سواليف:
2024-11-08@11:42:37 GMT

” سبعون : حصاد العَقير “

تاريخ النشر: 3rd, September 2023 GMT

” سبعون : حصاد العَقير “

” #سبعون : #حصاد_العقير “
د. #حفظي_اشتية
في 25/9 سأكمل السبعين، وسين التسويف معلّقة بمشيئة الربّ اللطيف.
يتسلّل إلى فكري طيف ميخائيل نعيمة، ناسك الشخروب، الذي جاب الدنيا شرقا وغربا، وملأ السمع والأبصار، ثم عاد كسيرا مردّدا :
لقد طوّفتُ في الآفاق حتى رضيتُ من الغنيمةِ بالإيابِ
عاد إلى لبنان، إلى قريته ” بسكنتا ” في سفح جبل ” صنّين “، وعلى بعد خمسة كيلومترات شرقا من القرية، تقع تلة ” الشخروب ” التي اختارها لتكون عالمه الخاص الأثير في عزلته الاختيارية ومقامه الأخير دون زواج، بعيدا عن بني البشر جميعا وصراعاتهم وخلافاتهم ونفاقهم ومجاملاتهم إلخ….

.، بنى فيها عرزالا (عريشة) احتضنت أهم كتبه، وأدوات كتابته وقليلا من أواني معيشته. تآخى مع النحل البرّيّ، وتقاسم معه العسل، واجتنى الفواكهة النديّة الشهيّة، وشرب ماء السواقي السلسبيل النمير، وأطلق العنان دون أيّة قيود لفكره، فجادت قريحته على الدنيا بثلاثين مؤلَّفا وأكثر، مؤلّفات عزّ شبيهها، وقلّ النظير. منها : ( المرداد، الغربال، جبران…..)
وعندما أكمل السبعين عام 1960م، وظنّ قرب النهاية، كتب سيرته الذاتية الرائعة (سبعون) فتح فيها صفحات حياته للإفادة والعظة والاعتبار. ثم طال العمر خلافا لظنه، فعاش تسعا وعشرين سنة فوق السبعين، وغادر الدنيا عام 1988 بعد أن لبث فيها وحيدا فريدا قَرنا إلا عاما.
وأين أنا منه؟! لكنها أفكار كليلة ينوء بها الذهن العاجز في هذه المحطة من العمر الشارد : تتراءى في المخيلة العليلة طفولة شقية تجعل الطفل كهلا، إذ توكل إليه مهمات الكبار وهو غضّ الإهاب صغير، فيُنتزع من عالم طفولته غصبا ليرعى المواشي، ويشارك في أعمال الفلاحة، ويُحرم لذيذ المنام.
وينخرط في المدرسة لينقسم يومه بين متطلبات الأهل التي لا ترحم، وواجبات الدوام، لتحترق سنوات عمره الأولى سريعا دون أن يشعر بها، أو يتذوق سعادتها.
ويتفوق في دراسته محافظا على القمة بين أقرانه، وتعلن نتائج الثانوية العامة في المذياع، ويلمع اسمه أحد العشرة الأوائل في المملكة.
يُسرع إلى والده ليبشره بالنبأ المدوّي، ينظر الوالد دون أن يبدو عليه أنه فهم شيئا، فيسأل : ( شو يعني العشرة الأوائل؟! بدّك ترجّع لي القدس؟؟َ!! )، (فيستحضر تيار الوعي في البال سريعا الكرنفال الاستعراضي الأسطوري لناجح الثانوية هذه الأيام، وما يرافق ذلك من استجلاب مصطنع للفرح، وإغلاق للشوارع، وأبواق تصمّ الآذان، ورصاص ماطر منهمر على رؤوس عباد الله الغافلين المهمومين……)
إجابة محبطة، وردة فعل تخيّب الآمال، لكنه تذكر فورا أن القدس درّة الأوطان، قد احتُلّت، فقُتل في النفوس السويّة كلّ فرح، وغُيّبت في الأرواح الأبيّة كلّ دهشة، فجاز التصرف قليلا في قول لبيد :
كلّ شيءٍ ما خلا”القدس” جللْ والفتى يسعى ويُلهيه الأملْ (جلل هنا بمعنى هيّن).
يعبر النهر شرقا، شوقه يسبقه إلى أرض عربية غير محتلة، يكاد يحضن كل جندي أردني على الحدود، لأنه يرى فيه الأمل المنشود لاستعادة الفردوس المفقود.
وعلى نفقة الدولة، يُخيّر للدراسة في مصر أو السعودية أو الكويت أو فرنسا، لكنه يختار الأردن، ويدرس في جامعته الفتية، مفضّلا تخصص اللغة العربية، يتفوق ويتخرج، وينسلك في شؤون التدريس ربع قرنٍ إلا قليلا، ويتدرج في شجونه معلما وأمين مكتبة ومديرا ومشرفا ورئيسا للإشراف…… ويكمل دراسته العليا خلال عمله، فيحصل على درجة الماجستير بمرتبة الشرف الأولى، وكذلك الدكتوراة، فيتحول إلى العمل في الجامعات الأردنية ربع قرنٍ آخر، مدرسا مدركا أهمية التعليم، باذلا كل ما يستطيع في خدمة طلابه، والوفاء بمهمته، والحفاظ على قدسية مهنته.
ويمضي قطار العمر سريعا…..يا لهف نفوسنا، ما أقصر الحياة!!!!! زواج وأولاد وأعباء لا تنقطع، وهموم لا تنتهي، مشاغل، مشاكل، صراع، ظلم، سعادة نادرة عزيزة المنال تلوح وسرعان ما تروح، صداقات تفنى وأخرى تتجدد، علاقات تنتهي وأخرى تتولّد، أحباب يتساقطون وتبتلعهم القبور، أوطان تتهاوى، آمال تتبدّد……
ونقف على الحصاد نتلفّت إلى الوراء بقلوبنا الموجوعة، نبكي على ماضٍ لن يعود، ونبحث عن بقايا حياة تسرّبت من بين أيدينا، فضاعت وما عشناها….
ونتفيّأ حكمة المعرّي الذي عانى أكثر مما عانينا، ثم اختصر الحكاية بحروف من ذهب:
تعبٌ كلُّها الحياةُ فما أعجبُ إلا مِن راغبٍ في ازديادِ!!!!!!!
آه! ما أمرّ الحياة!! يُقتل فيها الشجعان، ويتلوّى بالقهر والظلم أصحابُ العقول والمبادئ، بينما ( يُبرطع ) الجهلةُ الواهمون، والمنافقون، والمغفلون، والفاسدون….
قالها المتنبي بعد طول عِراك في شعاب الحياة، ومعاناة مرارتها وهمومها الفاتكة :
والهمُّ يختــرمُ الجــسيمَ نـــحافةً ويُشيبُ ناصيةَ الصبيِّ ويُهرِمُ
ذو العقلِ يشقى في النعيمِ بعقله وأخو الجهالةِ في الشقاوةِ ينعَمُ!!!!!

المصدر: سواليف

إقرأ أيضاً:

“لقاء الأربعاء”

 

 

العقل اللبناني عقلٌ مبهر، بالغ التعقيد ومفرط الذكاء، وبحسب هيكل فلبنان قطعةٌ من فسيفساء في الوطن العربي، وعلى صغر مساحته فلبنان يختزل المحكية، ويختزن الحضارة، ويدّخر في كلّ الوقت إدهاشًا يستعصي على التصديق.
حينما أخبرك بحصار بيروت 82م، وعلى هذا النحو، فأنا أخبرك بنصف القصة! ولو عاد بك الزمان لرأيت كيف كان الخذلان العربي، واليأس العربي، والعمالة العربية كما الآن تعيد ذاتها.
كان الفرق، فحسب، أن محور المقاومة لم يكن، لقد كان العالم العربيّ يشهد فراغًا محضًا، وكان الشعب العربيّ يتجرّع المرارات كاملة، وكان بشير الجِميّل يزهو برفقة شارون!
على أنه لن يخبرك، أحد، كيف انقلب المشهد! وكيف كعادته عبر التاريخ تعملق من بين الرماد طائر الفينيق! كيف من بين الموارنة تخلّق حبيب الشرتوني.. ويكأنه لم يكن شخصًا، ولربّما تجمّع الشرتوني من كافّة العروق! وبشكلٍ ما فقد كانت كل طائفةٍ من لبنان تطهر ذاتها، بيدها! وتغسل عارها بسكينها، هي!
وبشكلٍ ما فإنها تُسهم بدورها، في صناعة الإدهاش، وفي صياغة اللحظة اللبنانية، الحقيقية!
ودائمًا فيبقى لبنان محاطًا بغلالةٍ من سوء الفهم المُزمن، ومن سوء التقدير! دائمًا ثمّة كامنٍ في لبنان خفيٍّ وغير منظور! ودائمًا فأحداثه لا تقبل السرد في خطٍّ مستقيم، وإنه الحدث اللبناني دائمًا.. لوحةٌ متداخلة الأبعاد.
في كل تاريخه فإنك تجد من أمثال سمير جعجع، ورامي نعيم.. وحبيقة والجميل! هؤلاء البغاث يتحركون في تاريخه دائمًا على الهامش! وهو لبنان السّموح.. يسمح بالعيش حتى للبغاث! لكنه في لحظات الحقيقة يتجلّى؛ ويُرسل البغاث إلى حيث ألقت!
هكذا فقد كان حزب الله، مولود 82 الشرعيّ، فيما كان الفدائيون والفدائيات يتدفقون من كل منطقةٍ ومن كل طائفة! في يومٍ واحدٍ وجّه لبنان صفعةً لأمريكا، عبر عملية المارينز.. ولفرنسا في نفس اليوم، وللكيان المأزوم أيضًا، في وقتٍ والعالم العربيّ لم يستفق، بعد، من أجواء الصدمة!
هكذا ولد حزب الله مختلفًا.. عن جيوش الرخاوات العربيّة، من فقدت القدرة حتى على فهم وظيفتها!
لأن الفرق هائل بين سلاحٍ يدافع عن الأرض والشرف والكرامة والعرض!
وبين سلاحٍ لا يستخدم إطلاقًا.. في غير ساحات العروض!
ولهذا ففي حزب الله يصدق التعريف، والتسمية!
البدء إذ قال الله “كن”، والخاتمة!
وفيه الصفّ والصافّات والأنفال والقارعة!
أوّل النصر وترتيله.. لكيلا تكون للّقطاء الخوّارين حُجة!
وفيه جنود الله وأبابيله، ونار الله على ملعونيها موقدة!
وعلى يديه بإذن الله تُصنع الصورة إذ تعطيك مثالًا واضحًا، عمّا تعنيه الأحداث الصعبة!
على العدو الحقير!
وتبقى في الكفّ نون.. وحكّاءٌ أنت عمّن جرّعوا أعداء الله أصناف المنون؛تخبرهم كيف أن الأرض يا رجال الله تمورُ بوعد الله مورا، وكيف أن العاديات تلتهم العوادي بتقدير العزيز العليم!
أن المسافة بين الإبهام ووسطاها، أطول كثيرًا من المسافة بين دنيا الملعونين وأخراهم!
ومن إعجاز المشهد فإنه تبدّى كيف أنك ما رميتها أنت- يا عبدالله- إذ رميت؛
فسبحان الذي آزر وشدّ أوتارها وهيأ للنصر سواعدكم.. ورمى!
وعلى هذه الأرض من “عمادٍ” بإذن الله ألفا، تنسفُ أرذليها بحول الله نسفا، وتحيل ناطحاتها قاعًا منفوشًا عِهنًا صفصفًا، ومن الجنوب هذه رجال الله أوتادا، ثابتون وكلهم بحول الله عمادها، جبالٌ وإن ماد عليها غيرهم!
وغيرك يا ابن حزب الله.. محض غير! لا في صحبته نفعٌ ولا من خصومَتِه ضير!
.. ومثلك وأيمُ الله ما ماد! لا رقّ بينك وبين الله حبلٌ وإن اهتزت فيها أفئدةٌ كثيرةٌ وأكباد!
ولهذا فأنتم يا رجال الله نار الله الموقدة!
ما رفّ فيكم عرقٌ إلا للثأر، ولا ساعدٌ فيكُم لغير الحقّ رَمَش، ولا غَاش منكم قَطْرٌ في غير موضعه! وإن دنا فيها من دنا فرأسكم المرفوع مرفوعٌ أبدًا ما دنا، ولهذا فالرؤوس أمام سيوفكم تتدلى!
ولأنكم حزب الله، ولأنها رايتكُمُ الأعلى!
ولأنهم حزب الله فإنهم دائمًا.. هُمُ؛
وهُمُ.. بوعد الله وبميثاقهِ وأيمُ اللهِ المُفلحون!
وبكم يا رجال الله فإنه دائمًا لبنان الساموراي؛
وفي حروبه فإنّه بالغ المهارة!
ذلك الرشيق كما لو أنه راهب شاولين،
ويا لَه إذ يقتنصها دائمًا.. بحرفيّةٍ وهدوء!
إنه لبنان الصغير، تمامًا مثل موس حلاقةٍ يتخفى بقالب شوكولا!
وستعرف ما أعنيه، بالطبع؛ فيما لو حاولت ابتلاعه!
وفي صبيحة الأربعاء القادم، في الزاوية ذاتها بإذن الله.
يبقى لنا حديث.

مقالات مشابهة

  • كاتب صحفي: الشعب المصري يتصدى للشائعات سريعا
  • “لن تستطيعوا إعادتهم”| حزب الله يوجه رسالة جديدة إلى قادة العدو الصهيوني.. هاكم ما جاء فيها
  • الحكومة تتفاعل سريعاً مع خطاب المسيرة لتنزيل الرؤية الملكية حول هيكلة مؤسسات مغاربة العالم
  • لاعبو شبيبة القبائل يلتقون جمعية “أمل الحياة” لذوي الإحتياجات الخاصة
  • شاهد| بطاقة سلاح – صاروخ “فاتح 110”
  • برنامج جودة الحياة يشارك في ملتقى “بيبان 2024”
  • “لقاء الأربعاء”
  • يجب إصدار مذكرة اعتقال “نتنياهو” سريعاً والمسؤولون الصهاينة ليسوا فوق القانون الدولي
  • الاحتلال يواصل حرب الإبادة في غزة .. والمقاومة تُجهز على خمسة جنود صهاينة وتقصف مستوطنات “الغلاف”
  • أحمد عز: كل أعمال محمد عادل إمام حلوة.. وفيلمه شمس الزناتي هيكسر الدنيا