سواليف:
2025-01-30@06:13:03 GMT

” سبعون : حصاد العَقير “

تاريخ النشر: 3rd, September 2023 GMT

” سبعون : حصاد العَقير “

” #سبعون : #حصاد_العقير “
د. #حفظي_اشتية
في 25/9 سأكمل السبعين، وسين التسويف معلّقة بمشيئة الربّ اللطيف.
يتسلّل إلى فكري طيف ميخائيل نعيمة، ناسك الشخروب، الذي جاب الدنيا شرقا وغربا، وملأ السمع والأبصار، ثم عاد كسيرا مردّدا :
لقد طوّفتُ في الآفاق حتى رضيتُ من الغنيمةِ بالإيابِ
عاد إلى لبنان، إلى قريته ” بسكنتا ” في سفح جبل ” صنّين “، وعلى بعد خمسة كيلومترات شرقا من القرية، تقع تلة ” الشخروب ” التي اختارها لتكون عالمه الخاص الأثير في عزلته الاختيارية ومقامه الأخير دون زواج، بعيدا عن بني البشر جميعا وصراعاتهم وخلافاتهم ونفاقهم ومجاملاتهم إلخ….

.، بنى فيها عرزالا (عريشة) احتضنت أهم كتبه، وأدوات كتابته وقليلا من أواني معيشته. تآخى مع النحل البرّيّ، وتقاسم معه العسل، واجتنى الفواكهة النديّة الشهيّة، وشرب ماء السواقي السلسبيل النمير، وأطلق العنان دون أيّة قيود لفكره، فجادت قريحته على الدنيا بثلاثين مؤلَّفا وأكثر، مؤلّفات عزّ شبيهها، وقلّ النظير. منها : ( المرداد، الغربال، جبران…..)
وعندما أكمل السبعين عام 1960م، وظنّ قرب النهاية، كتب سيرته الذاتية الرائعة (سبعون) فتح فيها صفحات حياته للإفادة والعظة والاعتبار. ثم طال العمر خلافا لظنه، فعاش تسعا وعشرين سنة فوق السبعين، وغادر الدنيا عام 1988 بعد أن لبث فيها وحيدا فريدا قَرنا إلا عاما.
وأين أنا منه؟! لكنها أفكار كليلة ينوء بها الذهن العاجز في هذه المحطة من العمر الشارد : تتراءى في المخيلة العليلة طفولة شقية تجعل الطفل كهلا، إذ توكل إليه مهمات الكبار وهو غضّ الإهاب صغير، فيُنتزع من عالم طفولته غصبا ليرعى المواشي، ويشارك في أعمال الفلاحة، ويُحرم لذيذ المنام.
وينخرط في المدرسة لينقسم يومه بين متطلبات الأهل التي لا ترحم، وواجبات الدوام، لتحترق سنوات عمره الأولى سريعا دون أن يشعر بها، أو يتذوق سعادتها.
ويتفوق في دراسته محافظا على القمة بين أقرانه، وتعلن نتائج الثانوية العامة في المذياع، ويلمع اسمه أحد العشرة الأوائل في المملكة.
يُسرع إلى والده ليبشره بالنبأ المدوّي، ينظر الوالد دون أن يبدو عليه أنه فهم شيئا، فيسأل : ( شو يعني العشرة الأوائل؟! بدّك ترجّع لي القدس؟؟َ!! )، (فيستحضر تيار الوعي في البال سريعا الكرنفال الاستعراضي الأسطوري لناجح الثانوية هذه الأيام، وما يرافق ذلك من استجلاب مصطنع للفرح، وإغلاق للشوارع، وأبواق تصمّ الآذان، ورصاص ماطر منهمر على رؤوس عباد الله الغافلين المهمومين……)
إجابة محبطة، وردة فعل تخيّب الآمال، لكنه تذكر فورا أن القدس درّة الأوطان، قد احتُلّت، فقُتل في النفوس السويّة كلّ فرح، وغُيّبت في الأرواح الأبيّة كلّ دهشة، فجاز التصرف قليلا في قول لبيد :
كلّ شيءٍ ما خلا”القدس” جللْ والفتى يسعى ويُلهيه الأملْ (جلل هنا بمعنى هيّن).
يعبر النهر شرقا، شوقه يسبقه إلى أرض عربية غير محتلة، يكاد يحضن كل جندي أردني على الحدود، لأنه يرى فيه الأمل المنشود لاستعادة الفردوس المفقود.
وعلى نفقة الدولة، يُخيّر للدراسة في مصر أو السعودية أو الكويت أو فرنسا، لكنه يختار الأردن، ويدرس في جامعته الفتية، مفضّلا تخصص اللغة العربية، يتفوق ويتخرج، وينسلك في شؤون التدريس ربع قرنٍ إلا قليلا، ويتدرج في شجونه معلما وأمين مكتبة ومديرا ومشرفا ورئيسا للإشراف…… ويكمل دراسته العليا خلال عمله، فيحصل على درجة الماجستير بمرتبة الشرف الأولى، وكذلك الدكتوراة، فيتحول إلى العمل في الجامعات الأردنية ربع قرنٍ آخر، مدرسا مدركا أهمية التعليم، باذلا كل ما يستطيع في خدمة طلابه، والوفاء بمهمته، والحفاظ على قدسية مهنته.
ويمضي قطار العمر سريعا…..يا لهف نفوسنا، ما أقصر الحياة!!!!! زواج وأولاد وأعباء لا تنقطع، وهموم لا تنتهي، مشاغل، مشاكل، صراع، ظلم، سعادة نادرة عزيزة المنال تلوح وسرعان ما تروح، صداقات تفنى وأخرى تتجدد، علاقات تنتهي وأخرى تتولّد، أحباب يتساقطون وتبتلعهم القبور، أوطان تتهاوى، آمال تتبدّد……
ونقف على الحصاد نتلفّت إلى الوراء بقلوبنا الموجوعة، نبكي على ماضٍ لن يعود، ونبحث عن بقايا حياة تسرّبت من بين أيدينا، فضاعت وما عشناها….
ونتفيّأ حكمة المعرّي الذي عانى أكثر مما عانينا، ثم اختصر الحكاية بحروف من ذهب:
تعبٌ كلُّها الحياةُ فما أعجبُ إلا مِن راغبٍ في ازديادِ!!!!!!!
آه! ما أمرّ الحياة!! يُقتل فيها الشجعان، ويتلوّى بالقهر والظلم أصحابُ العقول والمبادئ، بينما ( يُبرطع ) الجهلةُ الواهمون، والمنافقون، والمغفلون، والفاسدون….
قالها المتنبي بعد طول عِراك في شعاب الحياة، ومعاناة مرارتها وهمومها الفاتكة :
والهمُّ يختــرمُ الجــسيمَ نـــحافةً ويُشيبُ ناصيةَ الصبيِّ ويُهرِمُ
ذو العقلِ يشقى في النعيمِ بعقله وأخو الجهالةِ في الشقاوةِ ينعَمُ!!!!!

المصدر: سواليف

إقرأ أيضاً:

“لقاء الأربعاء”

 

 

‏كان سماحة الشهيد القائد- سلام الله ورضوانه عليه – واضحًا، وصادقًا منذ البدء، فقد كان يعرف ماهيّة عدوّه بالضبط، ولا يخاتل بهذا الشأن قيد أنملة.
ولأنه كان واضحًا، ولا يملك ما يخفيه، فقد وجّه أصحابه منذ البدء بتفريغ محاضراته إلى أوراقٍ مكتوبة، عُرفت بـ “الملازم”، وأن تكتب على وجهٍ واحد من الورقة، ليكتب كلّ مختلفٍ اعتراضاته، وفي مكانها بالضبط!
ولأنه قام بتحديد أعدائه في شعارٍ جامع، فلم يكن من حيث الأصل يعادي من أبناء الأمة أحداً، بقدر ما كان يناصحهم، ويشفق عليهم، ويعتبر من يعادون المشروع من أبنائها محض أدواتٍ لدى العدو الحقيقي، عن خوفٍ أو عن مصلحة، أو حتى عن جهلٍ وانخداع، وضحايا للحرب الناعمة والاستهداف الثقافي الممنهج.
ومنذ البدء فقد كان أعداؤه الحقيقيون يعرفونه، ويستشعرون في شعاره كلّ الخطر، ومذ كان تلامذته يعدّون بالأصابع، فقد كانت أمريكا تحشد عليه كلّ الدولة، بكل طغيانها وجلاوزتها ودعاياتها المكذوبة السوداء، وبكل جيشها في خاتمة المطاف.
وتستغرب الآن بالفعل، كما كان يستغرب في حينه كل الناس: ما الذي أزعج السلطة في شعارٍ يتفق معه كافة اليمنيين، ويعبر بالفعل- وبالضبط- عن دينهم وأخلاقهم وقوميتهم وإرثهم الثقافيّ المتجذر؟!
على أن سماحة الشهيد القائد كان، منذ البدء أيضًا، يعلم بالتحديد ماهيّة المنزعج، وأن السلطة محض أداةٍ وجلّادٍ مأمور!
لهذا فقد وجه أصحابه المعتقلين بالانقسام إلى فريقين، فريقٌ يسأل: من قام باعتقالكم؟ وفريقٌ يجيب: أمريكا!
من قام بتعذيبكم؟ فيما تبقى الإجابة ذاتها!
..
منذ البدء كان جامع صنعاء الكبير يعجّ بأهل الإيمان، ويعجّ أيضًا إلى جوارهم بالمُخبرين! وتذهب إلى غياهب السجن، تذهب وذنبك الوحيد “تكبيرة”! أحيانًا لأنّ “التهمة” ثبتت! وأحيانًا كانوا يلتقطونك لمجرد الاشتباه، لأنك “أوشكت” فيما يبدو! أو لأن مظهرك يوحي- بالفعل- أنك قد قلتها في سِرّك!
لقد كان ذنب “المكبرين” أنهم قالوا: ربنا الله! فيما كان حكامنا يعبدون السفير الأمريكي، إلى حدٍّ يوشك معه المجاز أن يصبح حقيقة!
..
و‏منذ أول لحظة، كان الشعار يستفزّ السفير الأمريكي، وعلى نحوٍ مباشر، وكان الصراع منذ البدء بين مشروعين متنافرين، لا يلتقيان.
وفي رسالةٍ إلى سماحة الشهيد القائد، من والده، – سلام الله عليهما – قال سماحة السيد بدر الدين الحوثي لابنه أن يأخذ حذره، لأنه لا يوجد في عصره من يفهم العدو أكثر منه.
وفيما يبدو، فقد كان العدو- أيضًا- يعرف عن سماحة الشهيد القائد، وعن مشروعه، ما يكفي لأن يتحشد بكله عليه! ويفهم تمامًا أن في مشروعه كل الخطر، وأنّ الصراع بين المشروعين محتّم؛ حتمية الصراع بين ذرية آدم وأتباع الشيطان.
لهذا فقد أشرفت أمريكا على كل الحروب ضد المسيرة، وضد أهلها، هو ضد الشهيد القائد، وضد مشروعه؛ من الأولى وحتى الحرب السادسة، ومنها حتى ثورة ٢١ سبتمبر، ومنها إلى العدوان علينا، إلى أيام الطوفان، إلى الآن وإلى ما شاء الله!
لقد كان عدو المسيرة معروفًا منذ البدء، بلا مخاتلة، وكان عدوها على طول الخط، فيما تغلغل في القلوب شعارها، وعلى نحوٍ مدهشٍ فقد انقشعت كل الدعايات الكاذبة المضادة، وانتصر الشعار.
وانتصرت بحجتها ملازمه! وكلّ ما في الأمر أن سماحة الشهيد القائد لم يقرأ الدنيا بعينٍ واحدة؛ لقد فهمها، ومنذ البدء، أن الأمر يحتاج لعينين لكي تقرأ: “عينٌ على القرآن، وعينٌ على الأحداث!”، وعن الفرق بين المشروعين فإن مشروع الدجال أعور، فيما خاب من أغمض عن حقائقها إحدى عينيه!
ومنذ الحرب الأولى ذهب أجنادٌ كثيرون لقتال المسيرة، بعضهم عن عقيدة، ليصبحوا فيما بعد من أخلص مخلصيها، وأعزّ شهدائها فينا، وأقربهم فينا إلى القلوب!
وفي الحرب الثانية يتواجه بطلان، على طرفي النقيض، مع المسيرة أحمد العزي، وضدّها حسن الملصي!
كلٌّ فيهما يهمّ بقتل صاحبه، كلٌّ في مترسٍ مختلف! ويشاء الله أن تمرّ اللحظة عليهما بسلام، ويجمعهما فيما بعد مترسٌ واحد؛ ويذهبا إلى الله رفيقين من رفاق الخلود! لا كأعداءٍ وإنّما كأخوين، كلٌّ تجمعه إلى جوار أخيه كتفٌ وبندقيةٌ؛ مسيرةٌ واحدةٌ وشعار!
..
و‏منذ البدء، وفي كل الحروب ضد المسيرة القرآنية، فقد كان السؤال الأكثر حضورًا في أذهان الناس هو: بأيّ ذنبٍ حوربوا؟!
فيما كان الآخر يفتقر إلى الحجة، ولهذا فقد كان يحتاج دائمًا لحشو الإعلام بالأكاذيب، ولأن حبالها “قصيرةٌ” فإنها دائمًا لا تلبث أن تتهتك!
وأمّا عن الصرخة فقد وصلت إلى كلّ قلب، وارتجّ بها من ساحاتنا كلّ ميدان!
والصرخة التي كان محظورًا عليك إطلاقها في باحات الجامع الكبير،قبل عقدين! سمعناها بعد عقدين من قلب غزة، في يومٍ مشهود، وفي ذروة نصر الإسلام على يهود! “وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ”
وفي صبيحة الأربعاء القادم، في الزاوية ذاتها بإذن الله. يبقى لنا حديث.

مقالات مشابهة

  • كارولين عزمي تتألق بدور الفتاة الشعبية في فهد البطل.. والجمهور: «هتولع الدنيا»
  • “على بلاطة”
  • كفو” مبادرةٌ شبابيةٌ تطوعية أعادت الألق ونبض الحياة لمدينة التل
  • عيشوا لحظات الحب من جديد في “ذي رستورانت” العنوان دبي مول
  • دارة الملك عبدالعزيز تكرّم “برنامج جودة الحياة” في ختام فعالية “مختبر التاريخ الوطني”
  • “لقاء الأربعاء”
  • المخرج خالد الحلفاوي لـ«كلمة أخيرة»: «والدي مرض ورحل سريعا بنفس خفته المعتادة»
  • نقابيون: أبدينا ملاحظاتنا على “معدل قانون العمل” وأزلنا أي مظاهر فيها تعسف على العمال
  • الدنيا ملهاش أمان.. تامر أمين يعلق على رحيل علي معلول عن الأهلي (فيديو)
  • شاهد: سرايا القدس تنشر رسالة مصورة للأسيرة الإسرائيلية “أربيل يهود”