيجاز والتعسف بحيث يستحيل معهما أن يتم اعتبارها إجراءات قضائية معتادة".
ووصفت الإجراءات بـ"مهزلة... تنتهي بإعدام المحتجزين شنقاً".
واعتبر المحامي السوري المقيم في دمشق، عارف الشعال، في منشور له على فيسبوك أن إلغاء هذه المحاكم "إزاحة لأهم الكوابيس الجاثمة على صدر العدالة".
وقال إنه بجانب أنها كانت "محكمة سرية لا يدخلها محامي ولا يوجد فيها ضمانة حق الدفاع، وقراراتها لا تقبل الطعن وتخضع بالمطلق للسلطة التنفيذية التي تملك الحق بإلغاء أحكامها، كانت أيضا مرتعاً خصباً للفاسدين من المحتالين والنصابين والسماسرة الذين يزعمون أن لهم يد طولى فيها ويتقاضون من المساكين مبالغ خيالية بسبب ذلك وهم كاذبون".
وفي تعليقها على القرار، قالت الهيئة السورية للمعتقلين، في منشور على فيسبوك "كانت هذه المحاكم استثنائية لا يوجد بها أي ضمانات دستورية ولا يحق للمتهم الماثل أمامها تقديم أي دفوع أو توكيل محام أو مراجعة أي قرار أو حكم يصدر عنها إضافة إلى سريتها".
واعتبرت الهيئة أنها كانت "إحدى الأدوات التي مارس بها النظام السوري القتل منذ بداية حكمه واستخدمها لإبادة أي صوت معارض له، كما كانت إحدى آليات الترهيب التي نشطت منذ بداية الثورة والتي ارتبط اسمها بسجن صيدنايا العسكري سيء السيط".
وتشهد سوريا نزاعاً دامياً منذ 2011 تسبّب بمقتل حوالى نصف مليون شخص، وألحق دمارا هائلا بالبنى التحتيّة وأدّى إلى تهجير الملايين. وبدأ النزاع باحتجاجات شعبية قمعها النظام، وتشعّب مع انخراط أطراف خارجيين ومسلحين وتنظيمات جهادية.
وأفاد المحامي السوري غزوان قرنفل بأن محاكم الميدان التي أنشئت بعد حرب يونيو 1967، توسّع اختصاصها ليشمل المدنيين في الثمانينات بعد أحداث مدينة حماه (وسط) التي قمعها النظام بالقوة.
وقال لوكالة فرانس برس إنها "لا تتقيد بقواعد الأصول وأحكامها لا تقبل الطعن"، و"لا دور للمحامي" في إجراءاتها.
وأشار الى أن "الكثير من المعتقلين خلال سنوات الثورة والصراع المسلح صدرت بحقهم أحكام بالاعدام عن تلك المحاكم ونفذت فور المصادقة عليها".
"تأخر كثيرا"ولا يزال مصير عشرات الآلاف من المفقودين والمخطوفين والمعتقلين لدى مختلف الأطراف وخصوصاً النظام، مجهولاً.
وقدّر قرنفل بأن يكون "الآلاف أعدموا بأحكام صادرة عن تلك المحاكم".
وقال ناشط لفرانس برس طالبا عدم كشف اسمه إن صدور المرسوم "تأخر كثيرا... بعدما قضى جراء تلك المحاكم آلاف السوريين وربما عشرات الآلاف".
وقال أن الإجراء "مطلب قديم للناشطين، "لكن توقيته "ليس واضحا"، داعيا الى "التعامل مع القرار بحذر وانتظار ما قد ينتج عنه قبل الترحيب به، خاصة أن النظام لم يعترف يوما بمخالفة هذه المحاكم لحقوق الانسان والمعتقلين".
وأشار الى أن المرسوم "قد يساعد معتقلين كثرا لا يزالون يقبعون في سجون النظام تحت وطأة هذه المحاكم الميدانية ينتظرون أحكام إعدامهم"، متحدثا عن أن بعض العائلات "كانت تدفع آلاف الدولارات لوسطاء ومحامين فقط لإنقاذ المعتقل بإخراجه من محكمة الميدان إلى محاكم عسكرية عادية".
وأوضح دياب سرية من "رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا" أنه "اذا تمّت إحالة المعتقل إلى المحاكم العسكرية، سيسمح له بمحامٍ على الأقل".
وأشار الى أن "حوالى 70 بالمئة من المعتقلين في سجن صيدنايا بعد العام 2011، عرضوا على محكمة الميدان العسكرية التي حكمت على أغلبهم بالإعدام".
وأمل في أنه "إذا سُمِح بالاطلاع على أرشيف تلك المحاكم.. أن يعلم الأهالي مصير أحبائهم المفقودين والمختفين قسرا منذ سنوات".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: المیدان العسکریة محاکم المیدان هذه المحاکم
إقرأ أيضاً:
فرصة كي يثبت الشرع أنه ليس "الجولاني"…
من الطبيعي مسارعة النظام الجديد في سوريا إلى معالجة الوضع القائم في الساحل السوري بجدّية، أقله من أجل أن يظهر أنّه نظام مختلف عن نظام آل الأسد. لن تنجح هذه المعالجة سوى عبر إثبات أحمد الشرع أنّه ليس "أبو محمد الجولاني". أي أنّه ليس "إرهابياً يضع ربطة عنق" على حد تعبير أحد أركان النظام العراقي الذي تسيطر عليه "الجمهوريّة الإسلاميّة" في إيران.
لم يعد سرّاً أن العراق، الذي لجأ إليه عدد كبير من الضباط السوريين العلويين، في ضوء فرار بشّار الأسد إلى موسكو، ليس راضياً عن التطورات التي شهدتها سوريا في الأشهر الثلاثة الماضية ولدى حكومته، التي على رأسها محمّد شياع السوداني، موقف متشنّج إلى حدّ كبير من الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع. في الواقع على الشرع إثبات أن كل ما يقال عنه في بغداد وطهران ليس صحيحاً بعدما تخلّى بالفعل عن "داعش" وفكره وكلّ ما يمت إليه بصلة.وقعت بالفعل مجازر في منطقة الساحل السوري. استهدفت المجازر، التي وقفت وراءها تنظيمات تكفيرية، العلويين. أخذت المجازر، التي ارتكبت في حقّ العلويين، أبعاداً تتجاوز حدود البلد. ثمة مخاوف من تفتيت لسوريا في وقت ليس معروفاً ما الذي تريده إسرائيل التي تصرفت بشكل مريب منذ اليوم الأول لسقوط نظام آل الأسد.
تؤكّد جدية تعاطي الغرب مع الحدث السوري ردود فعل العواصم الأوروبيّة المختلفة، كذلك الرد الأمريكي الواضح الذي عبّر عنه وزير الخارجية ماركو روبيو. أخذ العالم ما يجري في سوريا على محمل الجدّ. ليس هناك من يريد مزيداً من المجازر في بلد عرف كيف يتخلّص من بشّار الأسد ونظامه.
لم يكتف روبيو بـ"إدانة" الجرائم التي ارتكبتها عناصر إسلامية متطرفة، بل أشار إلى وجود "جهاديين أجانب"، شاركوا في المجازر التي وقعت في منطقة الساحل السوري. بات هناك خوف من أن يكون الحكم الجديد الذي على رأسه أحمد الشرع وقع في الفخ الذي نصبه له النظام الإيراني ومجموعات علوية تابعة للنظام السابق الذي لم يعد لدى أركانه، في مقدمهم بشّار الأسد وشقيقه ماهر والضباط التابعون لهما، غير خيار الدولة العلوية.
تحصد سوريا حالياً ما زرعه حافظ الأسد الذي آمن منذ توليه السلطة في العام 1970 بأن الحكم العلوي يُبنى على ركيزتين أساسيتين. أولاهما إلغاء أي معارضة من أي نوع، خصوصاً معارضة المدن السنية الكبرى، مثل دمشق وحلب وحمص وحماة، التي كان الأسد يكن كرهاً شديداً لها ولأهلها. استخدم الأسد الأب الحديد والنار من أجل إخضاع المدن، بما في ذلك اللاذقية التي هي في الأصل مدينة سنّية – مسيحية قبل أن يجتاحها علويو النظام الذين هبطوا عليها من الجبال.
أما الركيزة الثانية للنظام الذي أسسه حافظ الأسد، فهي ركيزة الاعتماد على إسرائيل التي حصلت منه على ضمانات من نوعين. ضمانات لأمن الدولة العبرية أولاً وأخرى تتعلق بالتخلي عن الجولان المحتل. لم يرد الأسد الأب استعادة الجولان في أي يوم. رفع كلّ الشعارات "الوطنية" ولجأ إلى كل المزايدات من أجل ضمان بقاء الجولان تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ العام 1967.
ثمة ركيزة ثالثة للنظام السوري السابق تأمنت بعد قيام "الجمهوريّة الإسلاميّة" في إيران عام 1979. تتمثل تلك الركيزة في الحلف الذي تكرّس بين النظام الإيراني والنظام العلوي. كان لبنان من ضحايا هذا الحلف الذي من نتائجه قيام "حزب الله" الذي حل سلاحه المذهبي مكان السلاح الفلسطيني بعد العام 1982.
لا شكّ أن تركة نظام آل الأسد ثقيلة جداً. لكنّ التصدي لهذه التركة يقوم قبل أي شيء على تفادي اللجوء إلى الوسائل التي اعتمدها الأسد الأب والأسد الابن طوال 54 عاماً. لكنّ السؤال الذي يفرض نفسه في ضوء الأحداث الأخيرة هل في استطاعة "هيئة تحرير الشام" والفصائل الحليفة لها تأسيس نظام مختلف كلّياً عن نظام آل الأسد بعيداً عن فكرة الانتقام؟
أظهر أحمد الشرع منذ فرار بشّار الأسد إلى موسكو رغبة واضحة في الابتعاد عن الفكر الذي تحكّم بـ"هيئة تحرير الشام". لكن الكمين الذي نصبته "فلول النظام السابق" لمجموعة عسكرية تابعة للسلطة الجديدة أدى إلى ردود فعل كان الرئيس السوري الجديد في غنى عنها. لا يمكن اللجوء إلى القتل ردّاً على القتل في حال كان مطلوباً التأسيس لنظام جديد يتساوى فيه المواطنون السوريون بغض النظر عن انتمائهم المذهبي والطائفي والقومي.
ستكون الأيام المقبلة أياماً حاسمة أمام النظام السوري الجديد، خصوصاً أنّ إيران ستحاول وضع المسألة العلوية في سوريا في الواجهة. ليس سرّاً أن الأحداث السورية تدور حالياً على خلفية منافسة شديدة بين إيران وتركيا حيث توجد أيضاً أقلّية كبيرة (نحو 16 مليون علوي). صحيح أنّ هناك تمايزاً بين علويي سوريا وعلويي تركيا، لكنّ الصحيح أيضاً أنّ أي مجازر يتعرض لها علويو سوريا ستكون لها انعكاسات في الداخل التركي.
تحصد سوريا ما زرعه حافظ الأسد. المهمّ بالنسبة إلى شخص مثل أحمد الشرع الاقتناع بأنّ تلك التجربة الفاشلة يجب ألّا تتكرر، لا لشيء سوى لأن ذلك كفيل بتفتيت سوريا وتنفيذ الشعار الذي رفعه بشّار الأسد والعلويون من أنصاره في بداية الثورة قبل 14 عاماً، شعار "الأسد أو نحرق البلد".
لا يمكن الاستخفاف بالتحدي الذي يواجه النظام الجديد في سوريا الذي لا يستطيع تجاهل أنّ مراقبين دوليين رفعوا علم الأمم المتحدة ذهبوا حديثاً إلى مناطق المجازر الأخيرة في الساحل السوري. يشير ذلك إلى مدى خطورة الوضع السوري الذي بات تحت المجهر الدولي. يحدث ذلك في وقت توجد فيه مخاوف تركية من انعكاسات للحدث السوري على الداخل التركي. أي دور ستلعبه تركيا في جعل شخصية أحمد الشرع مقبولة عربياً وإقليمياً ودولياً؟