أمريكا وفرنسا .. الدروس المستفادة من انقلاب النيجر
تاريخ النشر: 3rd, September 2023 GMT
ترجمة: قاسم مكي -
يجب عدم تسمية ما حدث في النيجر انقلابا. إنه محاولة غير دستورية للاستيلاء على السلطة. وضباط الجيش الذين أطاحوا بالرئيس المنتخَب واحتجزوه ليسوا انقلابيين ولا زمرة عسكرية حاكمة ولكنهم مجموعة تبسط سلطتها (تقصد الكاتبة أن هذا هو فحوى السردية أو التوصيف الأمريكي لتولي الجيش السلطة في النيجر - المترجم.
المحاولات المستميتة التي قامت بها وزارة الخارجية الأمريكية لتجنب إطلاق التسمية الصحيحة على ما حدث يوم 26 يوليو في النيجر تعكس درجة الارتباك الذي سبَّبه هذا الاضطراب الجديد في إفريقيا جنوب الصحراء للاستراتيجيين الغربيين.
كما تشير أيضا إلى الاختلافات في مقاربة الفرنسيين والأمريكيين، وهم فاعلون أمنيا في المنطقة، لهذه القضية.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وصف الحدث على نحو ما هو عليه. لقد تحدث عن «انقلاب عسكري مثالي في افتقاره إلى الشرعية». ثم لزم صمتا نادرا. هذا في حين حاولت واشنطن وبعض الدول الإفريقية الدخول في مفاوضات مع «المجموعة التي تبسط سلطتها» في نيامي.
الوضع في النيجر الذي لم يوجد له حلّ حتى الآن يشكل ضربة قاسية للجهود الغربية لبسط الاستقرار في هذا الجزء من إفريقيا. إلى ذلك هو أيضا تنبيه بالواقع الجيوسياسي المتغير للقارة التي اجتذبت الآن مجموعة كبيرة ومتنوعة من اللاعبين.
لا يقتصر الأمر على التصاعد المثير في نشاط الجماعات المتطرفة ولكن النيجر هي رابع دولة في غرب إفريقيا بعد غينيا ومالي وبوركينا فاسو يُطاح زعيمها بانقلاب عسكري في الأعوام الثلاثة الماضية. وللمفارقة النيجر إحدى الدول القليلة التي كانت تشهد انحسارا في نشاط المتطرفين خلال العام الماضي. لكن حتى هذا النجاح لم يمنع انتشار القلاقل السياسية.
السؤال الذي يطرح نفسه هو: من فَقَدَ النيجر؟ الانقلاب العسكري ربما آخر مسمار يُدقُّ في نعش السياسة الفرنسية في غرب إفريقيا. ماكرون الذي يدرك الإرث الاستعماري لفرنسا قدم حقا رؤية جديدة وأكثر توازنا للمنطقة. لكن وجودها العسكري الدائم هناك يدحض بشدة هذه الرؤية.
بعد طردها من مالي العام الماضي اعتقدت القوات الفرنسية أنها وجدت ملاذا آمنا في الجارة النيجر بقيادة الرئيس «الصديق» محمد بازوم. أما الآن فقد طلب حكامها الجدد من باريس سحب قواتها المكونة من 1500 جندي.
الدرس بالمرارة نفسها تقريبا للأمريكيين الذين يحتفظون بقاعدتين عسكريتين مهمتين و1100 جندي في النيجر. فكتوريا نولاند بوصفها القائمة بأعمال نائب وزير الخارجية ذهبت إلى نيامي يوم 7 أغسطس واكتشفت أن محاولة التفاوض مع عميد وثلاثة عقداء للعودة إلى النظام الدستوري مهمة لا تُحسد عليها. ذلك خصوصا حين اعتبر البنتاجون الجنرال موسى بارمو الذي تخرج بدرجة ماجستير في الدراسات الأمنية الإستراتيجية من جامعة الدفاع الوطني في واشنطن أفضل شريك في محاربة المتطرفين. قالت نولاند إن المحادثات كانت «صريحة جدا وفي بعض اللحظات بالغة الصعوبة».
الآن تجد الإدارة الأمريكية نفسها في حيرة من أمرها. فهي إما تتشبث بقِيَمها الديمقراطية المُعلنة التي تجعل من الصعب الحفاظ على قواعد عسكرية بالتعاون مع مجموعة عسكرية حاكمة بلا شرعية أو تقرر أن الوضع الأمني المتدهور والذي يهدد حتى الدول الساحلية في غرب إفريقيا مثل ساحل العاج له الأولوية، ويستحق تقديم بعض التنازلات البراجماتية.
حتى الآن ظلت واشنطن تأمل في حل دبلوماسي من شأنه أن يسمح لقواتها بالبقاء في النيجر غير الساحلية، في مقابل الالتزام بنوع ما من الانتقال الديمقراطي. هذا يفسر «تَرَف» التحوطات التي اتخذتها بعدم تسمية الانقلاب انقلابا لتجنب إلغاء المساعدات الأمنية الأمريكية للنيجر.
هنالك حجة أخرى تفضل المقاربة البراجماتية وهي العامل الروسي. لقد تعلم ماكرون بالتجربة القاسية كيف أن موسكو -فيما تتظاهر بعدم معرفة أي شيء عن الدور الذي لعبته مجموعة فاجنر في إفريقيا - استخدمت هذه «الأداة» إلى جانب الحملات الإعلامية لنشر نفوذ روسيا.
المدى الذي يمكن أن تذهب إليه موسكو المُثقَلة بعبء حرب أوكرانيا في إعادة توجيه الموارد إلى عملية جديدة في إفريقيا قد يكون مشكوكا فيه وكذلك قدرة قيادة فاجنر على إعادة نشر قواتها في القارة.
أيضا العدد المتقلص لرؤساء الدول الإفريقية الذين اختاروا حضور القمة الروسية - الإفريقية الثانية الشهر الماضي في سانت بطرسبرج (17 رئيس دولة مقارنة بـ 43 رئيسا حضروا القمة الأولى التي عقدت في سوشي في عام 2019) مؤشر على تراجع نجومية الزعامة الروسية.
لكن الدول الإفريقية التي تتودَّد لها الصين وتركيا وبلدان أخرى تريد الإقرار لها بالسيادة على شؤونها. ولا يمكن تجاهل ثِقَلِها الحالي في الساحة الدولية.
كما لا يمكن تجنّب الأسئلة الصعبة عن السِّجِل الكارثي للحكم الديمقراطي في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء. فالنيجر التي تساوي مساحتها ضعف مساحة ولاية تكساس الأمريكية إحدى أفقر البلدان في إفريقيا وربما تغطي الصحراء نصفها. لكنها لاتزال تشكل أرضا خصبة لتنافس القوى العظمى.
سيلفي كوفمان مديرة تحرير صحيفة لوموند الفرنسية
عن صحيفة الفاينانشال تايمز
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی إفریقیا فی النیجر
إقرأ أيضاً:
النيجر تطرد الصليب الأحمر وتغلق مكاتبه
استنكرت السلطات الحاكمة في النيجر اتفاقية المقر مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وأمرت بإغلاق مكاتبها ومغادرة موظفيها الأجانب فورا.
وحسب الصفحة الرسمية لتحالف دول الساحل في منصة إكس، فإن قرار الطرد تم بموجب أوامر صادرة عن وزارة الخارجية في نيامي.
وكانت السلطات قد عبرت في وقت سابق عن مخاوفها بشأن المساعدات الإنسانية التي تقدمها الهيئات الدولية وتوزعها بشكل أحادي على المنظمات غير الحكومية.
ويأتي هذا الإجراء بعد 3 أشهر من إغلاق مكاتب وكالة التعاون التقني والتنمية.
وقد عملت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في دولة النيجر منذ عام 1990.
وأوضح الصليب الأحمر أن مكتبه في النيجر يعمل على الاستجابة للاحتياجات الإنسانية الناجمة عن عواقب النزاع في منطقتي ليبتاكو-غورما وبحيرة تشاد، ويقول إنه قدم الكثير من المساعدات الإنسانية التي استفاد منها أكثر من 70 ألف نازح.