كتبت الأستاذة رشا عوض في موضوعها "الجذريون والحرب" هذه الجملة: "يجب أن لا نخدع أنفسنا من الآن فصاعداً بعبارات "ثورة وعي"، لأن الوعي الثوري متخلف كثيراً عن الفعل الثوري، للأسف "نصف ثورة تساوي ثورة مضادة كاملة"! وهذه الحرب ليست سوى الحلقة الأخيرة في مسلسل الثورة المضادة في حالة انتصار أي طرف من طرفيها".
(1)
في ليلةٍ من ليالي يناير 2023م، أي قبل اندلاع الحرب بأشهرٍ قليلة، وأثناء المقاومة الباسلة للجان مقاومة السودان، في جميع ربوعه، ضدّ انقلاب أكتوبر التعيس، وتحديداً حول محيط منطقة شروني وحديقة القرشي، شارع كاتارينا؛ اقتحم "شباب" من حي الخرطوم 3، ومن ضمنهم أعضاء في لجنة مقاومة الحي، فعاليّة فنيّة نظّمتها مؤسسة "مساحة جالوص غاليري"، وكانوا مُسلَّحين بأسلحة بيضاء! "مما أدى لعمليات نهب وتخريب واسعة" حسب الخبر المنشور –وللمفارقة- في صحيفة التغيير الإلكترونية التي ترأسها الأستاذة رشا عوض(1). وقد قرأت البيان الرصين والقوي الذي أصدرته مجموعة غاليري جالوص (يجده القارئ في الهوامش أدناه)، ولكنني، كذلك، قرأت نصّ شكوى أهل الحي (الخرطوم 3) لقسم الشرطة، إذ ذكر النص -فيما ذكرَ من بديهيّات الفعاليّات الثقافيّة لافتتاح الغاليريهات- إنهم يقيومون احتفالات غير لائقة، وأن الحي تسكنه "أسر" بل قيل في البيان أن "لدينا أخوات"! لقد تمّ اعتقال عضو شهير جدّاً بلجان المقاومة الثوريّة حينها لقيادته الاعتداء! (هنا ديل لا فلول لا كيزان، ديل اسمهم أولاد الحِلَّة)، بل لقد توسَّط فنانٌ تشكيليٌّ معروف، يسكن ذات الحي، لإطلاق سراحه. أتذكّر أنني أرسلت بيان أهل الحيّ للدكتور حسن موسى، والذي كان متواجداً في ذات الحي حينها، وكذلك كنتُ أسكن. قال في ردّه: "يا زول ديل أخوان البنات". جملة معبّرة عن الوعي المتخلّف الذي تتحدّث عنه الأستاذة رشا عوض. قبلها، وفي يوليو من العام 2022م، صفع أحد أعضاء لجان مقاومة الديم فتاة -أثناء اعتصام مستشفى الجودة الشهير بالخرطوم- لأنها كانت تدخّن!
علينا أن لا نحمّل "شباب لجان المقاومة" فوق طاقتهم، بل أن نتوقّع منهم أن يتحوّلوا، فجأةً، لمناصرين للفن والمرأة وغيرها من الأفكار التقدّمية التي تحتاج جُهداً تثويريّاً فكريّاً تغاضت عنه جميع الأحزاب السياسيّة، وأكثرُ تلك الأحزاب تخييباً للأمل في نهايات حياته الهادفة للتغيير الفكري والاجتماعي، كان الحزب الشيوعي السوداني، ذا الباع الطويل في هذا الأمر.
في الناحية الأخرى من هذه الفئة المَفروزة من الشباب، شباب لجان المقاومة، كان هنالك شباب قوّات الشرطة والاحتياط المركزي وقوات الدعم السريع. كانوا يلتقون في ميدان المعركة –الشارع- في جهةٍ يقف المسلّحون، وفي الجهة الأخرى يقف السلميُّون، ثم، في نهاية اليوم، يودّعون بعضهم البعض على أمل اللقاء في الموكب المقبل.
ما الذي نستطيع أن نتعلَّمه من هذه الصراعات الضئيلة؟ سؤال وجيه: أن الشباب، مهما اعتقدّت أنك من السهل اقتيادهم إلى الحرب، أو الحب، أو المقاومة؛ فإنك لا تملك المفاتيح، ولن تستطيع إقناعهم بشيءٍ لا يقع على يدهم الواقعيّة، حيث تُقتل الأمهات، والأخوات، والأفكار كلها!.
لقد تغاضت الحركة السياسيّة عن منجزات الحركة الثقافية في السودان، بل إنهم دفنوها وسط صراعاتهم. إنهم ينسون –كما تنسى رشا عوض- الكم الهائل من التعليم والثقافة التي حدثت في السودان، ليس لأي شيءٍ سوى أنهم لم ينجزوا أي شيء. انتمت الكاتبة لـ"حزب الأمة" –شوف ليك اسم؟- ولم يفعل حزبها شيئاً سوى تغبيش الوعي، باستمرار.
حتى الحزب الشيوعي لم يستثمر في الوعي، بل كانت، أعلى درجات النضال بالنسبة إليه، هو "الرجالة"، لقد نسفوا كلّ مفكرٍ حيويٍّ داخل أروقتهم، بل رفدوهم، وحطّموهم اجتماعياً. جميع ضحايا الحزب الشيوعي السوداني كانوا أصدقاءً لي، وقد رأيتهم يناهرون، واحداً تلو الآخر، فقط لأن كائنات -كهنادي فضل- يتسلّقن قيادة الحزب، وينهارون لأجله، بل يقتلون أي مخالف. ما الذي حدث للحزب الشيوعي فعلاً؟ لا يدري أحد.
إنها "ثورة وعي" بمنطق واحد فقط: لقد طرحت الثورة أسئلة عظيمة لم تكن في بال السودانيين؛ التعدد والاختلاف، لم يكن السودان مُعرضاً لأسئلةٍ حقيقيّة تمسّ عصب الحياة مثل التعدد والاختلاف، إن لم تنجز الثورة من وعي غير طرح هذه الأسئلة، حتّى حرب أبنائها من جهة الدعم السريع، فهي ثورة ظافرة، وظافرة فقط لأجل الوعي.
تحياتي يا رشا.
mamoun.elfatib1982@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
الأهلي يحتوي ثورة العمال والموظفين بسبب الحد الأدنى
نجح مجلس إدارة النادي الأهلي برئاسة محمود الخطيب في احتواء غضب العمال والموظفين وإخماد الاحتجاجات التي اندلعت بسبب عدم تنفيذ قرارات تطبيق الحد الأدنى للأجور، بعدما نظم عدد من العاملين في الفروع الأربعة للنادي (الجزيرة – مدينة نصر – الشيخ زايد – التجمع) احتجاجات ضد مجلس الإدارة اعتراضًا على عدم تنفيذ الوعود السابقة المتعلقة بزيادة الرواتب وتطبيق الحد الأدنى للأجور.
وعقد محمد العزاوي ومحمد الجارحي عضوا مجلس الإدارة جلسة مع عدد من العمال والموظفين المنظمين للاحتجاجات للاستماع إلى مطالبهم وتوضيح موقف الإدارة والخطوات المقرر اتخاذها لتصحيح الأوضاع.
وتعهدت إدارة النادي خلال الجلسة بتطبيق الحد الأدنى للأجور بما يتوافق مع قرارات الدولة في أقرب وقت، واستجاب العمال والموظفون لطلب الإدارة بإنهاء الاحتجاجات بعد تأكدهم من رغبة الإدارة الواضحة في منح الحقوق.
بدأت الأزمة عقب صرف مرتبات شهر أكتوبر، حيث فوجئ العاملون بعدم تنفيذ قرار زيادة الأجور الذي أعلن عنه محمود الخطيب رئيس النادي قبل أسابيع، إذ كانت الإدارة قد وعدت بتطبيق الحد الأدنى وصرف الزيادة بأثر رجعي مع رواتب الشهر الحالي، إلا أن ما تم صرفه بالفعل لم يتجاوز زيادة تتراوح بين 300 و500 جنيه فقط، وهو ما اعتبره الموظفون إخلالًا بالوعد الذي قطعه رئيس النادي على نفسه.
وأكد عدد من العاملين أن رواتبهم الشهرية لا تتجاوز 3500 إلى 4000 جنيه شاملة الحوافز، رغم زيادة أعباء المعيشة وارتفاع الأسعار، مشيرين إلى أنهم لن يتراجعوا عن مطالبهم بتطبيق الحد الأدنى للأجور الذي وعد به الخطيب، ولوّح بعضهم بالدخول في اعتصام مفتوح حال عدم الاستجابة بعد الانتخابات.
وكان سعد شلبي، المدير التنفيذي للنادي، قد أعلن في وقت سابق عن قرار مجلس الإدارة بتطبيق الحد الأدنى للأجور لجميع العاملين، بمن فيهم المدربون والعاملون بنظام نصف الوقت، مشيرًا إلى أن القرار يأتي ضمن خطة تطوير الهيكل التنظيمي للنادي ورفع كفاءة الأداء دون النظر للتكلفة المالية.
وأكدت إدارة النادي الأهلي أنها تراجع حاليًا جميع الترتيبات الخاصة بانعقاد الجمعية العمومية المقرر لها يوم الجمعة 31 أكتوبر الجاري، والتي ستشهد إجراء انتخابات مجلس إدارة جديد يقود النادي خلال السنوات الأربع المقبلة.
وأوضحت الإدارة أن كافة الإجراءات التنظيمية تُجرى لضمان أعلى درجات الشفافية والنزاهة خلال العملية الانتخابية، مشيرة إلى أنه تم الاتفاق مع الجهة الإدارية المختصة على أن تُجرى الانتخابات تحت إشراف قضائي كامل على عملية التصويت وفرز النتائج.