نظرة على تفاعلات خطيرة لما بعد الحرب في صنعاء
تاريخ النشر: 3rd, September 2023 GMT
ثمة مؤشرات عديدة على وجود نوايا جدية من جانب جماعة الحوثي على تصفية ما تبقى من التركة السياسية لنظام علي عبد الله صالح، والمتمثلة في المؤتمر الشعبي العام، الذي لا يزال يعمل ضمن الحدود الدنيا من الإمكانيات والحضور السياسي، لكنه في الآونة الأخيرة بدا وكأنه يكشف المستور مما خفي من التوتر بين الطرفين، ويبدي مواقف مخالفة إلى حد مقلق لسياسة جماعة الحوثي.
لم تستطع عبارات المجاملة المفضوحة لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، التي تصدر عن قيادة المؤتمر الشعبي العام وتصل إلى حد تفويضه بإدارة الدولة وتصفه بـ"القائد المجاهد"، أن تخفي التضعضع الراهن في بنيان الشراكة ضمن سلطة الأمر الواقع في صنعاء عبر ما يسمى بـ"المجلس السياسي الأعلى" الذي تأسس في 2 آب/ أغسطس 2016، ويشارك المؤتمر في عضوية هذا المجلس ويتولى منصب رئاسة الحكومة وله نصف المقاعد الحكومية تقريباً.
لم تستطع عبارات المجاملة المفضوحة لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، التي تصدر عن قيادة المؤتمر الشعبي العام وتصل إلى حد تفويضه بإدارة الدولة وتصفه بـ"القائد المجاهد"، أن تخفي التضعضع الراهن في بنيان الشراكة ضمن سلطة الأمر الواقع في صنعاء عبر ما يسمى بـ"المجلس السياسي الأعلى" الذي تأسس في 2 آب/ أغسطس 2016
تأسست سلطة الانقلاب بالشراكة بين المؤتمر الشعبي العام والحوثيين وبعض الأحزاب الصغيرة بموجب الاتفاق الذي وقعه الطرفان بصنعاء في 28 تموز/ يوليو 2016، في ظل الوهن السياسي الذي عانى منه آنذاك علي عبد الله صالح وحزبه في أعقاب فقدان السيطرة على الموارد العسكرية والمالية لفائدة جماعة الحوثي، مما جعل صالح يناور على نحو يائس في مساحة فقد السيطرة عليها منذ تدخلت المملكة العربية السعودية عسكرياً في اليمن على رأس تحالف عربي، وهي الطرف الإقليمي الذي كان صالح يراهن عليه على الدوام في ترجيح الكفة السياسية للأطراف المتصارعة على الساحة اليمنية، ويفصح عن ذلك في لقاءاته مع قادة حزبه ومع زواره الموثوقين.
قبل هذا التدخل كان لا يزال بإمكان صالح أن يعتمد على إمكانيات دولته القديمة، لاستعادة السيطرة على السلطة رغم الوجود العسكري الميداني لجماعة الحوثي، فقد كان يرى أنه بالإمكان إعادة بناء التفاهمات مع الرياض لكسب تأييد إقليمي يمكنه من إعادة بناء سلطة كان المرجح أن تُبقي على شراكة مُسيطرٍ عليها مع الحوثيين، لأن هذا الأمر كان على صلة وثيقة بتوجه واضح لدى واشنطن لإعادة هندسة المشهد الطائفي في اليمن، بما يتفق مع أولوياتها المتصلة بتجريف النفوذ السني في المنطقة برمتها وعلى نحو ما جرى في العراق.
ومن الثابت أن التدخل العسكري للتحالف بقيادة السعودية قد شكَّلَ مدخلاً مهماً لجماعة الحوثي لفرض سيطرة مطلقة على الموارد الشاملة وتعزيز نفوذها في صنعاء والبدء بخوض معركة موازية لتصفية نفوذ الحليف غير الموثوق، في الوقت الذي استمرت فيه في السيطرة على قيادة المعركة الميدانية مع الشرعية والتحالف، وسَوقْ الآلاف من عناصر وضباط الجيش السابق إلى مراكز التأهيل الثقافي الطائفية لضمان بناء عقيدة قتالية جديدة تتأسس على دعاوى الولاية المقدسة لقائد الجماعة، حتى تمكنت من عزل صالح عن مصادر قوته والإجهاز عليه في الرابع من كانون الأول/ ديسمبر2017.
اعتبر في خطابه أن الحرب قد انتهت عملياً، وأنه ما من مبرر لاستمرار سياسة الحرمان من الحقوق المالية والاقتصادية التي مارستها سلطة الجماعة خلال السنوات الماضية، بل واتهم الحكومة غير المعترف بها دولياً، والتي شكلها حزبه مع الحوثيين، بالفشل في القيام بواجباتها تجاه الشعب وصرف المرتبات، في وقت أكد فيه أن الموارد متوفرة لصرف هذه المرتبات، وهي الإشارة التي أيقظت الوحش ودفعته إلى الرد بأكثر الكلمات قسوة
في الرابع والعشرين من آب/ أغسطس الماضي صعَّدَ رئيس حزب المؤتمر الشعبي العام الشيخ صادق أمين أبوراس، خلال ترؤسه في صنعاء احتفالاً بمناسبة مرور 41 عاماً على تأسيس الحزب في 24 آب/ أغسطس 1982، من نبرة الانتقاد ضد شركائه الحوثيين، على الرغم من استثناء قائد الجماعة وكيل بل وكيد المديح لمكانته ودوره في مواجهة ما يسمى "العدوان".
أبو راس اعتبر في خطابه أن الحرب قد انتهت عملياً، وأنه ما من مبرر لاستمرار سياسة الحرمان من الحقوق المالية والاقتصادية التي مارستها سلطة الجماعة خلال السنوات الماضية، بل واتهم الحكومة غير المعترف بها دولياً، والتي شكلها حزبه مع الحوثيين، بالفشل في القيام بواجباتها تجاه الشعب وصرف المرتبات، في وقت أكد فيه أن الموارد متوفرة لصرف هذه المرتبات، وهي الإشارة التي أيقظت الوحش ودفعته إلى الرد بأكثر الكلمات قسوة لوصف الشركاء المؤتمريين غير الموثوقين في سلطة الأمر الواقع.
وبحضور الشيخ حمير الأحمر، شيخ مشائخ حاشد الذي حدَّثَ عضويته في المؤتمر الشعبي العام، تحدث الشيخ أبو راس بصراحة غير معهودة عن مخاطر محدقة بالتعايش الوطني في ظل دور الجامعات الدينية الزيدية (شيعية) التي تأسست في صنعاء بعد سيطرة الحوثيين عليها وبعد القضاء على جامعة الإيمان العالمية (سنية)، ونوه بدور اليمنيين في نشر الإسلام وحضورهم البارز في الفتوحات، في تهكُّمٍ واضحٍ على محاولة الحوثيين تأسيس مرجعية تاريخية وثقافية تدور حول الإمامة الزيدية الشيعية، وفصل اليمنيين عن أدوارهم التاريخية في الإسلام كفاتحين ساهموا في نشره بأصقاع الأرض.
يمكن الجزم بأن الشراكة بين المؤتمر الشعبي العام والحوثيين، سوف تنهار، لأن حاجة الجماعة إلى شراكة صورية من هذا النوع ستضمن بقاء هذه الشراكة، إلى أن يتمكن الحوثيون من تأمين الموارد التي تحتاجها سلطتهم
فبعد أسبوع تقريباً ردَّ مهدي المشاط، الذي يتولى رئاسة ما يسمى "المجلس السياسي الأعلى" التابع للحوثيين، عبر اجتماع عقده في محافظة عمران إلى الشمال من العاصمة صنعاء، على خطاب الشيخ صادق أمين أبوراس، واصفاً إياه وزملاءه في المؤتمر الشعبي العام دون أن يسميهم بـ"الحمقى" و"الغوغائيين"، وبأنهم ساهموا بقصد أو دون قصد في "خدمة العدو" وفي عرقلة مساعي الجماعة للحصول على المرتبات ضمن تفاهمات سعت بشكل حثيث لبنائها مع السعودية، والمتعلقة بتعزيز اتفاق الهدنة من خلال معالجة الملف الإنساني دون سواه من الملفات الأساسية الأخرى، وبالأخص السياسية والعسكرية والأمنية، واستدعى أدوار بعض الشخصيات اليمنية في معركة كربلاء التي تشكل الجزء الأهم من تاريخ المسلمين بالنسبة لجماعة الحوثي الشيعية.
لا يمكن الجزم بأن الشراكة بين المؤتمر الشعبي العام والحوثيين، سوف تنهار، لأن حاجة الجماعة إلى شراكة صورية من هذا النوع ستضمن بقاء هذه الشراكة، إلى أن يتمكن الحوثيون من تأمين الموارد التي تحتاجها سلطتهم، وفي المقدمة منها المرتبات التي أصبحت بنداً رئيسياً، وحينها سوف يكون بوسع الجماعة أن تخطو الخطوة التالية باتجاه تأسيس سلطة أحادية؛ من الواضح أن كل الظروف والعوامل مهيأة لفرضها، والأمر سيحتاج فقط إلى تغيير في نهج بناء الشراكات الصورية التي تنعقد تحت السلطة المطلقة للقائد "الرباني" المزعوم، وعبر ممارسة قدر كبير من الابتزاز السياسي والأمني والاقتصادي على الطبقة السياسية والوجاهات القبلية المحطمة، وهذا يعني أن القيادات المؤتمرية قد تكون على لائحة الجماعة للتصفية خلال المرحلة المقبلة.
twitter.com/yaseentamimi68
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه علي عبد الله صالح المؤتمر الشعبي اليمن الحوثيين الطائفية اليمن الحوثيين علي عبد الله صالح الطائفية المؤتمر الشعبي مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة صحافة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المؤتمر الشعبی العام فی صنعاء ما یسمى
إقرأ أيضاً:
مقتل الفلسطيني خالد نبهان.. الجد الذي أبكى العالم أثناء وداع حفيدته "روح الروح"
بعد مرور حوالي عام على لحظة وداعه المؤثرة لحفيدته الصغيرة ريم، ارتقى الجد الفلسطيني خالد نبهان، المعروف بلقب "أبو ضياء"، إثر قصف إسرائيلي استهدف مخيم النصيرات وسط قطاع غزة. نبهان، الذي أصبحت صورته وهو يحتضن جثمان حفيدته رمزا لمعاناة الفلسطينيين، يكتب اليوم فصلا جديدا من المأساة التي لا تنتهي.
اعلانفي نوفمبر 2023، أبكى خالد نبهان العالم وهو يودع حفيدته ريم التي قتلت في غارة إسرائيلية، بكلمات حنونة خالدة: "روح الروح.. ما لي غيرك، ما لي بالدنيا غيرك". تلك اللحظة الحزينة انتشرت عالميا، مجسدة حجم الألم الذي يعيشه الفلسطينيون يوميا في ظل الحرب الإسرائيلية الدامية والمتواصلة منذ أكثر من 14 شهرا.
Relatedالحرب على غزة: مجازر إسرائيلية على وقع مفاوضات التبادل ونتنياهو يؤكد "غيرنا الشرق الأوسط وسنستمر"الحرب بيومها الـ437: قتلى في غزة ولبنان وقصف على سوريا وكاتس يعلن عن جهوزية الجيش لضرب إيرانمقتل 28 فلسطينياً بينهم أطفال ونساء في غارات إسرائيلية على غزةعشرات القتلى والجرحى بقصف إسرائيلي على غزة والأونروا: قرار إسرائيل يهدف لتجريد اللاجئين من حق العودةكما ظهر الجد "أبو ضياء" في وقت سابق في لقاءات صحفية حيث تحدث عن معاناته بسبب الحرب ومقتل أحبائه. لم يصمد طويلاً أمام فراق حفيدته وصديقه الدكتور محمود الشيخ علي الذي قتل هو الآخر في وقت سابق من نفس الشهر في ضربة أخرى.
View this post on InstagramA post shared by khaledmnabhann (@khaledmnabhann)
منذ السابع من أكتوبر 2023، يعيش قطاع غزة تحت وطأة حرب شرسة شنها الجيش الإسرائيلي، أودت بحياة عشرات الآلاف وخلفت دمارا هائلا. وبحسب التقارير، تجاوزت الحصيلة أكثر من 151 ألف فلسطيني بين قتيل وجريح، غالبيتهم من النساء والأطفال، ما يعكس حجم الكارثة الإنسانية التي حلت بالسكان المدنيين.
هذا وأسفرت الغارات الجوية الإسرائيلية المستمرة عن تدمير واسع للبنية التحتية في قطاع غزة، مما أدى إلى تدهور الأوضاع الإنسانية بشكل غير مسبوق.
ويعاني السكان من نقص حاد في المواد الغذائية والدواء، فيما تتضاعف المعاناة بسبب الحصار الذي يمنع وصول المساعدات الإنسانية الأساسية إلى المنطقة.
وفي وقت تتفاقم فيه الأزمة، أفادت إذاعة الجيش الإسرائيلي بأن تل أبيب باتت على وشك إنهاء "مهمتها" في القطاع، مع تأكيدات حول قرب إتمام صفقة تبادل الأسرى.
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية تل أبيب تغلق سفارتها في أيرلندا بسبب "السياسات المعادية لإسرائيل" أو هكذا قالت هل آن أوان "إسرائيل الكبرى"؟ حافظ الأسد أراد السباحة يوما في طبريا فاحتل نتنياهو أعلى قمم جبل الشيخ أستراليا تُباغت الزوار الإسرائيليين بإجراء جديد: استبيان يُشعل القلق في تل أبيب أزمة إنسانيةقطاع غزةضحاياقصفالصراع الإسرائيلي الفلسطيني اعتداء إسرائيلاعلاناخترنا لك يعرض الآن Next عاجل. الحرب بيومها الـ437: قتلى في غزة ولبنان وقصف على سوريا وكاتس يعلن عن جهوزية الجيش لضرب إيران يعرض الآن Next الكرملين: لا قرارات نهائية بشأن مستقبل القواعد الروسية في سوريا حتى الآن يعرض الآن Next لمكافحة استغلال الأطفال عبر الإنترنت.. السويد تدرس فرض حدود عمرية على وسائل التواصل الاجتماعي! يعرض الآن Next البرلمان الألماني يصوت اليوم على منح الثقة لشولتس وحكومته: هل سيفشل؟ يعرض الآن Next أجسام طائرة مجهولة تثير الفزع في أمريكا وترامب يطالب بإسقاطها فورًا.. ماذا نعرف حتى الآن؟ اعلانالاكثر قراءة ما الذي يخبئه فروٌ على كتفي سيدة؟ كاميرا خفية تدخل مزارع تربية الثعالب في فنلندا فماذا وجدت؟ عزل رئيس كوريا الجنوبية.. احتجاجات حاشدة في سيول تطالب بسحب القرار مارس الجنس مع 400 من زوجات كبار الشخصيات أمام الكاميرا.. فضيحة مسؤول كيني يعتقد أنه مصاب بمرض الإيدز لصوص بالعشرات بينهم رجال ونساء وأطفال.. جرائم نهب وحرق للبيوت داخل مجمع سكني قرب دمشق سوريا ما بعد الأسد.. تصريحات أردوغان تثير البلبلة فهل تتحول البلاد إلى محمية تركية؟ اعلانLoaderSearchابحث مفاتيح اليومسورياإسرائيلبشار الأسدهيئة تحرير الشام روسياعيد الميلادإيرانبنيامين نتنياهوبودابستغزةدونالد ترامبداعشالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactPress officeWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024