هل "العمل الحر" يحقق التوازن بين الحياة المهنية والشخصية؟
تاريخ النشر: 3rd, September 2023 GMT
شهدت أسواق العمل تحولات واسعة في السنوات الأخيرة، من بينها نمو "العمل الحر" ليمثل قاعدة عريضة، بعد أن سعى كثيرون إلى تغيير مجالاتهم ووظائفهم الأساسية بالتوجه لهذا النمط من العمل المستقل، إذ يعمل الأفراد على تقديم خدماتهم أو منتجاتهم دون التبعية لجهة عمل محددة.
يتيح العمل الحر للأفراد التحكم في جدول أعمالهم وطريقة تنظيمها وتحديد مشاريعهم وأولوياتهم، ومع ذلك، تصاحب هذه الحرية تحديات واضحة في التوازن بين الحياة المهنية والشخصية.
ووفق خبراء ومحللون، فإن حالة عدم الاستقرار الاقتصادي التي يشهدها العالم خلال السنوات الأخيرة، إضافة إلى عدم تناسب أجور الوظائف التقليدية مع ضغوطات التضخم التي يعانيها العالم، فإن ذلك كله دفع للاتجاه نحول العمل المستقل أو الحُر ليصبح خياراً شائعاً ربما أكثر من أي وقت مضى.
تزايد بشكل ملحوظ عدد الأشخاص الذين يعتمدون على العمل الحر، فبحسب تحليل نشره المركز المصري للدراسات الاقتصادية، مايو الماضي، هناك ارتفاع في الطلب على العمل الحر بشكل متسارع منذ العام 2019، فخلال الربع الأول من العام 2023 تمت إتاحة 40 ألف فرصة عمل بقيمة 60 مليون دولار في مجال العمل الحر بالبرمجيات.
فيما يتركز 34 بالمئة من الطلب على العمالة الحرة من الولايات المتحدة الأميركية، تليها دول أوروبا، والهند بواقع 14.13 بالمئة.
ويرجع نمو العمل الحُر إلى عوامل عديدة منها:
تكنولوجيا المعلومات والاتصالات: أسهما التقنيات الحديثة في تيسير الوصول إلى العملاء والزبائن وتقديم الخدمات عبر الإنترنت، مما ساعد في زيادة عدد الأفراد الذين يمكنهم ممارسة العمل الحر من أي مكان في العالم. التغيرات الاقتصادية: تزايدت الحاجة إلى تخفيض تكاليف التوظيف وزيادة المرونة في القوى العاملة، الأمر الذي دفع الشركات إلى التعاقد مع العاملين الأحرار لتنفيذ مشاريع معينة بدلاً من التوظيف الدائم. رغبة في التحكم الشخصي: يسعى عديد من الأفراد إلى تحقيق توازن بين الحياة المهنية والشخصية وتحقيق الاستقلالية في اتخاذ القرارات المهنية.نمو العمل الحر
في هذا الصدد، قال خبير تكنولوجيا المعلومات، العضو المنتدب لشركة IDT للاستشارات والنظم، محمد سعيد، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الـ 15 عاماً الأخيرة شهدت نمواً كبيراً في قطاع الشركات الناشئة وريادة الأعمال. وأرجع نمو العمل الحر إلى عدة عوامل، ومنها:
تطور التكنولوجيا والسرعة الكبيرة التي استطاع من خلالها الانترنت والهواتف النقالة وشركات التواصل الاجتماعي النمو على نحو واسع.. كل شخص أصبح قادراً على الوصول لموارد تكنولوجية ومتصلاً بشبكة الإنترنت على مدار اليوم. التكنولوجيا ساعدت على توفير حلول أعمال ونماذج جديدة لم تكن موجودة من قبل، مثل الاقتصاد التشاركي على سبيل المثال، حيث ظهرت شركات حققت طفرات عملاقة، وبالتالي نمت فكرة العمل عن بُعد. فكرة إنشاء المشروعات أصبحت أوفر وأسرع من ذي قبل، كما تتوافر الأفكار التي لم تكن تستطع أن تصبح على أرض الواقع، لكنها استطاعت من خلال الطفرة التكنولوجية أن تجد لنفسها مكانًا. تعدد جهات التمويل للمشروعات، إضافة إلى أنه أصبحت هناك تمويلات عملاقة لدعم المشروعات وتنفيذها وتنميتها، ما خلق فكرة ريادة الأعمال، فالكل أصبح لديه تطلعات مستقلة ويهرب من العمل التقليدي بمواعيد ثابتة إلى عمل حر ومشروعات من الممكن أن تنقله نقلة مادية عملاقة. ثقافة العمل الحر أدت إلى تزايد حاضنات الأعمال التي لديها استعداد أن تحتضن أصحاب الأفكار وتمويلهم ومساعدتهم حتى تصبح الفكرة على أرض الواقع.التوازن بين الحياة المهنية والشخصية
واستطرد: "من ينتقل من الوظيفة إلى أن يكون صاحب أعمال يتنازل عن جزء كبير من جانب حياته الشخصية والاجتماعية، بينما قد يصل الأمر إلى أن يتنازل البعض بشكل كامل عن هذا الجانب، مقابل التركيز في مشروعه الذي يكرس وقته كاملاً له، ويحرم نفسه من رفاهيته".
وتابع: "لم يستطع كل الناس تحقيق التوازن بين الحياة الشخصية والعمل، فهناك صعوبة في الوصول لذلك، ما يجعلهم يتنازلون عن جانب الحياة الشخصية مقابل تحقيق أحلامهم"، وأكد على أن مفتاح الوصول للتوازن هو إدارة الوقت، ونصح بما يلي:
أن يخصص ساعات العمل فقط للتفكير في تعقيدات العمل ويفكر في رفاهيته وحياته الشخصية. أن يدرك الشخص أنه في الأساس يعمل في هذا العمل الحر بهدف تطوير حياته وليس التنازل عنها مقابل تحقيق مكاسب مادية. المرونة في تنظيم الوقت وإدارته واستغلال فرصة عدم التقيد بمواعيد للعمل والتواجد في إنجاز المهام بشكل أسرع. تجنب الدخول في حالة عزلة اجتماعية بسبب الانشغال بالعمل والتعود على حضور المناسبات الاجتماعية.على الرغم من المزايا التي يقدمها العمل الحر، إلا أنه يأتي مع تحديات محتملة تؤثر على الحياة اليومية للأفراد، ومن بينها:
عدم التأمين الاجتماعي: يواجه العاملون المستقلون في بعض المناطق تحديات فيما يتعلق بالتأمين الصحي والضمان الاجتماعي، ما يجعلهم أكثر عرضة للمخاطر المالية في حالات العجز أو المرض. مواجهة الضغوط الزمنية: قد يجد العاملون المستقلون صعوبة في تحقيق التوازن بين الأعمال المتعددة والحياة الشخصية، ما يؤدي إلى زيادة الضغوط الزمنية. عدم الاستقرار المالي: قد يكون للعمل الحر تقلبات في الدخل، حيث يعتمد الدخل على عدد المشاريع والعملاء الحاليين، ما يجعل الأمور غير متوقعة من الناحية المالية. انعدام التواصل الاجتماعي: يمكن أن يؤدي العمل الحُر من المنزل إلى انعزال اجتماعي للأفراد، حيث قد يفتقرون إلى التفاعل المباشر مع الزملاء.مستقبل العمل الحر
من جانبه، أوضح الخبير الاقتصادي، الدكتور علي عبدالرؤوف الإدريسي، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن الوظائف الروتينية والتقليدية أصبح عائدها لا يتناسب ولا يتنامى مع حجم الزيادات التي تحدث في معدلات التضخم عالمياً، ما دفع الكثيرين للبحث عن العمل الحر والدخول في مجال التكنولوجيا والتواصل الاجتماعي والتسويق وغيرها من الأعمال بغرض إيجاد عائد ومردود مادي يتناسب مع الارتفاعات المتتالية في معدلات التضخم.
وأضاف أن الصدمات الاقتصادية المتتالية على مستوى العالم دفعت الأشخاص للبحث عن الاستثمار بشكل فردي والعمل الحر لتحقيق عائد أكبر ينعكس على مستوى معيشتهم، وتطوير الوضع التقليدي والنمطي الذي اعتاد عليه معظم شعوب العالم لسنوات طويلة، لافتًا إلى أنه قديماً كان الدخل الثابت والأعمال الإدارية عائدها جيد وأكبر من الأعمال الحُرة وهو ما تغير بفعل التطورات التي شهدها العالم.
وأكد الخبير الاقتصادي أن مجالات العمل الحر توسعت على مدار السنوات الأخيرة، بفعل أزمة جائحة كورونا التي دفعت كثيرين على مستوى العالم نحو الاعتماد على الشكل الالكتروني في العمل، مشيراً إلى أن سوق العمل الحر تركز على كل ما هو مرتبط بالتكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي وتقديم المحتوى الإلكتروني والتطبيقات الإلكترونية وتطبيقات الهواتف النقالة والتجارة الالكترونية.
واستطرد: حجم التطور كبير وسريع واهتمام الشعوب بالتكنولوجيا أصبح سريعاً، كما أن وسائل التجارة تغيرت والمنتجات والخدمات الإلكترونية التي يتم تقديمها تغيرت، وبالتالي أصبحت دافع لمزيد من الاهتمام والمشاركة في هذا النوع من الاستثمار والتجارة.
سوق واسعة
وإلى ذلك، أوضح الخبير الاقتصادي الدكتور وائل النحاس، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن معظم الشركات أصبحت تعتمد على المصادر الخارجية والعمل من خارج المكاتب، إضافة إلى أن كثيرين لم يحققوا اكتفاءً مادياً أو الحفاظ على مدخراتهم فبدأوا البحث عن مهنة جديدة وصنعة وخبرة، يستطيعون من خلالها الاستثمار في أموالهم والحفاظ على قيمتها وقوتها، وهو ما ساعد على نمو العمل الحر.
وأكد أن العمل الحر بات أحد مصادر الدخل الإضافية، وقد يعتبره البعض مصدرا ثابتًا للدخل، ذلك باستغلالهم امتلاكهم إحدى المهارات والخبرات والعمل بها، لافتًا إلى أنه في الفترة الأخيرة قامت شركات عديدة على مستوى العالم بتسريح العمالة، ما يجعل السوق الحر أوسع ويؤدي لمزيد من الارتفاعات والتضخم بسبب عدم السيطرة.
وحذر الخبير الاقتصادي من خطورة عدم السيطرة على نمو العمل الحر، بما قد يُحدث مغالاة وفقدان السيطرة على الأسواق، بعد استحواذ مجموعة أو رابطة على سبيل المثال على خدمة أو سلعة معينة والتحكم في تسعيرها، مشددًا على ضرورة أن تكون هناك موائمة.
المصدر: سكاي نيوز عربية
كلمات دلالية: ملفات ملفات ملفات التضخم العمل الحر العمل الحر التضخم العمل الحر اقتصاد الخبیر الاقتصادی على مستوى إلى أن
إقرأ أيضاً:
دراسة: كمية المياه التي تفقدها الأنهار الجليدية تعادل ما يستهلكه سكان العالم في 3 عقود
كشفت دراسة علمية حديثة أن الأنهار الجليدية حول العالم تذوب بمعدل أسرع من أي وقت مضى بسبب تغير المناخ، ما يؤدي إلى تداعيات بيئية خطيرة تهدد حياة الملايين من الأشخاص.
منذ عام 2000، فقدت الأنهار الجليدية أكثر من 6,500 مليار طن من الجليد، ما يعادل حوالي 270 مليار طن سنويًا، وهو ما أدى إلى رفع مستوى سطح البحر بمقدار 2 سنتيمتر تقريبًا، وفقًا للدراسة المنشورة في مجلة "Nature".
ويقول المشرف على الدراسة مايكل زمب إن 270 طنا من الجليد يعادل كميات الماء الذي يستهلكه سكان الكرة الأرضية على مدى 30 عاما إذا افترضنا أن كل شخص يستهلك 3 لترات يوميا.
وأشارت الدراسة إلى أن الأنهار الجليدية تذوب بمعدل تسارع أكبر فيالعقد الأخير. ففي الفترة بين عامي 2000 و2011، كانت الأنهار الجليدية تذوب بمعدل 231 مليار طن من الجليد سنويًا.
أما بين عامي 2012 و2023، فقد زادت هذه المعدلات إلى 314 مليار طن سنويًا، مما يمثل زيادة بنسبة تزيد عن ثلث المعدلات السابقة.
في عام 2023، سجلت الأنهار الجليديةأعلى نسبة فقدان للكتلة الجليدية، حيث تم ذوبان حوالي 548 مليار طن. وتشير البيانات إلى أن فقدان الكتلة الجليدية في المناطق الجبلية الأوروبية مثل جبال الألب يعد من الأعلى، حيث فقدت نحو 40% من الجليد الذي يكسوها منذ عام 2000.
كما تعرضت مناطق أخرى مثل الشرق الأوسط ونيوزيلندا وغرب أمريكا الشمالية لانخفاضات في كمية الجليد تتجاوز 20%.
يساهم الذوبان المستمر للأنهار الجليدية بشكل كبير في ارتفاع مستويات البحار، حيث يؤدي ذلك إلى تهديد المناطق الساحلية حول العالم بالفيضانات.
فقد رفعت المياه الذائبة من الأنهار الجليدية مستويات البحار بمقدار 2 سنتيمتر منذ عام 2000، ما يجعلها ثاني أكبر عامل في ارتفاع مستويات البحر بعد تمدد المياه بسبب حرارة المحيطات.
"كل سنتيمتر من ارتفاع مستوى البحر يعرض ملايين الأشخاص لمخاطر الفيضانات السنوية في مناطق مختلفة من العالم"، كما أشار البروفيسور آندي شيبرد، رئيس قسم الجغرافيا والبيئة في جامعة نورثومبريا بالمملكة المتحدة.
وخلصت الدراسة إلى أنالأنهار الجليدية ستستمر في الذوبان في المستقبل القريب، حتى إذا تم اتخاذ تدابير أكبر للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، وذلك بسبب أن الأنهار الجليدية تستجيب ببطءللتغيرات المناخية. وفي ظل هذه الحالة، فإن المستقبل سيشهد استمرار تأثيرات تغير المناخ على المجتمعات المحلية والموارد الطبيعية.
وبينما تتزايد العواقب، تحذر الدراسة من أن مستقبل الأنهار الجليدية يعتمد بشكل كبير على استجابة البشر لتغير المناخ. حيث يُتوقع أن يساهم الحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية في إنقاذ جزء كبير من الأنهار الجليدية.
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية النرويج: حمامات الجليد الجماعية في بيرغن فوائد صحية جمة ووجهة عشاق السباحة وإحساس استثنائي بالانتعاش هاربين تُدهش العالم بمسابقة النحت على الجليد: لوحات بيضاء ساحرة تخطف الأنفاس كرواتيا: كيف تكسر الجليد في العام الجديد؟ العشرات يسبحون في المياه المتجمدة احتفالا برأس السنة فيضانات - سيولالغازذوبان الجليدنيوزيلندادراسةالمناخ