تكاثر الحديث حول «حان وقت فرنسا فى أفريقيا»، «زمن فرنسا يحسب من الآن فى أفريقيا» وهو ما يبدو وكأنه قصف الرعد بالنسبة لباريس.
مايكل شوركين المحلل السابق فى مؤسسة راند ووكالة المخابرات المركزية، يضع  سياسة العم سام فى أفريقيا والاستياء من التواجد الفرنسي  فى القارة، فى إطارها الصحيح؛ فهو يرى أن فرنسا ليست لديها مصلحة فى منطقة الساحل وقد أعلن مايكل شوركين ذلك صراحة: على فرنسا أن تعيد رجالها إلى وطنهم وأن تغلق قواعدها وتتخلى عن أى دور استراتيجى لها فى أفريقيا مع  الاحتفاظ بالفرانكفونية كقوة ناعمة هناك.


ويرى الأمريكيون أن «الخروج من أفريقيا قد يؤدى إلى تقليص مكانة فرنسا ولكن الحقيقة هى أن فرنسا مثل بريطانيا لديها الكثير من الموارد وبصراحة لديها أولويات أخرى وهو ما يحدد مصالحهم على نحو أفضل ومن المفهوم أن «الأولويات تقتضى أن تقتصر على المشاركة فى الدفاع عن الجليد الأوروبى فى إطار أطلسى، وربما على تواجد فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ اللذين يفتقران إلى مساحة قادرة أن تعكر صفو «النظام الأمريكي».
ويشير رافائيل شوفانسى المحاضر فى كلية الحرب الاقتصادية فى مقال له بعنوان: «لماذا تريد أمريكا طرد فرنسا من أفريقيا؟ » إلى أن تزايد البؤس وانعدام الأمن المستمر فى منطقة الساحل جعل الناس يميلون إلى البحث عن كبش فداء وهو هنا فرنسا على وجه التحديد. لكن لا أحد يفكر فى رحيل الألمان ناهيك عن رحيل الأمريكيين.. فكيف نفسر ذلك؟ إن باريس من وجهة نظر واشنطن ستؤدى إلى: «أن تعرقل التنمية الاقتصادية والسياسية للدول الأفريقية».
ولكن هناك ما هو أكثر من ذلك فقد أدى الترويج لسياسة الأقلية الأنجلوسكسونية إلى تلك السياسة الكارثية التى أدت  إلى تحطيم مشروع مجتمع ما بعد العنصرية الذى كان يشكل أحد عوامل النفوذ العالمى الفرنسى.
لقد كان لدعم واشنطن للحركة المتطرفة «لإنهاء الاستعمار» آثار ضارة ليس فقط فى الضواحى الفرنسية ولكن أيضًا فى أفريقيا الناطقة بالفرنسية. وقد تم أخذ أطروحاته حول ضحية المؤامرة والتى يتناقلها المغتربون الموجودون فى فرنسا على محمل الجد. بما فى ذلك الرئيس ماكرون، الذى نجح خلال القمة الفرنسية الأفريقية فى مونبلييه فى أكتوبر ٢٠٢١، فى التحدث مع عينة من هذا الشتات الذى اختاره مستشاروه جيدًا. وكان مستوى الحوارات التى دارت بينهما  بليغة فى ضوء تلك الأطروحة: «لو كانت العلاقة بين دول أفريقيا وفرنسا وعاء لكانت قذرة».


إذا كانت موسكو قامت بتمويل ونشر فكر كيمى سيبا عن الفرانكوفوبيا فقد روّجت واشنطن لخطاب رخايا ديالو وبشكل عام، تحركت روسيا والولايات المتحدة بشكل غير منسق لإبعاد باريس، كما أن حملة تقويض تم تنفيذها بذكاء منذ فترة لتنسيق عمليات زج فرنسا وتقوية النفوذ الأمريكى هذا على حد قول رافائيل شوفانسى.
ومن المؤكد أن فرنسا لم تر الخطر القادم وسمحت لنفسها بالوقوع فى فخ الروايات التخريبية الممزوجة بالإسلاموفوبيا التى تقوم بها فرنسا والموجهة إلى الشباب المحبط والعاطل الذى تخترقه السرديات المناهضة للاستعمار وضد فرنسا فى أفريقيا وفى الضواحى الفرنسية.
يمكن تفسير هذا الموقف الذى اتخذه العم سام ضد مصالح فرنسا فى أفريقيا بحقيقة أن الولايات المتحدة لا تسمح لهذه الفكرة فى الحكم الذاتى تلك الفكرة التى تشجعها فرنسا، إضافة إلى أن الأمريكيين دائمًا ما يتصورون التحالف معهم على أنه اصطفاف أو حتى تبعية (كما قال رولان لومباردى فى أعماله) وأى تشويش لهذه الفكرة فإنه يساوى الخيانة!
ومن هذا المنطلق  فهم  يقدمون الدعم الأساسى لبرخان بإخلاص، فقد طوروا حيلهم ووسائلهم وطوروا شبكاتهم الخاصة. ومنذ انسحابها من مالى، لم تعد باريس قادرة على الاحتفاظ بأى جبهة ولو ثانوية فى أفريقيا. وفى هذا السياق فإن واشنطن تحث باريس على اتخاذ قرار بشأن مصير جنودها البالغ عددهم ١٥٠٠ جندى الموجودين على أراضى النيجر.
وبرغم نجاحاتها العسكرية التكتيكية الملحوظة فقد أصبحت أضحوكة فى جمهورية أفريقيا الوسطى، وفى مالى، وفى بوركينا فاسو، والنيجر وترى واشنطن أنه «يجب أن نرسم مسارا لعودة  الشرعية الدستورية فى النيجر. ربما لن يشكل جنود النيجر مشكلة فى أى مكان آخر: فهم يعلمون أنه بدون قدرات المراقبة الأمريكية فإن كل جهودهم لمحاربة الجهاديين ستذهب سدى» جاء هذا فى كلمة  لأحد الدبلوماسيين.
سندرك بذلك أن موقف باريس غير مقبول كما تعلم واشنطن جيدًا ما يمكنها إنقاذه. وفى هذه المباراة فإن واشنطن تعلم جيدًا أنها ستخسر كل شيء إذا انضمت إلى باريس، ومن الواضح أن الولايات المتحدة لن تتردد فى التحدث مع الانقلابيين، وقد فعلوا ذلك بالفعل! بالنسبة لباريس، لا شيء يسير على ما يرام فقد انتهت المباراة.
على الرغم من الضغوط التى مارسها الجيش عقب الانقلاب فى البلاد فقد أعلن إيمانويل ماكرون، الذى افتتح الدورة التاسعة والعشرين لمؤتمر السفراء أن السفير الفرنسى سيلفان إيتى «سيبقى فى النيجر» فى ٢٨ أغسطس ٢٠٢٣ (ملحوظة فقد أعطى المجلس العسكرى فى ٢٥ أغسطس ٢٠٢٣ ٤٨ ساعة لسفير فرنسا (لمغادرة النيجر). ويتطلع  ماكرون الى استعادة النظام الدستورى خاصة أن الانقلابيين يطالبون برحيل ١٥٠٠ جندى فرنسى قبل الرابع من سبتمبر ٢٠٢٣. ومنذ ذلك الحين سيصبح انسحاب فرنسا من النيجر أمرا حتميا أكثر من أى وقت مضى.
ونظرًا لمماطلة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا  «الإيكواس" فإن التدخل العسكرى لن يكون مستبعدًا فى ظل الافتقار إلى الدعم الغربى. ومن الواضح أن هذه الظروف ليست لصالح محمد بازوم فالوقت يلعب ضده.
من المفهوم أن الأمريكيين الذين لا يشعرون بالقلق تجاه المجلس العسكرى كانوا دائمًا «أصدقاء مزيفين» أو"حلفاء مزيفين» للفرنسيين، فلم يكن لديهم سوى أهداف رئيسية وهى الدفاع عن المصالح الأمريكية. فما زالوا يوجهون دفة الأمور فقط من أجل مصالحهم الخاصة سواء كانوا فى النيجر أو أوكرانيا أو أى مكان آخر.
فهدفهم واحد فقط: الاحتفاظ بقواعدهم العسكرية فى النيجر، مثل قاعدتى نيامى وأغاديز فى الشمال.  أنهم بلا شك يلعبون دورهم فى هذه الحرب التى ستواجه من الآن فصاعدا الولايات المتحدة ومجموعة فاجنر والجهاديين.
معلومات عن الكاتب: 

أوليفييه دوزون.. مستشار قانونى للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى والبنك الدولى.. من أهم مؤلفاته: «القرصنة البحرية اليوم».. و«ماذا لو كانت أوراسيا تمثل الحدود الجديدة؟» و«الهند تواجه مصيرها».. يكتب عن سياسة العم سام التى يهمها طرد الوجود الفرنسى من القارة الأفريقية.

 

 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: فرنسا أفريقيا ا فى أفریقیا فى النیجر

إقرأ أيضاً:

مهرجان القاهرة السينمائي.. أحلام وقضايا الشعوب العربية تتلاقى في رحلة من السعادة والمتعة

فى حضرة الشاشة الكبيرة تجوب الأنفس أرجاء العالم من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، حيث تتلاقى الثقافات والفنون والعادات والتقاليد من مختلف دول العالم فى مهرجان القاهرة السينمائى بدورته الـ45، التى تحمل تنوعاً وثراءً فنياً واضحاً من جميع الدول، فى رحلة لا منتهية من السعادة والمتعة، فمن بين الأعمال السينمائية المشاركة والتى تعرض لأول مرة ضمن فعاليات المهرجان، الفيلم المغربى «أنا مش أنا»، والسورى «سلمى»، كل منهما يحمل قصة ورسالة مختلفة بقضية إنسانية تلمس الوجدان.

«أنا مش أنا» فيلم مغربى مدبلج باللهجة المصرية

وقال هشام الجبارى، مخرج ومؤلف الفيلم المغربى «أنا مش أنا»، الذى جرى عرضه باللهجة المصرية بعد دبلجته، إن الفيلم يعد خطوة فى مسار تعزيز التبادل الفنى بين المغرب ومصر، وبخاصة أن اللهجة المغربية صعبة الفهم، لذا تمت دبلجة الفيلم لكسر الحاجز بين الشعوب العربية حتى يتمكنوا من فهم أحداث العمل. 

والأمر نفسه أكده بطل العمل عزيز داداس، الذى أعرب عن فخره وسعادته بمشاركته فى مهرجان القاهرة، قائلاً: «شرف كبير لى عرض الفيلم فى مهرجان القاهرة السينمائى الأهم والأعرق فى المنطقة العربية، وسعيد بدبلجته إلى اللهجة المصرية».

وشهدت قاعة العرض حالة كبيرة من التصفيق والتفاعل مع الحضور فور انتهاء عرض الفيلم، الذى حرص عدد من نجوم الفن والرياضة المغاربة على دعمه بمشاهدته بالمهرجان، حيث رفع الفيلم شعار كامل العدد قبل أيام من انطلاقه بدور العرض المصرية. 

فيلم «أنا مش أنا» من تأليف وإخراج هشام الجبارى، بطولة عزيز داداس، مجدولين الإدريسى، دنيا بوطازوت، وسكينة درابيل، ووِصال بيريز، وإنتاج فاطنة بنكران.

يأتى ذلك كجزء من مبادرة مهرجان القاهرة السينمائى لدعم التجارب السينمائية التى تعزز التواصل الثقافى بين الشعوب، إذ يمكن الجمهور المصرى من التفاعل مع إنتاجات دول أخرى خارج الدائرة المعتادة للسينما العالمية. 

وذكر مهرجان القاهرة السينمائى، فى بيان، أنه فخور بهذه التجربة التى تسعى إلى تقديم صورة جديدة للإبداع السينمائى، من خلال التفاعل بين الصورة والصوت والتجارب الثقافية المختلفة، وهو ما يعكس التزامه بدعم التنوع السينمائى عالمياً.

«سلمى» يسلط الضوء على معاناة الشعب السورى

أما الفيلم السورى «سلمى»، الذى يشارك فى مسابقة آفاق للسينما العربية، فهو من بطولة الفنانة السورية سولاف فواخرجى، التى أعربت عن سعادتها بالعرض العالمى الأول لفيلمها بمهرجان القاهرة السينمائى، موضحة فى تصريحات خاصة لـ«الوطن»، أن الفيلم يتناول قضية إنسانية رغم المآسى التى يتطرق إليها وتعبر عن واقع الشعب السورى إلا أنها حاولت أن يكون الفيلم رسالة قوية للقدرة على المواصلة فى تجاوز الصعاب بالإرادة.

«سولاف»: رسالة لتجاوز الصعاب بالإرادة

وقال جود سعيد، مخرج «سلمى»، الذى يشارك فى فعاليات مهرجان القاهرة السينمائى للمرة السادسة، منذ عام 2009، إنه كان يشعر بالحزن عندما لا يشارك بأفلامه ضمن المهرجان، مشدداً على رفضه لفكرة حمل الفيلم رسالة محددة، وأن كل مشاهد هو صانع العمل بعينه ويراه حسبما يشاء تبعاً لثقافته وما يشعر به.

وأضاف «سعيد» أنه مهووس بالقصص والحكايات الحقيقية وتحويلها لعمل فنى يتفاعل ويستمتع معه الجمهور، لافتاً إلى أنه تجمعه علاقة صداقة قوية مع «سولاف»، أفضت إلى مزيد من التعاون بينهما وحالة من الشراكة انعكست على الشاشة. 

من جانبه، أعرب الفنان السورى ورد، الذى يجسد دور شقيق بطلة العمل «سولاف» بالأحداث، أن مشاركة «سلمى» بالمهرجان حلم بالنسبة له وطموح لكل من يعمل فى صناعة السينما، معرباً عن فخره بفكرة الفيلم التى تنتمى إلى الكوميديا السوداء.

مقالات مشابهة

  • «شمس الدين» يطوف المحافظات لزراعة «الكتان».. و«النتيجة مبهرة»
  • تواضروس الثانى.. البابا الذى أحبه المصريون
  • عادل حمودة يكتب: سفير ترامب الجديد فى إسرائيل.. لا شىء اسمه فلسطين
  •   النائب علاء عابد يكتب: قانون اللجوء.. القول الفصل
  • اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺔ واﻷﻛﺬوﺑﺔ ﻓﻰ اﻟﺼﺤﺎﻓﺔ
  • رفعت عينى للسما
  • «جمال الغيطانى»
  • «الغيطانى» حكاء الماضى.. سردية الوجع الإنسانى
  • مهرجان القاهرة السينمائي.. أحلام وقضايا الشعوب العربية تتلاقى في رحلة من السعادة والمتعة
  • المهندس”بلقاسم حفتر” يشارك في فعاليات افتتاح مؤتمر (طموح أفريقيا) المنعقد في فرنسا