نبض المجتمع: هل السفر يعلمنا؟
تاريخ النشر: 3rd, September 2023 GMT
يُمثِّل السَّفر ـ حاله كحال أيِّ تجربة في الحياة ـ نموذجًا رائعًا للتأقلم مع مختلف الظروف والتعلُّم مِنْها والعمل على حلِّها وفق المعطيات والإمكانات المتاحة لذلك، وهو ترمومتر تقيس من خلاله مدى القدرات التي تمتلكها لحلِّ المعضلات والمشاكل التي قَدْ لا تجدها وأنتَ في محلِّك وبلدك، كما أنَّ الإمكانات لمعالجة تلك المشكلة قَدْ لا تكُونُ متوافرة في السَّفر، والإمكانات المقصودة هنا قَدْ تكُونُ مادِّيَّة ومعنويَّة، والأخيرة هي الأهم، فهي تُشكِّل النسبة الأكبر لنجاحنا في حلِّ أيِّ مشكلة، فما بالك وأنتَ في السَّفر تكُونُ الجوانب المعنويَّة في أدنى مستوياتها؛ وبالتَّالي قدرتك على المعالجة أقلَّ نظريًّا، ولكن أن تتحدَّى كُلَّ ذلك وتوجد الحلول فهو الرهان الكبير الذي من خلاله تستطيع أن تثقَ في نَفْسِك بصورة كبيرة.
وإلى جانب ذلك تتعلم في السَّفر أشياء لا تخطر أحيانًا أنَّك يُمكِن أن تتعلَّمَها أو تستكشفَها، وأحيانًا كثيرة لا تكُونُ هذه الأشياء محسوسةً أو تستطيع أن تحدِّدَها، لعلَّ أهمَّها الجانب الفكري الذي يتغيَّر في ذهنك ولا تكتشفه إلَّا بعد فترات لاحقة، وليس المقصود هنا أنَّ كُلَّ ما تشاهده في السَّفر هو جانب إيجابي يعمِّق لدَيْك أنَّ الآخر هو الأفضل، بل العكس ربَّما ترى أنَّك الأفضل بالمقارنة مع الآخر، وهذه نقطة جوهريَّة في هذا الجانب. فالكثير منَّا عِندما يُسافر كُلُّ ما يهمُّه أن يمدحَ تلك الدولة أو المنطقة، ويعمل مقارنات كثيرة قَدْ لا تكُونُ منطقيَّة، وهذا ليس عيبًا، ولكن في المقابل يجِبُ أن نكُونَ مُنصِفين، لماذا؟ لأنَّنا في النهاية نفكِّر بمنطق ونزن الأمور بميزان عادل ولو افتراضيًّا، فربَّما يتقَدَّم الآخر مادِّيًّا، ولكن قَدْ لا يتقَدَّم أخلاقيًّا، وهنا سأضرب مثالًا حدَثَ لي أثناء تفتيش الحقائب الصغيرة والأمتعة الشخصيَّة، حيث توجد في العادة صناديق صغيرة مفتوحة تضع فيها أمتعتك مِثل الهاتف والمحفظة؛ لكَيْ تمرَّ من خلال الجهاز الذي يكشف الأشياء الممنوعة، ونظرًا لكثرة المسافرين فأحيانًا لا تتوافر هذه الصناديق بسرعة وتتكدَّس في مكان مُحدَّد ويذهب البعض لجلبها من أجْل سرعة إنهاء تفتيشه. وأتذكَّر أنَّ أحد الأشخاص قَدْ جلب مجموعة مِنْها له ولأصحابه، ولأنَّ لباسه يُشْبه لباس أمن المطار فما كان مِنِّي أن طلبت أحدها ظنًّا مِنِّي أنَّه عامل تجميع هذه الصناديق، فما كان مِنْه إلَّا أن امتعضَ بصورة غريبة وتحدَّث بلُغته بكلمات توحي بأنَّه غاضب، تخيَّلتُ حينها أن لو أحدًا طلب مِنِّي هذا الطلب كنتُ على الأقل سأوجِّه للمكان الذي يحصل فيه على هذا الصندوق بكُلِّ لطف وبكُلِّ أريحيَّة إذا كنتُ لَمْ أستطع أن أعطيَه إيَّاه، فالأعداد كبيرة ومجانيَّة في الأصل، ولكن نتيجة الزحام كانت في حاجة لتنظيم وإعادة لمكانها الطبيعي، وقَدْ عرضتُ الحادثة على الزملاء وأبدوا تعجُّبَهم من الأمْرِ، وكيف أنَّ موضوع المساعدة مرتبط عِند بعض الشعوب بالمقابل، بعكس مُجتمعنا الذي لا نقول إنَّه مثالي ولكن بنسبة كبيرة يُمكِننا القول إنَّ هذا التصرُّف لَنْ يكُونَ موجودًا لدَيْنا. السَّفر مدرسة تتعلَّم مِنْها جوانب كثيرة في وقت قصير، تتعلَّم عِندما تبدأ في ملاحظة ما يَدُور من حَوْلِك وتربط الأمور وتقارن الأشياء، وفي المقابل كثيرون سافروا ولَمْ يستفيدوا أشياء كحال وجودهم في بلدهم، فأنتَ مَن يقرِّر كيف تستفيد من كُلِّ شيء.
د. خصيب بن عبدالله القريني
kaseeb222@gmail.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: فی الس
إقرأ أيضاً:
أحمد رفعت: القطاع الصناعي في مصر يحقق تقدما ولكن يحتاج لدعم أكبر
أكد الإعلامي والمحلل السياسي أحمد رفعت أن القطاع الصناعي في مصر يشهد تطورًا ملحوظًا مقارنة بالماضي، لكنه لا يزال بحاجة إلى المزيد من الجهود لتحقيق المكانة التي تستحقها البلاد على الساحة الدولية.
وأوضح رفعت، خلال ظهوره ببرنامج "الرادار الاقتصادي" على قناة "صدى البلد" مع الإعلامية رينال عويضة، أن مصر منذ عام 2014 حققت إنجازات هائلة في مجالات البنية التحتية، مثل الطرق، والمدن الجديدة، والزراعة، والرعاية الصحية.
ومع ذلك، أشار إلى أن القطاع الصناعي لم يحظَ بنفس القدر من الاهتمام الذي حصلت عليه هذه القطاعات.
وأضاف رفعت أن الصناعة تعد المفتاح الرئيسي لتحقيق مكانة قوية لمصر على المستوى الدولي، كونها العنصر الذي يمكن أن يضع البلاد في موقع تنافسي حقيقي بين دول العالم.
وأكد على ضرورة وضع رؤية شاملة لدعم القطاع الصناعي، مع التركيز على تعزيز الإنتاج المحلي وفتح آفاق جديدة للتصدير، للوصول إلى الطموحات الاقتصادية المنشودة.