معاناة الناشرين وصناعة الكتاب ليست بالخافية في عموم العالم، وهي أكثر وضوحًا في العالم العربي، لكن صناع الكتب رغم ذلك يصرون على مواصلة العطاء، ساعين ليكونوا جسرا بين الكاتب والقارئ وإن أرهقتهم هذه المهنة.

وتتضاعف المعاناة والمشاكل عندما يكون هؤلاء الناشرون في بلد يعاني ظروفا استثنائية، وتمزقه الحرب ويغيب عنه الاستقرار ويثقله التدهور الاقتصادي، تماما كما يعاني الناشرون السودانيون.

حين يزداد الطين بِلة

وجوه متعددة للمعاناة عاشتها دور النشر السودانية في السنوات الماضية، فالتدهور الاقتصادي جعل الكتاب يتدحرج إلى أسفل سلم أولويات المواطن السوداني، فثمنه قد يسد ثغرة في قائمة المطلوبات اليومية التي يصعب مجابهتها، إضافة للتدهور المستمر في سعر صرف الجنيه السوداني مقابل الدولار.

مدير "دار عزة " والأمين العام لاتحاد الناشرين السودانيين نورالهدى محمد ذكر بعض الذي أرهق صناعة الكتاب في السودان قائلا إن "المشاكل كثيرة ومتعددة، والدولة من أكبرها، فهي لا تقدم أي مساعده للناشر، بل إن وزارة ثقافتها عبء على الناشر".

ويضيف نور الهدى في حديث للجزيرة نت أن "عدم سلاسة التحويلات المالية -بين المؤلف والناشر والمطبعة-، والتهاوي في سعر العملة، إضافة لغلاء إيجارات المقار والمعارض، وعدم وجود شركات توزيع"، كلها عوائق في طريق الناشرين.

صاحب "دار الأجنحة" متوكل زروق شبَّه طباعة الكتاب بالمغامرة، خاصة عندما يطبع الناشر لأسماء جيدة لكنها غير مشهورة، والمؤسف بحسب وصفه "أنك عندما تربح مغامرتك، وتبدأ مبيعات الكتاب في الارتفاع سرعان ما تمتلىء الأرصفة بالنسخ المزورة".

الأشياء تتداعى

لا تبدو الصورة واضحة في الخرطوم، ولا تعلم الأكثرية هناك حال خرطومهم، ولا حال ما يخصهم فيها إلا في آحايين قليلة. غير أن اليقيني أن عجلة الحياة تعطلت تماما، وأن محيط الخراب في تمدد.

سألنا نورالهدى عن مصير داره (دار عزة) فقال "الدار مجاورة لجامعة الخرطوم وبالقرب من مناطق العمليات العسكرية ولم أستطع الوصول إليها منذ بداية المعارك (في منتصف أبريل/نيسان الماضي)، ولا أعرف ما حلَّ بها"، ويستطرد قائلا "أما المخازن فتعرضت للحريق بسبب المقذوفات".

عماد أبو مدين مدير "دار الريم" ناشر آخر يتلظى بالحرب ولا يدري شيئا عن مكتبه ومخازنه، ويقول "لا أدري ما مصير المقر، ولا المخازن، ولا الكتب التي كانت كتابتها قصة، وطباعتها حياة".

وبحسب إفادة أبو مدين للجزيرة نت فإن مكتب الدار ومخزنها يقعان في منطقة كثيرة الاشتباكات العسكرية، ولكونها منطقة تجارية وغير مأهولة بالسكان لذلك يصعب ورود معلومات.

الناشر عماد أبومدين لا يدري شيئا عن مكتبه ومخازنه في السودان (مواقع التواصل)

يصف متوكل زروق الوضع الذي يكاد يشترك فيه الناشرون السودانيون كلهم، قائلا "تقع أغلب دور النشر في الخرطوم، وأقل ضرر واقع على الناشر السوداني أنه لا يستطيع الوصول إلى كتبه، دعك من بيعها".

ويضيف في حديثه للجزيرة نت "واحدة من المعضلات المؤرقة أن هناك التزامات من دور النشر للمؤلفين ولأصحاب المطابع، وكان الإيفاء بها في الغالب بعد عمليات البيع، وما من بيع".

ضرورة ملحة

تحت الرصاص وضغط الالتزامات توزع عدد من الناشرين السودانيين في العواصم، توجهت الأكثرية صوب مصر لأكثر من اعتبار، منها أن غالبهم يطبع كتبه هناك وله علاقات عمل، فسافروا مصطحبين أسرهم والكثير من الأمنيات بتحسين أوضاعهم.

ومن أولئك عماد أبو مدين الذي يواصل إفادته للجزيرة نت قائلا "بعد إغلاق مطار الخرطوم وتعليق الرحلات الجوية، توجهت عبر معبر أرقين برًّا إلى جمهورية مصر العربية"، ومثله فعل عدد من الناشرين، مثل متوكل زروق الذي قال "إن التزاماته تجاه مؤلفين -وخاصة غير سودانيين- جعلت من خروجه ضرورة ملحة".

متوكل زروق يقول إن التزاماته تجاه مؤلفين -وخاصة غير سودانيين- جعلت من خروجه ضرورة ملحة (مواقع التواصل)

وتعد المشاركة في المعارض الخارجية من أكثر الأسباب التي دعت ناشري السودان للخروج منه، وتمثل هذه المعارض لدور النشر ذروة مواسمهم، كما أن لها أكثر من بعد بحسب ما أفاد مدير دار عزة نور الهدى محمد، الذي يقول إن "المعارض الخارجية من أهم الموارد المالية للدور، وتزداد هذه الأهمية مع توقف السوق الداخلية، كما أن الحضور يتيح مساحات إعلامية ولقاءات بالمؤلفين والزملاء الناشرين".

لأجل ذلك بدأ نور الهدى محمد رحلة الترتيب والركض بين المطابع وشركات الشحن، بينما استطاع بعض الناشرين اللحاق بمعرض أبو ظبي للكتاب في مهاية مايو/آيار، ومنه توجهوا لمعرض الدوحة، الذي أقيم هذا العام في يونيو/حزيران، وقد التحقت به من القاهرة دار الريم، ودار الشريف الأكاديمية.

معرض الدوحة

كانت المشاركة في معرض الدوحة للكتاب جميلة ومفيدة للناشرين السودانين بحسب ما أفاد أبو مدين، ويقول إن "إدارة المعرض والعاملين فيه قاموا بالكثير وساعدوا دور النشر السودانية بدعمها بالشراء بتوجيه من وزير الثقافة ومدير المعرض، ولقد أسهمت الجالية السودانية إسهاما كبيرا بالترويج في وسائل التواصل الاجتماعي، والشراء وتحفيز أبناء الجالية السودانية للحضور والتطوع للتعرف على الكتاب والمبدعين السودانيين في كافة مجالات إبداعهم"، لكن المعاناة حسب قوله بدأت بعد المعرض.

الناشر المصري المستشار أسامة شتات شارك في المعرض وشهد معاناة زملائه السودانيين، وقال "عند انتهاء المعرض عاد بعضهم إلى دول لهم فيها إقامات، وتبقى منهم زميلان ليس لديهم إقامة في أي دولة إلا إقامتهم في السودان، بلدهم الذي عجزوا عن الذهاب إليه، ولم يجدوا بلدًا يسمح بدخولهم إليه" ليتعقد الوضع خاصة عند القادمين من القاهرة.

الناشر المصري المستشار أسامة شتات شارك في المعرض وشهد معاناة زملائه السودانيين (مواقع التواصل)

يقول أبو مدين "بدأنا طباعة كتب جديدة في القاهرة وتركناها وتركنا أسرنا للمشاركة في معرض الدوحة ثم العودة لما تركناه، لكن العودة تعذرت ولم نمنح تأشيرة دخول لمصر".

سألناه عن المساعي التي بذلت فقال "إدارة المعرض كتبت خطابًا إلى من يهمهم الأمر عبر السفارة السودانية لاستثنائنا ومنحنا الإذن بالسفر إلى مصر.. ولكن للأسف لم تفلح كل المحاولات في ذلك.. ثم قامت إدارة المعرض بتمديد الزيارة بالدوحة حتى نكون موجودين بشكل قانوني".

هاجس إضافي

في الماضي كان الناشر السوداني يسافر من الخرطوم للمعارض، والذين يطبعون في القاهرة ربما جعلوها نقطة انطلاق للمشاركات الخارجية، لكن خيار الخرطوم لم يعد ممكنا، وربما كانت العودة للقاهرة بذات صعوبة العودة للخرطوم، فعلى سبيل المثال مازال عماد أبو مدين ومتوكل شريف في الدوحة تحت التمديد الثاني لزيارتهما وأمامهما جدول مشاركات، لكن إلى أين يرجع الناشران بعد المشاركة؟

وعلق الأمين العام لاتحاد الناشرين السودانيين على هذا الوضع في حديث للجزيرة نت قائلا إن المشاركة في المعارض أصبحت معقدة بسبب تأشيرات الدخول، "فعندما يشارك سوداني في أي معرض لا يستطيع العودة الى الجهة التي قدم منها للمعرض، إذ لا يمنح تأشيرة دخول، ويبقى بعيدا عن أسرته وقد يتعرض للغرامة وربما السجن بسبب مخالفة قوانين الإقامة بعد نهاية فترة التأشيرة".

ويضيف نور الهدى متحسرا "ولا يستطيع العودة لوطنه بسبب الحرب وإغلاق مطار الخرطوم التي ينتمي إليها أغلبهم، والآن هم بين الدوحة والإمارات والقاهرة، وإذا سافر أحدهم لأي معرض لا يستطيع العودة، بخلاف معضلات الشحن وتحريك الكتب من معرض لآخر"، كل ذلك ينذر بتوقف المشاركات السودانية في المعارض العربية وهذا ما لا يتمناه السودانيون في مهاجرهم ولا يتمناه الناشرون.

الأمين العام لاتحاد الناشرين السودانيين نور الهدى محمد فصل في معاناة الناشرين المشاركين في المعارض (مواقع التواصل) آمالٌ أولها العودة

أبو مدين يأمل أن تنطفئ نار الحرب وأن تصبح العودة للديار ممكنة، وإلى ذلك الحين يأمل في مساعدة اتحاد الناشرين العرب لكون اتحاد الناشرين السودانيين منضويا تحت لوائه.

ويوضح ما يحتاجون إليه قائلا "نحتاج مخاطبة مديري المعارض العربية لمنحنا وضعا استثنائيا ييسر المشاركة في المعارض، خاصة في ما يتعلق برسوم اشتراكات الأجنحة والتأشيرات. كما نرجو من اتحاد الناشرين العرب مساعدة دور النشر السودانية في إجراءات الشحن وتسهيل استخراج أرقام الإيداع والترقيم الدولي للكتاب من القاهرة، إذ إن معظم دور النشر السودانية تطبع بالقاهرة".

طرقنا باب اتحاد الناشرين العرب وراسلنا أمينه العام حاملين أسئلتنا من قبيل "ما الذي قدمه اتحاد الناشرين العرب لأعضائه من ناشري السودان؟ أو ينوي تقديمه؟ وبشكل أدق في تنقلاتهم للمشاركة في المعارض.. أو على أي وجه آخر مناسب" لكننا لم نتلق ردا.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: مواقع التواصل المشارکة فی فی المعارض للجزیرة نت لا یستطیع

إقرأ أيضاً:

مدير معرض أبو ظبي لصدى البلد: مصر شريك ثقافي دائم.. ولا نخشى التكنولوجيا بل نطوعها لخدمة الكتاب

صرح  سعيد حمدان الطنيجي، المدير التنفيذي لمركز أبوظبي للغة العربية ومدير معرض أبوظبي الدولي للكتاب، أن ما يميز معرض أبوظبي الدولي للكتاب هو اهتمامنا الكبير بالتفاصيل الصغيرة التي تشكل الصورة الكاملة لهذا الحدث الثقافي. .

وقال فى تصريحات خاصة لصدى البلد : نحن نعمل على التخطيط بدقة على مدار عام كامل، بدءًا من اختيار المشاركين إلى تقديم كل ما هو جديد ومفيد، مثل ركن الفن الذي يضم شخصيات تقدم معلومات مبتكرة تُسهم في إثراء تجربة الزوار. كما أننا نقيس بشكل دائم مدى رضا الجمهور والناشرين وكل من يشارك أو يحضر المعرض، لضمان تقديم الأفضل دائمًا."

وأضاف : “فلسفة دولة الإمارات تقوم على بناء الإنسان، وهذا يظهر بوضوح من خلال الجهود المبذولة في هذا المعرض. أنا شخصيًا أشعر بسعادة كبيرة عندما أرى هذا الكم من الشباب المبدع يقود ويعمل بجد على نجاح المعرض من حيث التحديث والتطوير والمتابعة.”

وأشار الطنيجي إلى أن: “تنمية المعرض بشكل شامل وكامل هو أساس فلسفتنا، لأن النشر اليوم لم يعد فكرة تقليدية بل أصبح له ارتباطات متعددة بالإبداع. نحن نسعى دائمًا إلى ربط الكتاب بالفن التشكيلي، والفكر، والسينما، والتراث، وحتى الموسيقى، ليكون المعرض منصة تجمع كل هذه الفنون والثقافات تحت سقف واحد. رسالتنا هي أن نؤكد بأن الكتاب حاضر في كل جوانب الحياة.”

وتابع قائلاً: "الاستدامة هي من أهم الملفات التي نعمل عليها، ونسعى لأن يستمر المعرض عامًا بعد عام كحدث قوي ومؤثر. فالاستدامة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالثقافة، لأنها غذاء الروح. كذلك، نهتم بالجانب الاقتصادي للمعرض، والذي يعد عنصرًا أساسيًا لاستمراره ونجاحه، من خلال الرعايات والدعم الذي نحصل عليه من مؤسسات مختلفة للمساهمة في رعاية الكتاب والثقافة.

وأكد الطنيجي: "التكنولوجيا والتطور التقني لهما دور رئيسي في رؤيتنا المستقبلية. 

مضيفا : نحن لا نخشى التكنولوجيا، بل نعمل على تسخيرها لدعم الثقافة. وبإذن الله، ابتداءً من العام 2026، سنشهد ثورة تقنية حقيقية في جميع التطبيقات التكنولوجية التي تخدم المعرض. كما نرى أن  الذكاء الاصطناعي داعم أساسى للثقافة وخاصة اللغة العربية، التي نعتبرها رسالة كبيرة نحملها بكل فخر، فهي لغتنا العظيمة.

وأضاف: "في هذه الدورة، لدينا 21 دولة تشارك لأول مرة، وهو إنجاز يعكس قوة ناعمة ومكسبًا عربيًا كبيرًا.

مضيفا  حضور هذه الدول يعزز التبادل الثقافي ويتيح لها التعرف على ثقافتنا وتراثنا. كما أننا نولي اهتمامًا خاصًا بدعم الناشرين، وخصوصًا الناشرين المصريين الذين يمثلون عنصرًا أساسيًا في قوة النشر العربي. مصر دائمًا حاضرة بقوة في كل الدورات، سواء من خلال دور النشر أو المتحدثين، ونحن نعتبر مصر شريكًا ثقافيًا لا غنى عنه. مصر تتميز بجيل جديد من الناشرين ذوي الطموح والعمق الفكري.

واختتم الطنيجي حديثه قائلاً: "نولي اهتمامًا كبيرًا بفئة الأطفال، حيث نقدم لهم برامج وأنشطة خاصة. جمهور المعرض يتميز بكونه متنوعًا ويجمع بين الترفيه والثقافة، مما يجعل المعرض منصة شاملة تلبي احتياجات الجميع.

طباعة شارك ابو ظبى معرض كتاب مصر

مقالات مشابهة

  • رئيس مبادرة عودة الوافدين السودانيين لبلادهم: مدن كاملة لجأت للمحروسة.. شكرًا مصر تحملت 2 مليون وافد
  • بعد إنهاء الإجازة المفتوحة.. عقبات في طريق عودة العمال إلى الخرطوم
  • مدير معرض أبو ظبي لصدى البلد: مصر شريك ثقافي دائم.. ولا نخشى التكنولوجيا بل نطوعها لخدمة الكتاب
  • معرض الكتاب العربي العاشر في صور.. ثقافة تقاوم الدمار الإسرائيلي
  • شاهد بالفيديو.. لهذا السبب.. الشاعرة والإعلامية السودانية داليا الياس تنهار بالبكاء بعد دخولها منزلها بالخرطوم لأول مرة بعد الحرب
  • حين تُزهِر الكلمة.. "معرض الكتاب" بوابة نحو وعيٍ جديد
  • إقبال جماهيري على معرض الكتاب بجامعة الأزهر في أسيوط
  • عودة النازحين السودانيين-مناورة سياسية فوق أنقاض وطن ممزق
  • شاهد بالصورة والفيديو.. رغم إستماعها لها بشكل متكرر.. تيكتوكر مصرية حسناء تعترف: فهمت كلمات الأغنية السودانية الشهيرة (الليلة بالليل) عقب الحرب وبعد نزوح السودانيين إلى مصر وتشرح معانيها
  • “أطباء السودان”: الدعم السريع قتلت 31 شخصا بينهم أطفال بالخرطوم “بتهمة الانتماء للجيش”، وفق بيان للشبكة، دون تعليق فوري من “الدعم السريع”