حركة النهضة على أبواب المؤتمر: تنازلات ظرفية أم مراجعات
تاريخ النشر: 3rd, September 2023 GMT
هل يتخلى حزب النهضة عن الأسلمة وتطبيق الشريعة في وثائق ملزمة
أجرى الرئيس الانتقالي لحركة النهضة منذر الونيسي عدة حوارات متقاربة مع الجزيرة نت، ومع العربي الجديد، ثم جون أفريك، ووكالة الأنباء الألمانية، وهذا التزامن ليس اعتباطياً. وحرص خلال هذه الحوارات على إيصال رسائل واضحة بعضها للسلطة والبعض الآخر لجمهور حركة النهضة الذي يعيش حالة من الانتظار، خاصة بعد الانسحابات الفردية والانشقاقات الجماعية.
الرسالة الأولى التي حرص الونيسي على توجيهها إلى السلطة هي أن الهدف الأول للمؤتمر الذي تستعد النهضة لعقده في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل سيكون التخلي عن رئاسة راشد الغنوشي للحركة. وهذا لا يعني أنها تتخلى عنه وهو في السجن وتتركه لمصيره، ولكن هي تراهن على أن الرجل حتى لو خرج بشكل قضائي قبل المؤتمر أو بعده، أو ضمن مناخ للتهدئة، فلن تكون له سلطة قانونية أو مؤسساتية على الحركة، وسيكون مجبراً على أن يظل على الهامش.
ويعرف الونيسي، الذي يمثل تياراً براغماتياً متزايداً داخل الحركة يريد أن يقطع الطريق أمام أيّ استهداف أمني وقضائي، أن مشكلة الرئيس قيس سعيد مع الغنوشي بدرجة أولى بسبب ما علق في الأذهان من مخلفات صراع الصلاحيات وحكاية الدبلوماسية البرلمانية التي تم فهمها في سياق تهميش أيّ تأثير للرئيس سعيد في الدبلوماسية وحصر دوره في تفاصيل صغيرة.
وسيجد الونيسي لهذه الفكرة طرقاً مختلفة لتنفيذها، منها أن المؤتمر السابق للحركة قد حصر ولاية الغنوشي في دورتين متواليتين، وهو ما يعني أن مدته انتهت قانونياً. كما أن الغنوشي نفسه سبق أن ألمح إلى أنه لا يرغب في تجديد ولايته. يضاف إلى ذلك رغبة جمهور واسع من القيادات التاريخية ممن انسحب وممن بقي يطالب بترجل الغنوشي عن الكرسي.
وبدأ الرئيس الانتقالي للنهضة يجد في طريقه انتقادات لفكرة التضحية بالغنوشي، وهو في السجن، وأنه يبدو كما لو استجاب لرغبة السلطة والأحزاب القريبة منها بضرورة تحييد الغنوشي كشرط للقبول بالنهضة والحديث معها.
لكن لا شيء يوحي بأن السلطة ستفتح الباب للحوار مع الونيسي وتياره فيما لو تأكد تحييد الغنوشي عن القيادة. فهذا التنازل لا يعني لها شيئاً، خاصة أنها لا تؤمن بالأحزاب ولا بالشخصيات البراغماتية.
ويمكن للرئيس الانتقالي للنهضة أن ينظر حوالي الرئيس سعيد ليرى إن كان يحتفي بالأحزاب أم لا، بما في ذلك الأحزاب التي طالما قالت إنها حزام الرئيس وهي الأقرب له. وحين جافاها قالت إنها مع مسار 25 يوليو (تموز) حتى وإن احتكره قيس سعيد نفسه، وهذه اللغة بدت واضحة جلية في البيان الختامي للمجلس الوطني لحركة الشعب.
والأمر نفسه يتعلق بورقة الحوار التي يعرضها الونيسي على السلطة كبادرة حسن نية ورغبة في التهدئة معها. لكن الرئيس الانتقالي لا يختلف في إدارة العلاقة مع السلطة مع أسلوب الرئيس الأصلي. فهو يرسل الإشارة ونقيضها؛ من ناحية هو مع الحوار ويلمّح إلى استعداد النهضة لأن تتغير وتراجع مواقفها وخططها، ومن ناحية ثانية يقول إن سلطة 25 يوليو هي من ستسعى للحوار مضطرة مراهنا على أن الوضع الاقتصادي الصعب سيدفعها إلى ذلك رغما عنها.
ويقول الونيسي في حواره مع وكالة الأنباء الألمانية "إن منظومة 25 يوليو فشلت على كل الأصعدة ومن الحكمة (…) فتح انتخابات مبكرة وإتاحة الفرصة للجميع للمشاركة".
من الواضح أن الونيسي، وإن بدا راغباً في الاقتراب من السلطة، إلا أنه لا يريد حرق أوراقه كلها، وهو يريد أن يضع ساقا هنا وأخرى هناك. ساق مع السلطة في مسعى لإثنائها عن اتخاذ إجراءات تصعيد ضد الحركة المرهقة بسبب الخلافات والانشقاقات وجروح الحكم، وساق أخرى مع المعارضة وإلى جانب جبهة الخلاص، أي تحتفظ الحركة بجانبها "الثوري" حتى لا تفقد جزءاً من جمهورها الذي تربى على المزايدات، وخاصة حتى لا تفقد حلفاءها ممن تعودوا أن يصعدوا على أكتفاها لإطلاق الشعارات ثم ينفضّون من حولها لحظة المواجهة.
هل يمكن أن نقول إن الونيسي قدم تنازلات لإغراء السلطة بتصديقه، وتصديق أن النهضة يمكن أن تتغير. ما الذي حمله خطاب الرئيس الانتقالي للنهضة من مختلف عن تنازلات سابقة، كان أهمها القبول بتغيير اسمها من حركة الاتجاه الإسلامي بمحاميله التاريخية والسياسية إلى حركة النهضة كاسم يحتمل التأويل ونقيضه، أو التنازل الذي قاد إلى توقيع الحركة على الميثاق الوطني في 1988 الذي يحولها إلى حزب مدني ليبرالي دون مراجعات فكرية أو حركية.
إذا كانت النهضة تبحث لنفسها عن مكان في مسار 25 يوليو لماذا لا تقدم على مراجعات واضحة، دون نعم ولكن، ودون الإيحاء بالشيء ونقيضه.
هناك مراجعات تخص الحركة في الداخل، وتتعلق بما يسمّيه قادتها بالديمقراطية الداخلية. كيف يمكن أن تتماشى تجربة الحزب/التنظيم مع الشعارات التي ترفعها حول الديمقراطية والحريات والتنوع، في وقت يسيّر فيه الحزب من الداخل بصلاحيات واسعة للرئيس يمددها متى شاء.
هل يمكن أن تكون ثمة ديمقراطيتان، واحدة للداخل تستقي مشروعيتها من مفهوم للشورى يعطي صلاحيات كبرى للرئيس/الأمير وفق تأويل الشورى غير الملزمة، وديمقراطية خارجية للدولة تستهدف تقوية البرلمان وتحجيم دور رئيس الجمهورية بغاية تطويق الاستبداد. هل الاستبداد داخل الجماعة مستحب وخارجها مكروه.
لكن الأهم في هذه المراجعات أن تتم وفق مدونة مضبوطة يتبناها المؤتمر أو يأذن بإنتاجها نصاً مكتوباً، وألا تتم بشكل انتقائي كما يجري عادة على لسان هذا القيادي أو ذاك باجتهاد شخصي، أو نتيجة ضغط مّا يلجأ إلى قاعدة "الضرورات تبيح المحظورات".
ولعل أهم المراجعات المطلوبة أن يتخفف الحزب الجديد من ميراث ثقيل ومعقد لتجارب حركات الإسلام السياسي التي تصر على أن تكون حركات شمولية، فهي حركة سياسية وفقهية ودعوية وفرقة ناجية.
ماذا سيختار تيار الونيسي الذي ينتظر أن يكون التيار الغالب في المؤتمر: مسار الحزب السياسي المدني النفعي/البراغماتي الذي يهدف إلى خدمة الناس، أم يظل في صورة الحزب الثوري الذي يتبنى التغيير الراديكالي، ويضع هدفاً له السيطرة على السلطة بالديمقراطية، والاختراق الناعم، والعصيان المدني (تحرير المبادرة)، وبالانقلابات، وهي أشكال فشلت كلها في الماضي وأنتجت حركة تعيش على الخوف من الاستهداف بدل أن تكون حركة بناء ومراكمة.
الفشل في تحديد الهوية الحزبية هو الذي وضع الحركة في حالة استثناء دائمة. وغياب المؤسسات التي تفكر وتؤسس حوّل الحزب/الحركة إلى ورقة بيد قيادة مسيطرة ومؤسسات هشة وضعيفة.
طبعاً لا يمكن بناء حزب جديد بعقلية التجميع والتحشيد للوصول إلى السلطة كهدف أول وأخير. الأحزاب في المنظومة المدنية لا تحكم لوحدها، ولا تسيطر على الدولة، وهي تحتاج إلى تحالفات وتوافقات ووفق أهداف صغيرة ومحددة سلفا وترتكز بالأساس على تحسين أوضاع الناس.
هل يقدر تيار الونيسي على حسم ملف الهوية، بما تعنيه الوصاية على النمط المجتمعي، والتخفف من أعباء الجناح الدعوي من خلال فصل حقيقي وليس فصلاً وظيفياً أو تحييداً مؤقتاً.
من السهل أن يتبنى أيّ تيار خيارات جديدة، لكن الأهم توفير شروط هذا الانتقال، ليس المادية فقط من نصوص وبيانات وهياكل ومؤتمر، ولكن التأسيس لثقافة حزبية تؤمن به.. هل يتخلى الحزب عن الأسلمة وتطبيق الشريعة في وثائق ملزمة؟
ثم أيّ علاقة بعد المراجعات بالمجموعات التي غادرت النهضة وتقول نفس ما يقوله الونيسي حالياً وتبنت قبله المراجعات هل ستعود على أرضية واضحة، أم تستمر الخلافات؟
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني حركة النهضة الرئیس الانتقالی حرکة النهضة یمکن أن على أن
إقرأ أيضاً:
السفير الصيني لـRue20 : الرئيس شي جين بينغ هو الذي اختار التوقف بالمغرب
زنقة 20 | الرباط
قال لي تشانغ لين، سفير جمهورية الصين الشعبية بالمغرب، أن الرئيس الصيني، شي جين بينغ، هو الذي اختار التوقف بالمغرب، في طريق عودته بعد انتهاء قمة “مجموعة العشرين” التي عُقدت في البرازيل.
و ذكر السفير الصيني، أن الرئيس الصيني اختار المغرب كمحطة توقف ، وهو ما يؤكد سعي بكين إلى تطوير علاقاتها مع المملكة و عبرها أفريقيا.
ووصل الرئيس الصيني على رأس وفد يتضمن عدداً من الشخصيات أبرزها، عضو اللجنة الدائمة للمكتب السياسي والمدير العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، كاي تشي، وعضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ومدير مكتب اللجنة المركزية للشؤون الخارجية، وانغ يي، بالإضافة إلى نائبة وزير الشؤون الخارجية الصينية، هوا تشونينغ.
وتعتبر هذه الزيارة هي الأولى التي يقوم بها شي إلى المغرب، حيث تعمل الصين على بناء سلسلة توريد البطاريات إلى أوروبا في المغرب، الذي تربطه اتفاقيات تجارة حرة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.