ما بين معركة بلاط الشهداء وحظر العباءة.. جذور العداء الفرنسي للإسلام
تاريخ النشر: 3rd, September 2023 GMT
عبد الله آدم
الإجراءات والقرارات الفرنسية العنيفة المناهضة للإسلام والمسلمين طرحت تساؤلات كثيرة عن دوافعها والأسباب التي تقف وراءها، ففي حين تقول الحكومة الفرنسية والساسة في اليمين واليسار إن الهدف منها حماية النظام العلماني القائم منذ أن تم تقنين العلاقة بين الدين والدولة سنة 1905، إلا أن نظرة على تاريخ فرنسا تكشف غير ذلك.
وخلال السنوات الماضية، اتخذت فرنسا سلسلة من الإجراءات والقرارات المناهضة للمسلمين في وقت كانت فيه أوروبا والغرب عموما تحاول استيعاب المسلمين ودمجهم رغم تصاعد المد العنصري بشكل كبير في عموم هذه القارة بعد موجة اللجوء الناجمة عن الاضطرابات والحروب في الشرق الأوسط وأفغانستان وأفريقيا.
وكانت المبررات الفرنسية دائما هي حماية النظام العلماني القائم على مبدأ فصل الدين عن الدولة. وفي الوقت نفسه ينفي السياسيون الفرنسيون وجود أي توجهات مسبقة معادية للمسلمين.
ولكن بالنظر لحجم وعمق هذه العداوة، فمن الواضح أن القصة أكبر من ذلك بكثير، وهو ما يطرح سؤالا مهما: هل فعلا تحمل فرنسا لواء العداء للإسلام وهل فعلا سبب ذلك دفاعها عن نظامها السياسي العلماني الذي يقوم على أن كل شيء مسخر لحماية الدولة؟
فقد كانت الهجمات على القيم الإسلامية توجها مقبولا للخطاب السياسي الفرنسي، خاصة بعد تحول المفاهيم العلمانية واندفاعها من اليسار نحو الجناح اليميني بشكل تدريجي -على مدى عدة عقود- ليصبح الإسلام منذئذ العدو الأول لليسار واليمين على حد سواء.
وفي عهد الرئيس نيكولا ساركوزي، صيغت السياسات المعادية للمسلمين على أنها دفاع عن العلمانية. كما رسم وقوف الحكومة الفرنسية ودعمها للرسوم المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم، بذريعة حرية التعبير، خطا واضحا في العداء الفرنسي للإسلام.
وبعد مقتل المعلم صموئيل باتي في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2020، على يد أحد المتعاطفين مع تنظيم الدولة الإسلامية إثر عرض باتي على تلاميذ مدرسته رسوما كاريكاتيرية مسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، برز تبنى الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون لمضمون مماثل لبرنامج ساركوزي، وشن حملة قمع على منظمات المجتمع المدني الإسلامية.
"قيم الجمهورية"
وتحت لافتة "مكافحة النزعة الانفصالية"، فيما عرف بـ "قانون تعزيز قيم الجمهورية" حرك ماكرون إجراءات قاسية ضد المسلمين شملت مراقبة المساجد وإغلاق المدارس غير المسجلة وإرغام الأئمة على توقيع قسم الولاء. كما منحت سلطات تنفيذ القانون سلطة أكبر للتدخل في الجمعيات الدينية والحد من التمويل الأجنبي بدعوى مواجهة ما يسمونه "التطرف" الإسلامي. والقانون الجديد الذي أقره البرلمان في 23 يوليو/تموز 2021، يعاقب من يُدان بجريمة "الانفصالية" بالسجن 5 سنوات وبغرامات تصل لنحو 90 ألف دولار.
وفي ظل تلك الموجة، نشر أكثر من ألف من العسكريين الفرنسيين الحاليين والمتقاعدين رسالة مفتوحة في مايو/أيار 2021، تحذر من انهيار الجمهورية، وتهديد ما سموه "الخطر الإسلامي" المتنامي للمبادئ العلمانية.
من جهته، ينتقد ماكرون الإسلام في كثير من المناسبات، بل واتهمه بأنه يعيش أزمة في كل دول العالم. وعلى ذلك كان الخط السياسي لحكومة ماكرون هو مناهضة كل ما هو إسلامي، وتتماهى بعض وسائل الإعلام الفرنسية مع ذلك عبر شيطنة المسلمين حسب ما يرى كثير من المحللين.
وفي رمضان الماضي، فجّرت الحكومة الفرنسية أزمة مع المسلمين عندما طلبت بصورة سرية، من بعض إدارات التعليم، تزويدها بعدد الطلاب المسلمين الذين تغيبوا يوم عيد الفطر. وهي خطوة اعتبرتها الجالية المسلمة إجراء عنصريا ضدها لأنها لا تستند إلى أي قانون.
والآن، وبمناسبة العودة إلى المدارس، يقود وزير التربية الوطنية الفرنسي غابرييل أتال حملة لحظر ارتداء العباءة، بدعوى توحيد المظهر حتى لا يتم التعرف إلى ديانة الطالب من زيه.
وعداء فرنسا وتجريمها للإسلام تنظر إليه الجالية المسلمة بأنه تنكر وعدم احترام لأكثر من 6 ملايين مواطن مسلم في هذه البلاد، عاش أجدادهم عقودا تحت استعمار فرنسي عنيف احتل أوطانهم وجندهم لمصالحه مثلما يفعل اليوم مع الأبناء لجلب الانتصارات الرياضية.
كيف بدأ الصراع بين فرنسا والمسلمين؟بدأ العداء الفرنسي للإسلام منذ فتح المسلمين الأندلس، وهي إسبانيا والبرتغال حاليا تحت قيادة طارق بن زياد وموسى بن نصير. وبدأ المسلمون محاولات للتقدم لفتح فرنسا التي كان يطلق عليها بلاد الفرنجة أو الغال أو غالا.
وتقدمت الجيوش الإسلامية حتى وصلت تخوم باريس، بيد أن ملك فرنسا شارل مارتل حشد نحو 400 ألف مقاتل فرنسي وأوروبي، واستطاع هزيمة جيش عبد الرحمن الغافقي الذي أرسلته الدولة الأموية في معركة بلاط الشهداء -أو بواتيه- عام 732 ميلادية التي ينظر إليها الأوروبيون والفرنسيون على أنها أنقذتهم من الخطر الإسلامي.
كما أصبغت روح القداسة على الملك الفرنسي شارل مارتل الذي اعتبر بطلا أوروبيا عظيما ومسيحيا فذا أنقذ أوروبا من الإسلام.
ومنذ معركة بلاط الشهداء، تولد عداء قوي ضد الإسلام، وأصبحت فرنسا بعدها وحتى اليوم رأس حربة في معاداة الإسلام والمسلمين، ولا تزال الروح الصليبية في أوروبا تدين لفرنسا بالفضل في وقف المد الإسلامي.
ويرى بعض المؤرخين الغربيين، ومنهم الفرنسي غوستاف لوبون في كتابه "حضارة العرب"، أن الأوروبيين بالغوا في تضخيم الدور الفرنسي في وقف المد الإسلامي، بل يعتبر أن دخول الإسلام باريس "المتخلفة" كان سيجعل منها مكانا متحضرا مثل الأندلس المزدهرة تحت راية المسلمين.
ويرى الباحث المصري محمد إلهامي أن تمدد الفتوحات الأندلسية -عبر حدود فرنسا الجنوبية وشمال إيطاليا- ساهم في دخول الإسلام وبقائه جنوب فرنسا ما يقارب 3 قرون.
كما كان لدولة إسلامية تسمى "جبل القلال" عاشت 100 عام تقريبا بمنطقة سان تروبيه في الجنوب الشرقي لفرنسا، وامتدت حتى سويسرا شمالا، أثر كبير في ترسيخ الوجود الإسلامي في قلب القارة الأوروبية.
وقد عكست "أنشودة رولان" -التي توصف بأنها أقدم نصوص الملاحم الشعبية الفرنسية- نظرة العداء والازدراء للمسلمين في المخيلة الفرنسية خلال القرون الوسطى.
وتحكي الأنشودة -المكونة من آلاف الأبيات ويعتقد أنها كتبت نهاية القرن الـ 11 بالفرنسية القديمة- قصة رولان الذي قام بحماية مؤخرة جيش الملك شارلمان (حفيد الملك شارل مارتل) أثناء عبوره جبال البرانس بين فرنسا وإسبانيا، وتنتهي القصة بمقتله على يد المسلمين والباسكيين.
مرحلة الاستشراقبدأت حركة الاستشراق الأوروبية والغربية على يد الفرنسي سلفستر الثاني الذي نهل من علوم العرب في قرطبة وإشبيلية وفاس، قبل أن يعود لفرنسا ليجلس على كرسي البابوية في روما، ومن ثم ينقلها لمدينة أفينون الفرنسية عام 1308 ميلادية. ويعود إليه الفضل في التوصية بتعليم وتدريس اللغة والعلوم العربية، كما أسس مدرستين في روما مقر البابوية، وأخرى بمسقط رأسه مدينة ريميس الفرنسية.
لذلك، يمكن القول إن حركة الاستشراق انطلقت من فرنسا قبل أن تنتقل لبقية الدول الأوروبية.
كذلك أنشئت أول المعاهد لتدريس العربية واللغات الشرقية على يد البابا الفرنسي هونيروس الرابع، وذلك قبل انطلاق الاستشراق رسميا بربع قرن من مجمع فيين الكنسي عام 1311-1312 ميلادية. وكان أول مدير له فرنسي أيضا وهو البابا كليمنت الخامس.
وكان قادة الاستشراق بداية عصر الهيمنة الاستعمارية أواخر القرن الـ 18 وأوائل القرن الـ 19 فرنسيين، إذ تولى عمادة الاستشراق الأوروبي من يسمونه شيخ المستشرقين الفرنسيين سلفستر دي ساسي مدير المعهد الوطني للغات الشرقية الذي تخرج على يديه عمالقة الاستشراق الغربي مما جعل فرنسا مرة أخرى في مقدمة من يخدم أوروبا المسيحية.
وعندما بدأت الحملات الاستعمارية في القرن الـ 16 وضعفت الدولة العثمانية، ازدهرت ظاهرة الاستشراق بقيادة الفرنسيين، للتغلغل في المجتمعات الإسلامية إما تحت غطاء التجارة أو الدراسة.
وتم توظيف الاستشراق ليكون ذراعا للحملات الاستعمارية، يمدها بالتقارير عن الشعوب المستهدفة، مما سهل كثيرا مهمات تلك الحملات.
الحروب الصليبية -التي شنها الأوروبيون على العالم الاسلامي أواخر القرن الـ 11 وحتى الثلث الأخير من القرن الـ 13، تعتبر الحدث التاريخي الذي أعطى لأوروبا هويتها وتماسكها بعد حقب طويلة من الحروب الطاحنة.
فقد تقدم الفرنسيون الصفوف عندما أعلن البابا أوربان الثاني انطلاق هذه الحروب من مدينة كليرمونت الفرنسية عام 1095 ميلادية. كما كان أغلب جنود وأمراء الحروب الصليبية وقوتها الضاربة ونواتها الصلبة من الفرنسيين، حتى إن المسلمين كانوا يسمونها حروب الفرنجة وهو الاسم الذي يطلق على فرنسا.
كذلك شكل الفرنسيون حضورا قويا في أروقة الحركات الدينية الصليبية مثل فرسان الهيكل.
وعليه يمكن القول إن الإجراءات والقرارات الفرنسية ضد الإسلام هي امتداد تاريخي لهذا العداء، رغم التحولات السياسية والاجتماعية التي حدثت في أوروبا.
وفي الداخل، لم تتغير فرنسا القديمة اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا رغم ظهور انقسامات اجتماعية خطيرة كان آخرها العنف والحرائق والمواجهات الدامية التي أعقبت مقتل الفتى المسلم نائل ذي الأصول الجزائرية في يوليو/تموز الماضي، كما تعيش ضواحي المدن حالة غبن شديد عبرت عن نفسها في أكثر من مناسبة.
أما خارجيا، فإن فرنسا تواجه مشكلات كبيرة وتفقد نفوذها في الكثير من الدول بسبب ما يصفه منتقدوها بسلوكها الاستعماري.
فقد خسرت باريس وجودها في عدة دول أفريقية مثل مالي وبوركينا فاسو والنيجر والغابون، بعد انقلابات عسكرية في هذه الدول.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: القرن الـ على ید
إقرأ أيضاً:
أخبار الوادي الجديد | مشاركة متميزة في أولمبياد المحافظات.. تفتيش مفاجئ على المخابز
شهدت محافظة الوادي الجديد عدة فعاليات علي مدار اليوم كان من اهمها:
الوادي الجديد تسجل مشاركة متميزة في أولمبياد المحافظات الحدودية
سجلت محافظة الوادي الجديد، حضورًا لافتًا ومشاركة متميزة ضمن فعاليات النسخة الخامسة لأولمبياد المحافظات الحدودية ومعرض منتجات الشباب الحرفية للمشغولات اليدوية والتراثية التي استضافتها مدينة العريش، اليوم الخميس، بحضور الدكتور أشرف صبحى، وزير الشباب والرياضة وعدد من المحافظين والقيادات الشعبية والتنفيذية وكبار العائلات.
وجاء تمثيل جناح المحافظة المشارك بالمعرض مُقدمًا صورة حية لإبداعات شبابها ومنتجاتهم الحرفية والتراثية المتميزة، عاكسًا الهوية الثقافية الأصيلة والبيئة الفريدة التى تتمتع بها المحافظة كجزء حيوي وأصيل من النسيج الوطني، لا سيما في المحافل التي تجمع شباب المحافظات الحدودية والتى تجسد اهتمام المحافظة بتمكين الشباب وابراز الموروث المحلى من معروضات تشمل الإكسسوارات، والمنسوجات المطرزة، ومشغولات الخوص، بالإضافة إلى منتجات التمور التي تتميز بها المحافظة عالميًا.
وفى هذا السياق، أوضح محمد فكرى مدير عام الشباب والرياضة بالوادى الجديد، أن قوام البعثة المشاركة بلغ 50 شابًا وفتاة من أبناء المحافظة، يمثلون نخبة من الموهوبين في مختلف الأنشطة الرياضية، بالإضافة إلى العارضين الذين قدموا نماذج رائعة من المنتجات الحرفية المتميزة، موجهًا الشكر والتقدير للواء دكتور محمد سالمان الزملوط، محافظ الوادي الجديد، على دعمه المتواصل ورؤيته الثاقبة في تمكين الشباب وإتاحة الفرص لهم لتمثيل المحافظة في المحافل الخارجية.
تفتيش مفاجئ على المخابز ضمن مبادرة حقك بالميزان بالوادي الجديد
أجرى عبد الناصر صالح رئيس الوحدة المحلية لمركز ومدينة باريس بمحافظة الوادي الجديد، اليوم الجمعة تفتيش مفاجئ على أحد المخابز للتأكد من تطبيق منظومة الخبز المدعم وتفعيل مبادرة (حقك بالميزان) طبقا للأوزان المقررة.
وأكد رئيس مركز ومدينة باريس، التفتيش المفاجئ على الأفران البلدية لمتابعة أوزان رغيف الخبز ومدى جودته والتحقق من تفعيل المنظومة طبقا للأوزان المقررة والمعلنة بكل لوحة إرشادية داخل المخابز، وأيضا التأكيد علي مدي رضاء المواطنين من تطبيق مبادرة "حقك بالميزان.
وأكد رئيس المركز، أن المرور أسفر عن وجود نقص في وزن رغيف الخبز وتم تسليم المواطنين الخبز عن طريق الميزان ثم وجه السيد رئيس المركز بتطبيق القانون وتحرير المحاضر للمخالفات التي تم اكتشافها أثناء المرور.
ولفت عبد الناصر، إلي تحرير محاضر للمخالفين تضمنت 2 محضر عدم وجود شهادة صحية، و1 محضر نقص وزن.
عدد 1 محضر خبز غير مطابق للمواصفات.
و أوضح رئيس مركز ومدينة باريس بالوادي الجديد للمواطنين أن الوحدة المحلية بها غرفة عمليات تعمل على مدار الساعة لتلقي أي شكاوى وأرقام تليفونات خط الساخن وغيرها مسجلة وواضحة بالبنرات لسرعة تلقي شكاوى المواطنين.
جاء ذلك تنفيذا لتوجيهات اللواء دكتور محمد سالمان الزملوط محافظ الوادي الجديد بالتأكيد علي الاستمرار في تطبيق مبادرة "حقك بالميزان"، بالمخابز مع تعميمها لتشمل مخابز الرغيف المحسن والسياحي وأيضا توافر الموازين الجديدة.
فحص 22 مركبة خلال قافلة مرورية في مركز بلاط بالوادي الجديد
قامت إدارةمرور الداخلة بالوادي الجديد، بالتعاون والتنسيق مع الوحدة المحلية لمركز ومدينة بلاط، اليوم الجمعة، بفحص 22 مركبة أمام مقر الوحدة المحلية للمركز، بالتنسيق مع إدارة المرور بالداخلة؛ للتيسير على المواطنين من أبناء المركز بديلًا عن السفر والانتقال للداخلة.
ومن جانبه أشاد سلامة على محمد رئيس مركز ومدينة بلاط بالوادي الجديد، بأعمال الحملة المرورية وبحضور عمار منصور نائب أول المركز، لافتًا إلى انه تم فحص وإنهاء إجراءات تراخيص كافة المركبات، بغرض التيسير على المواطنين من أهالي مركز بلاط والبعيدين عن مقر إدارة المرور في مدينة "موط" في مركز الداخلة.
استهدفت الحملة تقديم كافة الخدمات المرورية للتيسير على المواطنين بواحة بلاط، فيما تواصل القوافل المرورية إستهداف كافة المناطق النائية ومناطق الاستصلاح الحديث بمختلف مناطق الوادي الجديد.
يأتي ذلك في إطار سعى مديرية أمن الوادي الجديد، تخفيف الأعباء عن المواطنين، واستجابة لرغبات أهالي مدينة بلاط، وتنفيذًا لتوجيهات اللواء دكتور محمد الزملوط محافظ الوادي الجديد، بتواجد القافلة المرورية بالمركز.