أحداث كركوك.. خلفيات حزبية وسياسية وراء المواجهات وتمسك شعبي بـأهمية التعايش
تاريخ النشر: 3rd, September 2023 GMT
سلطت الأحداث التي شهدتها كركوك خلال اليومين الماضيين الضوء على عمق الخلافات الحاصلة بين بعض الأحزاب والمكونات السياسية، وطرحت تساؤلات عن خلفياتها وأسبابها الحقيقية.
وقتل أربعة أكراد على الأقل وأصيب 16 شخصا آخرون، السبت، حين اندلعت صدامات خلال تظاهرات في مدينة كركوك متعددة الاتنيات في شمال العراق، حيث فرضت السلطات حظرا للتجول بعد أيام عدة من التوتر.
وضمت التظاهرات سكانا أكرادا من جهة وآخرين من العرب والتركمان، وشهدت صدامات رغم وجود قوات الأمن، وفقا لفرانس برس.
وأكد مسؤول أمني في كركوك لفرانس برس "توقيف" نحو 31 "متظاهرا" بينهم خمسة مسلحين.
ماذا حدث؟وتشهد كركوك توترا منذ أسبوع، علما أنها موضع نزاع تاريخي بين الحكومة المركزية في بغداد وسلطات إقليم كردستان في الشمال، وفقا للوكالة الفرنسية.
والاثنين الماضي، نظم محتجون من المجموعتين العربية والتركمانية اعتصاما قرب المقر العام لقوات الأمن العراقية في محافظة كركوك، إثر معلومات مفادها أن رئيس الحكومة، محمد السوداني، أمر قوات الأمن بتسليم هذا المقر إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي سبق أن شغله.
وعصر السبت، احتشد متظاهرون أكراد بدورهم وحاولوا الوصول إلى المقر العام، وفق مراسل لفرانس برس في كركوك.
ويوضح الصحفي العراقي من كركوك، شيركو رؤوف، في حديثه لموقع "الحرة" أن "السبب الذي دفع الحكومة الاتحادية في بغداد لإعطاء مقر العمليات المتقدمة إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني، يعود إلى اتفاقية قبل تشكيل حكومة السوداني".
وتركز الصراع على مبنى في كركوك كان يستخدم كمقر للحزب الديمقراطي الكردستاني من قبل، لكن الجيش العراقي استخدمه كقاعدة منذ 2017، وفقا لرويترز.
وكانت الحكومة المركزية تعتزم إعادة المبنى إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني في بادرة حسن نية، لكن العرب والتركمان الرافضين للخطوة نصبوا مخيما أمام المبنى للاحتجاج في الأسبوع الماضي.
وذكرت الشرطة أن العنف اندلع عندما اقتربت مجموعة من المحتجين الأكراد من المخيم، السبت.
أسباب الرفض العربي والتركمانيفي المقابل، يشدد محمد سمعان، عضو المكتب السياسي والمتحدث الرسمي باسم الجبهة التركمانية العراقية، على أن "المتظاهرين هم المكونين العربي والتركماني، لكن بعضهم يمثلون الأحزاب ولكن هناك مجموعة من المواطنين الرافضين لتسليم المبنى".
وعن أسباب رفض تسليم المبنى، يقول سمعان، في حديثه لموقع "الحرة"، إن "من حق الحزب الديمقراطي الكردستاني أن يقوم بمزاولة العمل السياسي في كركوك كونه مسجلا ضمن قانون الأحزاب، لكننا نرفض تسليم هذا المبنى التابع للحكومة الاتحادية وقامت وزارة الدفاع بدفع مبالغ طائلة لترميمه وتسليمه لقيادة العمليات المشتركة".
وأوضح سمعان أن "الخوف من أن يكون تسليم المبنى تمهيدا لدخول قوات البيشمركة لكركوك التي تعتبر جغرافيا خارجة عن حدود الإقليم"، مشددا على "أهمية التعايش وبأن كركوك لجميع العراقيين".
وأشار إلى أن "المادة 343 من الدستور حددت الحدود الجغرافية للإقليم المتمثلة بأربيل والسليمانية ودهوك، والقوات هي بمثابة حرس حدود تابعة لمنظومة الدفاع العراقية ووظيفتها حماية الحدود الجغرافية للإقليم لا لكركوك".
وأكد رعد سامي العاصي، وهو عضو وناشط سياسي ضمن العشائر العربية في كركوك على أن "أغلب المتظاهرين من المدنيين والسكان"، مشيرا إلى أن "بعض الأحزاب تستغل التظاهرة، خاصة أننا مقبلون على انتخابات (مجالس المحافظات)".
وتساءل رؤوف أيضا "لماذا في هذا الوقت بالذات ولماذا قبيل انتخابات مجالس المحافظات؟ إذا النتيجة هو أن ما حصل يدخل ضمن النطاق السياسي".
سلسلة أحداثوتقع كركوك، وهي محافظة غنية بالنفط في شمال العراق بين إقليم كردستان العراق الذي يتمتع بالحكم الذاتي والمناطق التي تسيطر عليها الحكومة المركزية. وكانت بؤرة لبعض أسوأ أعمال العنف في البلاد في فترة ما بعد سقوط تنظيم داعش.
وسيطرت قوات كردية على مدينة كركوك بعد طرد تنظيم داعش منها في عام 2014، لكن الجيش العراقي أبعدها في عام 2017.
وأكد رؤوف أن "هذا المقر كان في السابق قبل عام 2017 للحزب الديمقراطي الكردستاني، وفيما بعد أصبح مقرا لقيادة العمليات المشتركة العراقية".
وعندما تولى السوداني السلطة العام الماضي، عمل على تحسين العلاقات بين حكومته والحزب الديمقراطي الكردستاني.
لكن السكان العرب والأقليات مثل التركمان، الذين قالوا إنهم عانوا في ظل الحكم الكردي، احتجوا على عودة الحزب الديمقراطي الكردستاني، وفقا لرويترز.
خلفية سياسية بحتةويرى رؤوف، أن ما حدث يرجع إلى خلفيات سياسية، وليس مجرد تحرك لمواطنين عاديين.
ويقول إن "من قاموا بنصب الخيام وإغلاق طريق كركوك - أربيل من العرب والتركمان لا يمثلون الأهالي، بل هم أشخاص متحزبين عائدين لأحزاب تركمانية وعربية سنية وشيعية".
وأضاف أنه "في المقابل الكرد الذين شاركوا في المظاهرات هم ليسوا مواطنين عاديين، بل مدفوعين من قبل أحزاب كردية، وما حصل يعتبر أمرا سياسيا بحتا بامتياز".
وأوضح أن "التعايش السلمي بين العرب والتركمان والكرد في كركوك قائم بعيدا عن الأحزاب، والكركوكيون الأصليون يدركون جيدا أن كركوك لكل أهلها".
عملية عسكريةوفي 2014، سيطر الحزب الديمقراطي الكردستاني والبيشمركة، أي قوات الأمن في إقليم كردستان، على المنطقة النفطية في كركوك قبل أن يطردا منها في خريف 2017 إثر عملية عسكرية للقوات العراقية، ردا على استفتاء لم ينجح على انفصال إقليم كردستان عن العراق، وفقا لفرانس برس.
واتهم الرئيس السابق للإقليم، مسعود بارزاني، في رسالة، السبت، المتظاهرين العرب والتركمان قائلا "قامت مجموعة من قطاع الطرق ومثيري الشغب بقطع الطرق بين أربيل وكركوك بحجة منع افتتاح مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني في كركوك".
وأضاف "لا يسمحون للمواطنين بممارسة حياتهم اليومية وخلقوا وضعا متوترا وخطرا لسكان كركوك".
وتابع "من المثير للدهشة أن القوات الأمنية والشرطة في كركوك لم تتمكن في الأيام القليلة الماضية من منع الفوضى والسلوك غير القانوني للذين قطعوا الطريق، أما اليوم فقد تم استخدام العنف ضد الشباب الأكراد والمتظاهرين في كركوك".
من جهته دعا رئيس حكومة إقليم كردستان، مسرور بارزاني، "رئيس الوزراء الاتحادي إلى التدخل الفوري للسيطرة على هذا الوضع غير المقبول". وأضاف "نهيب بالمواطنين الأكراد المضطهدين في كركوك ممارسة ضبط النفس والابتعاد عن العنف".
حلحلةوطالب السوداني، بـ"تشكيل لجنة تحقيق"، متعهدا في بيان "محاسبة المقصرين الذين تثبت إدانتهم في هذه الأحداث وتقديمهم للعدالة لينالوا جزاءهم العادل".
وأمر بفرض حظر تجول في المدينة لمنع تصاعد العنف. ودعا في بيان أصدره مكتبه "جميع الجهات السياسية والفعاليات الاجتماعية والشعبية إلى أخذ دورها في درء الفتنة والحفاظ على الأمن والاستقرار والنظام في محافظة كركوك"، بالإضافة إلى "الشروع بعمليات أمنية واسعة في المناطق التي شهدت أعمال شغب لغرض تفتيشها بالشكل الدقيق".
وذكر بيان لمحافظة كركوك أنه بعد اتصال هاتفي مع السوداني "أعلن محافظ كركوك، راكان سعيد الجبوري، التريث في إخلاء مقر العمليات في كركوك". ولفت البيان إلى أن "المتظاهرين قرروا سحب الخيم وإنهاء اعتصامهم وفتح الطريق".
وأكد السوداني خلال اتصال هاتفي، مساء السبت، مع رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني، "تكثيف العمل المتكامل من أجل تفويت الفرصة على كل من يعبث بأمن مدينة كركوك واستقرارها".
كما بحث السوداني في اتصال آخر مع رئيس إقليم كردستان العراق، نيجيرفان بارزاني، الأوضاع في محافظة كركوك، وجرى "التشديد على أهمية عدم إتاحة المجال أمام أي عناصر غير مسؤولة، تستهدف النسيج الاجتماعي للمحافظة"، بحسب المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء.
التحقيقات جاريةوفي تعبير عن الموقف الرسمي العراقي، أكد مدير العلاقات والإعلام في محافظة كركوك، مروان العاني، أن "ما جرى في الأمس (السبت) خاضع لتحقيق حسب رؤية وتوجيه رئيس مجلس الوزراء".
وقال في حديثه لموقع "الحرة" إن " التحقيق يهدف لمعرفة تفاصيل ما جرى وتقديم حقائق وأدلة وبراهين".
وتابع "الآن الوضع آمن ومستقر، وحظر التجوال رفع بشكل كامل، وهناك انتشار للقوات الأمنية في عموم مدينة كركوك".
وأشار إلى أن "خيم الاعتصام أزيلت وطريق أربيل كركوك أعيد فتحه، والحركة أصبحت طبيعية"، وذلك بعد أن اتخذت السلطات قرارا يقضي بتأجيل تسليم المقر للحزب الديمقراطي الكردستاني.
وعادت الحياة الطبيعية تدريجيا في كركوك مع ساعات الصباح الأولى باستثناء الأحياء الشمالية المحيطة بمقر العمليات، وذلك بالتزامن مع وصول تعزيزات عسكرية من بغداد إلى كركوك، وفقا لمراسل "الحرة".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: الحزب الدیمقراطی الکردستانی فی محافظة کرکوک إقلیم کردستان مدینة کرکوک قوات الأمن فی کرکوک إلى أن
إقرأ أيضاً:
شرح مفصّل بأهمية التعداد السكاني في العراق وسط مخاوف من عرقلته
بغداد اليوم - بغداد
كشف أستاذ العلوم السياسية خالد العرداوي، اليوم السبت (16 تشرين الثاني 2024)، عن أهمية التعداد السكاني المرتقب في العراق من الناحية السياسية.
وقال العرداوي، لـ"بغداد اليوم"، إن "التعداد السكاني خطوة مهمة في طريق التنمية الاقتصادية والاجتماعية للعراق، وقد تأخرت كثيرا، ويبدو أن صانع القرار العراقي قد أعد استمارة التعداد متجنبا فيها قدر الإمكان الأمور المرتبطة بالحجم المكوناتي للأطياف العراقية".
وأضاف انه "يفترض ان تكون مخرجات التعداد مفيدة للجميع بلا استثناء، كونها ستصب في معرفة مستويات المعيشية والتعليم وعدد السكان في كل محافظة، ولكن لا يمنع ذلك من حصول اشكاليات إذا ما تم تسييس الموضوع".
وبين أنه "وجدت بعض القوى أن بعض مخرجاته غير مفيدة لها، لاسيما في المناطق الساخنة، ولذا لا يوجد ما يضمن مرور التعداد بسلام، خاصة وأن هناك قوى ترى في تعداد عام 1957 أساسا تستند اليه في مفاوضاتها مع الحكومة الاتحادية، وتجاهلها لما ستفضي إليه نتيجة هذا التعداد يعني خلق أزمة جديدة تضاف إلى أزمات العراق المتوالدة منذ عقود".
بدوره، أوضح المختص في الشأن الاقتصادي علاء جلوب الفهد، يوم الثلاثاء (12 تشرين الثاني 2024)، أهمية التعداد السكاني للعراق المرتقب اجراؤه خلال الأيام القليلة المقبلة، فيما أشار إلى ان هذا التعداد يمثل تحديًا كبيرًا للحكومة.
وقال الفهد في حديث لـ"بغداد اليوم"، إن "التعداد السكاني ونتائجه تشكل أهمية كبيرة من ناحية توفير إحصائيات وقواعد بيانات وهذا ينعكس على مؤشرات متعددة منها احتساب متوسط دخل الفرد وأيضا مستويات الفقر ومستويات المعيشة وغيرها، فستكون هناك استمارة شاملة توفر بيانات لكل الباحثين، خاصة وان اخر تعداد سكاني جرى في العراق هو بعام 1999".
وبين، أن "التعداد السكاني له أهمية كبيرة جداً من الناحية الاجتماعية والسياسية كذلك من ناحية التخطيط المستقبلي ومعرفة الاحتياجات، وسيكون وفق هذا التعداد تقديم وتوفير الخدمات للمناطق، فتوزيع السكان اليوم في العراق يختلف عن توزيعه في السابق، فهناك هجرة وهناك مدن جديدة وهذا الامر يحتاج الى تخطيط مستقبلي وفق قاعدة بيانات متكاملة".
وأضاف، أن "قاعدة البيانات هذه ستسمح للمخطط الاقتصادي ان يخطط وفق الاحتياجات ويكون هناك ترتيب للخروج من العشوائية التي نعيشها اليوم بسبب غياب قاعدة البيانات وغياب الإحصائيات".
وختم المختص في الشأن الاقتصادي قوله، إن" التعداد السكاني يشكل تحديًا كبيرًا جداً للحكومة العراقية ويشكل نقطة فارقة مهمة وكبيرة للمجتمع من خلال توفير قاعدة البيانات والإحصائيات التي تخدم الدراسات المستقبلية لعشرة سنوات مقبلة".
وتقترب الحكومة العراقية من إجراء التعداد العام للسكان، في 20 من الشهر الجاري، وهو التعداد الأول الذي يشمل جميع مناطق العراق منذ نحو 4 عقود.
وشهد العراق آخر تعداد عام للسكان شمل جميع محافظاته عام 1987، وعلى الرغم من أن البلد أجرى تعدادا آخر للسكان عام 1997، الا أن الأخير لم يشمل محافظات إقليم كردستان، لأنها كانت شبه مستقلة عن العراق في عهد النظام السابق.
ويعتبر التعداد المقرر اجراؤه، في 20-21 نوفمبر الحالي، التاسع الذي يشهده العراق في تاريخه الحديث، وفيما إذا سارت العملية بسلاسة، فسيطوي العراق صفحة الإحصاءات والأرقام الصادرة عن المعاهد والمنظمات الخاصة بهذا الشأن المعتمد عليها منذ سنوات.
ويختلف التعداد الحالي عن سابقيه في كونه لا يحتوي على حقلي القومية والمذهب وينص فقط على الديانة، ويثير غياب القومية في استمارة التعداد الى جانب عمليات التغيير الديمغرافي، الذي شهدته المناطق المتنازع عليها حسب المادة 140 من الدستور العراقي، مخاوف الكرد والتركمان من أن يؤدي الى ترسيخ هذه التغييرات، خاصة أن غالبية سكان المناطق المتنازع عليها مثل سنجار غرب الموصل مازالوا نازحين في المخيمات.