قامت الممثلة هيلين ميرين بدور رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة مائير في فيلم "غولدا"

كما يوحي اسم فيلم "غولدا" فهو يشير إلى رئيسة وزراء إسرائيل السابقة غولدا مائير التي تعد المرأة الوحيدة التي تولت منصب رئاسة الوزراء في تاريخ إسرائيل بين عامي 1969 و 1974، والتي اُشتهرت أيضا بلقب "سيدة إسرائيل الحديدية".

وقد جرى عرض الفيلم الذي أخرجه غاي ناتيف ومثلت بطولته هيلين ميرين، لأول مرة في  مهرجان برلين السينمائي الدولي - فبراير/ شباط الماضي 2023. ومؤخرا تم طرح الفيلم في دور العرض السينمائية في أنحاء العالم.

لا يسرد الفيلم كامل فصول حياة مائير السياسية والمهنية وحسب، بل ويسلط الضوء على تعاملها مع "حرب يوم الغفران" بين إسرائيل وتحالف عربي بقيادة مصر وسوريا. وقد اندلعت هذه الحرب في السادس من أكتوبر / تشرين الأول عام 1973 ودارت رحاها حتى الرابع والعشرين من الشهر ذاته. في ذلك قال كاتب السيناريو البريطاني نيكولاس مارتن: "لا أعتقد أن القصص التي تسرد قصة شخصية ما من المولد وحتى الوفاة تصلح للسينما نظرا لضرورة الاستعانة بممثلين مختلفين لتصوير الشخصية في مراحلها العمرية المختلفة". وجاءت فكرة الفيلم إلى ذهن مارتن عقب الانتهاء من كتابة سيناريو فيلم "فلورنس فوستر جنكينز" وهو أيضا فيلم سيرة ذاتية لمغنية أوبرا أمريكية تحمل الاسم ذاته.

شاركت الممثلة هيلين ميرين في العرض الأول لفيلمها "غولدا" في مهرجان برلين السينمائي الدولي في فبراير / شباط 2023

في فيلم "غولدا" قرر مارتن التركيز على "حرب يوم الغفران" لأنه شعر أن "كل تجارب حياة غولدا ساهمت في هذه اللحظة". وفي مقابلة مع DW، أضاف: "في بعض النواحي، أعتقد أنها كانت  الشخصية الوحيدة القادرة على قيادة البلاد في تلك اللحظة، لأنه لم يبق هناك ما يخيفها".

الفرار إلى الولايات المتحدة

ولدت غولدا مابوفيتش في الثالث من مايو / أيار عام 1898 في كييف التي كانت آنذاك تحت حكم الإمبراطورية الروسية، وفي عام 1906 هاجرت مع أفراد عائلتها إلى ولاية ويسكونسن الأمريكية حيث تعرضوا لأعمال عنف، وهنا تستذكر في سيرتها الذاتية ليلة قيام والدها بغلق المنزل وسط أعمال شغب استهدفت اليهود في تلك الحقبة. ويشير الفيلم إلى بعض ذكريات الطفولة لمائير.

كما يتحدث عن مكالمة هاتفية مع   هنري كيسنجر، السياسي اليهودي الذي كان للتو قد تولى منصب وزير الخارجية الأمريكي في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون، تناقش مائير معه شروط وقف إطلاق النار.

ويقوم بدور كيسنجر في الفيلم الممثل الأمريكي ييف شرايبر. وخلال الاتصال، أشار كيسنجر إلى التأثير  القوي للاتحاد السوفيتي  في الصراع، فيما ردت مائير، قائلة: "دعني أخبرك شيئا عن الروس يا هنري! عندما كنت طفلة في أوكرانيا خلال أعياد الميلاد، كان والدي يغلق نوافذ منزلنا بألواح خشبية وكان والدي يخفينا في القبو من أجل حمايتنا من القوزاق الذين كانوا في حالة سكر ويعتدون على اليهود وفي بعض الأحيان يضربونهم حتى الموت في الشوارع من باب التسلية. كنا نبقى في حالة صمت حتى أن يمر القتلة."

الكاتب البريطاني نيكولاس مارتن مؤلف قصة فيلم "غولدا"

ومن خلال استدعاء هذه الذكرى، كانت مائير ترغب في إثبات أنه بغض النظر عما يحدث، فإنها لم تعد تخشى الروس، قائلة: "أنا لست تلك الفتاة الصغيرة التي تختبئ في القبو". وكتب نيكولاس مارتن سيناريو الفيلم عام 2017، أي قبل الغزو الروسي لأوكرانيا الذي بدأ في فبراير / شباط العام الماضي 2022، لكنه قال إن مائير كانت محقة في موقفها الشجاع أمام الروس وهو ما نراه يتكرر في موقف الأوكرانيين تجاههم في الوقت الراهن.

وقال مارتن إن تضمين هذه القصة في الفيلم جاء على ضوء إعجابه بحقيقة مفادها أن "ذكريات طفولة مائير المبكرة في أوكرانيا أو روسيا في ذاك الوقت، كانت مهمة، لأنني أعتقد أن الخوف من المذابح ساعد في تشكيل شخصيتها". وأوضح مارتن أن " إحدى نقاط قوة غولدا تكمن في نشأتها وإدراكها بأن العالم مكان مأساوي يقوده العنف"، مشيرا إلى أنها أدركت أيضا بأنه "من أجل جعل العالم أفضل، يتعين قبول هذه الحقيقة".

صدمة حرب يوم الغفران

في السادس من أكتوبر /تشرين الأول عام 1973، شنت   مصر وسوريا هجوما مفاجئا في يوم الغفران الذي يعد أقدس أيام التقويم اليهودي، فيما لم يكن الجيش الإسرائيلي مستعدا للحرب وأقل عددا. ورغم أن إسرائيل فازت بالحرب في نهاية المطاف، إلا أن النصر جاء بتكلفة باهظة

وأعلن كل من العرب وإسرائيل النصر في الحرب. وبينما فازت إسرائيل ظاهرياً على المستوى العسكري، فإن النصر جاء بتكلفة باهظة، حيث قُـتل قرابة 2800 جندي إسرائيلي فضلا عن إصابة ما لا يقل عن 8000 آخرين.

مختارات ألمانيا وإسرائيل .. 60 عاما من علاقة ناجحة لم تخلُ من صعوبات حرب أكتوبر/تشرين في أعين مراسل ألماني

وأشار مارتن إلى أن واقع هذه الحرب كان "صدمة كبيرة" لدولة كانت في ذاك الوقت صغيرة وفي بدايتها. وفي العالم الغربي، كان يرافق ذكرى مائير اعتبارها أيقونة القرن العشرين كونها المرأة التي كسرت الحواجز وعززت مناصرة القضية الصهيونية، وكانت القائدة المتفانية التي تتحلى بروح الدعابة. بيد أن صورتها داخل  المجتمع الإسرائيلي  ما زالت مثيرة للجدل حيث طاردت سمعتها واسمها "صدمة" حرب يوم الغفران. وفي ذلك، قال مارتن إنه رغم مرور أعوام كثيرة، مازال بعض الإسرائيليين يتوجهون إلى أفراد عائلة مائير في الأماكن العامة لتوبيخهم عن فشلها خلال السنوات الخمس التي قضتها كرئيسة للوزراء.

صورة لغولدا مائير تعود لعام 1915 خلال طفولتها في الولايات المتحدة

لجنة أغرانات

بعد فترة وجيزة من الحرب، جرى تشكيل لجنة "أغرانات" للتحقيق والوقوف حيال الجهة المسؤولة عن الفشل في عدم توقع الهجوم المصري- السوري المفاجئ ومن ثم الرد عليه. وبعد عشرة أيام من نشر اللجنة تقريرها، قدمت مائير استقالتها فيما ظلت معظم تفاصيل التحقيق غير معلومة لسنوات.

واستنادا إلى الوثائق التي رُفعت عنها السرية بشكل جزئي، يكشف نيكولاس مارتن أنه حصل أثناء كتابة السيناريو من رئيس أرشيف الدولة الإسرائيلية، حجاي تسوريف على معلومة مفادها أن إسرائيل أقامت نظام تنصت مكلف للغاية على خطوط القيادة المصرية بين قناة السويس والقاهرة.

وبفضل هذا النظام الذي ضم جهازا متطورا للغاية، جرى إبلاغ رئيسة الوزراء مائير في ذاك الوقت أنه سيكون لديها إشعار مسبق قبل شن المصريين أي هجوم باثنين وسبعين ساعة على الأقل "شريطة استمرار عمل الجهاز"، وفقا لما ذكره مارتين. وأضاف أن  رئيس الأمن العسكري  في الاستخبارات العسكرية في ذلك الوقت كان مقتنعا تماما بأنه لا يوجد أي احتمال لشن حرب، لدرجة أنه لم يقم حتى بتشغيل نظام التنصت. ولهذا السبب يعتقد مارتن أنه "من الظلم إلقاء اللوم على غولدا".

فيلي براندت أول مستشار ألماني يزور إسرائيل، وتوجت الزيارة مرحلىة في العلاقات الإسرائيلية الألمانية الفريدة من نوعها.

معركتها مع السرطان

توفيت غولدا مائير عام 1978 عن عمر ناهز الثمانين عاما. وحتى قبل وفاتها، احتفظت بسر تكتمت عليه عن الشعب الإسرائيلي تمثل في بقائها لأكثر من 12 عاما في صراع ضد مرض سرطان خبيث أصاب الغدد الليمفاوية. وأشار الفيلم إلى أن مائير كانت تدخن بشراهة حتى أنها كانت تتلقى العلاج بالأشعة وسط الصراع إبان توليها منصب رئيسة الوزراء.

وقبل عام من وفاتها، كانت لا تزال تتمتع بصحة جيدة حتى أنها شاركت في الحدث التاريخي الذي تمثل بزيارة الرئيس المصري أنور السادات إلى  إسرائيل  كأول زعيم عربي حيث ألقى خطابا أمام الكنيست في العشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1977 دعا فيه إلى تحقيق السلام. واتسم اللقاء الذي جمعها مع السادات بالحميمية، إذ في الوقت الذي أشادت فيه بشجاعة السادات وبعد نظره، مازحته بأنه كان يُطلق عليها دائما لقب "السيدة العجوز".

على الرغم من أنها لم تعش لحظة توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل في مارس / آذار عام 1979، إلا أنها ساهمت في استقرار علاقات البلدين بشكل أدى في نهاية المطاف إلى   تحقيق السلام بينهما رغم أنهما كانا على صراع منذ نشأة إسرائيل عام 1948. وفي ذلك، قال نيكولاس مارتن  كان هذا بمثابة "أعظم إرث تركته" غولدا مائير.

إليزابيث غرينيه / م. ع

المصدر: DW عربية

كلمات دلالية: غولدا مائير حرب يوم الغفران غولدا مائير حرب يوم الغفران حرب یوم الغفران غولدا مائیر فی ذلک

إقرأ أيضاً:

ما هي التحديّات التي تنتظر إسرائيل في لبنان؟

سرايا - تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عمّا أسمته "الوحل اللبناني العميق والمغرق"، وذلك بالتزامن مع عدة محاولاتٍ فاشلة قام بها الجيش الإسرائيلي بهدف التسلّل والدخول براً إلى جنوبي لبنان، متوقّعةً "جولة طويلة ومعقّدة".

وفي أبرز التحليلات التي عرضتها قناة "كان" الإسرائيلية ضمن هذا الإطار، قال اللواء في احتياط الجيش الإسرائيلي ورئيس مجلس الأمن القومي سابقاً عوزي دايان، إنّ "لدى إسرائيل تجربة، بحيث يجب دائماً تذكّر ما ينبغي فعله وما لا ينبغي فعله في لبنان".

ورداً على سؤال عمّا إذا كانت ستتعلّم إسرائيل من الإخفاقات في المعارك السابقة في لبنان، قال رئيس مجلس الأمن القومي سابقاً، اللواء احتياط يعقوب عميدرور، إنّه "في العام 2006، كانت هناك عملية فاشلة من ناحية عسكرية، بحيث لم يكن الجيش الإسرائيلي جاهزاً، ولم تكن لديه معلومات استخبارية جيدة عن لبنان ولا خطط جيدة بخصوصه، كما كانت تقنية القتال لديه في الحضيض".

وأضاف عميدرور أنّه "يجب، في هذه العملية، أن يكون واضحاً تماماً ما تريده الحكومة، وما هي خطط الجيش من أجل إنجاز ذلك"، مشيراً إلى أنّ "ما يقوم به الجيش حالياً يشبه العام 1978 أكثر من فترة الحزام الأمني".

وتعقيباً على ما قالته "كان" عن "التاريخ يعلّم إسرائيل ويحذّرها من أنّ الوحل اللبناني عميق ومغرق"، ورداً على سؤال عن المدة التي سيستغرقها الجيش الاسرائيلي حتى يخرج من لبنان في المرة الرابعة، قال عميدرور إنّ "إبعاد حزب الله على الأقل حتى الليطاني وعشرة كيلومترات، سيستغرق وقتاً طويلاً".

بدوره، قال غاي تسور، قائد ذراع البر سابقاً، لقناة "كان" إنّه "يمكن اخذ قرار بعدم وجود حزب الله، ولكن ممنوع القيام بذلك لوحدنا، بل يجب ضم دول لها تأثير على حكومة لبنان".

ولفت تسور إلى أنّ "تصرّف حزب الله منذ العام 1982 هو تصرّف مشابه جداً، أي إنّه لا يهرب، بل يعتمد على تمركز مع نيران من بعيد ومن أماكن استتار"، مضيفاً أنّ "الأمر لن يكون مختلفاً، وسنتكبّد أثماناً وسيسقط قتلى.. الحرب هي الحرب".

وفي السياق عينه، ذكرت "القناة الـ 13" الإسرائيلية أنّه "بعد حرب لبنان الثانية، ساد هدوء مضلل نسبي جنوبي لبنان، تعاظم خلاله حزب الله بالوسائل القتالية والأنفاق".

كذلك، ذكرت القناة أنّ "إسرائيل خرجت إلى جولة جديدة على الأراضي اللبنانية، يُتوقّع أن تكون طويلة ومعقّدة وأن تجبي أثماناً باهظة".


مقالات مشابهة

  • إسرائيل اعترضت مسار طائرة فوق دولة عربيّة.. ماذا كانت تحمل لـحزب الله؟
  • جيش الاحتلال: صفارات الإنذار في جنوب إسرائيل كانت كاذبة
  • عاجل| يكره الأهلي.. رد ناري من وكيل قندوسي السابق على تصريحات اللاعب المثيرة
  • هذه حقيقة السيدة اليزيدية التي كانت في قطاع غزة / فيديو
  • قبل مواجهة ساوثهامبتون.. أرتيتا يصدم جماهير آرسنال
  • ما هي التحديّات التي تنتظر إسرائيل في لبنان؟
  • على هامش معرض كتاب “الصحفيين”.. عرض الفيلم الوثائقي "عبدالمنعم رياض.. سيرة المقاتل الشهيد" من إنتاج القناة الوثائقية
  • بطولة سيدني سويني.. التفاصيل الكاملة عن فيلم Christy Martin
  • أعظم بكثير مما كانت تتخيله.. إسرائيل تتحدث عن الرد على إيران
  • مبعوث إسرائيل لمجلس الأمن: إيران ستواجه عواقب أعظم بكثير مما كانت تتخيله