جريدة الوطن:
2025-03-05@01:40:17 GMT

نبض المجتمع: هل السفر يعلمنا؟

تاريخ النشر: 3rd, September 2023 GMT

نبض المجتمع: هل السفر يعلمنا؟

يُمثِّل السَّفر ـ حاله كحال أيِّ تجربة في الحياة ـ نموذجًا رائعًا للتأقلم مع مختلف الظروف والتعلُّم مِنْها والعمل على حلِّها وفق المعطيات والإمكانات المتاحة لذلك، وهو ترمومتر تقيس من خلاله مدى القدرات التي تمتلكها لحلِّ المعضلات والمشاكل التي قَدْ لا تجدها وأنتَ في محلِّك وبلدك، كما أنَّ الإمكانات لمعالجة تلك المشكلة قَدْ لا تكُونُ متوافرة في السَّفر، والإمكانات المقصودة هنا قَدْ تكُونُ مادِّيَّة ومعنويَّة، والأخيرة هي الأهم، فهي تُشكِّل النسبة الأكبر لنجاحنا في حلِّ أيِّ مشكلة، فما بالك وأنتَ في السَّفر تكُونُ الجوانب المعنويَّة في أدنى مستوياتها؛ وبالتَّالي قدرتك على المعالجة أقلَّ نظريًّا، ولكن أن تتحدَّى كُلَّ ذلك وتوجد الحلول فهو الرهان الكبير الذي من خلاله تستطيع أن تثقَ في نَفْسِك بصورة كبيرة.

. والمثال هنا في إحدى رحلاتنا إلى أوروبا وأثناء استقلالنا للقطار للتنقل بَيْنَ دولة وأخرى نتفاجأ بأنَّ خطَّ سَير القطار الذي نركبه قَدْ تغيَّر بسبب وجود حادث لأحد القطارات كما أخبرنا المسؤول عن موضوع التذاكر، وبالتَّالي علَيْنا ركوب حافلة من محطَّة قادمة ثمَّ النزول إلى قطار آخر. ومع مرور الوقت اكتشفنا أنَّ هذا الظرف أثَّر على كُلِّ مخطَّطنا بحُكم أنَّ محطَّات القطار اللاحقة كُلَّها تغيَّرت، ولو جلسنا في الانتظار لوصلنا إلى وجهتنا بعد مدَّة طويلة، عِندها بدأنا في تطبيق استراتيجيَّة معالجة المشكلات واستعنَّا بمختلف المعلومات المتوافرة لدَيْنا، وخصوصًا تلك الموجودة في هواتفنا، وبالتَّالي بدلًا من أن نرهقَ أنفُسَنا في سَفر طويل لا نعرف له نهاية، خصوصًا أنَّ وصولنا لمحطَّة ما قَدْ يعني أنَّ القطار الذي يفترض أن نركبَه قَدْ تحرَّك وعلَيْنا انتظار قطار آخر قَدْ يستغرق ساعات، عِندها قرَّرنا أن ننزلَ في محطَّة لمدينة معروفة ونسكنَ فيها ونستكشفَها، ونعرفَ من خلال محطَّتها متى موعد القطار المباشر الذاهب لوجهتنا، وبالتَّالي نكُونُ قَدْ كسبنا الوقت وتعرَّفنا على مدينة جديدة وأرحنا أنفُسَنا من مشقَّة الطريق. وبالفعل كانت النتيجة مثل ما توقَّعناها، وبالتَّالي عالجنا مُشْكِلة كانت يُمكِن أن تفسدَ علَيْنا أيَّامًا ضائعة لو لا قدْرتنا على حُسن التصرُّف وإيجاد البدائل المناسبة..
وإلى جانب ذلك تتعلم في السَّفر أشياء لا تخطر أحيانًا أنَّك يُمكِن أن تتعلَّمَها أو تستكشفَها، وأحيانًا كثيرة لا تكُونُ هذه الأشياء محسوسةً أو تستطيع أن تحدِّدَها، لعلَّ أهمَّها الجانب الفكري الذي يتغيَّر في ذهنك ولا تكتشفه إلَّا بعد فترات لاحقة، وليس المقصود هنا أنَّ كُلَّ ما تشاهده في السَّفر هو جانب إيجابي يعمِّق لدَيْك أنَّ الآخر هو الأفضل، بل العكس ربَّما ترى أنَّك الأفضل بالمقارنة مع الآخر، وهذه نقطة جوهريَّة في هذا الجانب. فالكثير منَّا عِندما يُسافر كُلُّ ما يهمُّه أن يمدحَ تلك الدولة أو المنطقة، ويعمل مقارنات كثيرة قَدْ لا تكُونُ منطقيَّة، وهذا ليس عيبًا، ولكن في المقابل يجِبُ أن نكُونَ مُنصِفين، لماذا؟ لأنَّنا في النهاية نفكِّر بمنطق ونزن الأمور بميزان عادل ولو افتراضيًّا، فربَّما يتقَدَّم الآخر مادِّيًّا، ولكن قَدْ لا يتقَدَّم أخلاقيًّا، وهنا سأضرب مثالًا حدَثَ لي أثناء تفتيش الحقائب الصغيرة والأمتعة الشخصيَّة، حيث توجد في العادة صناديق صغيرة مفتوحة تضع فيها أمتعتك مِثل الهاتف والمحفظة؛ لكَيْ تمرَّ من خلال الجهاز الذي يكشف الأشياء الممنوعة، ونظرًا لكثرة المسافرين فأحيانًا لا تتوافر هذه الصناديق بسرعة وتتكدَّس في مكان مُحدَّد ويذهب البعض لجلبها من أجْل سرعة إنهاء تفتيشه. وأتذكَّر أنَّ أحد الأشخاص قَدْ جلب مجموعة مِنْها له ولأصحابه، ولأنَّ لباسه يُشْبه لباس أمن المطار فما كان مِنِّي أن طلبت أحدها ظنًّا مِنِّي أنَّه عامل تجميع هذه الصناديق، فما كان مِنْه إلَّا أن امتعضَ بصورة غريبة وتحدَّث بلُغته بكلمات توحي بأنَّه غاضب، تخيَّلتُ حينها أن لو أحدًا طلب مِنِّي هذا الطلب كنتُ على الأقل سأوجِّه للمكان الذي يحصل فيه على هذا الصندوق بكُلِّ لطف وبكُلِّ أريحيَّة إذا كنتُ لَمْ أستطع أن أعطيَه إيَّاه، فالأعداد كبيرة ومجانيَّة في الأصل، ولكن نتيجة الزحام كانت في حاجة لتنظيم وإعادة لمكانها الطبيعي، وقَدْ عرضتُ الحادثة على الزملاء وأبدوا تعجُّبَهم من الأمْرِ، وكيف أنَّ موضوع المساعدة مرتبط عِند بعض الشعوب بالمقابل، بعكس مُجتمعنا الذي لا نقول إنَّه مثالي ولكن بنسبة كبيرة يُمكِننا القول إنَّ هذا التصرُّف لَنْ يكُونَ موجودًا لدَيْنا. السَّفر مدرسة تتعلَّم مِنْها جوانب كثيرة في وقت قصير، تتعلَّم عِندما تبدأ في ملاحظة ما يَدُور من حَوْلِك وتربط الأمور وتقارن الأشياء، وفي المقابل كثيرون سافروا ولَمْ يستفيدوا أشياء كحال وجودهم في بلدهم، فأنتَ مَن يقرِّر كيف تستفيد من كُلِّ شيء.

د. خصيب بن عبدالله القريني
kaseeb222@gmail.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: فی الس

إقرأ أيضاً:

أمريكا تمنع مواطنيها من السفر لليمن

ووفقًا لما نشرته مجلة Travel and Tour World المتخصصة في شؤون السفر والسياحة، فإن إدارة الرئيس ترامب أدرجت اليمن على لائحة الدول المحظور سفر المواطنين الأمريكيين اليها، مرجعة السبب في إطار المخاوف من ردود فعل يمنية تجاه التصعيد الأمريكي، والذي قد يتضمن استهداف الوجود العسكري غير المشروع لواشنطن في المحافظات المحتلة، حيث وهذه المرة الأولى التي تحظر فيها أمريكا سفر مواطنيها إلى اليمن.

وبحسب القرار، لم يقتصر على الأمريكيين الأصل الذين لم يعد لهم وجود من قرار صنعاء اغلاق السفارة قبل سنوات بل بحملة الجنسية الامريكية.

ويأتي هذا القرار في وقت تعمل أمريكا على تعزيز تواجدها العسكري في محافظتي المهرة وحضرموت، ما يؤكد نية واشنطن لشن تصعيد جديد على اليمن، وهو ما قد يواجه بردود فعل حازمة من قبل القوات المسلحة اليمنية.

المسيرة

 

مقالات مشابهة

  • بتصميم غريب.. اليابان تكشف عن قطار فائق السرعة ومقاوم للزلازل
  • الحكومة لم تُقصِّر.. ولكن!
  • هالة صدقي: أتعرض عليا دور إنتصار في "إش إش" ولكن رفضته
  • «سوق السفر العربي» ينطلق في دبي 28 أبريل المقبل
  • 7 طرق لشراء تذاكر مترو الأنفاق والقطار الكهربائي الخفيف LRT
  • التصريح بدفن جثة سيدة لقيت مصرعها أسفل عجلات القطار بشبرا الخيمة
  • لوموند: كيف أثر السيسي على الدور الذي كانت تلعبه مصر في القضية الفلسطينية؟
  • بهاء عبد الحسين عبد الهادي: مشاهير العرب قوة مؤثرة.. ولكن المسؤولية الاجتماعية أولًا
  • هذه مواقيت رحلات القطار الليلية الجديدة على خط الجزائر– وهران
  • أمريكا تمنع مواطنيها من السفر لليمن