يوم الأحد في طريقي، بالصُدف قابلت واحد «»
غصب عني سرت بعده، سرت ما هميت واحد
للفنان اليمني اللحجي والعدني محمد سعد عبد الله (رحمة الله عليه) كثير من الأعمال الغنائية الخالدة والمشهورة جدا في غناء الجزيرة العربية، ولعل القارئ الكريم قد استمع بإعجاب إلى الأغنية الجميلة: «كلمة ولو جبر خاطر» التي كتب كلماتها ولحنها بنفسه ورددها العديد من المطربين من بعده، وكان الفنان البحريني القدير إبراهيم حبيب من أوائل المطربين الخليجيين الذين أعادوا غناءها، وكان حريصا على ذكر اسم ملحنها وكاتب نصها على غير عادة بعض المطربين الذي يستسهلون أخذ أغاني غيرهم ويتجاهلون ملكيتها الفكرية كما صرح بذلك الفنان محمد سعد في واحدة من حواراته التلفزيونية التي استمتعت لها.
كلمة ولو جبر خاطر.. والاّ سلام من بعيد
والاّ رسالة يا هاجر.. بيد ساعي البريد
وقد استمع الكثير من جيل السبعينات في عمان إلى أغنيته الشهيرة بعنوان: «مسكين يا ناس من قالوا حبيبه عروس، يمرض مرض قلب أما الموت ما بايموت» وقد غناها العديد من المطربين عندنا، وربما أولهم الفنان محمد بن سلطان المقيمي.
تشرفت كعازف على آلة الكمان في مطلع الثمانينيات من القرن العشرين بمصاحبة الفنان محمد سعد عبدالله في واحدة من حفلاته التي غنى فيها هذه الأغنية الشهيرة «يوم الأحد»، وكانت في تلك الفترة أغنية الموسم. وأتذكر إن أغنية «يوم الأحد» وهي من كلماته وألحانه لاقت انتقادات من قبل بعض الصحفيين في عدن، وقد وصفها بعضهم بالأغنية السطحية التي لا تناسب مكانة الفنان محمد سعد، ولكن مع ذلك لا قت الأغنية قبولا واسعا من الجمهور والإعلام، وانتشرت انتشارا واسعا في الداخل وحتى خارج حدود اليمن، كأغنية موديل أو نموذج حتى أن بعض المطربين ألف أغاني أخرى على المنوال نفسه.
الفنان محمد سعد عبد الله واحد من أهم الشخصيات الموسيقية التي قابلتها في حياتي الموسيقية، وما زلت أتذكره بكل احترام وتقدير لما يتمتع به من أخلاق رفيعة في التعامل مع العازفين والأشخاص من حوله.. فهذا الرجل له أسلوبه الخاص المؤثر في التعامل مع من حوله والمتفرد عن غيره من الفنانين المعروفين في زمانه بشهادة بعض العازفين اليمنيين الذين سمعت منهم روايات عديدة عن الفرق بين أسلوبه وبعض الفنانين اليمنيين الآخرين، ويجعلون منه فنانا استثنائيا في أسلوبه المهذب. فيروي مثلا: أحد العازفين على آلة الإيقاع إنه ذات مرة كان يعزف مع الفنان العدني المشهور أحمد قاسم المميز بأسلوبه الحاد، ولسبب ما وجد هذا العازف رأسه مخترقا آلة العود بعد أن هوى بها أحمد قاسم على رأسه غاضبا من سرحانه وعدم تركيزه، لتنتهي تلك البروفة كما يقول هذا العازف بكسر العود على رأسه. وفي الواقع الفنان الكبير أحمد قاسم له قصص عديدة مع العازفين والمطربين فيروي لي الفنان محمد مرشد ناجي- رحمة الله عليه-: إن أحمد قاسم شديد الغضب وحينما يتعرض لهذه الحالة كان يسيل الدم من أنفه. ومن وجهة نظري أحمد بن أحمد قاسم واحد من أهم الموسيقيين التعبيريين في اليمن والجزيرة العربية في القرن العشرين، وآمل أن أخصص مقالا عنه في هذه الزاوية.
وفي الواقع إن الكثير من أغاني محمد سعد هي من كلماته وألحانه وفي هذا السياق يروي في مقابلة تلفزيونية قديمة أسباب اعتماده على نفسه في النص واللحن فيقول: (مع تصرف في الصياغة): إنه في البداية كان يريد أن يثبت وجوده كفنان، فكان يبحث عن أفضل النصوص ويتعاون مع أبرز شعراء الأغنية العدنية في الخمسينيات من القرن العشرين، ولكن مع كثرة النصوص الضعيفة والركيكة وقلة النصوص الجميلة المناسبة، بدأ في الستينيات من القرن العشرين بكتابة نصوص أغانيه بنفسه، ولكن واجهته دعاية انتشرت بين الناس متهم بسرقة تلك النصوص. يقول: «استكثروا علي أن أكون مؤلف النصوص والملحن والمغني»، لذلك اعتمد طريقة أخرى وهي أن يكتب نصوصه بأسماء أشخاص آخرين مقربين منه، وكانت أول هذه الأغاني بعنوان: «أهجره وأنساه» ونسبها إلى ابنه الدكتور سند، وأغنية: «انته ساكن وسط قلبي» كتبها باسم سائق كان يعمل معه، وهكذا كتب الكثير من أغانيه، فتلقتها الناس بالقبول والرضا، واختفت الدعاية السلبية، وأشيع أن محمد سعد كف عن سرقة نصوص الآخرين وصارت ألحانه وكلماته أجمل من تلك التي كتب نصوصها بنفسه أو كما يقال «سرقها». وفي هذه المناسبة أتذكر أنه كان يؤخذ سلبا على الفنان سالم بن علي سعيد إنه كان يلحن لنفسه ولا يستعين بغيره من الملحنين، وكان هذا النقد وهو على رأس هرم الأغنية العُمانية ملحنا ومغنيا جزءا من الحملة الدعائية ضده، وواحدا من الأسباب التي أدت إلى تراجع دوره في أواخر التسعينيات ومطلع القرن الحادي والعشرين، ولكن سالم أصر على الاستمرار وكتابة ألحانه باسمه.. وعلى كل حال كما قال محمد سعد عبد الله: «اللي وقف مكانه يتأخر ولو ما مشاش للوراء»، رحمة الله عليهم جميعا.
مسلم الكثيري موسيقي وباحث
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الفنان محمد سعد القرن العشرین یوم الأحد أحمد قاسم
إقرأ أيضاً:
وفاة الفنان المغربي محمد الخلفي عن 87 عاما
انتقل إلى عفو الله الممثل المغربي محمد الخلفي، عن سن ناهزت 87 عاما.
وعلم لدى النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية أن الراحل أسلم الروح اليوم السبت في منزله بضاحية الدار البيضاء بعد معاناة طويلة مع المرض.
وخلف محمد الخلفي، وهو من مواليد الدار البيضاء سنة 1937، رصيدا فنيا ضخما على مستوى المسرح والتلفزيون والسينما، بوأه مكانة خاصة لدى الجمهور المغربي.
وكان الفقيد قد باشر مساره الفني سنة 1957 ضمن مسرح الهواة رفقة أعلام من قبيل الطيب الصديقي وأحمد الطيب العلج، قبل أن يؤسس سنة 1959 فرقة “المسرح الشعبي”، ثم فرقة “الفنانين المتحدين” حيث لمعت فيها أسماء كبيرة على غرار الراحلة ثريا جبران.
وكان الخلفي من الرعيل الأول لفناني التلفزيون بداية الستينيات، حيث قدم أول مسلسل تلفزيوني بعنوان “التضحية”. وفي السينما، شارك الخلفي في أعمال مثل “سكوت، اتجاه ممنوع” للمخرج عبد الله المصباحي، و”هنا ولهيه” للمخرج محمد إسماعيل، و”أيام شهرزاد الجميلة” لمصطفى الدرقاوي وغيرها.
ونال محمد الخلفي شهرة واسعة من خلال دوره كأحد أفراد عائلة بنزيزي في سلسلة “لالة فاطمة”.