نقاط ساخنة.. حوار مع فيليب دوفول خبير العلاقات الدولية عائد من روسيا.. نحو عالم متعدد الأقطاب.. من الحرب فى أوكرانيا إلى اجتماع البريكس وقمة روسيا أفريقيا
تاريخ النشر: 3rd, September 2023 GMT
فيليب دوفول محامٍ ومتخصص فى العلاقات الدولية وعلى دراية جيدة بالقضايا الجيوسياسية المتعلقة بأوكرانيا وروسيا. ويجيب هذا الأسبوع على أسئلة موقع لوديالوج حول هذا الصراع الرهيب وتداعياته الدولية، خاصةً أنه عاد لتوه من روسيا.. ويتحدث أيضا عن أفريقيا، تلك القارة التى تقربت أكثر فأكثر للبريكس وروسيا بينما يبدو أن فرنسا قد «فقدت محبتها فى القلوب» إلى الأبد!
فى هذا الحوار مع فيليب دوفول، الذى عاد مؤخرا من روسيا، نتناول العديد من النقاط الساخنة فى الدوائر السياسية العالمية فى الوقت الذي يعيش فيه العالم حالة من الغليان، ليس فقط منذ الحرب فى أوكرانيا- التى هى فى الواقع مواجهة الغرب الأطلسى مع روسيا من خلال الوسطاء الأوكراني- ولكن منذ سنوات عديدة ونحن نواجه هذه الظاهرة التى استهان بها الغربيون لفترة طويلة، إننا امام قضية المطالبة بالتعددية القطبية التى أطلقتها الدول الناشئة، كما أننا نجد مجموعة البريكس المتنامية، وكذلك التطور المتزايد المؤيد لروسيا والمؤيد للصين فى العالم العربى وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.
لوديالوج: لنبدأ بالأحداث الجارية الروسية الأوكرانية، ولا سيما أخبار وفاة بريجوجين.. ما هو رأيك فى تحطم الطائرة الذى شبهه الغرب بعملية اغتيال أرادها بوتين لرفيق دربه السابق الذى تمرد والذى لم يغفر له خيانته؟
فيليب دوفول: لا شك أن الإعلان عن اختفاء بريجوجين، فى ٢٣ أغسطس فى تحطم طائرة خاصة من طراز أمبراير ليجاسي-٦٠٠ فى منطقة تيفير شمال غرب موسكو، يفتح الباب أمام الكثير من الشائعات والتكهنات. ومن المؤكد أنه منذ المسيرة من أجل العدالة فى ٢٣ يونيو الماضى، فقد تشوهت وبهتت صورة قائد مجموعة فاجنر بشكل كبير فى أعين النظام الروسى، الذى أعتبر هذا العمل نوعا من الخيانة العظمى، حتى ولو كان هذا الرجل قد انتصر فى معركة بخموت.
وأكدت عدة مصادر مقربة من مجموعة فاجنر اختفاء بريجوجين واتهام الرئيس فلاديمير بوتين بشكل مباشر. وتشير الدول الغربية بأصابع الاتهام إلى النظام الحاكم الروسى دون تردد. من المؤكد أن بريجوجين كان له أعداء كثيرون، سواء على الجانب الأوكرانى أوفى الدوائر العسكرية العليا فى روسيا، لكن لا شيء يشير حتى الآن إلى سبب هذا الحادث وشوهد بريجوجين للمرة الأخيرة فى منطقة الساحل، ربما على حدود جنوب مالى بالقرب من النيجر، ليعلن استئناف القتال ضد الإسلاميين مع جماعة فاجنر فى المنطقة.
وحتى يومنا هذا، لم تقرر الإيوكاس شن أى تدخل عسكرى ضد الانقلابيين فى النيجر بالرغم من أن رئيس ساحل العاج كان يؤيد بشدة هذا الأمر بدعم من فرنسا. ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة، مثل روسيا، لا تريد حلًا مسلحًا وتخشى تصعيد الصراع الذى قد يتسبب فى زعزعة الاستقرار السياسى فى جميع أنحاء منطقة الساحل وحتى خارجها.
لوديالوج: بالنسبة إلى الحرب الأوكرانية.. هل تخشى، مثل بعض الخبراء - ولا سيما المحللة السابقة لـ SGDSN آنا بوفريوفى مقال نشر فى لوديالوج - تصعيدا عاما بين الناتو وروسيا، وحتى- خلال الأشهر القادمة- حدوث تعبئة لدول الناتو التى دخلت فى حالة حرب مع موسكو؟
فيليب دوفول: كما ذكرنا فى السؤال الأول، فإن امتداد الصراع أمر وارد تماما بل إن هناك خطرين: الأول قد يكون امتدادًا للصراع بين الحدود البيلاروسية وبولندا فى ضوء تصريحات السلطات البولندية وتحركات القوات على طول الحدود. وقد يؤدى ذلك إلى تطبيق المادة الخامسة من حلف شمال الأطلسى، حيث يتعين على جميع الأعضاء تقديم دعمهم للدولة العضوالتى دخلت فى صراع وهوما سيكون بمثابة بداية حرب عالمية ثالثة مع امتداد الصراع النووى.
أما الخطر الثانى، المذكور أيضًا فى السؤال الأول، فهو خطر قصف محطة زابوريزجيا للطاقة النووية، وهوإغراء يائس لأوكرانيا بعد إخفاقاتها فى الهجوم المضاد. وسوف تعتبر الولايات المتحدة ذلك نوع من الهجوم النووى، حتى ولوتم تنفيذه من قبل حلفائها الأوكرانيين. سيكون من الصعب للغاية إثبات من يقف وراء هذه المأساة. لكن هذا سيعرض جزءا من الأراضى الأوكرانية لمخاطر التلوث فى عموم المنطقة الروسية والأوروبية حسب المفاعلات المتضررة واتجاه الرياح وقت الانفجار وبعده.
لوديالوج: وماذا عن الهجوم المضاد؟ من يجب تصديقه؟ هل سيتمكن الروس من الصمود لفترة طويلة وهم يعلمون أن العقوبات ستضرهم بتراجع الروبل وتراجع أسعار النفط والغاز إلى مستويات ما قبل الحرب لعدة أشهر بالفعل، الأمر الذى سيشل الموارد المالية الروسية وخاصة بمعرفة أن خطوط الغاز سيبيريا ٢ التى تربط الصين لم تنته بعد وبالتالى فإن روسيا لم تعوض خسارة السوق الأوروبية؟
فيليب دوفول: لقد أصبحت هذه الحرب الروسية الأوكرانية صراعا استنزافيا مع خط أمامى يزيد طوله على ١٠٠٠ كيلومتر. وعلى سبيل المقارنة، كان خط المواجهة خلال الحرب العالمية الأولى فى فرنسا ضد ألمانيا ٦٠٠ كيلومتر. ومنذ عدة أشهر، قامت روسيا بتعديل استراتيجيتها بالكامل، وقبل كل شيء، حددت خطوط دفاعها على ستة مستويات، والتى أثبتت فاعليتها منذ يونى الماضى.
فى هذه الأثناء، مكّنت التعبئة الروسية الجزئية من تعزيز خط المواجهة حتى لوكانت الخسائر كبيرة جدًا ولكنها أقل بكثير من الخسائر الأوكرانية المقدرة بـ ٣٠٠ ألف قتيل وعدد مماثل من الجرحى.
وقد نجح الرئيس فلاديمير بوتين فى إقناع شعبه بأهمية العملية الخاصة، ويحظى بدعم أكثر من ٨٠٪ وفقًا لمعاهد الاستطلاع الغربية ولم تتأثر روسيا بشكل كبير بما يقرب من ١٤ ألف عقوبة تستهدف البلاد. صحيح أن هناك تغييرا فى قيمة الروبل وارتفاعًا فى الأسعار وانخفاضًا فى أسعار النفط، لكن ذلك لم يعد يؤثر على الاقتصاد الروسى أكثر من ذلك، والذى بحسب التقديرات سيحقق فى عام ٢٠٢٤ نموًا أعلى من نمو الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى، والتى يبدو أنها أكثر تأثرًا بتلك العقوبات.
ونحن نرى هذا بشكل خاص فى فرنسا مع الانفجار فى أسعار الكهرباء الذى له تأثير رهيب على الشركات الصغيرة والمتوسطة فى فرنسا. علاوة على ذلك، تمت تصفية العديد منها فى عام ٢٠٢٣. يضاف إلى ذلك تسجيل تضخم بنسبة ١١٪ على مستوى المنتجات الغذائية فى فرنسا مما يؤدى إلى إفقار الطبقة المتوسطة الدنيا فى فرنسا. تمتلك روسيا كميات هائلة من المواد الخام التى لا تنضب تقريبًا وهوما لا ينطبق على الاتحاد الأوروبى. وفيما يتعلق بالهجوم المضاد الأوكرانى الذى بدأ منذ يونيو الماضى، لم تسترد كييف سوى ١٤ كيلومترًا مربعًا بعد قتال عنيف. ويمكن التأكد فى اتجاه زابوريزجيا، بعد قصف عنيف، أن القوات المسلحة الأوكرانية سيطرت على معظم قرية رابوتينووتقدمت إلى منطقة نوفوبروكوبوفكا. وقصفت القوات الروسية الوحدات الأوكرانية فى نوفودانيلوفكا، ومالايا توكماشكا، وإيجوروفكا، وبيلوجورى، وتشاروفنى، وجولايبول، وجولايبول، وزاليشى، وكراسنايا، وبولتافكا. وقصفت القوات المسلحة الأوكرانية نيستيرنياك وكوبانى وفيربوفوى ونوفوبوكروفكا. وفى موقع أوجليدار، حاولت القوات الأوكرانية بدعم من المدفعية، التقدم نحومنطقة بريوتنى وستاريلنوفكا، دون نجاح حقيقى. قصفت القوات المسلحة الروسية القوات المسلحة الأوكرانية فى ماكاروفكا، وفريمفكا، ومودنى، وغولدن نيفا، وبريتشيستوفكا، وأوغليدار، وفوديان (يجب عدم الخلط بينها وبين المنطقة التى تحمل الاسم نفسه شمال شرق دونيتسك). ضرب الجيش الأوكرانى الوحدات الروسية فى ديزيريه شيرى وكيرمينشيك ونوفودونتسكى.
على جبهة دونيتسك، قامت القوات المسلحة الروسية، بدعم من المدفعية، بعمليات هجومية فى مارينكا، كما هاجمت المواقع الأوكرانية جنوب أفدييفكا وصمدوا أمام قصف وحدات القوات المسلحة الأوكرانية فى نوفوميهايلوفكا، وكونستانتينوفكا (يجب عدم الخلط بينه وبين المنطقة التى تحمل نفس الاسم جنوب غرب باخموت)، وإيكاتيرينوفكا، وإليزافيتوفكا، وأنتونوفكا، وبوبيدا، وكراسنوجوروفكا. اشتبكت المدفعية الأوكرانية فى دونيتسك وجورلوفكا.
وفى اتجاه باخموت، تقدمت القوات المسلحة الأوكرانية قليلًا فى منطقة كليكيفكا، واحتلت المواقع الأمامية للقوات المسلحة الروسية غرب القرية. كما قصفت القوات الروسية القوات المسلحة الأوكرانية فى إيفانوفسكى وبوغدانوفكا وأوريخوفوفاسيليفكا ومينكوفكا وفيدوروفكا وزفانوفكا وسيفيرسك وفيسيلوم (منطقة تقع شمال شرق سوليدار) الذين وجدوا أنفسهم تحت ضربات كورديوموفكا وأندريفكا وبخموت.
لوديالوج: وماذا عن السعودية؟
فيليب دوفول: فى الحقيقة، موقف المملكة العربية السعودية، على الرغم من أنه لا يزال دقيقًا فى دعمها لروسيا، إلا أنه يتحرك بسرعة بعيدًا عن المجال الأمريكى وهى ترغب فى وضع نفسها كقوة دافعة فى المحادثات وحل النزاعات بعد أن استضافت اجتماعا حول أوكرانيا فى جدة فى ٤ أغسطس، فى محاولة جديدة لفرض قوتها والظهور كوسيط على الساحة الدولية.
وقد تمت دعوة ثلاثين دولة، باستثناء روسيا، وفقًا لدبلوماسيين مطلعين على الاستعدادات والذين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم، لمناقشة المسألة الأوكرانية. ووفقا لهم، فإن الرياض حريصة بشكل خاص على استقبال البرازيل والهند والصين وجنوب أفريقيا، أعضاء مجموعة البريكس (مع روسيا) الذين، على عكس الغرب، لم يقفوا إلى جانب أوكرانيا دون دعم الغزوالروسى الذى بدأ فى فبراير ٢٠٢٢.
ونتيجة لذلك، فإن اتباع الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة يوفر فرصًا جديدة لدول الخليج لكى تلعب دور المساعى الحميدة فى تسوية الصراع الروسى الأوكرانى.
لوديالوج: ماذا كان رد فعلك أو شعورك تجاه قمة الناتو التى انعقدت يومى ١١ و١٢ يوليو فى فيلنيوس؟
فيليب دوفول: انعقد اجتماع الناتو فى الفترة من ١١ إلى ١٢ يوليو فى فيلنيوس، على بعد بضع مئات من الكيلومترات من سانت بطرسبرج كنوع من التحدى لروسيا وكانت هذه القمة فرصة لإرسال رسالة قوية إلى أوكرانيا وتقديم وعود لها بأنها ستصبح عضوًا فى الناتو بناءً على طلب الرئيس فولوديمير زيلينسكى بمجرد انتهاء الحرب وذلك لإثناء موسكوعن شن هجمات جديدة.
ومع ذلك، فإن الدول الأعضاء فى التحالف لم تجتمع على كيفية صياغة دعوة الانضمام إلى كييف. ففى حين تريد دول البلطيق وبولندا وفرنسا دعوة صريحة وسريعة، فإن الولايات المتحدة وألمانيا تظلان حذرتين. وقال الرئيس جوبايدن فى مقابلة مع شبكة سى إن إن: «لا أعتقد أن أوكرانيا مستعدة لأن تكون جزءا من حلف شمال الأطلسي»، مبينا أنه غير مستعد للالتزام بجدول زمنى محدد بشأن هذا الأمر.
ونشعر هنا ببعض الحرج للرئيس الديمقراطى الأمريكى وفريقه الذين قدم دعمًا عسكريًا وماليًا هائلًا لأوكرانيا قبل وقت طويل من بدء الصراع فى ٢٤ فبراير ٢٠٢٢.
لوديالوج: هل ستكون هذه انتكاسة أم ابتعادًا عن الرئيس زيلينسكى، الذى وعد بهجوم مضاد انتهى بالفشل وبخسارة العديد من الجنود والمركبات العسكرية التى سلمتها الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا؟
فيليب دوفول: بحسب بعض الخبراء العسكريين، فإن الخسائر البشرية على الجانب الأوكرانى تصل إلى ٣٠٠ ألف رجل بالاضافة إلى عدد من الجرحى ومن المؤكد أن هذه الملاحظة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار من جانب الأركان الحربية الأمريكية التى يجب أن تكون لديها شكوك معينة حول اختيارات الأركان الأوكرانية.
كما لا يمكننا أن نستبعد خطر امتداد الصراع إلى الحدود البيلاروسية بمبادرة من البولنديين، وهوما يمكن أن يعطى بعدا آخر للصراع مثل خطر قصف الأوكرانيين لمحطة الطاقة النووية فى زابوريجيا، الأمر الذى من شأنه أن يعطى الصراع تطورًا نوويًا والذى يمكن أن يكون عملًا يائسًا بعد فشل هجومهم المضاد...
لوديالوج: هل سيغير كثيرا انضمام السويد الذى تم رفع الحظر عنه وكذلك مع انضمام فنلندا وهل ستكون روسيا قادرة على القيام بالأسوأ فى مواجهة هذا التطويق شبه الكامل فى بحر البلطيق؟
فيليب دوفول: ينبغى على السويد الآن أن تصبح هى العضو الثانى والثلاثين فى منظمة حلف شمال الأطلسى بمجرد موافقة البرلمان التركى وكذلك المجر، التى أعلنت بالفعل دعمها. ولكن دعم تركيا لم يكن بلا شروط أودون التنازل لمصلحة المجر. ويمثل الإعلان عن هذا الاتفاق خاتمة ١٨ شهرًا من المفاوضات الصعبة بين ستوكهولم وأنقرة والتى اشترطت فى البداية أن تعطى الضوء الأخضر بتسليم تركيا العشرات من النشطاء من اللاجئين الأكراد فى السويد.
وقد التقى الرئيس التركى رجب طيب أردوجان والأمين العام لحلف شمال الأطلسى جينس ستولتنبرج ورئيس الوزراء السويدى أولاف كريسترسون أمام الصحافة فى وقت مبكر من مساء يوم الاثنين، ١٠ يوليو، لإضفاء الطابع الرسمى على دعم تركيا لعضوية الناتو ودعم السويد لدخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبى.
تبرز تركيا كحكم وكقوة إقليمية تفرض سياستها الخارجية بطريقة ماهرة ومسيطرة للغاية. وهو أمر متناقض تمامًا فى لعبة تحالفات الناتو. وتمنع تركيا الوصول إلى البحر الأسود من خلال منع اسطول الناتوالوصول إلى مضيق البوسفور وتزود أوكرانيا بطائرات بدون طيار ومعدات عسكرية، ولا تتبع العقوبات التجارية ضد روسيا.
وتزود تركيا نفسها بمعدات عسكرية مضادة للطائرات من روسيا وتقوم بعمليات عسكرية ضد القواعد العسكرية الكردية فى سوريا.
يمكننا القول بأن تركيا تقود اللعبة بل وتسمح لنفسها بتهديد دول الاتحاد الأوروبى مثل مطالبتها بالسيادة على الجزر اليونانية، سواء إقليميا أومؤخرا فى فرنسا وقت أعمال الشغب فى يوليو، حيث تدخلت أنقرة وأدانت عنصرية الشرطة الفرنسية تجاه الاسلاميين. ولا ننسى أن أكثر من ٨٠٠ ألف مواطن تركى يقيمون فى فرنسا، معظمهم يحملون جنسية مزدوجة. إضافة إلى ذلك فإن أئمة مساجد الطاعة التركية يعتمدون بشكل مباشر على أنقرة.
لوديالوج: فى الواقع، تركيا ليس لديها ما تحسد عليه الجزائر فيما يتعلق بالتدخل فى الشئون الداخلية لفرنسا واستغلال السكان المهاجرين المسلمين: ما رأيك فى ذلك؟
فيليب دوفول: تعرضت فرنسا لانتقادات شديدة من قبل رئيس الجمهورية الجزائرية وذلك عقب وفاة الشاب نائل، من أصل جزائرى، بمدينة نانتير فى الربيع الماضى إثر إطلاق النار عليه من قبل الشرطة. وكان هذا الشاب معروفا لدى الشرطة بسلوكه الإجرامى إلا أن الرئيس الجزائرى عبد المجيد تبون لم يتردد فى ذكر الأصل الجزائرى للشاب الذى كان يحمل أيضا الجنسية الفرنسية، متهما بذلك الشرطة الفرنسية بالعنصرية.
فهل يجب أن نتذكر هنا أن الشرطة الجزائرية ليست نموذجا للاحترام الجمهورى وأن المواطنين ذوى الجنسية الفرنسية الجزائرية المزدوجة لا يريدون حقا خوض معركة مع إدارة الشرطة الجزائرية عندما يذهبون إلى الجزائر.
تبدو السلطات السياسية الفرنسية مرتبكة بشأن واقع الدول التى يمكن أن تتحول إلى دول «معادية» أوترى (الجزائر وتركيا) ك“أعداء» يتمتعون بقوة إزعاج حقيقية فى حالة تكرار أعمال الشغب وهوما يمكن أن تشجعه وتدعمه فى حالة تكرار ذلك، وهوالأمر الذى يعد محتملًا فى المستقبل القريب.
لوديالوج: على الرغم من أن الأوروبيين قد توصلوا أخيرا إلى اتفاق بشأن إدارة المهاجرين ولم يعودوا يقللون من الرئيس التونسي قيس سعيد، وذلك بعد مبادرة إيطالية من جيورجيا ميلونى التى ذهبت إلى تونس مع روتى وفان دير لاين، هل مازلت ترى تقاربا بين دول أفريقيا والمغرب العربى مع روسيا وحتى الصين؟
فيليب دوفول: أصبحت مسألة الهجرة قضية أساسية فى العلاقات الدبلوماسية والجيوسياسية مع الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى والقارة الأفريقية ككل. وقد رأينا ذلك فى الرحلة الأخيرة التى قامت بها جورجيا ميلونى مع رئيس الوزراء الهولندى السابق وخاصة رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبى أورسولا فان دير لاين إلى تونس خلال لقائهما مع رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد. وقد أبدى الأخير استعداده لمعارضة جذرية لمسألة انتقال المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى إلى بلاده. وهذا يثبت أن هذه الظاهرة ستكون طويلة الأمد وستكون موضع تبادلات أو ضغوط من دول شمال أفريقيا ضد دول البحر الأبيض المتوسط فى الاتحاد الأوروبى، مثل تركيا بدلًا من ألمانيا.
ويجب هنا استخدام الصرامة والحزم لأن موجة الهجرة أمر متوقع بما تحمله من مخاطر ومآس، مثل غرق ستة مهاجرين فى القنال الإنجليزى يوم الجمعة الماضى. ويجب على الاتحاد الأوروبى أن يستلهم من مثال نيوزيلندا وأستراليا وحظر هذه المناطق البحرية ضد القوارب التى تمثل ثروة للمهربين ومأساة لأولئك الذين يخاطرون بالقدوم بشكل غير قانونى.
ومشاكل الهجرة هذه لا تهم روسيا والصين بأى حال من الأحوال، الأمر الذى يسمح لهاتين القوتين بتقديم التبادلات دون تعويضات الهجرة.
تنجذب الدول الأفريقية أكثر فأكثر إلى الاتفاقيات والتقاربات السياسية مع روسيا والصين، خاصة وأن هاتين الدولتين ليس لهما أى ماض استعمارى مع القارة الأفريقية. وهذا ما يفسر هذه التسهيلات التى حصلتا عليها روسيا والصين من خلال الاتفاقيات الاقتصادية والدعم الأمنى والمساهمات التكنولوجية أيضًا، خاصة وأن بعض الدول الأفريقية تتعرض لأزمات سياسية وتهديد إسلامى فى منطقة الساحل، كما أظهرت الأحداث الجارية فى النيجر مع الانقلاب العسكرى الذى حشدت فيه الدول الـ١٥ الأعضاء فى منظمة الإيكواس.
هناك قضايا كثيرة على المحك تعتمد على خيارات حل هذه الأزمة؛ فإذا حدث تدخل عسكرى فى النيجر، فمن المؤكد أن هناك دوامة من المرجح أن تؤثر على العديد من البلدان الأفريقية.
لوديالوج: دعنا نتناول مسألة مجموعة البريكس: أنتم على اتصال دائم بالسلطات الروسية وسلطات العديد من البلدان الأفريقية، فهل ترون عزلة دولية متزايدة لروسيا كما توحى حقيقة استسلام جنوب أفريقيا للغرب من خلال عدم دعوة بوتين إلى قمة البريكس أوعلى العكس من ذلك زيادة عدد الدول الراغبة فى الانضمام إلى البريكس والتعاون للالتفاف على العقوبات ومن ثم المشاركة فى بناء عالم متعدد الأقطاب غير خاضع للولايات المتحدة ودول والغرب؟
فيليب دوفول: فيما يتعلق باجتماع البريكس فى نهاية أغسسطس، لم يتغير شيء فيما يتعلق بمكانة روسيا داخل هذه المنظمة التى تتمثل مهمتها فى تقديم بديل آخر للهيمنة الأمريكية والغربية على الاقتصاد العالمى من خلال فرض الدولار واليورو فى التجارة الدولية. وهى صيغة تروق للعديد من البلدان الناشئة فى أفريقيا، فضلا عن العديد من البلدان فى الشرق الأوسط وآسيا. وإذا كان الرئيس فلاديمير بوتين قد قرر عدم الذهاب إلى بريتوريا بعد الآن، فإن وزير خارجيته سيرجى لافروف كان هناك، وتحدث الرئيس الروسى فى المؤتمر عبر الفيديو كونفرانس. لذلك لا يوجد أى تغيير، بل سنلاحظ ازدراء للرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، الذى أراد الذهاب إلى الاجتماع، لكن رفضته جنوب أفريقيا، بناء على طلب روسيا الاتحادية.
لا ينبغى التغاضى عن أن العلاقات الدبلوماسية بين روسيا وفرنسا مقطوعة تمامًا. ومع ذلك، أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون أنه يستطيع، فى ظل ظروف معينة، استئناف الاتصال مع نظيره الروسى. ولكن لن تكون الأمور بهذه البساطة فى أعقاب موقفه الغامض تجاه روسيا.
إنه أمر مؤسف، لأن فرنسا كان بوسعها أن تلعب دورًا مهيمنًا فى الحوار والدبلوماسية من أجل تهدئة الصراع وتسويته. إن موقف فرنسا «فى نفس الوقت»، وخاصة تبعيتها الأطلسية، يجعلها تفقد دورها فى هذا العالم الجيوسياسى الجديد متعدد الأقطاب والذى سيكون هو المهيمن فى العقود القادمة.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: روسيا القوات المسلحة الأوکرانیة فى الاتحاد الأوروبى الولایات المتحدة الأوکرانیة فى الأمر الذى من البلدان العدید من من روسیا مع روسیا فى منطقة فى فرنسا امتداد ا یمکن أن من خلال فى عام
إقرأ أيضاً:
سوريا.. حنين لا يغادر محبيها
حلم الرجوع يداعب أقلام الطيور المهاجرة
أدب العودة.. أمل تحقق أم سيظل طريدا؟
هذى دمشق.. وهذى الكأس والراح
إنى أحب... وبعـض الحـب ذباح
أنا الدمشقى.. لو شرحتم جسدى
لسـال منه عناقيـدٌ.. وتفـاح
و لو فتحـتم شرايينى بمديتكـم
سمعتم فى دمى أصوات من راحوا
زراعة القلب.. تشفى بعض من عشقوا
وما لقلـبى –إذا أحببـت جـراح
مآذن الشـام تبكـى إذ تعانقـنى
و للمـآذن.. كالأشجار.. أرواح
هنا جذورى.. هنا قلبى... هنا لغـتى
فكيف أوضح؟ هل فى العشق إيضاح؟
خمسون عاماً.. وأجزائى مبعثرةٌ..
فوق المحيط.. وما فى الأفق مصباح
تقاذفتنى بحـارٌ لا ضفـاف لها..
وطاردتنى شيـاطينٌ وأشبـاح
هكذا عبر نزار قبانى فى قصيدته الدمشقية عن ذلك الحنين الساكن فى حنايا قلوب المغادرين لأوطانهم قهرا..
نعم، إنه الوطن، جرح غائر، تستبيحه الغربة وتمد فى عمقه نصلا من نار، لا يشعر به إلا كل ذى وطن مستلب، باحتلال كان أو تهجير قسرى، أو حتى ظلم داخلى..
ولأنه الأنشودة الخالدة فى دماء العرب، ستظل العودة إلى الوطن أو إعادته حلم كل حالم، وزائرا دائما فى منامات العاشقين، وفوق أقلام المبدعين، لا يغادر ما يسطرون ولا تنساه أفئدتهم مهما ذاقوا استقرارا أو هدوءا فى بلاد الغربة.. فالوطن يقبع هناك، بين أدمى ربوة فى القلب.
منذ اندلاع الثورة السورية فى 15 مارس 2011، وما صاحبها من حرب ظلت نيرانها مستعرة لسنوات، وراح ضحيتها مئات الآلاف من القتلى، فقد شهدت السنوات التالية على تلك الثورة عملية نزوح واسعة للمبدعين السوريين، الذين هاجروا لبلدان عربية وأوروبية، ليأمنوا فيها على أنفسهم وعائلاتهم، ويمارسوا إبداعهم الأدبى بحرية، ولمعت أسماء الكثيرين منهم فى سماوات الأدب وشقوا طريقهم بقوة إلى العالمية، عبر أعمالهم التى ألقى الواقع السورى الراهن بظلاله عليها.
ويعد الأدب السورى أعظم شاهد على المرحلة الأهم والأخطر من تاريخ سوريا المعاصر، فلا تكاد تخلو الأعمال من ثيمات الحرب والحلم والحب والموت والغربة والهجرة ومعاناة اللجوء.
ولا شك أن الأدب المهجرى السورى قد أسهم مساهمة جلية فى التعبير عن معاناة الشعب السورى فى ظل ثورته، حيث نجد كتّابًا توزعوا فى بلدان العالم حاملين معهم همهم الوطنى، وأحلامهم المؤجلة، وحنينهم الذبيح وظلّوا مخلصين فى كتاباتهم لما آمنوا به، رغم أوضاعهم النفسية الموسومة بالإحباط والوحشة، ومع ذلك بقيت قلوبهم معلقة فى وطنهم تقطر ألمًا جسدوه من خلال أقلامهم التى ما فتئت تبث الظلم والقهر الممزوجين بأمل الانتصار وحلم العودة.
* سوريا حاضرة فى أقلام أبنائها
هكذا تناول الأديب السورى فى مغتربه موضوعات شتى، لكن الأغلب الأعم طغى عليه المضمون (الاحترابى السياسى) وما خلفه من تداعيات، تبدى هذا جليا فى الكثير من الأجناس الأدبية التى اتخذها أدباء سوريا أداة لتعبيرهم، وبرزت على سطح الأدب أسماء مهمة، ربما لم تنل من الشهرة على أرض الوطن ما نالته فى بلدان المهجر، وربما استطاعوا التعبير بحرية أوسع وبأقلام أكثر انطلاقا من تلك التى وصمتهم بالتقييد والخوف والارتعاش تحت سماء الوطن المستلب.
وقد تبدى ظل الوطن حاضرا بين إبداع ما بعد ثورة سوريا، نذكر على سبيل المثال القليل، رواية «باب الأبواب» ليوسف دعيس، ورواية «الخميادو» لإبراهيم جبين، ورواية «حتى إذا بلغت الأربعين» لليندا الشبلى، ورواية «اغتصاب الياسمين» لرشا الحسين، وكذلك ديوان «فراشة ونور» لسمية علونى، وديوان «أناشيد ميونخ المؤجلة» لفواز القادرى، رواية «جمهورية العبث» لفواز العلو، و«صداع فى رأس الزمن» لعواد الجدى، رواية «أرمان»، مجموعتا «جرح الفينيق»، «الشهيد الحى» لريتا بربارة.، روعة سنبل «دو يك»، ناهدة شبيب».
فأغلب هذه النصوص الأدبية مهما تشعب سردها، أو اختلفت طريقة تناولها وزاوية ولوجها، يبقى الناظم الجامع لها، والمحور الأساس الذى تدور حوله هو الوطن ولا شىء سواه... ولنا أن نطالع بعض تلك النماذج:
ريتا بربارة:
قاصة وروائية سورية، مقيمة بمصر، لها العديد من الإصدارات، أحدثها رواية «أرمان»، تتناول فيها ذوى الشهداء ومعاناتهم لفقدانهم أولادهم، كما تتطرق الرواية إلى الحرب وإفرازاتها من فساد وفقر وعهر.
كما تتناول رواية ريتا بربارة، ظهور تنظيم داعش فى مدينة الرقة والإرهاب الذى حدث فى سورية.. والرواية تتحدث عن بعض الشهداء الأبطال بأسمائهم الحقيقية مثل البطل الشهيد كريكور وعن والدته أمل التى حولت ألمها وحزنها إلى حالة إجابية رائعة.
تأخذنا الكاتبة ريتا بربارة من خلال روايتها أرمان، لنحيا معها لحظات وأحداث قد عايشتها بألم ووجع لا يدركه إلا من عايش الحرب فى وطنه.
لا تفقد ريتا الأمل فى العودة والانتصار، فهى تؤكد عبر «أرمان» أن سوريا ستنهض وتنفض عنها غبار الفقد والوجع والألم لتحيا من جديد كما طائر الفينيق وهذا ما أظهرته لنا من خلال مسيرة بطلتها «أمل».
* روعة سنبل
روائية وقاصة ومسرحية سورية، تعبر مجموعتها القصصية الأحدث «دو. يَك» عن شعور الفقد والاغتراب، وتحاكى الحياة بوصفها لعبة يكون فيها الربح والخسارة محكومَين بالحظ والمصادفات. وتشتمل المجموعة التى تقع فى 104 صفحات، على 15 نصًّا، بعدد الأحجار المخصصة لكل لاعب نرد. و«دو. يَك» هى رمية مرتبطة غالبا بالخسارات، التى هى الهاجس الأساسى للمجموعة القائمة بأكملها على فرضية أن عشر سنوات ثقيلة ومنهكة مر بها بلدها كافية ليكون الجميع خاسرين حتى من «نَجا» منهم.
وتدور القصص فى ثلاثة فضاءات، هى: «ذاكرة»، و«دروب»، و«ليل». وتعتمد سنبل تقنيات متنوعة فى القصّ، من دون أن تنتمى بصرامة إلى الواقعية، إذ تنطلق أحيانا نحو فضاءات المتخيل الفانتازى، فى محاولة لمجاراة عبثية الراهن وغرائبيته. وتتناول القصص ثيمات مختلفة تدور فى فلك الخسارات، مثل: الأحلام التى دُفنت، وأزمات الذاكرة التى خسرها أصحابها طوعا أحيانا للتخلص من عبء ما حملوه، أو كرها، لأن هناك من يشوهها ويطمسها، وكذلك الأزمات الوجودية لشخصيات خسرت ذواتها، وتحولت إلى كيانات أخرى لا تشبهها، أو خسرت كرامتها التى هُدرت فى طوابير طويلة بانتظار كفاف اليوم، أو سُفحت ثمنًا للخوف الذى يتنفسه الجميع.
ويمكن القول: إن الفقد والوحدة والاغتراب هى الثيمات الحاضرة فى أجواء المجموعة، وإن الذاكرة والأغنيات والحكايات تشكل عناصر متلاحمة مع السرد.
ناهدة شبيب
شاعرة سورية، تتضمن مجموعتها الشعرية الأحدث «أجراس الحنين» 38 قصيدة على الشكلين العمودى والتفعيلة،، تتنوع قصائد الكتاب بين الوجدانية والوطنية نزفت فيها الشاعرة من جرح الوطن صهيلا موجعا.
عرجت الشاعرة بروحها على المخيمات وحالة الفقر والجوع وترجمت معاناة المهاجرين فى البحر على متن سفن الموت وفى قصيدتها المزاد شرحت واقع الحال وماآلت إليه البلد من الخراب وراحت على رأيها تهرول فى صحراء الروح باحثة عن الخلاص بالكثير من الحسرة.
* أيا سوريا جرح لا يغادر منذ الأقدمين
ولأن تاريخ سوريا يحفل بالاستلاب والظلم، يظل الهم السورى البطل الأوحد والأهم فى إبداع من أبدعوا، منذ الرواد والأقدمين، ليس فقط فى سطور المعاصرين والحداثيين، من برزوا بعد ثورة سوريا، بل هو ضارب فى عمق أقلامهم، كما يضرب حلم استعادة فلسطين فى عمق سطور كل عربى، فمن الشعراء السوريين الذين حملوا راية الوطن نذكر: محمد البزم خير الدين الزركلى.. خليل مردم بك..شفيق جبرى بدوى الجبل..نزار قبانى، سليمان العيسى، عبد الباسط الصوفى، على كنعان.. أدونيس.. فايز خضور، ممدوح سكاف، وآخرون.
ومن الروائيين والقصاصين والمسرحيين: حنا مينة ونبيل سليمان وعبد النبى حجازى وعبد السلام العجيلى وفارس زرزور ووليد إخلاصى وأحمد يوسف داوود وهانى الراهب وغادة السمان وناديا خوست وخليل النعيمى وحيدر حيدر.
فواز حداد ونهاد سيريس ومحمد أبو معتوق وممدوح عزام وعلى عبد الله سعيد وخليل الرز وعبد العزيز الموسى، سعيد حورانية وعبد الله عبد وزكريا تامر وجميل حتمل وإبراهيم صموئيل وغادة السمان وهيفاء بيطار)، سعدالله ونوس، حمدى موصللى ووليد فاضل ومحمد الماغوط وعبد الفتاح قلعه جى ورياض عصمت، الذين اعتمدوا على جهود سابقة قدمها ممدوح عدوان ووليد إخلاصى.
* ألفت الإدلبى
ومن الروائيين والقصاصين الذين اتخذوا من الوطن هما لا يغادر، الروائية السورية ألفت الإدلبى، والتى تعد إحدى أشهر رواياتها “صبرية: دمشق يا بسمة الحزن” التى كتبتها عام 1980، وتصور معاناة فتاة سورية شابة بين يدى المحتل الفرنسى وضغوط المجتمع المتمثل بعائلتها وبحثها عن هويتها الشخصية والوطنية، وتمتْ كتابتها لتلائم عملاً تلفزيونياً سورياً، وأصبحت واحدة من الآثار الكلاسيكية الهامة فى الأدب السورى.
* خالد خليفة
أما خالد خليفة فهو الروائى والكاتب الحاصل على جوائز عديدة، والذى أحدثت أعماله جدلاً كبيراً فى بلده الأصلى، واجه خليفة من خلال أدبه وقائع المجتمع السورى المعاصر والحكومة.
أحد أهم موضوعاته وأكثرها تكراراً هو التوتر القائم بين الفرد والنظام السياسى ومعاناة الأول على يد الأخير، ولذلك قد منعت كتبه بشكل متكرر فى بلده سورية.
* حنا مينة:
كان لتصريحه الشهير: «ستصبح الرواية فى القرن الحادى والعشرين للعرب مكان ما هو عليه الشعر اليوم». الفضل فى أن يُنسب ل»حنا مينة» الريادة فى التقاليد الروائية السورية، وتعتبر روايات مينة أمثلة بارزة على الواقعية الاجتماعية، وتستكشف رواياته صعوبات وصراعات المواطنين العاديين الذين يعيشون فى المجتمع السورى.
أحد أهم أعماله «المستنقع» الذى استوحى من طفولته فى الاسكندرونة، والذى يعد مثالاً حياً على الفقر، الصراعات الطبقية والمرونة البشرية.
سعد الله ونوس:
على غرار كتّاب المسرحية الأوروبيين مثل «بيرتورت بريخت – Bertolt Brecht»، تدور أعمال ونوس حول العلاقة بين الهياكل الفردية والاجتماعية والسلطات، مستخدماً المسرح كمنصة لإشراك الجمهور بالأسئلة السياسية المثيرة بشأن المجتمع العربى المعاصر.
بهذه الطريقة، فإن مسرحياته تمثل نقد وردّ على الأدب والثقافة التى تسيطر عليها الحكومة.
لا يسعى ونوس لصنع السياسة اليومية، بل بدلًا من ذلك يسعى لاستجواب السياسة فى الحياة اليومية.
* سمر يزبك
الوعى السياسى والاجتماعى العميق الجذور المتشارك مع القضايا المعاصرة، والذى تنسجه فى أعمالها، هو ما يجمع كل إبداعها، ويعد كتابها «امرأة فى تبادل إطلاق النار: يوميات الثورة السورية 2012» أبرز مثال لذلك، وهو قصة مشاركتها فى الاحتجاجات ضد النظام السياسى فى سورية قبل هروبها النهائى والنفى إلى باريس، وحصل الكتاب على جائزة «PEN Pinter»، والتى تمنح سنوياً لكاتب دولى تعرض للاضطهاد بسبب أعماله.
* محمد الماغوط
احترف محمد الماغوط الفن السياسى، وقام بتأليف العديد من المسرحيات الناقدة. وتعتبر مسرحية غربة، ومسرحية خارج السرب، ومسرحية العصفور الأحدب، ومسرحية المهرج من أهم مسرحياته.
* نزار قبانى
رغم رومانسيته التى اشتهر بها، إلا أن شعره يواجه قضايا اجتماعية عميقة وخطيرة، جامعاً جمال وبساطة الأسلوب مع الحديث عن الثقافة والقومية العربية، ومكانة المرأة فى المجتمع، الأمر الذى جعل منه واحداً من أبرز الأصوات التقدمية المناصرة للمرأة فى سورية.
* حيدر حيدر
كثير هو إبداعه المقاوم والثائر، لكن يمكن اعتبار المجموعة القصصية «الفيضان»، أحد أشكال أدب المقاومة، فهى على تصويرها لمآل الدول العربية التى اُحتلت فى فترات ما من التاريخ الحديث، والإشارة سواء ضمنيًا أم مباشرة لتلك الحروب التى عانى ويلاتها وطننا العربى، إلا أن تجاوزها لمجرد الرصد الشكلى، وعبورها إلى الانعكاسات النفسية والاجتماعية، ودعوتها الضمنية للمقاومة والثورة على الظلم، كل ذلك إنما يرجح كفة انتمائها لأدب المقاومة فى معناه الأشمل والأعمق.
ففى مجموعته تلك تتمثل ذات حيدر الثائرة، وكأننا نراه فى ظلال أبطالها، فهو إذن ذلك السورى الذى غادر دمشق إلى الجزائر ليشارك فى ثورة التعريب، وهو نفسه من لحق بالمقاومة الفلسطينية مع بدايات الحرب اللبنانية.
إنه ذلك الأديب الثائر، الذى لم يكتفِ بالقلم سلاحًا، بل تجاوزه لفعل المشاركة، إنه العروبى القومى الذى أبى إلا أن يفنى عمره مقاومًا ثائرًا ضد الظلم أينما كان ووجد.
هكذا، توحد الكاتب مع أبطال قصص المجموعة، ففى كل قصة منها نلمح جيفارا العرب، الناقم الثائر على كل ضيم، والباحث الدائم عن حرية الشعوب وخلعها عباءة الاستسلام والمداجنة.
إذن، إذا كان الأدب الذى كُتِبَ فى سنوات الحرب السورية، بأقلام كتّاب وكاتبات أجبروا أو آثروا النزوح عن سوريا منذ أول رصاصة شهدتها التظاهرات التى عمّتِ البلاد، فهل بعدما تغير المشهد الآن، وما تشهده سوريا من عودة أبنائها إلى أرضها، وفرحتهم التى لا ينكرها شاهد، هل ننتظر أدبا من نوع آخر، قد يغادره حلم العودة والحنين إلى الوطن وبكاء التهجير والظلم والاستلاب؟ هل ننتظر أدبا يتغنى بواقع الاستعادة، ويرفل طربا بين ذراعى دمشق وحلب وغيرهما؟ هل يتحول حلم العودة الذى تحقق إلى أغنيات فرح وهزيج طرب فوق ربوع الوطن؟ أم أن القراءة الواقعية للمشهد السياسى تجعلنا نتريث فى انتظارنا هذا.. وربما أجلناه طويلا؟ ربما.