أوهام الاستقرار في النظام الاستبدادي العربي
تاريخ النشر: 3rd, September 2023 GMT
شكلت عقيدةُ الاستقرار السرديةَ الأساسية للأنظمة الاستبدادية العربية لإعادة بناء الشرق الأوسط وضمان أمنه واستقراره؛ الذي اهتزت أركانه عقب انتفاضات "الربيع العربي" التي جاءت بالإسلاميين إلى الحكم في بلدان عدة، وهو الحدث الذي اعتبر تهديداً لصناعة الاستقرار المؤسس على الاستبداد الذي وضع أسسه النظام الاستعماري.
فالحركات الإسلامية بأوجهها المتعددة تسعى على المدى البعيد إلى تفكيك الحالة الاستعمارية، واستعادة "الخلافة" وتكوين "دولة إسلامية"، وتأسيس كينونة إسلامية مناهضة للإمبريالية الأمريكية والمستعمرة الصهيونية. وقد اعتمدت الأنظمة الاستبدادية العربية استراتيجية شمولية واهمة حددت بموجبها عوامل عدم الاستقرار بمقولة "الإرهاب" الإسلامي، وهو مصطلح بات يكافئ "الإسلام السياسي" وحركاته الثورية الجهادية والسلمية الديمقراطية بنسختيها السنية والشيعية، وممثليه في المنطقة المنظمات السنية المنبثقة عن أيديولوجية "الإخوان المسلمين" المسندة من تركيا، والحركات الشيعية المنبثقة عن أيديولوجية "ولاية الفقيه" المسندة من إيران.
شن النظام الاستبدادي العربي هجوماً لا هوادة فيه على الإسلاميين السياسيين عقب انتفاضات الربيع العربي، استخدم فيه كافة الوسائل والأسلحة، واتبع طرائق قانونية غرائبية بموجب أسطورة السيادة، واتّبع نهجاً عسكرياً تجاه بعض الإسلاميين السنة والشيعة في المنطقة، وشن الحروب بشكل مباشر أو بالوكالة، وأعاد الخطابات الرسمية من تعريفها للجماعات والحركات والقوى الإسلامية السنية والشيعية من كونها جماعات معتدلة، إلى تصنيفها حركات ميسرة للتطرف والعنف في أحسن الأحوال، أو التعامل معها كمنظمات متطرفة عنيفة إرهابية، حيث صُنّفت جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية في عدة دول عربية، وفي مقدمتها مصر والسعودية والإمارات.
اعتمدت الأنظمة الاستبدادية العربية استراتيجية شمولية واهمة حددت بموجبها عوامل عدم الاستقرار بمقولة "الإرهاب" الإسلامي، وهو مصطلح بات يكافئ "الإسلام السياسي" وحركاته الثورية الجهادية والسلمية الديمقراطية بنسختيها السنية والشيعية، وممثليه في المنطقة المنظمات السنية المنبثقة عن أيديولوجية "الإخوان المسلمين" المسندة من تركيا، والحركات الشيعية المنبثقة عن أيديولوجية "ولاية الفقيه" المسندة من إيران
ولم يكن غريباً أن تدعم الولايات المتحدة والدول الأوروبية والمستعمرة اليهودية؛ الثورة المضادة وانقلاب الأنظمة العربية الاستبدادية على الإسلاميين، تحت ذريعة الحفاظ على السلم والاستقرار والأمن، وتحت ذريعة حماية الدولة الوطنية وقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.
أفضت الرؤية الراديكالية الاستبدادية العربية إلى قلب بداهات أسباب عدم الاستقرار في المنطقة والتي تتلخص بثلاثة ظروف استراتيجية؛ الأول: محلي وطني ويتمثل بانغلاق الأنموذج السياسي بإدماج الإسلاميين وفشل وعود التحول الديمقراطي ورسوخ الاستبداد، والثاني: إقليمي ويتمثل بعدم التوصل إلى سلام عادل وحقيقي في فلسطين وكبح جماح العدوانية الصهيونية، والثالث: عالمي ويتمثل بانهيار الاتحاد السوفييتي وتغول الأحادية القطبية الأمريكية وحلول العولمة الرأسمالية النيوليبرالية المتوحشة، وبدلاً من معالجة الأسباب الجذرية السابقة المسببة لعدم الاستقرار، ذهبت الأنظمة الاستبدادية إلى فرض تلك المعادلة المختلة فرسخت تبعيتها للقطب الأمريكي وطبعت علاقاتها مع المستعمرة اليهودية الاستيطانية "إسرائيل"، من خلال اتفاقات السلام "الإبراهيمية"، وعملت على بناء تحالفات عسكرية مشتركة، تهدف إلى إدماج المستعمرة الاستيطانية اليهودية في نسيج المنطقة العربية الإسلامية، تحت ذريعة مواجهة خطر مشترك تمّ اختزاله بـخرافة "الإرهاب الإسلامي" السني والشيعي المسند من تركيا وإيران.
عقب نحو عقد على المقاربة الاستبدادية العربية، تكشفت أوهام الاستقرار وتهدمت أركانه، فقد دخل العالم في حقبة جديدة من النظام الدولي، وأصبحت التعددية القطبية حقيقة واقعة مع بروز الصين، ولم تعد الولايات المتحدة الأمريكية القوة الوحيدة المهيمنة، ولم تؤد اتفاقات التطبيع مع المستعمرة اليهودية إلى تحقيق السلام، بل أفضت إلى ظهور كيان استعماري إسرائيلي عنصري وفاشي تحولت طموحاته إلى تصفية القضية الفلسطينية، وتحولت الأنظمة الاستبدادية العربية إلى مزيد من التسلط والقمع والعنف والانغلاق ودخلت في مسارات ومنعرجات من الفشل وسوء الحكم.
بلغت المقاربة العربية الاستبدادية ذروتها من خلال التطبيع مع المستعمرة اليهودية، وبناء رؤية عربية إسرائيلية برعاية أمريكية بمواجهة الإسلام السياسي، والتصعيد مع قطر وتركيا وإيران سياسياً واقتصادياً وصولاً إلى حروب الوكالة عسكرياً في مناطق عدة. ومع تبدّل الظروف الدولية والإقليمية عكست الأنظمة الاستبدادية نهجها إلى تبني النهج الدبلوماسي البراغماتي، بعد أن تكشفت سنوات الصراع عن مزيد من عدم الاستقرار، حيث انتهت حقبة حصار قطر وعادت علاقات الدوحة مع الرياض وأبو ظبي، بعد انقطاع دام سنوات، واستؤنفت العلاقات مع تركيا، وتُوجت الموجة الدبلوماسية بعودة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران في آذار/ مارس 2023، بعد سبع سنوات من العداء المتبادل. وفي أيار/ مايو الماضي، تم الترحيب ببشار الأسد في جامعة الدول العربية، بعد أكثر من عقد من العزلة، وانخرطت الرياض، على مدار العامين الماضيين، في محادثات مع الحوثيين في اليمن المدعومين من إيران، في محاولة لإنهاء الحرب.
تبدو استدارة الأنظمة الاستبدادية العربية باتجاه الدبلوماسية إيجابية، لكن نظرة فاحصة مدققة تشير إلى أن الاختلالات الحذرية في المنطقة لا تزال على حالها، بل إنها أصبحت أكثر سوءاً، إذ لم يجلب التطبيع سوى مزيد من عدم الاستقرار وأصبح الحديث عن دولة فلسطينية من الماضي، ودخلت الأنظمة العربية في حقبة من الاستبدادية الشمولية
تبدو استدارة الأنظمة الاستبدادية العربية باتجاه الدبلوماسية إيجابية، لكن نظرة فاحصة مدققة تشير إلى أن الاختلالات الحذرية في المنطقة لا تزال على حالها، بل إنها أصبحت أكثر سوءاً، إذ لم يجلب التطبيع سوى مزيد من عدم الاستقرار وأصبح الحديث عن دولة فلسطينية من الماضي، ودخلت الأنظمة العربية في حقبة من الاستبدادية الشمولية.
وحسب جوست هيلترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، من غير المرجح أن تساعد موجة التطبيع في الشرق الأوسط سكان المنطقة الذين يعانون؛ لأن الدافع الأعمق للصراع له علاقة بكيفية إدارة الدول لاقتصاداتها وحكم مجتمعاتها، فذلك هو الذي دفع الناس إلى الشوارع خلال انتفاضات 2011، وأطلقوا صرخة مشتركة من أجل العدالة الاجتماعية. بعض البلدان التي نجت من الاضطرابات، في عام 2011 -الجزائر ولبنان والعراق والسودان- شهدت شكلاً من أشكاله بعد ثماني سنوات، وكان لإيران نسختها الخاصة العام الماضي.
كشفت انتفاضات "الربيع العربي" عن عمق التلاحم بين الإمبريالية الأمريكية والدكتاتورية العربية والصهيونية الإسرائيلية، ولا عجب أن خطاب الأنظمة الاستبدادية العربية لا يمل من التوجه إلى الغرب طلبا للشرعية والحماية والمساعدة في قمع الاحتجاجات الشرعية تحت ذريعة حرب الإرهاب وتأمين الاستقرار، لكن الاستقرار المنشود لن يتحقق فالدوافع الكامنة وراء صراعات المنطقة لا تزال دون معالجة. فالجدل حول دور الإسلام والإسلاميين في الحكومة لم يحل، والعداء بين إيران وإسرائيل وبعض الدول العربية لم يتغير، والاستعمار الاستيطاني لفلسطين يزداد توحشاً، مع صعود حكومة يمينية فاشية متطرفة، والحكم الاستبدادي في المنطقة تحول إلى شمولية قاتلة.
تعيش الأنظمة الاستبدادية العربية حالة إنكار للمشاكل العميقة، وهي تنتقل من فشل لآخر، وتفتقر إلى رؤية ومشروع يستند إلى أسس ثقافية متصالحة مع تاريخها وتراثها، وواعية بمستقبلها وحداثتها، إذ تهيمن على ذهنيات الحكم الآثار الاستعمارية في الحكم وتعيش في حالة نكران للواقع والمتغيرات والتحولات الديمغرافية والفرص الشبابية.
الأسباب العميقة للانتفاضات العربية تترسخ وتزداد وتتوسع، حيث تعمقت الاختلالات بأسباب إضافية من القمع والحرب تحت ذريعة حرب "الإرهاب" لإفشال أي مقاومة سياسية داخلية، وتجريم أي مقاومة خارجية باختراع عدو "إرهابوي" متخيل عبر تطبيقات "الاتفاقيات الإبراهيمية"
فعلى مدى العقود القليلة الماضية، أدت العولمة إلى زيادة وعي العرب المسلمين بشكل كبير بهويتهم التاريخية ودورهم المستقبلي، مع اتساع الفجوة بين من يملكون ومن لا يملكون بشكل هائل في كافة المجتمعات العربية. وقد فضحت الانتفاضات العربية خرافة السيادة الوطنية، واختلال علاقة الدين بالدولة، من خلال فرض السيطرة المطلقة على صياغة الدين الرسمي، ومحاربة أي تعبير عن رؤى بديلة للإسلام واعتباره إرهاباً، فحصيلة منجزات الثورات المضادة هي صناعة ستار وهم من الاستقرار عبر مزيد من القمع، والمشكلات التي أدّت إلى اندلاع انتفاضات العام 2011. باتت أكثر تجذراً، والدرس الوحيد الذي تبنّته الأنظمة العربية الاستبدادية هو أنها لم تمارس ما يكفي من العنف لخنق مجتمعاتها.
خلاصة القول أن الأسباب العميقة للانتفاضات العربية تترسخ وتزداد وتتوسع، حيث تعمقت الاختلالات بأسباب إضافية من القمع والحرب تحت ذريعة حرب "الإرهاب" لإفشال أي مقاومة سياسية داخلية، وتجريم أي مقاومة خارجية باختراع عدو "إرهابوي" متخيل عبر تطبيقات "الاتفاقيات الإبراهيمية"، التي تقوم على تصفية القضية الفلسطينية وإدماج المستعمرة الاستيطانية الإسرائيلية في نسيج المنطقة العربية الإسلامية؛ من خلال تأسيس تحالف بين الإمبريالية الغربية والدكتاتوريات العربية والاحتلال الإسرائيلي تحت ذريعة مواجهة الخطر المشترك المتمثل بالمنظمات الإسلامية "الإرهابية".
ففي الوقت الذي تعود فيه العلاقات بين الأنظمة العربية الاستبدادية وإيران وتركيا وقطر، فإن ما هو ثابت هو التصالح مع الاستبداد، والعداء لحركات الإسلام السياسي، ولا يبدو أن الأنظمة الاستبدادية العربية قد تعلمت أن دوافع الانتفاضات الشعبية في المنطقة هو نتيجة لسوء حكمها وفساد إدارتها؛ وعدم امتلاكها لرؤية ومشروع يحقق طموحات وآمال الشعوب العربية بمستقبل أفضل.
twitter.com/hasanabuhanya
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الاستبدادية الربيع العربي الإسلاميين الثورة الربيع العربي الثورة الإسلاميين العالم العربي الاستبداد مقالات سياسة اقتصاد سياسة صحة سياسة صحافة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الإسلام السیاسی الأنظمة العربیة عدم الاستقرار فی المنطقة مزید من من خلال
إقرأ أيضاً:
نهاية عقود الهيمنة السياسية.. 2024 عام اهتزت فيه عروش الأنظمة العالمية
شهد عام 2024 عددًا من التحولات الجذرية في السياسة العالمية، حيث اجتاحت موجة من التغيرات السياسية الكبرى العديد من الدول عبر القارات شهد فيه الناخبون في أنحاء مختلفة من العالم زلازل انتخابية أطاحت بحكومات كانت تسيطر على السلطة لفترات طويلة.
هذه الانتخابات كانت بمثابة اختبار كبير لنفوذ الحكومات القائمة وأحزابها السياسية، وكان لها تأثير مباشر على المشهد السياسي الداخلي والخارجي وبالأخص عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة المتواصلة منذ السابع من تشرين الأول / أكتوبر 2023.
من أبرز العوامل التي أثرت في هذه التحولات كان التحدي الاقتصادي الكبير، والانتقادات للسياسات الخارجية، بالإضافة إلى ملفات الهجرة والأمن. عام 2024 كان عامًا يشير إلى بداية تغيرات قد تكون لها تأثيرات عميقة في السنوات القادمة، حيث تواصل الشعوب في أوروبا وأمريكا البحث عن سياسات أكثر توازنًا واستجابة لاحتياجاتهم المتزايدة.
ووجه عام 2024 رسائل قوية للقادة حول العالم لضرورة تلبية احتياجات المواطن والتفاعل مع الأزمات التي يشهدها العالم، الرضوخ لصوت الشعوب.
أبرز الحكومات التي اهتزت حتى سقطت في عام 2024 بفعل الانتخابات:
سوريا: نهاية حقبة الأسد وبداية جديدة في 2024
أبى عام 2024 أن ينتهي قبل أن يعوض ملايين السوريين عن سنوات الانكسار والتشريد فكان عامًا فارقًا في تاريخ سوريا، وشهد نهاية حقبة بشار الأسد، الذي استنزف العديد من أرواح السوريين ودمر البنية التحتية، بعد ما يقرب من 13 عامًا من الحرب.
في نهاية عام 2024، تمكنت القوات السورية المعارضة من تحقيق انتصارات حاسمة على الأرض، وفقد النظام السوري بقيادة بشار الأسد السيطرة على العديد من المناطق الحيوية في البلاد، سواء في العاصمة دمشق أو المناطق الأخرى التي كانت تحت سيطرته لعقود طويلة، مما أدي إلى سقوطه.
كانت نهاية عام 2024 بمثابة بداية مرحلة جديدة لسوريا والسوريين، حيث تولت قوى المعارضة المسلحة، مدعومةً بقاعدة شعبية واسعة، زمام الأمور، وشهدت المنطقة تحركات لتشكيل حكومة انتقالية، وحقق العام جزء كبير من أحلام السوريين الذين صبروا لسنوات طويلة وسط الحرب والدمار، حيث بدأت الثورة السورية بمطالب بسيطة للحرية والعدالة، وتحولت في السنوات الأخيرة إلى نضال مستمر ضد النظام القمعي، لتصل إلى لحظة تاريخية نهاية 2024، حين استطاعت القوى الثورية والمعارضة إسقاط النظام وتحقيق تغيير سياسي في البلاد.
عن احتفالات السوريين هذا اليوم.
لن يدرك حجم فرحة السوريين إلا من عاش المعاناة تحت وطأة نظام بوليسي متوحّش، وأسرة تألّه فيها الأب والابن، بل الأخ وبقية العصابة أيضا.
لم تكن دولة. كانت مزرعة يُمعن مالكها في ازدراء الناس عبر انتخابات تافهة، ومؤسّسة أمنية تُسرف في قمع الناس وإهانتهم. pic.twitter.com/X2lI3gxgWM — ياسر الزعاترة (@YZaatreh) December 13, 2024
الولايات المتحدة: بايدن وتحدي حرب غزة
في الولايات المتحدة، جاء عام 2024 ليُظهر مدى تأثير الأزمات الداخلية والخارجية على فرص إعادة انتخاب الرئيس جو بايدن، وواجه بايدن العديد من التحديات التي شكلت أعباءً كبيرة على حكومته. أولها كانت الحرب الروسية في أوكرانيا كانت إحدى الأزمات التي استنزفت الموارد الأمريكية، وجعلت الشعب الأمريكي يشكك في حكمة السياسات الخارجية للإدارة الحالية.
لكن القضية التي أثرت بشكل كبير في شعبية بايدن كانت حرب غزة، التي اندلعت في تشرين الأول / أكتوبر 2023، وأدت إلى تصاعد التوترات في الشرق الأوسط.
تعرضت إدارة بايدن إلى انتقادات داخلية وخارجية جراء دعمها اللامحدود لـ"إسرائيل" في عدوانها على الشعب الفلسطيني في غزة؛، في الداخل، اعتبر العديد من الأمريكيين أن دعم الولايات المتحدة لـ"إسرائيل" خلال الهجوم على غزة يتناقض مع القيم الأمريكية حول حقوق الإنسان، أما في الخارج، فقد كانت هذه السياسات تضر بالعلاقات الأمريكية مع بعض الحلفاء حيث تصاعدت الاحتجاجات الشعبية ضد تدخل الولايات المتحدة.
بالإضافة إلى ذلك، تفاقم الوضع الاقتصادي في الولايات المتحدة، حيث شهدت البلاد ارتفاعًا في معدلات التضخم، مما جعل الطبقات المتوسطة والفقيرة تشعر بالضيق، كانت هذه الأزمات، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، هي العامل الرئيسي في تراجع شعبية بايدن، مما أدى في النهاية إلى خسارته في الانتخابات 2024.
فوكس نيوز تعلن فوز دونالد ترامب بالانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري 2024 بولاية نيوهامشير. pic.twitter.com/8UDxT3ylfr — ????????محمد|MFU (@mfu46) January 24, 2024
المملكة المتحدة: حكومة المحافظين في أزمة
في المملكة المتحدة، كان عام 2024 بمثابة اختبار حقيقي لحكومة ريشي سوناك وحزب المحافظين بعد سنوات من تراجع الشعبية التي أثرت بشكل سلبي على فوزهم في الانتخابات.
وأدت أزمة بريكست، التي سببت حالة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، إلى مزيد من الاستقطاب في البلاد. بينما كانت الحكومة تحاول جاهدًا إعادة تنظيم الوضع الاقتصادي، كانت أزمة تكلفة المعيشة هي المعضلة الكبرى.
شعر المواطنون البريطانيون بالعبء الاقتصادي الناتج عن سياسات التقشف، بما في ذلك ارتفاع الأسعار والضرائب التي كانت تفرضها حكومة سوناك، وفي الوقت نفسه، كانت هناك قضايا أخرى مثل ارتفاع معدلات التضخم، وتزايد حالات البطالة في بعض القطاعات، ودعم الاحتلال الإسرائيلي للاستياء الشعبي الذي دفع العديد من الناخبين إلى تغيير خياراتهم السياسية، ليجد حزب العمال بقيادة كير ستارمر الفرصة للظهور كبديل قوي، حيث استقطب دعمًا واسعًا من الطبقات المتوسطة والفقيرة.
وفي النهاية كانت النتيجة واضحة بفوز حزب العمال في الانتخابات العامة 2024، وهو ما كان بمثابة نكسة شديدة لحكومة المحافظين بعد سنوات من السيطرة على البرلمان البريطاني.
ردة فعل مذيعي سكاي نيوز بعد الفوز الساحق لحزب العمال في الانتخابات البريطانية ???????? : pic.twitter.com/65BX9FRTSZ — ????????محمد|MFU (@mfu46) July 4, 2024
هولندا: اليمين المتطرف يصعد على حساب اليسار
في هولندا، لم يكن هناك صراع بين الأحزاب التقليدية فحسب، بل كانت هناك تحول كبير في خريطة السياسة الهولندية، وكانت انتخابات 2024 بمثابة ضربة للأحزاب اليسارية التي فشلت في معالجة العديد من القضايا التي كانت تشغل الرأي العام الهولندي.
ومن أبرز القضايا التي سادت الأجواء السياسية في هولندا كانت قضية الهجرة، حيث كانت هناك زيادة كبيرة في أعداد اللاجئين إلى البلاد، مما أثار قلقًا واسعًا لدى الكثير من الهولنديين.
اليسار الهولندي، الذي كان يعبر دائمًا عن مواقف متساهلة تجاه قضايا الهجرة، واجه انتقادات حادة بسبب ما وصفه الناخبون بتبني سياسات "مفتوحة" تسببت في زيادة الضغوط على نظام الرعاية الاجتماعية والاقتصاد الوطني، ومع تصاعد قضايا الأمن الداخلي، تزايد دعم الأحزاب اليمينية المتطرفة التي قدمت وعودًا مشددة بخصوص إغلاق الحدود.
كما كان للحرب في غزة دورًا في تعزيز مواقف الأحزاب اليمينية، حيث تم إلقاء اللوم على السياسات الحكومية في هولندا بعد إدانة بعض القوى السياسية في البلاد للمواقف المتراخية في مواجهة العمليات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين. صعود الأحزاب اليمينية في هولندا كان نتيجة مباشرة لهذه التحولات السياسية، رغم تأييدها هي الأخرى للاحتلال ولكن كان تصويتا عقابيا من الناخبين على تصرفات الأحزاب اليسارية.
هذه رسالة سابقة نشرها الهولندي "خيرت فيلدرز" رئيس حزب الحرية اليميني المتطرف الذي فاز في الانتخابات المبكرة في هولندا ليقترب من أن يصبح رئيساً للبلاد.
الرسالة موجهه للأتراك وقال لهم أنتم لستم أوروبيون ولن تصبحوا أوروبيين أبداً ولا نريدكم في بلادنا. pic.twitter.com/l0WZwZCFjQ — إياد الحمود (@Eyaaaad) November 28, 2023
فرنسا: ماكرون بين الاحتجاجات الاقتصادية والتحديات الخارجية
على الرغم من نجاح إيمانويل ماكرون في فرض سياسات اقتصادية في بداية عهده، إلا أن عام 2024 كان عامًا عصيبًا له، حيث واجه عددًا من التحديات الداخلية والخارجية التي أضعفت قبضته على الحكم. في مقدمة هذه التحديات كانت الأزمة الاقتصادية التي عانت منها فرنسا، إذ ارتفعت معدلات البطالة، وكانت ارتفاعات الأسعار تؤثر بشكل كبير على الطبقات العاملة.
حملة ماكرون لزيادة سن التقاعد، التي فرضت عليها الحكومة على الرغم من معارضة واسعة من النقابات والعمال، كانت نقطة تحول. فقد خرجت مظاهرات احتجاجية في الشوارع، وأصبح ماكرون في موقف دفاعي أمام الرأي العام الفرنسي.
من جهة أخرى، كان هناك العديد من الاحتجاجات ضد السياسة الفرنسية في التعامل مع القضية الفلسطينية، حيث اعتبرت العديد من الأطراف أن باريس كانت منحازة بشكل غير مقبول إلى الموقف الإسرائيلي.
نتيجة لهذه الأزمات، فشل ماكرون وحكومته في استقطاب دعم الرأي العام، وتراجعت شعبيته بشكل حاد، مما أدى إلى خسارته في انتخابات البرلمان الفرنسي 2024 ودخل في دوامة تشكيل الحكومة وإسقاطها من قبل البرلمان.
⭕️ أزمة في #فرنسا
البرلمان أسقط الحكومة لأول مرة منذ 62 سنة. ولا أغلبية لأي كتلة بعد انتخابات الصيف المبكرة. وتواجه باريس أزمة مديونية خانقة وتحديات دولية صعبة.#ألمانيا تواجه أزمة حكومية أيضا وتنتظر انتخابات مبكرة، واقتصادها يتراجع.
هذا حال أبرز قوى أوروبا في زمن #بوتين و #ترمب pic.twitter.com/2fD3LTLTqC — حسام شاكر (@Hos_Shaker) December 4, 2024
البرلمان الأوروبي: صعود القوى الشعبوية
في انتخابات البرلمان الأوروبي 2024، كان هناك تحول سياسي ملموس في عدة دول من الاتحاد الأوروبي. كان الصعود الكبير للأحزاب الشعبوية من أبرز معالم هذا العام، حيث استفاد اليمين المتطرف من المواقف الشعبية المعترضة على سياسات الاتحاد الأوروبي تجاه الهجرة. كانت القضايا المتعلقة بالأمن، الهجرة، والاقتصاد هي الأكثر تأثيرًا في التصويت الأوروبي، حيث تعهدت الأحزاب الشعبوية بإغلاق الحدود وتعزيز السياسات الأمنية داخل الاتحاد.
وفي الوقت نفسه، كان هناك تراجع ملحوظ للأحزاب التقليدية، خاصة تلك التي تتبنى السياسات الأوروبية التي تفتح الأبواب للهجرة وتدعم التكامل الأوروبي على حساب السيادة الوطنية.
مرشحة في انتخابات البرلمان الأوروبي تصوت بالثوب الفلسطيني بأحد اللجان الانتخابية بفرنسا pic.twitter.com/uV70ab2Sgn — الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) June 9, 2024