انتشرت مؤخرا منشورات وتغريدات تتضامن مع المغني المغربي " سعد لمجرد"، وتدافع عنه بعد إصدار محكمة فرنسية حكمًا بسجنه ست سنوات لإدانته بضرب امرأة واغتصابها. بل رأينا المعجبين بالفنان يكذبون الضحية ويلومونها لكونها رافقت المغنى إلى غرفته فى أحد فنادق باريس حيث وقعت الجريمة. وبالتالى فإن الحكم القضائى لم يكن كافيا لتصديق الضحية ونزع الحصانة الجماهيرية عن الفنان.
يأتي هذا للتمييز المستمر ضد النساء، والذي له جذور ضاربة فى تاريخ الحضارة البشرية. وتكفي نظرة سريعة إلى تراث الإنسانية بين الميثولوجيا والأديان إلى ملاحظة مستوى الكراهية الموجهة إلى النساء، والتى تتسبب فى الكثير من الأحيان في تحميلهن مسؤولية تعرضهن للاغتصاب والعنف. وعلى سبيل المثال نجد فى نسخة من أسطورة " ميدوزا الإغريقية" يغتصب الإله "بوسيدون" ميدوزا فى معبد الإلهة أثينا التى تحول خصل شعر" ميدوزا" إلى أفاعٍ عقابا لها على غوايتها. وعلى الرغم من تصاعد النقد الموجه إلى تعاطى الأديان مع المرأة خصوصا خلال القرن العشرين بالتزامن مع توالي موجات الحركة النسوية لا يزال التمييز المستند إلى خلفية دينية سائدا على نطاق واسع.
من هذا المنظور نفسه لا يزال البعض يلقى على الضحية مسؤولية تعرضها للانتهاك الجنسى، أو التعليق على ملابسها واعتبارها تستدرج الرجال. ويأتى ذلك من اعتياد النظر الدائم إلى المرأة كموضوع لرغبة الرجل، فوجودها بذاته سبب لفتنة الرجل وغوايته ووقوعه فى المعاصى. ولهذا نجد أن المجتمعات المتدينة والمحافظة ترفض التعاطف مع الضحية، فإذا لم تجد المرأة مشكلة فى مرافقة الرجل إلى غرفة الفندق فهذا يكون كافيا لإدانتها، وهنا يصبح الاغتصاب أو الاعتداء الجنسى أمرا طبيعيا أو متوقعا. وهنا لن تكون هناك حاجة للتضامن مع الضحية أو الدفاع عنها.
من جهته اعتبر الفيلسوف الألماني " تيودور أدورنو" أن لوم الضحية عموما وليس فقط فى حالات العنف الجنسى واحدة من خصائص الشخصية الفاشية، ففى كتابه المشترك مع كتاب آخرين ( الشخصية السلطوية ــ 1950 ــ ) اعتبر أن الشخص ذا الميول الفاشية يحمل فى نفسه ازدراء لكل ماهو ضعيف أو يتعرض للتمييز مقابل تمجيده لكل ماهو قوي وعنيف. ولا يزال الرجل القوي متعدد العلاقات، والذى فى رصيده العديد من الغزوات الجنسية يتمتع بشعبية على نطاق واسع فى المجتمعات العربية والغربية على الرغم من التشكيك المتزايد فى السنوات الأخيرة في الصورة النمطية للذكورة والأنوثة على السواء.
فى معظم أحداث العنف الجنسى يتمتع الرجل بموقع أعلى من المرأة، فيكون أستاذا جامعيا أو مديرًا فى العمل أو رجلا ثريا وصاحب نفوذ. فى حالة الفنان المغربي " سعد لمجرد" نحن أمام فنان ذى شهرة وشعبية واسعتين، وأمام فتاة فى العشرين من عمرها لا يعرف عنها شيئا. هذه الفجوة بين المعتدي والضحية تمكن الأول وتمنحه حصانة جماهيرية. فى حين تترك الضحية فى موقع أكثر هشاشة وعزلة. ولهذا نقول في المحصلة إن الناس يميلون إلى تبرئة المشاهير الذين يحبونهم، ولهذا يكون هؤلاء منزهين عن الأخطاء. وهنا لا يستطيع الناس التفريق بين فن هؤلاء المشاهير وقيمته لديهم، وبين أخلاقهم وسلوكياتهم.
المصدر: الأسبوع
إقرأ أيضاً:
خبير: أوكرانيا تطالب بضمانات أمنية واضحة والموقف الأمريكي لا يزال ضبابيًا
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تحدث محمد العروقي، الخبير في الشؤون الأوكرانية، عن العلاقات المتوترة بين كييف وواشنطن، ومدى تأثير الاتفاقات الاقتصادية، مثل اتفاق المعادن، على حل الخلافات بين البلدين.
أكد العروقي، خلال مداخلة مع الإعلامية فيروز مكي، ببرنامج "مطروح للنقاش"، على قناة القاهرة الإخبارية، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يسعى لوقف الحرب، لكنه تساءل عن نقاط خطته الواضحة لإنهاء النزاع، مشيرًا إلى أن الحل يتطلب ضمانات أمنية لأوكرانيا، وهو ما لم تحسمه الولايات المتحدة بعد، مما يخلق ضبابية في موقفها تجاه الأزمة.
أوضح العروقي أن الخلاف بين أوكرانيا والولايات المتحدة لا يتعلق فقط بموارد أوكرانيا، مثل المعادن، بل يرتبط أساسًا بمسألة الضمانات الأمنية، التي تراها كييف ضرورية لمنع أي اعتداء روسي جديد في المستقبل، مضيفًا أن أوكرانيا لا تطالب بانسحاب روسي فوري من الأراضي المحتلة، لكنها تحتاج إلى تطمينات أمنية واضحة حتى لا تتكرر سيناريوهات الحرب كما حدث في 2014 و2022.
شدد العروقي على أن أوكرانيا تتعامل مع الولايات المتحدة كدولة واحدة، بغض النظر عن تغير الإدارات بين الحزب الجمهوري والديمقراطي، مؤكدًا أن طلب أوكرانيا الانضمام إلى الناتو والتسليح الجيد لا يأتي من فراغ، بل بسبب مخاوفها الأمنية من استمرار التوسع الروسي على أراضيها، خاصة بعد احتلال روسيا 20% من أوكرانيا حتى الآن.
أشار العروقي إلى أن الحل لا يجب أن يقتصر على أوكرانيا فقط، بل ينبغي إعادة تقسيم أمني وسياسي للساحة الأوروبية، حيث إن هناك دولًا أخرى مهددة بتكرار السيناريو الأوكراني، مذكّرًا بأن أوكرانيا سبق أن حصلت على ضمانات أمنية في 1994 عندما تخلت عن أسلحتها النووية، لكن هذه الضمانات لم تمنع التدخل الروسي في 2014 و2022.