بعد غلق طريق الحياة.. 120 ألفا من الأرمن يواجهون تطهيراً عرقياً
تاريخ النشر: 3rd, September 2023 GMT
يواجه عشرات الآلاف من المدنيين المحاصرين خطر المجاعة في المنطقة الجبلية المتنازع عليها في أذربيجان، حيث تصل الأزمة المستمرة منذ عشرة أسابيع إلى نقطة الانهيار، وفقا لما نشرته صنداي تايمز.
انفصلت منطقة ناجورنو كاراباخ، التي تسكنها أغلبية أرمنية، عن أذربيجان بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وقُتل آلاف الأشخاص من الجانبين في الحرب التي تلت ذلك.
واستمر الصراع على مدى عقود حتى قلبت أذربيجان هذه النتائج في عام 2020 في حرب ثانية مريرة استعادت فيها معظم الأراضي التي فقدتها في التسعينيات وأصبح الأرمن العرقيون في كاراباخ - الذين يبلغ عددهم عادة 120 ألفًا- محاصرين بالكامل الآن بالأراضي التي تسيطر عليها أذربيجان.
وحسب صنداي تايمز، كانت صلتهم الوحيدة بالعالم الخارجي عبر ممر لاتشين ويربط بين كاراباخ وأرميني ويشار إليه من قبل الأرمن باسم "طريق الحياة"، وفقًا لشروط وقف إطلاق النار لعام 2020، وكان من المقرر أن تشرف على الممر قوات حفظ السلام الروسية.
وفي ديسمبر الماضي، تم إغلاق ممر لاتشين من قبل أذربيجانيين يزعمون أنهم نشطاء بيئيون. وبدعم من الحكومة الأذربيجانية، احتج المتظاهرون على استخراج المعادن بشكل غير قانوني من قبل السلطات الأرمنية المحلية في كاراباخ. يضاف هذا إلى مزاعم أذربيجان بأن ممر لاتشين يُستخدم أيضًا في النقل غير القانوني للألغام والإمدادات العسكرية إلى ما تعتبره ميليشيات أرمينية غير شرعية في كاراباخ.
وخلال الأسابيع العشرة الماضية، لم تصل أي شحنات من المواد الغذائية أو حليب الأطفال أو منتجات النظافة أو الإمدادات الطبية إلى الأرمن داخل كاراباخ. وتم الإبلاغ عن عدد محدود فقط من عمليات الإجلاء الطبي وغيرها من عمليات الإجلاء خارج المنطقة.
وخلال فصل الصيف، أفاد الصحفيون الموجودون على الأرض في كاراباخ باستمرار عن نقص الغذاء، ومحلات السوبر ماركت الفارغة، وطوابير طويلة لساعات طويلة للحصول على الخبز، ونقص الوقود الذي يعني عدم وجود وسائل نقل عام أو عبور للإمدادات الغذائية المحلية. يتم تقنين الكهرباء والغاز بشكل صارم.
ووجدت دراسة استقصائية أجريت في أوائل أغسطس أن ما يقرب من ثلث الأسر (30 في المائة) أبلغوا عن عدم كفاية الغذاء، وأن ما يقرب من 70 في المائة أبلغوا عن قيام أفراد الأسرة بتقليل عدد الوجبات اليومية.
وتفيد التقارير أن الرعاية الصحية العامة على وشك الانهيار. أفاد فاردان تاديفوسيان، وزير الصحة الفعلي في كاراباخ، أن جميع العمليات الجراحية توقفت باستثناء العمليات المنقذة للحياة، وهناك نقص حاد في الأدوية الأساسية مثل أدوية ضغط الدم والسكري ومشاكل القلب والأوعية الدموية، ومسكنات الألم.
وتم الإبلاغ عن حالة وفاة واحدة بسبب سوء التغذية لرجل يبلغ من العمر 40 عامًا في عاصمة الإقليم، المعروفة باسم ستيباناكيرت لدى الأرمن وخانكيندي لدى الأذربيجانيين. وقد يشهد بداية فصل الشتاء المزيد من هذه التقارير بين السكان الذين أضعفتهم الحرب والجوع.
وتزايدت المخاوف الدولية بشأن الأزمة تدريجياً، وتعززت هذه المخاوف بتقرير كتبه لويس مورينو أوكامبو، المدعي العام السابق للمحكمة الجنائية الدولية، واصفاً الوضع بأنه "إبادة جماعية مستمرة". وفي اجتماع لمجلس الأمن الدولي يوم 16 أغسطس، دعت عدة دول إلى استعادة الحركة على طول ممر لاتشين.
من جانبها، تنفي أذربيجان وجود حصار أو حتى أزمة إنسانية في كاراباخ. وعلى الرغم من ذلك، عرضت السلطات الأذربيجانية طريقا بديلا لإيصال الإمدادات الإنسانية إلى السكان الأرمن، عبر مدينة أغدام الأذربيجانية. وهذا من شأنه أن يغير موقع طرق إمداد كاراباخ عبر وسط أذربيجان، بدلاً من أرمينيا.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: اذربيجان أرمينيا ممر لاتشین فی کاراباخ
إقرأ أيضاً:
تتجلى الـ”تراجيديا” في كل زوايا الحياة اليومية في غزة
متابعات /الأسرة
تتبدى معاناة أهالي غزة بصور قاسية ومؤلمة مع حلول شهر رمضان، حيث باتت تجاربهم تتحدث عن فقدان الأمل والفرحة، الحرب الإجرامية التي شنها العدو الإسرائيلي بدعم أمريكي حولت الشهر الكريم من فترة للعبادة والمودة إلى زمن للحزن والافتقاد.
استقبل سكان غزة رمضان هذا العام بمعاناة غير مسبوقة، حيث يشاهد العديد من الأشخاص الذين فقدوا منازلهم وأحباءهم. فعندما تتحدث عن العائلات، تجدها مقسمة بين خيام متواضعة، حيث تجرح الذاكرة صور الفقد؛ يذكر عبد الله جربوع كيف كان يجتمع مع عائلته حول مائدة الإفطار، وهو يتنقل بين أنقاض منزله المحطم.
رمضان هذا العام يشبه عام الحزن”، يقول إبراهيم الغندور، ويشعر بالفراق الذي نتج عن فقدان الأحبة. لا وجود للأجواء الرمضانية المعتادة، فقط صمت مؤلم يشهد على الأوضاع الراهنة. والحديث ينساب عن ليالٍ رمضانية لم تعد كما كانت، بل تحولت إلى ذكريات مؤلمة يحملها الناس في قلوبهم.
أما محمد النذر، صاحب متجر متنقل، فيعبر عن التغيرات الصادمة التي شهدها السوق في هذا الشهر. “تنقصنا المواد الغذائية والمال، بينما يعاني الكثيرون في ظل نفاد السلع الأساسية”، يستكمل حديثه بحسرة، مشيراً إلى مأساة العائلات التي لا تجد ما تسد به الرمق. تسيطر أجواء من الألم وعدم اليقين، ولا تجد في وجوه الناس سوى علامات القلق والحزن.
تحت السقف وبين الجدران المتصدعة
تتجلى الـ”تراجيديا” في كل زوايا الحياة اليومية في غزة، حيث صدى أصوات الغزاويين يتردد عبر وسائل الإعلام، ليعكس معاناتهم وآلامهم التي لا تنتهي. “للأسف الشديد لا يوجد لنا بيوت، لا يوجد معنا مال”، يقول أحدهم بكلمات تكسوها مرارة الفقد، مسترجعاً ذكريات رمضان الماضي: “كنا نجلس حول سفرة واحدة. رمضان اللي فات كان صعباً بشكل مش طبيعي، كان بشكل فظيع صعب”. إنه صراع مزدوج، ليس فقط مع نقص الطعام، بل مع غياب الأمل الذي يرافق كل حبة تمر أو شربة ماء عند الإفطار.
مع حلول اليوم الأول من رمضان، تشهد أسواق خان يونس حركة خجولة تكاد تفتقر للحياة. يتجول المتسوقون بوجوه شاحبة تحمل ثقل المعاناة؛ عيونهم تبحث عن بقايا الفرح. “الأجواء حزينة للغاية، والقلق يتجلى في كل تفصيله”، يقول أحد البائعين، مشيراً إلى انخفاض الإقبال على الشراء بسبب الظروف الاقتصادية القاسية. أسعار الخضار والمواد الغذائية ارتفعت بشكل ملحوظ، فلا يجد الناس ما يسد رمقهم. “الشي غالي كثير، كل شيء فوق طاقة الناس”، تتردد هذه العبارة في الآذان ليصبح صدى الألم أكثر وضوحاً، إذ يُظهر الفقر كيف يحدّ من كينونة الإنسان.
وتظهر الأسواق بوضوح التغيرات الدراماتيكية عن الأعوام السابقة. لم تعد التحضيرات الرمضانية كما كانت، فقد تلاشت مظاهر الفرح: الفوانيس والأضواء والقائمة الطويلة للطبخات التقليدية. “أصبح كل شيء شحيحاً، وباتت الحياة كما لو كانت في حالة تأهب دائم”، يستكمل أحد التجار حديثه بحسرة، مشيراً إلى أن الحياة لم تعد تحتمل أعباء المناسبات.
وكذلك هو الدمار الواسع الذي فرضته آلة الحرب الصهيونية على كل مدن غزة، التي تحولت ليالي رمضان الأولى في ربوعها إلى مشاهد مأساوية، حيث تعيش العائلات النازحة واقعاً قاسياً تحت وطأة الأمطار الغزيرة. بينما كانت هذه الليالي من المفترض أن تتمتع بالسكينة والعبادة، وجدت الكثير من الأسر نفسها محاصرة في خيام تغمرها المياه، ما زاد من معاناتهم. هذه بعض من مشاهد الألم التي تبثها القنوات الفضائية ومنصات التواصل الاجتماعي والإعلام الإلكتروني.
وكذلك يشاهد العالم بأم أعينهم، كيف تتسرب الأمطار إلى داخل الخيام التي تأويهم، فتبللت ممتلكاتهم وأمتعتهم، لتجبرهم على مغادرتها بحثاً عن مأوى يحميهم من البرد القارس. الأطفال والنساء هم الأكثر تأثراً في هذه الظروف، حيث فقدوا حتى الأمل في العثور على مكان آمن. وفي الوقت ذاته، حاول آخرون العودة إلى ما تبقى من منازلهم المدمرة، لكنهم واجهوا تحديات جديدة مع تسرب المياه من السقف والجدران المتصدعة، دون أي وسائل تحميهم من البرد.
غمرت مياه الأمطار شوارع غزة، بينما كافحت ذلك فرق الطوارئ والإنقاذ المحلية بقدرات محدودة. نقص الآليات والمعدات الثقيلة حال دون استجابة فعالة لاحتياجات السكان، في ظل تنصل الاحتلال الإسرائيلي عن تنفيذ التزاماته الإنسانية. كما أشار المتحدث باسم بلدية غزة، حسني مهنا، إلى أن الحمل الثقيل يقع على عاتق النازحين، الذين يعيشون في العراء دون أي مساعدة تذكر.
ففي وقت تتزايد فيه الأزمات الإنسانية بسبب المنع الإسرائيلي لدخول المستلزمات الأساسية، تكاثرت المعاناة في صفوف النازحين. الكل في غزة يؤكدون أن الأوقات الرمضانية التي كانت تمثل فرصة للسكينة تحولت إلى ساعات مليئة بالمعاناة، حيث أصبح من الصعب عليهم الالتزام بالتقاليد الرمضانية وسط الظروف القاسية.
في ظل الأوضاع الإنسانية المتدهورة، رغم جهود بلدية غزة وفريق العمل فيها، يظل الشعب الفلسطيني يعاني، حيث تحذر منظمات حقوقية وإنسانية من تفاقم الأزمة الصحية التي يمكن أن تؤدي إلى كوارث إضافية خلال هذا الشهر الكريم؛ إذ تفتقر العائلات إلى أبسط مقومات الحياة، في وقت يفترض أن يكون مخصصاً للتراحم والتواصل.
ومع تعاقب الأيام، يصبح التحدي في ألا يفقدوا القدرة على الصمود. تجسدت ذكرى النزوح في عقولهم ككابوس لا يُنسى، وقد أصبحت الذاكرة مثقلة بعبء الأحداث المؤلمة. “بينما نواجه الظروف الصعبة، لا بد لنا من إدخال المساعدات الإغاثية والهبات الإنسانية إلى القطاع”، يتساءل الناشطون بقلق، في وقت تزداد فيه الحاجة لدعم المجتمع.
مزيج من الأمل واليأس
وبذلك، يعيش سكان غزة رمضان في غياب للفرحة، مزقته أهوال الحرب وظلام الفقد. وجوههم المتعبة تحمل قصصاً لا تنتهي من الألم، بينما تمنحهم ذكريات الأيام الخوالي بارقة أمل تتوق للعودة إلى أوقات كانت فيها الأجواء مفعمة بالعبادة والمحبة. ولكن، في ظل الفقر وشتات العائلات ودمار المنازل، تزداد مشاعرهم حدة؛ فكل وجبة إفطار تذكرهم بالأحبة المفقودين، وكل خيمة تحت المطر تخبرهم بواقعهم القاسي.
هذه الأنفاس الثقيلة التي تصدر عن قلوبهم المثقلة بالحزن تعبر عن مزيج من الأمل واليأس؛ كيف يمكن لمجتمع أن يحتفل بشهر كريم بينما يمزقهم الألم والفقد؟ رمضان، مفترض أن يكون رمزاً للحرية والصفاء، بات بمثابة تذكير يومي بفقدان كل شيء. ومع تواصل تساقط الأمطار، يبقى الألم في تزايد، تاركاً في نفوسهم جروحاً لن تندمل، وكأن كل سحابة تحمل في طياتها حزناً عميقاً، يختزل معاناتهم وصبرهم الذي قد لا يحتمل طويلاً.
تتزايد مخاوفهم من محاولة مقاومة تأثيرات الحرب التي دمرت كل شيء؛ من المنازل إلى المساجد والأسواق. ومع ذلك، يبقى صمود الشعب الفلسطيني محور هذه القصة، فكل تجربة مأساوية تمر بهم تضيف لبنة جديدة في بناء إرادتهم، على الرغم من أن الحزن يلبس قلوبهم. في مثل هذا الشهر المبارك، يُصمّمون على الاستمرار، حتى لو كان الثمن باهظاً. ومع كل فجر، يبقون يتذكرون ما كانوا عليه قبل كل هذا الدمار، متطلعين إلى مستقبل قد يعود فيه لهذا الوطن بعض من الأمل والأمن.
لم تنتهِ القصة بعد، بل ومع الأيام ستبقى الجراح محفورة في الذاكرة، فكل ليلة تمر تعكس عمق الألم، وتحت شجرة الاحتلال المقيت، يظل الأمل يراودهم: لابد يوما سيعود الفرح إلى قلوبهم التي أبت الاستسلام لغياهب الحزن، رغم سكنه بين أضلعهم.