لجريدة عمان:
2024-07-06@13:29:48 GMT

المحاسبة العامة من أجل المساءلة العامة

تاريخ النشر: 3rd, September 2023 GMT

نيويورك ــ يمتلك القطاع العام في أي دولة قومية حديثة اعتيادية حصة أكبر من النشاط الاقتصادي مقارنة بأي جهة اقتصادية أخرى، وفي عام 2021، تراوح الإنفاق الحكومي العام الأولي للدول الأعضاء في مجموعة السبع بين 39.41% من الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة الامريكية إلى 57.66% من الناتج المحلي الإجمالي في فرنسا.

ومن المتوقع أن تتبع اقتصادات الأسواق الناشئة الناجحة ــ مثل الهند (24.93% من الناتج المحلي الإجمالي) وجمهورية الصين الشعبية (31.8% من الناتج المحلي الإجمالي) النمط نفسه، ولهذا السبب فإن المحاسبة المتعلقة بالقطاع العام والتي تتمتع بالشفافية ويمكن التعويل عليها تشكل ضرورة أساسية للحكم والإدارة الاقتصادية السليمة.

تفرض الحكومات متطلبات صارمة على الكيانات الخاصة من أجل عمل المحاسبة على أساس الاستحقاق وذلك وفقًا للمعايير الدولية لإعداد التقارير المالية أو مبادئ المحاسبة المقبولة على نطاق واسع ويتضمن ذلك إعداد ميزانية عمومية مدققة تتضمن جميع الأصول والالتزامات المالية والحقيقية التي تحدد صافي القيمة التقليدية. قد يفترض المرء أن الحكومات تلتزم بمعايير مماثلة، فتلتزم على سبيل المثال بالمعايير المحاسبية الدولية للقطاع العام (وهو الخيار الصحيح)، ولكن أغلب الحكومات تتخلف كثيراً عن الوفاء بهذه المعايير، ونيوزيلندا فقط هي التي تستخدم المعايير المحاسبية الدولية للقطاع العام كأساس لنظام الإدارة المالية لديها. وبدلا من ذلك، تركّز الحسابات التي يقوم بها القطاع العام على التدفقات النقدية القصيرة والمتوسطة الأجل ــ يعتبر عجز الموازنة العامة للحكومة مثالا واضحا على ذلك ــ وعلى مجموعة فرعية من الالتزامات التعاقدية للقطاع العام، والتي عادة ما تكون إجمالي أو صافي ديونه المالية. وكما أظهرنا أنا وزملائي في كتاب من المقرر أن يصدر قريباً تحت عنوان «صافي القيمة العامة: المحاسبة والحكومة والديمقراطية»، فإن هذا النهج معيب إلى حد كبير ــ وله تداعيات بعيدة المدى على الإدارة الاقتصادية. بادئ ذي بدء، عادة ما تبني الحكومات القواعد المالية الخاصة بها على تدابير ضيقة للديون والعجز، ففي الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، تتعهد الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بأن تكون ديونها أقل من 60% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي وإبقاء العجز عند مستوى أقل من 3% من الناتج المحلي الإجمالي. إن هذا لا يعتبر منطقيًا من الناحية الاقتصادية حيث تتجاهل المقاييس المتعلقة بالديون عادة أغلب الأصول ــ وخاصة الأصول التجارية الحقيقية للقطاع العام ــ وبعض الالتزامات المهمة بما في ذلك القيمة التي يتم خصمها حاليًا لاستحقاقات معاشات التقاعد في القطاع العام كما تفشل مقاييس العجز في التمييز بين إصدار الديون لتمويل النفقات الجارية والعجز الذي يتم تكبده من أجل تمويل النفقات الرأسمالية التي تدر تدفقات نقدية مستقبلية.

يمكن أن تكون الأرقام المرتبطة بالأصول والالتزامات المفقودة هائلة، وفي البلدان الأربعة والعشرين التي يقدم لنا صندوق النقد الدولي قواعد بيانات حديثة بشأنها للفترة من 2020 الى 2021 تتراوح أصول القطاع العام من 88% من الناتج المحلي الإجمالي إلى أكثر من 800%. (يعكس الرقم الأخير الموارد المعدنية وموارد الطاقة في منغوليا).

ولكن هذه تقديرات إحصائية وليست نتاج أنظمة محاسبية على أساس الاستحقاق وتتراوح الأصول الثابتة ــ البنية التحتية إلى حد كبير ــ بين 23% إلى 188% من الناتج المحلي الإجمالي، ومن الممكن أن تكون الأصول المالية كبيرة كما هو الحال في النرويج حيث حولت الحكومة قسماً كبيراً من ثرواتها المتعلقة بالمعادن والطاقة إلى حيازات من الأصول المالية والتي تقدر قيمتها الآن بنحو 450% من الناتج المحلي الإجمالي. وعلى الرغم من أن اليابان لديها أعلى نسبة من الالتزامات الحكومية مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي في عينة صندوق النقد الدولي (369.2% في عام 2020) إلا أن أصولها أعلى من ذلك حيث تصل الى 378.2% من الناتج المحلي الإجمالي، مما يجعلها تتمتع بصافي ثروة إيجابية في القطاع العام. إن هذا الأمر لا ينطبق على المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة الأمريكية أو أي دولة أخرى من دول مجموعة السبع باستثناء كندا. علاوة على ذلك، فإن من المرجح أن بيانات صندوق النقد الدولي تقلل من قيمة الأراضي المملوكة للقطاع العام حيث عادة ما يكون العقار أكبر فئة أصول منفردة في أي اقتصاد وعادة ما تكون الحكومات أكبر ملاك العقارات وبفارق كبير في كثير من الأحيان، ومع ذلك فإن العديد من الحكومات تعلن عن حيازات عقارية صغيرة (أو حتى صفر حيازات) علمًا أنه من بين تلك الحكومات التي تعلن عن حيازات الأراضي يبلغ متوسط القيمة حوالي 25٪ فقط من الناتج المحلي الإجمالي.

إن الأصول التجارية العامة (الأصول التي يمكن أن تدر دخلاً إذا تمت إدارتها بشكل احترافي) لا يتم الإفصاح عنها بشكل كافٍ في كثير من الأحيان أو لا يتم الإفصاح عنها على الإطلاق وحتى ما يتم الإفصاح عنه فمن المرجح أن يتم التقليل من قيمته وذلك بسبب عدم تمتع الإدارة في الغالب بالاحترافية. أما في الولايات المتحدة الأمريكية فتمتلك الحكومة الفيدرالية ما يقرب من ثلث إجمالي الأراضي أي حوالي 640 مليون فدان. إن وزارة الدفاع الأمريكية، على سبيل المثال، تدير 26 مليون فدان تتكون من قواعد عسكرية وميادين تدريب وغيرها. يدير فيلق المهندسين بالجيش الأمريكي ربع قدرة الطاقة الكهرومائية الأمريكية وأكثر من 4300 منطقة ترفيهية وشواطئ وأنظمة مياه وصرف صحي محلية. لا تمثل الميزانية العمومية لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية سوى جزء صغير جداً من الأراضي التي تمتلكها. إن من الأمثلة الأخرى على الثروة العامة المخفية والتي يتم تقديرها بأقل من قيمتها الحقيقية هي العقارات الحضرية المملوكة للقطاع العام علمًا أن القطاع العام هو المالك المهيمن للعقارات في كل مدينة أمريكية كبرى، حيث يسيطر على ما لا يقل عن نصف سوق العقارات، والذي غالبًا ما يعادل بالقيمة العادلة الناتج الاقتصادي السنوي للمدينة. إن الفشل في حساب هذه الأصول وإدارتها بشكل غير احترافي يمكن أن يتسبب في ضرر دائم لقدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها تجاه الأجيال الحالية والمستقبلية بما في ذلك من خلال تقويض العمل المناخي. أما التزامات القطاع العام فهي تتراوح بين نحو 80% إلى 370% من الناتج المحلي الإجمالي في عينة صندوق النقد الدولي كما تمثل سندات الدين حوالي 60% من الناتج المحلي الإجمالي ــ وحوالي 34% من إجمالي الالتزامات ــ في المتوسط، ويبلغ متوسط التزامات معاشات التقاعد في القطاع العام 40% من الناتج المحلي الإجمالي. لقد سجلت 8 من البلدان الأربعة والعشرين - بما في ذلك 5 دول من مجموعة السبع - صافي قيمة سلبية في القطاع العام للفترة 2020-2021.

لذا يتعين على السلطات المالية أن تبدأ في عمل ميزانيات عمومية تقليدية تقدّم تقديرات يمكن التعويل عليها بشكل أكبر لصافي القيمة التقليدية والتي يمكن أن تكون سلبية، ومن أجل إدارة الأصول والالتزامات بشكل فعال، يجب على تلك السلطات كذلك عمل ميزانيات عمومية شاملة (أو قيود الميزانية التي تأخذ بالاعتبار الحاضر والمستقبل) والتي تشمل القيمة التي يتم خصمها حاليًا لتدفقات الإيرادات غير التعاقدية المتوقعة في المستقبل مثل الضرائب (الأصول الضمنية) والنفقات مثل إعانات الضمان الاجتماعي (الالتزامات الضمنية). إن هذا من شأنه أن يُظهِر صافي القيمة الشاملة للحكومة ــ والتي على عكس صافي القيمة التقليدية، لا ينبغي أن تكون سلبية لو أردنا تجنب الإعسار العادل أو إعسار التدفق النقدي (عدم القدرة على تلبية الالتزامات المالية التعاقدية عندما تصبح مستحقة). إن المخاطر كبيرة وكما أظهرت دراسة أجراها صندوق النقد الدولي عام 2021، فإن استقراء السياسات الحالية للإنفاق العام والإيرادات الضريبية غالبا ما يؤدي إلى صافي قيمة سلبية شاملة وهذا يعود في كثير من الأحيان الى شيخوخة السكان. وبعبارة أخرى، ما لم تعد الحكومات النظر في معاييرها المحاسبية، فقد ينتهي بها الأمر إلى دفع ثمن باهظ نتيجة لذلك.

ويليم إتش. بويتر كبير الاقتصاديين السابق في سيتي بنك والعضو السابق في لجنة السياسة النقدية في بنك إنجلترا، وهو مستشار اقتصادي مستقل.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: من الناتج المحلی الإجمالی الناتج المحلی الإجمالی فی صندوق النقد الدولی الولایات المتحدة فی القطاع العام للقطاع العام یمکن أن أن تکون عادة ما من أجل إن هذا

إقرأ أيضاً:

سام: محاولة اختطاف فتاة على يد مقربين من قيادي في الانتقالي جريمة تستوجب المساءلة

أدانت منظمة حقوقية، محاولة إختطاف فتاة في السادسة عشر من العمر، من قبل أشخاص يتبعون القيادي في مليشيا الإنتقالي المدعومة إماراتيا نبيل المشوشي قائد اللواء الثالث دعم وإسناد.

 

وقالت منظمة سام للحقوق والحريات في بيان لها، إن أفرادًا يتبعون قياديًا يقود فيصلًا عسكريا تابع للمجلس الانتقالي، داهمت في السابع عشر من يونيو الفائت منازل مواطنين في منطقة بئر أحمد بعدن، بقوات عسكرية، واعتقلت مدنيين، إثر تصديهم لمحاولة اختطاف فتاة (16 عاما) على يد شبان مقربين من قيادات عسكرية، في حادثة تمثل انتهاكا صارخا للكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان.

 

وذكرت سام أن الفتاة "نجاة طارق عوض"، تعرضت لمحاولة اختطاف من منزلها في حوالي الساعة الرابعة فجراً، على يد ثلاثة شبان مقربين من قيادات عسكرية، ما أدى لوقوع اشتباكات بين الجناة وذوي الفتاة نتج عنه مقتل شخص من الطرف الأول، ما دفع قوات أمنية بتحريض من أحد القيادات بشن حملة مداهمات واعتقالات طالت الأهالي بما فيها الضحية نفسها.

 

واستنكرت منظمة "سام" بشدة الحادثة التي تعرضت لها الفتاة وعائلتها، والتي تمثل انتهاكًا صارخًا لكرامة الإنسان وحقوقه المكفولة شرعًا وقانونًا، في الوقت الذي أدانت المنظمة الاعتداءات التي تعرض لها أفراد العائلة، والتعذيب الذي تعرض له المعتقلون في السجون.

 

وطالبت "سام" الجهات المعنية بالتحقيق الفوري والشفاف في هذه الحادثة، ومحاسبة المسؤولين عنها وفقًا للقانون، داعية إلى ضمان سلامة المعتقلين والإفراج عنهم أو تمكينهم من حقهم في محاكمة عادلة، وضمان عدم تعرضهم للتعذيب أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية.

 

وقالت سام: "إن هذه الحادثة تمثل انتهاكاً خطيراً لحقوق الإنسان والقانون اليمني، وتكشف عن مدى التسيب والفوضى التي تعاني منها بعض الأجهزة الأمنية. إن استخدام النفوذ العسكري لتحقيق مكاسب شخصية، أو التعدي على حقوق المواطنين، يُعتبر تجاوزاً غير مقبول ويتطلب إجراءات قانونية حازمة لمحاسبة المتورطين"، داعيةً السلطات المعنية إلى إجراء تحقيق فوري وشفاف في هذه الحادثة، وضمان تقديم الجناة إلى العدالة. كما نطالب بحماية حقوق النساء والفتيات وتعزيز سيادة القانون في جميع المناطق."

 

وحول تفاصيل الواقعة نقلت المنظمة عن والدة الفتاة قولها: إن الجناة جاؤوا إلى بيتها فجرًا على متن سيارة ألنترا سوداء مكتوب عليها من الخلف "المشوشي"، واختطفوا الفتاة من الباب بينما كانت ترتدي لباس الصلاة.

 

وأضافت: "هرعنا أنا وزوجي خلف السيارة التي كان يقودها الجاني وحاولنا أن نعترض طريقها لكنه حاول أن يدهسنا.. رأيت الجاني يرمي بابنتي من باب السيارة، فأخذتها إلى البيت وهي في حالة نفسية سيئة"، متابعةً: ألبسنا ابنتنا العباية كي نوصلها المستشفى، وبينما كنا خارجين من بيتنا أتت سيارة أخرى (برادو بيضاء) بداخلها ثلاثة شباب، وهم عبد العليم ونبيل وناصر مطيع، الذي خاطبنا بقوله: "عادني مش سويت له شي"، على حد تعبيرها.

 

وأردفت: "قام ابن اختي بلكم ناصر ردًا على كلامه المستفز، فنزل الاثنان الآخران من السيارة ليضربوه، فمسكت ابن اختي، إلا أنهم جاؤوا وقاموا بضربه وضربي، وجاء شخص آخر يدعى صالح مطيع ليشارك معهم في الاعتداء علينا.. انتهت المشاجرة وغادروا، وذهبت إلى المستشفى، فجاءني اتصال بوقوع اشتباك جوار بيت اختي (بيت الشيخ مهدي العقربي) مع أفراد يتبعون القائد نبيل المشوشي، وخلال الاشتباك قتل شاب يدعى عبد العليم.. بعدها جاؤوا بتعزيزات وقاموا بالاعتداء على بيوتنا واعتقال الرجال من داخلها، من ضمنهم أخي الذي يُعذب في السجن، ويُعامل بطريقة سيئة".

 

ولفتت إلى أن المسلحين اقتحموا منزل شقيقها وقاموا بقلع كاميرات المراقبة التي تروي كل شيء، ونهبوا مقتنيات من بيته منها جوالات وفلوس وأغراض غالية.

 

وأشارت والدة الضحية، إلى أن المعتقلين تم إيداعهم في البداية بسجن القائد نبيل المشوشي، وهناك قاموا بضربهم وتعذيبهم، موضحة أنهم أدخلوا ابن شقيقتها في الضغاطة، ومن ثم نقُل برفقة الآخرين إلى سجن الجلاء بالبريقة، لينقلوا بعدها -وتحديدًا يوم الجمعة- إلى قسم شرطة الشعب، ونصفهم -من ضمنهم شقيقها الثاني- نُقلوا إلى سجن خور مكسر.

 

وذكرت أنه عند إبلاغها الشرطة قابلوها بطريقة سيئة وتصرفوا معها ومع ابنتها وكأنهما متهمتين، ووفي نهاية المطاف اقتادوا الفتاة إلى السجن.


مقالات مشابهة

  • عمان.. الناتج المحلي الإجمالي ينمو 0.8% بالربع الأول من 2024
  • الناتج المحلي الإجمالي لسلطنة عُمان يسجل ارتفاعا بنهاية الربع الأول
  • الوزير لقجع: القانون التنظيمي للمالية ساهم في الارتقاء بدور قانون التصفية إلى المساءلة حول جدوى الإنفاق العمومي ونجاعة السياسات
  • سام: محاولة اختطاف فتاة على يد مقربين من قيادي في الانتقالي جريمة تستوجب المساءلة
  • بعد إقرار القانون.. 10 أهداف لقانون المالية الموحد (تعرف عليها)
  • البستاني: صناعات مواد البناء أعلى قيمة مساهمة في الناتج المحلي 
  • نمو الناتج المحلي الإجمالي للأردن في الربع الأول من 2024
  • الاقتصاد البريطاني يعاني من الشتات.. 5 قضايا تنتظر إجابات
  • مدبولي: نجحنا في إقامة محطات وشبكات الكهرباء بما يفي حاجة الاستهلاك المحلي مع وجود فائض
  • وزير المالية المصري: نسعى لتحقيق فائض 3.5% من الناتج المحلي