فتاوى وأحكام.. هل مجادلة الوالدين من العقوق.. حكمة الله فى امتحان عباده بالابتلاء.. حكم صحة الصلاة مع الاستعجال؟.. وشرعية الاقتراض من البنك لإتمام الزواج
تاريخ النشر: 3rd, September 2023 GMT
فتاوى وأحكام
هل مجادلة الوالدين من العقوق.. ماذا نفعل عند خطأهما وأيهما يقدم في الطاعة؟
حكم الجهر والإسرار بالذكر بعد الصلاة
حكمة الله فى امتحان عباده بالابتلاء .. الأزهر للفتوى يوضح
هل الاستعجال في الصلاة يبطلها ؟
هل يجوز الاقتراض من البنك لإتمام الزواج.. الإفتاء ترد
نشر موقع صدى البلد خلال الساعات الماضية عدد من الفتاوى والأحكام التى تهم المواطنين ويسألون عنها في حياتهم اليومية، نبرز أهمها في هذا الملف.
هل مجادلة الوالدين من العقوق.. وأيهما يقدم في الطاعة؟ سؤال نجيب عنه من خلال التقرير التالي، حيث يعتبر بر الوالدين مفهومًا عامًا يشمل الإحسان إليهما، وفعل ما يسرهما من الأمور الحسنة.
هل مجادلة الوالدين من العقوق؟ قال الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 23-24] فجمع بين طاعته وطاعة الوالدين.
والإحسان إلى الوالدين طاعتهما فيما أمرا به بما لا يؤدي إلى أذيتهما، وكان في أمرهما مصلحة ظاهرة لهما، بحيث لو لم يطع الابن والديه –في غير معصية الله تعالى- لتأذى الوالد أو الوالدة إيذاء ليس بالهين، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في عقوق الوالدين: "صدور ما يتأذى به الوالد من ولده من قول أو فعل إلا في شرك أو معصية ما لم يتعنت الوالد" [فتح الباري لابن حجر 10/ 406].
فإذا أمر الوالد ابنه بأمر وأمرت الوالدة بخلافه، فإن قدر الابن على أن يرضيهما ويتوافقا في أمر معين فهذا أحسن الأمور، فإن لم يقدر ينظر أيهما فيه مصلحة: فإن كان أمر الوالد فيه مصلحة وأمر الوالدة مجرد تعنت فتقدم طاعة الوالد على طاعة الوالدة، وإن كان أمر الوالدة فيه مصلحة وأمر الوالد مجرد تعنت فيقدم أمر الوالدة.
أما إن كان أمر الأب وأمر الأم للابن في كليهما مصلحة له أو لم يدر المصلحة في أيهما، فإنه يقدم أمر الوالدة؛ وذلك لما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: (أمك) قال: ثم من؟ قال: (ثم أمك) قال: ثم من؟ قال: (ثم أمك) قال: ثم من؟ قال: (ثم أبوك).
قال الإمام النووي رحمه الله: "وفيه الحث على بر الأقارب، وأن الأم أحقهم بذلك، ثم بعدها الأب، ثم الأقرب فالأقرب، قال العلماء وسبب تقديم الأم كثرة تعبها عليه وشفقتها وخدمتها ومعاناة المشاق في حمله ثم وضعه ثم إرضاعه ثم تربيته وخدمته وتمريضه وغير ذلك" [شرح النووي على مسلم 16/ 102].
وقال ملا علي القاري رحمه الله: "وحديث أبي هريرة يدل على أن طاعة الأم مقدمة، وهو حجة على من خالفه... وقيل للحسن: ما بر الوالدين؟ قال: تبذل لهما ما ملكت وتطيعهما فيما أمراك ما لم يكن معصية" [عمدة القاري شرح صحيح البخاري 22/ 83].
وأجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد إليها مضمونة:"ما حكم قراءة الأذكار بعد الصلاة في السر وفي الجهر؟".
وردت دار الافتاء، موضحة: ان قراءة الأذكار بعد الصلاة في السر وفي الجهر الأمر فيها واسع، وقد ورد الأمر الرباني بالذكر عقب الصلاة مطلقًا في قوله تعالى: ﴿فإذا قَضَيتم الصلاةَ فاذكُرُوا اللهَ قِيامًا وقُعُودًا وعلى جُنُوبِكم﴾ [النساء: 103]، والمطلق يؤخذ على إطلاقه حتى يأتي ما يُقَيِّدُه في الشرع، فمَن شاء جَهَرَ ومَن شاء أَسَرَّ؛ لأن أمر الذكر على السعة، والعبرة فيه حيث يجد المسلمُ قلبَه، وعلى المسلم أن يتجنب التشويش على غيره بالذكر وغيره، وأن يراعيَ ما استقر عليه عمل الناس في ناحيته، وأن يلتزم بتعليمات الجهات التنظيمية.
فضل الذكر بعد الصلاة..الذكر بعد الصلاة يعمل على المحافظة على العلاقة الطيبة مع الله في الشدّة والرخاء، وبالتالي يحافظ المسلم على حبل التواصل مع الله دائمًا، ومن عرف الله أحبه وأقبل عليه وأخلص له.
الذكر بعد الصلاة يقوي الجسم ويمنح النور في الوجه، بالإضافة إلى أنّها تجلب الرزق لصاحبها. ترتقي بالمسلم إلى باب الإحسان، أي أن يعبد الله كأنّه يراه.
الذكر بعد الصلاة يباعد بين العبد والشيطان؛ فهو يطرده ويقمعه.
يعدّ الذكر سببًا للحصول على رضى الله -تعالى-. ذكر الله -تعالى- راحةٌ للقلب، وانشراحٌ للصدر؛ فهو يزيل الغم والهم من القلب.
يكون الذكر سببًا من أسباب جلب الرزق، وتوسعته.
يعدّ الذكر من أحبّ الكلام إلى الله -تعالى-.
يغفر الله -تعالى- للعبد ذنوبه بذكره، ويضع عنه خطاياه وسيئاته.
يعتبر الذكر من أفضل ما يقابل العبد به الله -تعالى- يوم القيامة؛ فيزيد في ثقل ميزان حسناته.
قال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، إن سُنَّة الله تعالى جَرَتْ في الكَون أن يمتحن خَلقه بألوان البلاء ليستشعروا معاني القرب منه سبحانه والتوكل عليه، وتفويض الأمر إليه، وتعبَّدَهم بالصبر على ما يكرهون واليقين في حكمته وتدبيره، ثم الشكر بعد رفع البلاء عنهم، واحتساب أجر صبرهم عليه.
وأضاف مركز الأزهر فى منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الإجتماعي فيسبوك، أنه على المبتلَى أن ينظر لحكمة الله تعالى من محنته، ويكون عند مراده منه في البلاء، وليَعلَم أن الله تعالى أرحم من أن يضيق على عبده دون غاية؛ فعنْ عَبْدِ اللَّهِ، أن رسول الله ﷺ قَالَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى، شَوْكَةٌ فَمَا فَوْقَهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا سَيِّئَاتِهِ، كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا». [متفق عليه].
هل الاستعجال في الصلاة يبطلها ؟.. أكدت دار الإفتاء المصرية، أنه إذا لم يتحقق ركن الطمأنينة بطلت الصلاة، ولو كانت فرضًا وجبت إعادتها.
وقالت دار الإفتاء المصرية رد على سؤال “حكم التسرع فى الصلاة ؟”: إن الاطمئنان فى الصلاة فى الركوع وفى الرفع منه وفى السجدتين وما بينهما فرض وركن، ومن دونه تبطل الصلاة وكأنها لم تكن.
واستشهدت بحديث النبي صلى الله عليه وسلم عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضى الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «إِذَا أَحْسَنَ الرَّجُلُ الصَّلَاةَ فَأَتَمَّ رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا قَالَتِ الصَّلَاةُ: حَفِظَكَ اللهُ كَمَا حَفِظْتَنِي، فَتُرْفَعُ، وَإِذَا أَسَاءَ الصَّلَاةَ فَلَمْ يُتِمَّ رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا قَالَتِ الصَّلَاةُ: ضَيَّعَكَ اللهُ كَمَا ضَيَّعْتَنِي، فَتُلَفُّ كَمَا يُلَفُّ الثَّوْبُ الْخَلَقُ فَيُضْرَبُ بِهَا وَجْهُهُ» أخرجه أبو داود الطيالسى فى "مسنده".
واشارت إلى أن العلماء يقولون إن الاطمئنان هو: استقرار الأعضاء والسكون قليلًا بعد الرفع من الركوع وقبل السجود، وأيضًا بعد الرفع من السجود وقبل السجدة الثانية، ولا بد أن يطمئن المصلى فى ركوعه وسجوده زمنًا يتسع لقوله: سبحان ربى العظيم فى الركوع، أو سبحان ربى الأعلى فى السجود مرة واحدة على الأقل، وإن كانت السنة أن يسبح ثلاثًا على الأقل.
أجابت دار الافتاء المصرية، عن سؤال ورد اليها مضمونة:" إذا ماتت المرأة الحامل عند الولادة؛ فما حكم غُسلها والصلاة عليها؟".
لترد دار الإفتاء موضحة، ان فقهاء المذاهب الأربعة اتفقوا على أن المرأة الحامل إذا ماتت في الولادة تُغسَّل ويصلَّى عليها؛ لما رواه الإمامان البخاري واللفظ له، ومسلمٌ في "صحيحيهما" عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: "صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا، فَقَامَ عَلَيْهَا وَسَطَهَا".
وأشارت دار الإفتاء، لها حكم الشهداء في الآخرة وثوابهم فضلًا من الله ورحمة.
ورد في السنة النبوية أن المرأة التي تموت أثناء الولادة لها أجر شهيد، كما في قول النبي-صلى الله عليه وسلم- الذى روى عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ لِلْمَرْأَةِ فِي حَمْلِهَا إِلَى وَضْعِهَا إِلَى فِصَالِهَا مِنَ الأَجْرِ كَالْمُتَشَحِّطِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ هَلَكَتْ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ فَلَهَا أَجْرُ شَهِيدٍ».
وأوضح العلماء والمحدثين أن هذا الحديث ورد في مسند عبد بن حميد وكتاب العيال لابن أبي الدنيا وأحكام النساء لابن الجوزي عن ابن عمر مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد حسن هذا الحديث بعض أهل العلم، مضيفين أن للمرأة أجرا كبيرا في تحملها مشاق الحمل والولادة والتربية فجعلها في مرتبة وأجر الشهيد، الذي يتخبَّط ويتمرَّغ في دمه؛ لأنها فى هذا الوقت بتخدم النوع بتكثير المسلمين.
وأوضح العلماء والمحدثون فى شرح هذا الحديث أن الذنوب التى تكفر بألم الولادة والوضع هى الصغائر وليست الكبائر على ما ذهب إليه الكثير من العلماء، لأن الذنوب الكبائر لا بد لها من توبة خاصة بها.
قال الشيخ محمود شلبي، أمين لجنة الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إنه يجوز الحصول على قرض بزيادة؛ بشرط أن يكون لحاجة ضرورية.
وأضاف شلبي، فى إجابته، عن سؤال ورد اليه، مضمونه: (ما حكم الاقتراض للزواج والعفة ؟)، أن الأصل فى القرض أنه قرض بفائدة وليس تمويلا لمشروع، فالأصل فى القرض أنه لا يصح إلا إذا كانت هناك ضرورة أو حاجة ملحة مثل السكن أو علاج أو غيرها، فهذه حالات حرجة وتنزل منزلة الضرورة، فمن الممكن فى هذه الحالات أن نأخذ قرضا، ولكن نأخذ على قدر احتياجنا فقط، وذلك لقوله- تعالى-: “فمن اضطر غير باغ ولا عاد”، ولذلك قال الفقهاء على أن الضرورة تقدر بقدرها.
كان الشيخ محمد عبدالسميع، مدير إدارة الفروع الفقهية بدار الإفتاء، إن المال لا تجب فيه الزكاة إلا إذا بلغ النصاب وحال عليه الحول وهناك شرط آخر قال به بعض الفقهاء وهو ما اعتمدته دار الإفتاء المصرية وهو أن المال المدخر للحاجات الأصلية لا زكاة فيه كالمسكن والمأكل والمشرب والملبس.
وأضاف عبدالسميع، في فتوى له ردا على سؤال: ( عملت جمعية حتى أزوج أبنائي فهل هذا المال عليه زكاة؟)، أن الزواج يلحق بهذا الأمر، فإذا كان المال مدخر لأجل الزواج فى حدود المعروف فإنه لا زكاة فيه بناء على هذا الرأى فإن كان المال المدخر للزواج بلغ النصاب وحال عليه الحول ولم يتجاوز الحد الذي يغطي نفقات الزواج.
وأشار الى أنه إذا كان الابن أو البنت على مقربة من الزواج أي يجهزونهم فليس على هذا المال زكاة أما إذا كان لديهم وت على زواجهم ففى هذه الحالة يزكى من هذا المال.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: حكم الجهر والإسرار بالذكر بعد الصلاة هل الاستعجال في الصلاة يبطلها هل يجوز الاقتراض من البنك لإتمام الزواج دار الإفتاء المصریة صلى الله علیه وسلم الله تعالى ى الله ع إذا کان إن کان ة الله على أن
إقرأ أيضاً:
فضل صيام شهر رمضان.. يغفر لك ما تقدم من ذنبك بـ شرطين
لا شك أنه ينبغي معرفة فضل صيام شهر رمضان لأنه من أهم أسباب الحرص ومن ثم الاغتنام، فإذا كان الكثيرون يعرفون أن صيام هذا الشهر الفضيل له فضل عظيم ، إلا أن هناك من يفرطون فيه ويخسروه لأنهم لا يدركون فضل صيام شهر رمضان ولا يعلمون الحكمة من الصيام فيه ، فيهيأ لهم بأنه شهر الحرمان من الطعام والشراب فقط، فيحرمون أنفسهم من الكثير من الخيرات والنفحات الربانية والنورانيات والكرم، التي هي بعضًا من فضل صيام شهر رمضان العظيم، الذي لا يفوته عاقل ، حيث إن بلوغ شهر رمضان هو في ذاته نعمة يغفل عنها أولئك الذين يغفلون عن فضل صيام شهر رمضان ، وهذا قد يكون تفسيرًا منطقيًا لأولئك الذين يفطرون في رمضان دون عذر ويتكاسلون عن الأداء العبادات والطاعات فيه، فلو علموا فضل صيام شهر رمضان وأنه المتنفس من كل هموم الدنيا وأعبائها ومتاعبها التي انهكتنا لانضموا للكثيرين الذين يتمنون لو أن العام كله رمضان .
قال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، إنه فيما أخرج الإمام أحمد وأصحاب السنن عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».
وأوضح «مركز الأزهر» في شرحه للحديث الشريف عن فضل صيام شهر رمضان ، أن الصيام ومغفرة الذنوب ورد في المعنى الإجمالي للحديث، حيث شرع الله سبحانه على المسلمين المكلفين فرضية صيام شهر رمضان فقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ».
و أضاف: "ورغبة في الحث على الصيام قد أودع الله سبحانه في شهر رمضان عديدًا من المنافع الدينية والدنيوية، ونلاحظ هنا في تعبير الحديث الشريف عن صيام رمضان وقيده بالإيمان، ليشكل صورة أدبية بليغة في كلمة واحدة، للدلالة على أن الصيام لا يقبل من الكافر مطلقًا، ولا يثاب عليه الفاسق، وإن سقط عنه الفرض، ذلك أن الأساس في قبول الأعمال هو الإيمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم مع الطاعة المطلقة لهما".
و استشهد بقوله تعالى: «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ»، وهذا سر تخصيص الخطاب بأهل الإيمان في قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»، ومعنى قوله إيمانًا: أي: مؤمنا بالله ومصدقا بأنه تقرب إليه (واحتسابا)، أي: محتسبا بما فعله عند الله أجرا لم يقصد به غيره.
وتابع: "قال القاري: أَيْ طَلَبًا لِلثَّوَابِ مِنْهُ - تَعَالَى - أَوْ إِخْلَاصًا أَيْ بَاعِثُهُ عَلَى الصَّوْمِ مَا ذُكِرَ، لَا الْخَوْفُ مِنَ النَّاسِ، وَلَا الِاسْتِحْيَاءُ مِنْهُمْ، وَلَا قَصْدُ السُّمْعَةِ وَالرِّيَاءِ عَنْهُمْ، وَقِيلَ: مَعْنَى احْتِسَابًا اعْتِدَادُهُ بِالصَّبْرِ عَلَى الْمَأْمُورِيَّةِ مِنَ الصَّوْمِ وَغَيْرِهِ، وَعَنِ النَّهْيِ عَنْهُ مِنَ الْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَنَحْوِهِ، طَيِّبَةً نَفْسُهُ بِهِ، غَيْرَ كَارِهَةٍ لَهُ، وَلَا مُسْتَثْقِلَةٍ لِصِيَامِهِ، وَلَا مُسْتَطِيلَةٍ لِأَيَّامِهِ. وأسلوب الشرط هنا قد جاء ليثير انتباه القارئ، ويحرك عواطفه ومشاعره، فتستقر معاني الحديث وقيمه الخلقية، في أعماق النفس إيمانًا وتصديقًا وإخلاصًا، ابتغاء مرضاة الله عز وجل".
وأشار إلى أنه مما يستفاد من الحديث: أولا فرضية صيام شهر رمضان على العاقل البالغ المكلف، وثانيًا فضل الإيمان واشتراطه لقبول الأعمال الصالحة، وثالثًا احتساب الأجر عند الله تعالى من علامات القبول، ورابعًا بلاغة الأسلوب النبوي في الحديث الشريف، وخامسًا عظيم فضل الله تعالى الواسع وإنعامه السابغ.
فضل صيام رمضانخصَّ الله عز وجل عبادة الصيام من بين العبادات بفضائل وخصائص عديدة، منها: أولًا: أن الصوم لله عز وجل وهو يجزي به، كما ثبت في البخاري (1894)، ومسلم ( 1151 ) من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي».
ثانيًا: إن للصائم فرحتين يفرحهما، كما ثبت في البخاري ( 1904 ) ، ومسلم ( 1151 ) من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إذَا أفْطَرَ فَرِحَ، وإذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بصَوْمِهِ».
ثالثًا: إن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، كما ثبت في البخاري (1894) ومسلم ( 1151 ) من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله عز وجل يوم القيامة من ريح المسك».
رابعًا: إن الله أعد لأهل الصيام بابا في الجنة لا يدخل منه سواهم، كما ثبت في البخاري (1896)، ومسلم (1152) من حديث سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ فِي الجَنَّة بَابًا يُقَالُ لَهُ: الرَّيَّانُ، يدْخُلُ مِنْهُ الصَّائمونَ يومَ القِيامةِ، لاَ يدخلُ مِنْه أَحدٌ غَيرهُم، يقالُ: أَينَ الصَّائمُونَ؟ فَيقومونَ لاَ يدخلُ مِنهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فإِذا دَخَلوا أُغلِقَ فَلَم يدخلْ مِنْهُ أَحَدٌ».
خامسًا: إن من صام يومًا واحدًا في سبيل الله أبعد الله وجهه عن النار سبعين عامًا، كما ثبت في البخاري (2840)؛ ومسلم (1153) من حديث أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما مِنْ عبدٍ يصومُ يوْمًا في سبِيلِ اللَّهِ إلاَّ بَاعَدَ اللَّه بِذلكَ اليَوْمِ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سبْعِين خريفًا».
سادسًا: إن الصوم جُنة «أي وقاية» من النار، ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الصيام جُنة»، وروى أحمد (4/22) ، والنسائي (2231) من حديث عثمان بن أبي العاص قال : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «الصيام جُنة من النار، كجُنة أحدكم من القتال».
سابعًا: إن الصوم يكفر الخطايا، كما جاء في حديث حذيفة عند البخاري (525)، ومسلم ( 144 ) أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر».
ثامنًا: إن الصوم يشفع لصاحبه يوم القيامة، كما روى الإمام أحمد (6589) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ : أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ. وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ. قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ».
فضل شهر رمضانأولًا: خص الصائمين بباب في الجنة يُسمى باب الريان، وحتى يحصل الأجر العظيم ينبغي للصائم اجتناب أعمال السوء كلها، والبعد عن الرفث والفسوق، مصداقًا لِما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (الصِّيَامُ جُنَّةٌ فلا يَرْفُثْ ولَا يَجْهلْ، وإنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ).
ثانيًا: فيه ليلة القدر: فقد فضّل الله -تعالى- شهر رمضان بأن جعل فيه ليلة عظيمة، تُغفر فيها الذنوب والآثام، وتتضاعف فيها الأجور، مصداقًا لقول الله تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ)، بالإضافة إلى ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (مَن قامَ ليلةَ القَدرِ إيمانًا واحتِسابًا غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ من ذَنبِهِ).
ثالثًا: شهر العتق من النار، و العتق من النار أسمى أمنيات المسلم، لا سيما أن العتق يعني اجتناب عذاب النار، ودخول الجنة، ومن فضل الله -تعالى- ورحمته بعباده أنه يصطفي منهم في كل ليلة من شهر رمضان عتقاء من النار، مصداقًا لِما رواه أبو أمامة الباهلي -رضي الله عنه- عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (إنَّ للَّهِ عندَ كلِّ فِطرٍ عتقاءَ وذلِك في كلِّ ليلةٍ).
رابعًا: شهر نزول القرآن الكريم، من أعظم فضائل شهر رمضان المبارك أن الله -تعالى- اصطفاه من بين شهور العام وأنزل فيه القرآن الكريم، مصداقًا لقوله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ)، بل إن جميع الكتب السماوية نزلت في شهر رمضان، مصداقًا لِما رواه واثلة بن الأسقع -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (أُنزلتْ صحفُ إبراهيمَ أولَ ليلةٍ من شهرِ رمضانَ، وأُنزلتِ التوراةُ لستٍّ مضتْ من رمضانَ، وأُنزل الإنجيلُ بثلاثِ عشرةَ مضتْ من رمضانَ).
خامسًا: من فضائل شهر رمضان أن فيه صلاة التراويح، لا سيما أن الإجماع انعقد على سنيّة قيام ليالي رمضان، وقد أكّد الإمام النووي -رحمه الله- أن المقصود من القيام يتحقق في صلاة التراويح، وقد أخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن قيام رمضان مع التصديق بأنه حق، واعتقاد فضيلته، والإخلاص بالعمل لوجه الله تعالى، واجتناب الرياء والسمعة، سبب لمغفرة الذنوب، حيث قال: (مَن قامَ رمضانَ إيمانًا واحتِسابًا، غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ مِن ذنبِهِ).
سادسًا: اختص الله -تعالى- شهر رمضان بأن تُفتح أبواب فيه الجنة، وتُغلق أبواب النيران، وتصفّد الشياطين عند دخوله، كما ورد في الحديث الذي رُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إذا جاءَ رَمَضانُ فُتِّحَتْ أبْوابُ الجَنَّةِ، وغُلِّقَتْ أبْوابُ النَّارِ، وصُفِّدَتِ الشَّياطِينُ).
سابعًا: شهر الجود في كل شيء، فقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان أجود ما يكون في شهر رمضان.
ثامنًا: رمضان من الأوقات التي يُستجاب فيها الدعاء، ويُكرم الله فيه عباده بالعديد من الكرامات، ويعطيهم المزيد من فضائل رحمته وعطياه؛ فصيام رمضان هو الركن الرابع من أركان الإسلام، حيث صامه رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم-، وأمر الناس بصيامه، وأخبرهم أن من صامه إيمانًا واحتسابًا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ومن قامه إيمانًا واحتسابًا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، كما حث فيه على المبادرة إلى التوبة من الذنوب والخطايا، والتعاون على البر والتقوى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجميع الأخلاق التي تُرضي الله، وتُقرب العبد من ربه.
تاسعًا: العمرة في رمضان ثوابها مضاعف، وقد أخبر رسول الله أنّ العمرة في رمضان تعدل الحج في الأجر والثواب.
عاشرًا: الصدقة في رمضان أجرها عظيم، فقد كان رسول الله أجود الناس في رمضان.
أحد عشر: من فضائل الصيام أن الله -تعالى- قد أضافه إليه، فكل أعمال العباد لهم، إلا الصيام فهو لله وهو يجزي به، وقد قال العلماء في سبب اختصاص الصوم بهذه المزية أنّه من الأعمال التي لا يقع فيها الرياء، وقيل لأن الله هو فقط العالم بمقدار ثوابه ومضاعفة حسناته، وهو من أفضل الأعمال التي لا مساوي لها عند الله، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي أمامة الباهلي: (عليك بالصَّوم فإنَّه لا مثل له)، وهو وقاية من شهوات الدنيا، فيمنع صاحبه من الوقوع في الشهوات والمعاصي، وهو وقاية من عذاب الآخرة كذلك.
اثنا عشر: يحصل الصائم على أجر الصبر على طاعة الله، والصبر في البعد عن المعصية، والصبر على ألم الجوع والعطش والكسل وضعف النفس، وفيه يكفر الله الخطايا والذنوب، ويشفع لصاحبه يوم القيامة، ويدخله الجنة من باب الريان، ويعيش الصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، وإنّ خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وقد بشّر رسول الله بأنّ دعوة الصائم من الدعوات المستجابة، فقال: (ثلاثُ دعواتٍ مُستجاباتٍ: دعوةُ الصائم، ودعوةُ المظلُوم، ودعوةُ المسافر).