لجريدة عمان:
2024-09-19@05:37:19 GMT

هل العقل العربي فارغ ..؟

تاريخ النشر: 3rd, September 2023 GMT

هل العقل العربي فارغ؟ هذا السؤال كان يجب أن يُطرح منذ زمن، ولكن الذي ألح على طرحه الآن هو تصريح السير شيرارد كوبر كولز السفير البريطاني السابق لدى السعودية وإسرائيل وأفغانستان، الذي عبّر عن ندمه لتعلم اللغة العربية بدلًا من الصينية؛ لأنّ «العقل العربي فارغ بالمُقارنة مع نظيره الصيني» حسب قوله.

اعتبر البعض أنّ تصريحات كهذه عنصرية، خاصة أنها جاءت أثناء حديثه مع طلاب في حفل عشاء بجامعة «أكسفورد»، وهم في مرحلة التكوين النهائية قبل توجههم إلى تخصصاتهم العملية، بما يعني أنهم «قادة المستقبل».

ولم يكتف السفير بذلك، بل أضاف أنه بعد انضمامه إلى وزارة الخارجية في أواخر السبعينيات، اختار تعلم التحدث باللغة العربية، بسبب أهمية الشرق الأوسط في الشؤون العالمية، وأنّ القسم كان يُعرف في ذلك الوقت باسم «فيلق الإبل».

لا يمكن أن نقول إنّ تلك التصريحات لم تكن عنصرية، بل سنزيد على ذلك بأنّ تلك هي النظرة الغربية السائدة عن العرب والمسلمين؛ ولكن الذي يجب أن يُطرح للنقاش - بغض النظر عن عنصرية التصريح - هل ما قاله السير شيرارد صحيح أم لا؟ وهل علينا أن نأخذ ذلك التصريح من منطلق عاطفي فقط؟ وهل العقل العربي فعلا فارغ؟ وهل يمكن أن تقارن التجربة الصينية في التنمية، مع التجربة العربية؟

أعتقدُ أنّ الرجل قال الحقيقة - وإن كانت مؤلمة لنا - فنحن أمة تركت الحاضر والمستقبل، لتعيش في الماضي وتتفاخر بأمجاد السلف، وتقيم حروبًا عن وقائع حدثت قبل أكثر من ألف سنة؛ فكان من نتيجة ذلك أنّ البلدان العربية - التي حباها الله كلّ شيء وفتح لها الخزائن - بعيدة كلّ البعد عن التقدُّم والازدهار في مجالات العلم والطب والتكنولوجيا والصناعة، حتى وإن كانت تملك قشور الحضارة، مثل ناطحات السحاب والقنوات الفضائية وغيرها، لكنها أمة مستهلكة لكلّ ما تصنعه المصانع العالمية؛ فما إن يفتح الإنسان عينيه في الصباح حتى يجد نفسه في سرير مستورد، ويلتحف بلحاف مستورد، ويستخدم أدوات التنظيف المستوردة، ويلبس المستورد من اللباس، ويأكل الطعام المستورد، ويستخدم كلّ وسائل التواصل والمواصلات من الخارج، وحتى في صلاته فكلّ ما يستخدمه من الخارج، ويفخر بعد ذلك أنه إنسان عصري ومتطور، ممّا يذكرني بموقف حدث في بداية السبعينيات من القرن الماضي، عندما قال أحد الطلبة للمدرس: «الحمد لله تطورنا وأصبحنا نسوق السيارات الآن»، فقال له: «يعني تطورت لما تسوق العربية، لكنك ما صنعتهاش. هو دا تطور؟» وفوق هذا وذلك، فإنّ البلدان العربية - وخاصة الخليجية - ما زالت تستورد حتى الآن الأيدي العاملة من الخارج من أصغر التخصصات إلى أكبرها، وهذا فرض على هذه البلدان أن تكون ضعيفة لا يمكن أن تخرج عن الإملاءات السياسية والقوانين التي تُفرض عليها من الخارج، ممّا يشكل خطرًا كبيرًا على مستقبل هذه الدول من حيث التركيبة السكانية التي تحدّث عنها كثير من المفكرين دون جدوى.

لم يكن في حديث السفير البريطاني أيّ انتقاص من اللغة العربية؛ وإنما حديثه انصب على ندمه على تعلمها، إذ لم يفده في شيء، في الوقت الذي رأى فيه -هو والعالم كله- النجاحات التي تحققها الصين الآن، وهي في سبيلها أن تكون دولة عظمى، مما يعني أنّ على الطلبة البريطانيين أن ينظروا للمستقبل؛ ومع ذلك نستطيع أن نقول إنّ مخرجات تعليم اللغة العربية أصبحت الآن ضعيفة في الوطن العربي نفسه، وأصبحت الجامعات العربية تدرّس معظم العلوم الحديثة باللغة الإنجليزية، في حين تؤكد الدراسات أنّ معظم الدول التي نجحت في العلوم والاقتصاد والطب والصناعات، هي الدول التي تدرّس أبناءها بلغتهم القومية، وفي ظني أنّ تلك الدراسات محقة فيما ذهبت إليه؛ فالشواهد تدل على ذلك، مثل نجاح الصين واليابان وكوريا وإيران والهند، وغيرها من البلدان، ولا يمكن أن تُتهم اللغة العربية بأنها السبب في فراغ العقل العربي؛ فعوامل ذلك الفراغ كثيرة منها داخلية ومنها خارجية، ولكن في الغالب الأعم تتحمل الأنظمة مسؤولية ذلك؛ لأنها ابتعدت عن الاهتمام بالعلم إلى التمسك بالقشور فقط، ومما أذكره في هذا المقام أنّ أحد القراء علق على مقال لي حول كورونا، بأنّ «العالم يبحث عن الدواء ونحن استفدنا من كلّ ذلك باستخدام كلمة «جائحة»، وكأننا حققنا كلّ الإنجاز».

كثيرون انزعجوا من تصريح السفير البريطاني العنصري وتعاطوا معه عاطفيًا، مذكرين الغرب بما صنعته الحضارة العربية، لكن السفير لم يكن يلقي درسًا لقادة المستقبل في تاريخ أمجاد العرب، وإنما تحدّث عن الواقع الحالي، وهو الذي يهم الجيل الجديد الذي سيتسلم زمام الأمور في بلده مستقبلا، وفي اعتقادي أنّ تصريحات كهذه، يجب أن تكون حافزًا لنا لمعرفة مكامن الخلل، والعمل على الإصلاح، لا أن ننزعج منها وننظر إليها من منظور واحد فقط، أنها تصريحات عنصرية؛ فالسؤال هو أين العرب؟ وماذا أفادوا الإنسانية؟ وأين هو موقعهم من الإعراب؟ وماذا استفادوا من ثرواتهم وموقعهم الجغرافي، إلا الصراعات والنزاعات وزراعة الكراهية والاقتتال باسم المذهبية تارة وباسم الطائفية تارة أخرى، وكيف لعب المال العربي الدور في تدمير الوطن العربي؟!

هناك صورتان معبرتان عن الوضع في الوطن العربي وفي الصين؛ الصورة الأولى عن الوضع العربي، أنقلها من فاروق الشرع وزير الخارجية السوري التي ذكرها في كتابه «الرواية المفقودة» عندما قال: «سافرتُ في إحدى المرات من مسقط إلى الدار البيضاء. استغرقت الرحلة من دون توقف أكثر من تسع ساعات، وكانت بكاملها فوق أجواء وأراضٍ عربية. كان طبيعيًا أن يتركز الحديث في الطائرة على الثروات العربية في باطن هذه الأراضي المعطاء، التي يجري استنزافها وكأننا نموت غدًا، والموارد البشرية العربية الهائلة التي لا نستثمرها كما يجب، وكأننا نعيش أبدًا»؛ أما الصورة الثانية عن الصين، فأنقلها من الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل الذي زار الصين في بداية عام 1973، حيث لم تكن تختلف في ذلك الوقت عن أيّ دولة من الدول العربية؛ بل إنّ الدول العربية كانت أكثر تطورًا منها؛ يقول هيكل في كتابه «أحاديث في آسيا» إنّ دبلوماسيًا عربيًا قال له: «أنت ذاهب إلى الصين.. إنك سوف ترى مجتمع النمل.. وفي الغالب سوف تنزل في فندق «الشعوب»، وإذا حدث ذلك فإني أرجوك أن تستيقظ مبكرًا ذات يوم، وانظر من نافذة غرفتك إلى الشارع، وسوف تجد على الناحيتين في الشارع الواسع منظرًا لن يبرح ذاكرتك.. طابور لا ينقطع من راكبي الدراجات الذاهبين إلى عملهم في الصباح على هذه الناحية من الشارع، وطابور آخر لا ينقطع على الناحية الأخرى. سوف تجدهم كالنمل في الحركة وفي الشكل العام. لن تجد في بكين إلا هذه الطوابير من راكبي الدرجات. ليس في الشوارع سيارات لأنّ السيارات لا تخصص إلا لنواب الوزراء ومن فوقهم وللأعمال الرسمية فقط، وفي بكين ميترو تحت الأرض، وهو فخم وأنيق ولكنه للمستقبل».

عندما أتيحت لي الفرصة أن أزور الصين عام 2006، فإنّ الصورة الذهنية لبكين كانت عن الدراجات الهوائية فقط، فإذا بي أفاجأ بذلك التطور الهائل، والآن ها هي الصين تغزو العالم كله بمنتجاتها الخفيفة والثقيلة، ولم تتحجج بحججٍ واهية عن كثرة السكان، وأصبحت تصدّر السيارات والتي كانت عام 1970 تعد بعدد الأصابع في بكين؛ فالأمم الحية تعرف كيف تستفيد من أبنائها - مهما كثروا - وتعرف أيضًا كيف تفيدهم.

وإذا كان السفير البريطاني قد قارن بين العرب والصين، فإنه يجدر بي أن أتحدث عن شخصية أخرى قارنت بين العرب واليابانيين، هو الكاتب والأستاذ الجامعي الياباني «نوبوأكي نوتوهارا»، من خلال كتابه القيّم «العرب - وجهة نظر يابانية»، فما جاء في كتابه لا يمكن أن يصنف بأنه عنصري، لأنّ الرجل صديقٌ ومحبٌ للعرب وعاش بينهم سنوات طويلة، وما كتبه هو تشخيص صادق للوضع كما عايشه؛ فهو يرى أنّ المجتمع العربي يعاني من مشكلتين أساسيتين هما القمع، وغياب العدالة الاجتماعية وعدم المساواة أمام القانون، وهذا أدى إلى غياب المسؤولية العامة، ففعلَ الناسُ كلّ شيء، وتعرضت حقوق الإنسان للخطر، ولذلك أصبح الفرد هشًا وساكنًا بلا فعالية، لأنه يعامَل دائمًا بلا تقدير لقيمته كإنسان. ويقول المؤلف: «في مجتمع مثل مجتمعنا نضيف حقائق جديدة، بينما يكتفي العالم العربي باستعادة الحقائق التي كان قد اكتشفها في الماضي البعيد، أما الأفراد العرب الذين يتعاملون مع الوقائع والحقائق الجديدة يظلون أفرادًا فقط ولا يشكلون تيارًا اجتماعيًا يؤثر في حياة الناس».

يتساءل «نوبوأكي نوتوهارا» - ونتساءل معه - كم يحتاج العرب من الوقت لكي يستفيدوا من تجاربهم ويصححوا أخطاءهم ويضعوا أنفسهم على الطريق السليم؟! وإذا حدث ذلك هل يمكن أن نقرأ تصريحات عنصرية ضدهم؟!

زاهر المحروقي كاتب عماني مهتم بالشأن العربي ومؤلف كتاب «الطريق إلى القدس»

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: السفیر البریطانی اللغة العربیة لا یمکن أن من الخارج

إقرأ أيضاً:

الحياة.. فرصة!

 

مدرين المكتومية

في بعض الأحيان وقبل أن أشرع في كتابة مقالي الأسبوعي، ينتابني شعور غامض بأنني أخوض معارك ذاتية في أعماق نفسي، شيء ما يُشبه الحرب، لكنها حرب أفكار، تتصارع في ذهني، هل أكتب عن ذلك الموقف الذي وقع أمامي واستخلصتُ منه العِبر والحِكَم؟ أم أتطرق لقضية تلك المرأة التي تُعاني في حياتها الزوجية من شريكها الذي لا يكف عن إيذائها نفسيًا؟ أم أُناقش قضية تفجّرت على منصات التواصل الاجتماعي وأصبحت حديث الرأي العام والنَّاس في كل منزل، رغم أنها لو حدثت في العصر الذهبي للصحافة الورقية لنُشِرَت على عمودين في صفحة داخلية دون أن ينتبه إليها أحدٌ!!

في الحقيقة ما وددت قوله في هذه المقدمة هو أننا نعيش كل يوم بمزاج مختلف، وتقلب في الطاقات، أننا نعيش وفق الأفكار التي تسكننا والتي تتشبث بمخيلتنا، فتجدنا مرة من السعادة المفرطة نود لو أن نهدي العالم بأكمله لمن نحبهم، وفي أحيان أخرى نتمنى أن نعيش الحياة بأنفسنا دون أن نتشاركه مع أحد، وفي بعض اللحظات من فرط الفرح نود لو أن لدينا أجنحة تأخذنا للبعيد، وفي بعض اللحظات الأخرى نتمنى لو أنَّ الحياة تقف عند هذا الحد.

كل هذه التناقضات التي يعيشها العقل البشري هي حصاد ما يسكنه من أفكار وهواجس تراكمت مع الوقت وأصبحت تشكل لديه تشويشاً بين الحين والآخر، لذلك الإنسان فينا يعيش بمزاجات متقلبة وفق ما ينهي به يومه أو يبدأ به يوميه، لذلك علينا دائماً أن نكون حريصين في كل ما نفكر به قبل النوم وما نستيقظ عليه.

والأفكار السلبية تحبط الشخص وتصنع منه شخصًا متقاعسًا غير قادر على العطاء، أو استكمال يومه بطريقه صحيحة، فتجده يتهرب من أداء عمله بشكل متكامل تحت عذر أنه بمزاج سيئ، ولكن كل هذا لا يأتي إلّا بما يُمليه الشخص على نفسه من شعور، فكل ما أرسلت لعقلك رسائل سلبية فإنه يرسلها بطريقة تحولك لشخص يعيش حالة سيئة، فالجسم يعمل بنظام " الرد " أي كما نقول نحن لكل فعل رد فعل، ولكل نوع من المشاعر تأثيره المباشر على تقلب المزاج.

إننا بحاجة لأن نصنع لأنفسنا حاجزَ أمانٍ من الأفكار السلبية، وبلغة حروب العقل "منطقة منزوعة السلاح"، بالطبع سلاح الفكر. علينا ألا نُعطي الأفكار السلبية أي فرصة لتتحكم بمشاعرنا وتخلق منّا أشخاصًا سيئين أو على الأقل أشخاصاً لا يملكون القدرة على اكتشاف جماليات الأشياء في داخلهم، والامتنان لكل اللحظات الجميلة، ولكل الأشخاص المحيطين، ولكل ما بين أيدينا من نعم، دون أن نفكر بطريقة سلبية أو عكسية اتجاه المواقف والأحداث.

علينا ألا نعطي تحليلات لكل شيء خاصة وأن العقل يكبر الأشياء أكثر من حجمها إذا ما أخذ فرصته، بل علينا أن نرى الأشياء بحجمها الطبيعي حتى نكون سعداء كفاية، علينا أن نهتم بصحتنا النفسية، وحياتنا العملية، وواجباتنا الاجتماعية دون أن يطغى أحدها على الآخر حتى نعيش السعادة بكل ما نستطيع.

وأخيرًا.. إنَّ كل فكرة تلمع في عقولنا يجب أن نتعاطى معها بصورة إيجابية، وأن نكف عن تصدير السلبية وتضخيم الأمور والمبالغة في طرح الرؤية ووجهة النظر، علينا أن نشعر بالامتنان إلى هذا الوطن المعطاء مهما ضغطت علينا الظروف، ومهما ضاق بالبعض الحال، وعلينا أن نمارس الود والمحبة وكرم الأخلاق مع جميع من حولنا، وخاصة أولئك الذين نلتقي بهم يوميًا من الأهل وزملاء العمل.. الحياة فرصة للسعادة أو التعاسة، فاخترْ أيهما تريد!

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • مستشار بن زايد السابق: وجود "البيجر" لدى السفير الإيراني في لبنان الذي فقد إحدى عينيه فضيحة سياسية
  • غدًا.. لجنة الشؤون العربية والخارجية بنقابة الصحفيين تستضيف السفير التركي
  • وزير الخارجية المصري: حماس تؤكد لنا التزامها الكامل باقتراح وقف إطلاق النار الذي توصلنا إليه في 27 مايو والتعديلات التي أجريت عليه في 2 يوليو
  • انطلاق الدورة السادسة لجائزة الألكسو للإبداع للباحثين في الوطن العربي
  • السفير الضحاك في بيان باسم المجموعة العربية: ضرورة تنفيذ الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية
  • الحياة.. فرصة!
  • العربية للمسرح توفد 5 متدربين لدورة السينوغرافيا في الصين
  • السفير الأمريكي في إسرائيل: لا نعرف ما الذي ترغب حماس في قبوله
  • إطلاق نار كثيف في أنفة وتلة العرب... ما الذي يحدث هناك؟
  • رئيس المجلس العربي للمياه: ‏التحديات التي نواجهها هائلة ولكنها ليست مستعصية على الحل