جاك سوبيلسا يكتب: مالفيناس أم جزر فوكلاند؟
تاريخ النشر: 3rd, September 2023 GMT
عشت كدبلوماسى فى الأرجنتين.. ويبدو أن هذا الأرخبيل لمعظم مواطنينا ظل مدفونًا فى ممرات التاريخ السرية؛ لكن هذا ليس هو الحال من وجهة نظر لندن وبوينس آيرس.
وحتى اليوم، وفى الثقافة السياسية للأرجنتين، فإن مبدأ «القومية الإقليمية» أكثر تجذرًا من أى وقت مضى. وتواصل دولة الأرجنتين تأكيد رغبتها فى بسط سيادتها على كامل جرفها القارى، بما فى ذلك الشواطئ الشمالية للقارة القطبية الجنوبية.
ولكن ماذا عن الحجج التى ساقها الطرفان المعنيان فى هذا الصدد؟
بالنسبة للحجج الجغرافية، فإن كفة الميزان تميل دون أدنى شك لصالح الجانب الأرجنتينى: تنتمى جزر فوكلاند الى نفس البيئة الجيولوجية مثل باتاغونيا التى تقع على بعد حوالى ٤٧٠ كيلومترًا كما أن البيانات الجغرافية الحيوية سواء من حيث الحيوانات أو النباتات عبر هذا الجرف القارى متطابقة! لكن هذه الاعتبارات قد تبدو ثانوية من الناحية الواقعية.
.٠. فتؤكد لندن على «الاحتلال المستمر» لهذه الجزر منذ عام ١٨٣٣ وهو أمر صحيح تمامًا ولكن مع «فارق بسيط» وهو أن هذا الاحتلال بدأ بانقلاب، وطرد الحامية الأرجنتينية الموجودة فى بويرتو أرجنتينو وأعيد تسميتها على الفور «بورت ستانلي».
وبالنسبة للمستوطنة فقد كانت بريطانية بالكامل منذ ذلك التاريخ! ولم تتوقف لندن عن إرسال مزارعى الأغنام من أصل اسكتلندى إلى «جزر فوكلاند» التابعة لها إلى جانب وحدات عسكرية قوية. جميع البريطانيين بطبيعة الحال يهمهم بقاءها تابعة لهم: فقد جاءت نتائج استفتاء تقرير المصير الذى نظمته لندن فى مارس ٢٠١٣ لتؤكد رغبة الشعب الانجليزى ولم تكن مفاجاة إذ أعلن أن ٩٨.٨٪ من هؤلاء الرعايا البريطانيين يؤيدون «الإبقاء على جزر فوكلاند تابعة للمملكة المتحدة».
أما عن حجج الجانب الأرجنتينى
الاكتشاف: (على الرغم من أن لندن تتحدى الحقائق) منذ عام ١٥٢٠، سجل طاقم ماجلان اكتشاف الجزر، وهو ما أكده الملاحان الإسبانيان إستيبان جوميز ودييجو دى ريبيرا.
وأعلن الإمبراطور تشارلز الخامس رسميا السيطرة وبعد قرن من الزمان كان أول إبحار إلى هذه الجزر عام ١٦٩٠ قام به الكابتن الإنجليزى جون سترونج، الذى أطلق على الأرخبيل اسم «جزر فوكلاند» تكريمًا لأدميراله وصديقه اللورد فوكلاند.
ورغم أنه قد تم التصديق عليه خلال صلح أوتريخت من قبل الإنجليز والاعتراف بالمنطقة مرة أخرى على أنها عضو فى الإمبراطورية الإسبانية إلا أن طاقم بوجانفيل الفرنسى فى عام ١٧٦٤ هو الذى استولى على الأرخبيل وأطلقت عليه فرنسا اسم سانت مالو.
ولتجنب ردة فعل إسبانيا اعترفت فرنسا بحق إسبانيا فى احتلال الجزر. وبموجب معاهدة سان لورينزو، قبلت لندن بدورها الوصاية الإسبانية. وعلى ذلك فإن السيادة الإسبانية سوف تمتد دون انقطاع من عام ١٧٧٥ إلى عام ١٨١٦.
وقد حصلت الأرجنتين على استقلالها فى نفس هذا العام وقد اصبحت جزر فوكلاند تحت حماية ثم تحت حكم الأرجنتين واصبحت جزءا لا يتجزأ من الأراضى الموروثة من المدينة القديمة حتى الثالث من يناير عام ١٨٣٣، وعندما قام الكابتن انسلو قائد السفينة الحربية البريطانية كليو وهبط على الأرخبيل وطرد السلطات الأرجنتينية!
تقييم مقارن؟
إذا حاولنا مقارنة حجج الطرفين بشكل موضوعى:
- تعتمد لندن على الاحتلال الفعلى للجزر منذ ما يقرب من قرنين من الزمن وعلى استيطانها. وقد تم تعزيز هذا الموقف بشكل واضح على مدى أربعة عقود ومع اكتشاف رواسب هيدروكربونية بحرية (كما لو كان ذلك بالصدفة!) والاستغلال المتزايد للثروة السمكية فى المنطقة، باتجاه الطريق الاستراتيجى لكيب هورن. بينما تثير بوينس آيرس مجموعة أكثر تنوعًا من الحجج:
- قربها الجغرافى
- التواصل الجيولوجى
- المجال الجغرافى الحيوى
- اكتشاف الأرخبيل
- ميراث الإمبراطورية الإسبانية
- الاحتلال الفعلى حتى عام ١٨٣٣
يبدو أن كفة الميزان تميل إلى الجانب الأرجنتينى، الذى يريد أكثر من أى وقت مضى بدء المفاوضات خاصةً أن الأمم المتحدة تستمع بشكل متزايد إلى بوينس آيرس.. بينما تصم انجلترا آذانها فى وقتنا الحاضر!
معلومات عن الكاتب:
جاك سوبيلسا هو أحد أشهر علماء الجيوسياسة الفرنسيين.. وهو الرئيس السابق لجامعة السوربون ودبلوماسى سابق وكان الرئيس الأول والوحيد لقسم الجغرافيا السياسية فى فرنسا بجامعة السوربون.. ونشر فى نهاية عام 2021، مع ألكسندر ديل فال عملًا إبداعيًا رائعًا عنوانه «العولمة الخطرة».. يتناول أزمة تبعية جزر فوكلاند.. من خلال الرصد العلمى الدقيق لوقائع تاريخية وأحداث محددة.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الأرجنتين
إقرأ أيضاً:
عمر أبو رصاع يكتب .. ما الذي يعنيه سالم الفلاحات ؟
#سواليف
كتب .. #عمر_أبو_رصاع
#سالم_الفلاحات لا يمثل شخص ولا كما قد يتوهم البعض ايقونة أو مشروع زعيم ما، فحتى الأيقونة والزعيم زينة تتمييز عن محيط، وفكرة متجاوزة نضالياً بالضرورة، فنحن لينا بحاجة زعامات ولا ايقونات، بل بحاجة لمن يشمر عن يواعده ويشتبك معنا في وحل الواقع الأليم.
الاستاذ سالم هو تعبير عميق عن معطيات لا يمكن المرور عليها هكذا ببساطة، لا أقول هذا بمناسبة صدور #حكم_السجن بحقه وإن كنت اغتنم هذه الفرصة لوضع الصورة كما اراها أمام الناس، وأرى أن من واجبي أن أفعل ذلك.
ما الذي يعنيه سالم الفلاحات إذن؟
أليس سالم الذي كان يوماً مراقب عاماً لجماعة الإخوان المسلمين؟ فأي صورة تريد إذن؟
نعم هو، وأستخدم هذه الصفة بالذات، لأن العديدين يتمركزون في قراءتهم لما يمثله سالم خلف هذه السمة، أكان بوعي وقصد سيء أو بحسن نية وبساطة، ليوضع الرجل بما يعنيه في برواز محدد لتصورات نمطية حول التوجه العام السياسي والمجتمعي الذي إلتصقت بالجماعة تاريخياً.
لا ينكر سالم منبعه الذي صدر منه وعنه بل وصل فيه تنظيماً إلى أرفع المواقع “مراقب عام”، لكنه بنهجه الصعب المعقد يدعوك وتلك الحال إلى إمعان النظر في خياراته العملية قبل أن تحكم على ما يعنيه ويمثله، وهنا تكمن القصة الأبرز والأهم.
هل ندرك عملياً مدى تعقيد وصعوبة التحولات والانعطافات التي اتخذها سالم الفلاحات؟
ليس لأنك انقلبت ولا لأنك انسقت خلف اهداف خاصة وشخصية، بل لأنك قمت بمراجعات حقيقية ووصلت لقناعات بأن المقاربة نفسها يجب أن تختلف، وأن التغيير المراد لا يمكن تحقيقه بذات الأداة والأسلوب، لم يكن غريباً إذن أن تجد سالم الفلاحات الأشد حماساً لتجربة الحراك الشعبي، يجلس وسط تلك الحالة العفوية ويخلع عنه بُردُه ولا يجد غضاضة في أن يشتبك حوارياً مع عمر أبو رصاع الذي ما أنفك يستعمل وصف إسلاموي سياسي بدلاً من إسلامي مثلاً لا حصراً، ويقدم تصوراً متقدماً جداً لما تعنيه الدولة المدنية عنده لعموم الحراكيين في دارة المرحوم جميل الهلسة (أبو عمر) في رد واضح لا لبس فيه على من غمزوا في قناته من زاوية خلفيته السياسية.
هنا حيث وضع رهاناته واتخذ قراراً حاسماً بأن ما نريده هو دولة دستورية الشعب فيها هو المرجعية، دولة مستقلة القضاء، تدار فيها الأمور بنزاهة وشفافية وكفاءة، تبنى فيها الدولة بناء صحيحاً سليماً وتحترم الحقوق والحريات الخاصة والعامة، دولة عدل وإنتاج ورفاه قادرة قوية تحمل مشروعاً للانسانية، الكل فيها شريك حاضر له حقوق مكفولة، لهذا الأمر كان العنوان الذي اختمر ذو الدلالات العميقة “الشراكة”.
لا زعم ولا زعمنا أننا بتنا قادرين تماماً على تمثله تماماً، ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله، والكمال لله وحده، وما زال جدلنا محتدماً هادئ حيناً وحاداً أحياناً، لكنه عملي وعميق ومنتج، يبنى ويراكم عليه، طالما بقينا متمسكين بلحمة الشراكة الوطنية.
نعم هذا ما عناه ويعنيه سالم الفلاحات، عنوان للشراكة الحقيقية في مشروع نضالي تحرري جامع، من أجل استقلال القرار الوطني والسيادة والتقدم والعدالة والرفاه، تلك هي الدلالة الأبرز والأهم في مسيرة الرجل، وعنوان خطورته في الوقت عينه.
خطورته على من وماذا؟
على الذين يريدون الاحتفاظ بمكتسبات الوضع الراهن، ومنع البلد من أن يتقدم نحو خيار المستقبل بعنوانه الأهم عقلنة وعَملَنة (أي جعله عملي) الخطاب الأيديولوجي، سحب الفتيل من قنبلة اليأس والفشل، لحساب البديل الممكن العملي القابل للتطبيق والحياة والإنتاج.
دائماً تأتي طروحات سالم الفلاحات تحت عنوان مهم “ما الذي نختلف عليه فعلا؟” من زاوية محاصرة رقعة الاختلاف لحساب التوافقات المنتجة.
هذا مستقبل العمل السياسي، زمن الأحزاب الأيديولوجية ولَّى وانتهى، ليس لأن الأيديولوجيا ماتت بالضرورة، بل لأنها مشرب يمكن النهل من معينه لحساب فهم عملي واقعي أقدامه على الأرض ورأسه في السماء، فهم عصري ممكن وقابل للحياة.
ليست هناك خيانة إذن للايديولوجيا، بل محاولة صادقة لإنقاذها من براثن الانتحار على مذبح الجمود والتصورات المتعصبة المغلقة، ورفض الآخر و/ أو إلغائه.
سالم الفلاحات عنوان لهذا المشروع الطموح ولهذا قلت ليس فرداً إنما معنى مهم لمستقبل مختلف، ولهذا هو خطر جداً على الذين يريدون منع ميلاد البديل الممكن والعملي والتوافقي، البديل عصري بكل معنى الكلمة، وفي ذات الوقت تحضر أناه وهويته وأرثه في تشكيله وصياغته.
هكذا أرى الأستاذ سالم وأفهمه واتشرف بمشاركته والعمل معه، وهكذا اشتبك معه خلافاً وتوافقاً في ضوء هذا الفهم، ليس مطلوب منك أن تحب أو تكره سالم، بل أن تتقبله بصفته شريكك الجاد في مشروع التحرر الوطني، المستعد لأن يبذل أقصى الطاقة ليتوافق معك عليه، هذا إذا وفقط إذا كنت تؤمن بأن هذا المشروع ضرورة خلاص.
لم أكتب هذه الكلمات لكي ادافع عن الرجل ولا حتى لأنصفه، بل كتبتها لقناعتي بأن الكثير ممن لازالوا يقفون في المنطقة الرمادية، بحاجة إلى النظر من هذه الزاوية تحديداً.
الشراكة أو المنتظم السياسي الذي سيحتضن هذا المعنى ويعبر عنه مستقبلاً، هو خلاصة نضالتنا على مدى عقد ونصف في اشتباك عملي مضن جداً، هو مخاض نتطلع إليه بصفته الثمرة الناضجة للربيع العربي، بعد أن استفاد جدياً ونقدياً من تجربته، وطور نفسه كبديل وحل وأمل بمستقبل مشرق لشعبنا وبلادنا والأمة والإنسانية جمعاء.