بوتين يشن حربا أبدية ولا يملك الغرب إيقافها الآن
تاريخ النشر: 3rd, September 2023 GMT
ترجمة: أحمد شافعي -
إلى الآن لم يفهموا الأمر. حتى بعدما مضت ثمانية عشر شهرا من الرعب في أوكرانيا، لم يزل كثير جدا من الساسة المرموقين في الولايات المتحدة وأوروبا ظاهري العجز أو العزوف عن فهم الخطر الوجودي الذي تمثله روسيا بوتين على الجميع.
لا يزالون يفترضون أن هذه الحرب، شأن صراعات أخرى، سوف تنتهي في نهاية المطاف بالمفاوضات.
يكتسب الضغط من أجل التفاوض زخما في الوقت الذي يستعصي فيه على القوات الأوكرانية تحقيق فتح عسكري. وعلى جبهة القتال، يفضي الإحباط إلى تصعيد وتوسعة جغرافية للحرب منذرة بالخطر. وشهد الأسبوع الماضي هجمات عميقة داخل روسيا بالطائرات المسيرة فزادت بعنف من دراماتيكية هذا التخوف. ويتأجج حديث المحادثات بسبب الخوف من مواجهة نووية، ومن ازدياد الجوع في البلاد الفقيرة المتعطشة للغلال، و«الإنهاك الحربي» العام.
نيكولا ساركوزي، الرئيس الفرنسي الأسبق الذي ينبغي أن يكون على دراية أكثر من سواه، هو آخر المنضمين إلى صفوف فريق أغلبه من الساسة المتشددين في اليمين وفي اليسار من الفرنسيين والألمان والإيطاليين الراغبين في التصالح مع بوتين.
في ترديد غريب لمطالب روسيا، قال ساركوزي: إن أوكرانيا لا بد أن تقبل بخسارة دائمة للقرم وأراض محتلة أخرى وبالاستبعاد من الناتو والاتحاد الأوروبي. ويجب على فرنسا وروسيا أن «تعيدا تأسيس علاقات حسن جوار» حسبما قال.
ويبدو من المتوقع أن تتزايد الضغوط في الولايات المتحدة من أجل قطع المساعدة لأوكرانيا وفرض تسوية سلمية بغض النظر عن إعادة انتخاب جو بايدن في العام القادم من عدمه. أما في حال انتصار دونالد ترامب المعجب ببوتين فإنه قد يحاول فرض اتفاق سريع وإغلاق الصنبور عن كييف.
بعد محادثات أربعين بلدا أقيمت أخيرا في المملكة العربية السعودية، قال جوزيب بوريل مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي إنه يخطط لـ«لقاء رفيع المستوى» بشأن أوكرانيا، ربما يتم في الجمعية العاملة للأمم المتحدة في وقت لاحق من الشهر الجاري.
لكن بوريل ليس ممن يرمون إلى الضغط على أوكرانيا لإيقاف القتال أو تسليم الأرض. ففي نبرة بادية التشاؤم انتقد بحدة الحكومات لعجزها عن تسليح كييف في وقت أسبق وبشكل أفضل. وقال بوريل: «عندما يقرر شخص مساعدة بلد مغزو عسكريا... قد يكون ثمن التردد باهظا».
«لو كانت القرارات قد اتخذت أسرع وبمزيد من الاستشراف لبعض أنظمة الأسلحة التي أرسلناها في نهاية المطاف، فربما كانت الحرب لتمضي في مسار مختلف ولكنَّا أنقذنا حياة البعض على أي حال». غير أن البعض فقدوا آذانهم في ما يبدو، ومن هؤلاء المستشار الألماني المتردد أولاف شولتز.
غير أن كل هذا الكر والفر يفترض مسبقا أن بوتين مستعد للحديث، وذلك الافتراض موضع شك كبير. ومع عودة الشتاء، وسط ركود قتالي، ومع اقتراب انتخابات متأرجحة في أوروبا والولايات المتحدة، قد يتصور بوتين أن الوقت في صالحه.
ولعل الرأي العام الروسي أيضا يشهد تحولا، لا في اتجاه مناصرة الحرب بقدر كبير وإنما ضد فكرة الهزيمة الصادمة. فقد تبين لاستطلاعات رأي نقلتها تاتيانا ستانوفايا المحللة في كارنيجي إلى أن هجمات الطائرات المسيرة الروسية قد تحشد الروس وراء الكريملين.
كتبت ستانوفايا تقول: إن «الهجمات لم تزد بأي حال الرغبة الشعبية في محادثات السلام أو الانسحاب الروسي. وإن كان لها من أثر فهو أن البلد أصبح أشد التزاما بالقتال... بدافع من خوف يائس على بقائه نفسه».
بل إن الأمر أسوأ من ذلك كما قالت كونستانزي ستيلزنمولر، المحللة في معهد بروكينجز، في مقال جديد محطم للرضا عن النفس عنوانه «عودة العدو». جاء في المقال أن «الكرملين أوضح مرارا أن استسلام أوكرانيا الكامل... هو وحده المقبول كأساس لاتفاقية سلام».
«يجب على الديمقراطيات الحرة الآن أن تفهم أنها تتعامل مع ظاهرة كانت تعتقد أنها باتت في ذمة التاريخ: وهي أن يعد التنافس بين الدول عداء أيديولوجيا».
في «عصر التقارب» الذي أعقب نهاية الحرب الباردة، بدا أنه لم يبق من مجال لأن تتحارب الكتل المتنافسة بوصفها أعداء ألداء حسبما رأت كونستانزي ستيلزنمولر. لكن بوتين وأمثاله قبلوا «النظام العالمي الجديد» الذي أعلنه جورج بوش الأب. فمواصلة الكفاح المستمر المناهض للغرب تمثل، بالنسبة لبوتين، الهدف والسياق الأعم للحرب.
وثمة عوامل أخرى تجعل قيام عملية سلام ذات معنى أمرا بعيد المنال. فأي هدنة تجمد الوضع الراهن هي بمثابة مكافأة للعدوان الروسي، وأغلب الأوكرانيين يفضلون الهلاك على ذلك. والتوصل إلى تسوية تفتقر إلى تعويضات أو محاسبة عن جرائم الحرب قد لا تنطوي على أسباب للبقاء.
قالت كونستانزي ستيلزنمولر إنه «من الممكن أن يتسنى إرغام روسيا على إدراك أن مواصلة إخضاع أوكرانيا أمر باهظ الثمن وذلك مثلا من خلال إفقادها دعم قوة غير غربية أساسية من قبيل الصين، أو في حال انصراف ما يعرف بالجنوب العالمي عن روسيا».
لكن في ظل استبعاد كلا السيناريوهين، يبدو أنه لا يمكن تفادي الوصول إلى نتيجة صادمة هي أن «مساعدة أوكرانيا تعني مساعدتها على الانتصار في ميدان المعركة».
لا بد أن يكون إنهاء الحرب متعلقا بـ«إنهاء مطامح روسيا الإمبريالية في هذا الجزء من أوروبا» حسبما دعت الكاتبة جودي ديمبسي. فالحكومات الأوروبية «لا تملك ترف أن تصبح حرب أوكرانيا هي الوضع الطبيعي الجديد». بل ينبغي أن تسارع إلى زيادة الدعم العسكري لضمان انتصار كييف.
غير أن بوتين -العنيد الصلب- لا يتزحزح. وقد أظهر الاهتياج الإعلامي بشأن تمرد فاجنر آمال الغرب في أن يتعرض بوتين لإطاحة من الداخل، لولا أن تلك الآمال تحطمت. وبوتين الآن يضاعف الجهود في حملته الرامية إلى نهضة روسية جيوسياسية هو على أتم الاستعداد للمخاطرة من أجلها بكل شيء.
وحتى في حال الاتفاق بطريقة أو بأخرى على هدنة أوكرانية، فالأرجح أن بوتين سوف يتعامل معها بوصفها «وقفة تكتيكية» قبل الهجمة التالية. ولا بد أن يدرك قادة الغرب ـ وهم بالأساس بايدن وإيمانول ماكرون وشولتز وريشي سوناك ـ هذا الواقع، ويبدأون أخيرا في القتال من أجل إحراز النصر.
وإليكم ما يجب القيام به: الترحيب بأوكرانيا في الناتو والاتحاد الأوروبي دون مزيد من الإبطاء. عرض ضمانات أمنية وخطوط بحرية آمنة الآن، بدعم من قوة نيران حلف شمال الأطلسي، وخطوط حمراء، ومناطق حظر للطيران. تحذير الصين وإيران وكوريا الشمالية للتراجع. إيقاف المحادثات عن المحادثات. القبول بأن السلام قد لا يتحقق ما لم تنسحب روسيا دون قيد أو شرط.
هل سيفهم الساسة الأمر أخيرا؟ فلنرجُ هذا؛ لأنه ما دام بوتين باقيا في الحكم، فما من مخرج قريب، أو طريق وسط، أو حلوى دبلوماسية يسيرة المنال. إما أن تنتصر أوكرانيا، أو ننهزم جميعا.
سيمون تسيدال معلق في الشؤون الخارجية، كان كاتبًا أجنبيًا بارزًا ومحررًا أمريكيًا لصحيفة الغارديان.
عن ذي جارديان
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
1000 يوم من الحرب: روسيا توسّع هجماتها باستهداف مطار عسكري وأوكرانيا تصدّ هجمات متعددة
شنت روسيا يوم السبت هجمات مكثفة على أهداف أوكرانية متعددة، بما في ذلك مطار عسكري وورش لإنتاج الطائرات المسيّرة، فيما أكدت أوكرانيا أنها صدّت عدة هجمات روسية خلال الـ24 ساعة الماضية، مع احتدام المعارك على جبهات القتال.
اعلانوفقًا لتقرير صادر عن وزارة الدفاع الروسية، سيطرت القوات الروسية على مستوطنتين في منطقة دونيتسك، وهما جزء من الجهود الروسية لتوسيع نفوذها في الشرق الأوكراني. وأشار التقرير إلى استهداف منشآت للطاقة الأوكرانية ومطار عسكري، بالإضافة إلى تدمير ورش إنتاج للطائرات المسيّرة التي تُستخدم في الهجمات المضادة.
كما أفادت الوزارة بأن أنظمة الدفاع الجوي الروسية اعترضت عدة صواريخ أوكرانية من طراز"هيمارس"، إلى جانب إسقاط طائرات مسيّرة وأهداف أخرى، في إشارة إلى تصعيد أمني كبير بين الجانبين.
الدخان يتصاعد من أحد المباني في باخموت، موقع أعنف المعارك مع القوات الروسية في منطقة دونيتسك، أوكرانيا، الأربعاء، 26 أبريل/نيسان 2023Libkos/APRelated قادة دول مجموعة السبع: روسيا العقبة الوحيدة أمام السلام ودعمنا لأوكرانيا مستمرأوكرانيا تتصدى لهجوم روسي ضخم على أوديسا: إسقاط 25 طائرة مسيرة ومقتل امرأةلأول مرة منذ 2022.. شولتس يتصل ببوتين ويطالبه بسحب قواته من أوكرانياروسيا تستخدم طائرات مسيرة حرارية وأخرى خداعية لاستنزاف دفاعات أوكرانيارد أوكراني ومعارك شرسةعلى الجانب الأوكراني، أعلنت هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة أن القوات الأوكرانية خاضت معارك عنيفة مع القوات الروسية على جبهات متعددة، مع استمرار الضغط العسكري الروسي. وأشار تقرير الهيئة إلى أن أعنف الاشتباكات وقعت في اتجاهي كوراخوف وبوكروفسك، حيث تمكنت القوات الأوكرانية من صدّ هجمات مكثفة رغم الخسائر.
وذكرت الهيئة أن الوضع على خطوط القتال لا يزال متوترًا للغاية، مع استمرار القصف المدفعي والغارات الجوية، ما يعكس الطبيعة المتقلبة للصراع العسكري الجاري.
القوات الأوكرانية تطلق النار باتجاه مواقع روسية على خط الجبهة في منطقة خاركيف، أوكرانيا، يوم الثلاثاء، 2 أغسطس/آب 2022APفي مقابلة يوم السبت، شدد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على أهمية إنهاء الحرب عبر الوسائل الدبلوماسية خلال العام المقبل، لكنه أكد أن نجاح أي مفاوضات يتطلب دعمًا دوليًا قويًا لأوكرانيا. وأوضح زيلينسكي أن الولايات المتحدة تلعب دورًا محوريًا كوسيط، ويجب أن تواصل دعمها لتعزيز موقف أوكرانيا في أي محادثات.
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يتحدث خلال مقابلة مع وكالة أسوشيتد برس في مكتبه في كييف، أوكرانيا، السبت 9 أبريل/نيسان 2022APعلى الجانب الآخر، أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مكالمة هاتفية مع المستشار الألماني أولاف شولتز إلى أن روسيا لم ترفض المفاوضات أبدًا، لكنها تشترط أن تكون أي اتفاقيات تأخذ في الاعتبار المصالح الأمنية الروسية. تأتي هذه التصريحات بعد اتهام أوكرانيا بتعليق المحادثات، ما يعكس الفجوة بين مواقف الطرفين بشأن إنهاء النزاع.
الأوضاع الإنسانية والميدانيةيستمر الصراع العسكري في التسبب بمعاناة إنسانية كبيرة، مع تزايد أعداد القتلى والمصابين، فضلًا عن تفاقم أزمة النزوح الداخلي في أوكرانيا. في الوقت نفسه، تواجه روسيا أيضًا تكلفة اقتصادية وعسكرية متزايدة، في حرب تستنزف الموارد وتعمّق الانقسامات الدولية.
امرأة تمشي وسط الدبابات الروسية المدمرة في بوتشا في ضواحي كييف، أوكرانيا، الأحد، 3 أبريل/نيسان 2022APأدت الحرب إلى مقتل عشرات الآلاف من الجنود من كلا الجانبين، بالإضافة إلى مقتل أكثر من 11,700 مدني أوكراني وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة. ومع تقدم القوات الروسية على نحو يوازي 1% من أراضي أوكرانيا قبل الحرب، يشير خبراء إلى أن استمرار القتال يعمّق الأزمة ويعزز حالة عدم الاستقرار في أوروبا.
منازل مدمرة في إيربين، في ضواحي كييف، أوكرانيا، السبت 30 أبريل/نيسان 2022Emilio Morenatti/APمع دخول الحرب يومها الألف، يبدو أن الصراع سيستمر لفترة أطول في ظل غياب أي اختراق دبلوماسي حقيقي. يعتمد مستقبل النزاع إلى حد كبير على قرارات الأطراف الدولية، لا سيما الولايات المتحدة وأوروبا، فيما تستعد المنطقة لفصل شتاء جديد قد يغير موازين القوى على الأرض.
المصادر الإضافية • أب
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية روسيا وكوريا الشمالية تبرمان اتفاقية استراتيجية لدعم بعضهما في حال تعرض أي منهما لهجوم ترامب يستبعد إرسال قوات أمريكية إلى منطقة عازلة بين روسيا وأوكرانيا لافروف: روسيا مستعدة لحوار صادق مع واشنطن إذا بادرت لذلك ودون شروط أو إملاءات الغزو الروسي لأوكرانيافولوديمير زيلينسكيأزمة إنسانيةفلاديمير بوتينضحاياالحرب في أوكرانيا اعلاناخترنا لك يعرض الآن Next اليوم 407 للحرب: القسام تقصف سديروت برشقة صاروخية وحزب الله يستهدف حيفا ومواجهات ضارية في الشمال يعرض الآن Next قادة دول مجموعة السبع: روسيا العقبة الوحيدة أمام السلام ودعمنا لأوكرانيا مستمر يعرض الآن Next بعد اتهامات بالتواصل مع بوتين ومسؤولين روس.. ديمقراطيان يطالبان بالتحقيق مع إيلون ماسك يعرض الآن Next الفلبين تستعد لإعصار "مان يي".. نداءات عاجلة للسكان لإخلاء منازلهم والذهاب إلى أماكن آمنة يعرض الآن Next بعد رسوبه.. طالب يقتل ثمانية أشخاص في مدرسة شرقي الصين اعلانالاكثر قراءة طيارون أمريكيون شاركوا بصد الهجوم الإيراني على إسرائيل: كانت ليلة مرهقة وأول اختبار حقيقي لقواتنا اليابان ترفع السن القانوني لممارسة الجنس من 13 إلى 16 عاما حب وجنس في فيلم" لوف" رجل يحتجز عدداً من الموظفين داخل مطعم بضواحي باريس رغم توقف شركات طيران عالمية.. الإمارات تبقي رحلاتها إلى إسرائيل مفتوحة اعلانLoaderSearchابحث مفاتيح اليومكوب 29دونالد ترامبضحاياروسياالحرب في أوكرانيا حركة حماسإسرائيلالصينتكنولوجيافرنساالصراع الإسرائيلي الفلسطيني حريقالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesJob offers from AmplyAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactPress officeWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024