هل يتخلى حزب النهضة عن الأسلمة وتطبيق الشريعة في وثائق ملزمة

أجرى الرئيس الانتقالي لحركة النهضة منذر الونيسي عدة حوارات متقاربة مع الجزيرة نت، ومع العربي الجديد، ثم جون أفريك، ووكالة الأنباء الألمانية، وهذا التزامن ليس اعتباطياً. وحرص خلال هذه الحوارات على إيصال رسائل واضحة بعضها للسلطة والبعض الآخر لجمهور حركة النهضة الذي يعيش حالة من الانتظار، خاصة بعد الانسحابات الفردية والانشقاقات الجماعية.


الرسالة الأولى التي حرص الونيسي على توجيهها إلى السلطة هي أن الهدف الأول للمؤتمر الذي تستعد النهضة لعقده في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل سيكون التخلي عن رئاسة راشد الغنوشي للحركة. وهذا لا يعني أنها تتخلى عنه وهو في السجن وتتركه لمصيره، ولكن هي تراهن على أن الرجل حتى لو خرج بشكل قضائي قبل المؤتمر أو بعده، أو ضمن مناخ للتهدئة، فلن تكون له سلطة قانونية أو مؤسساتية على الحركة، وسيكون مجبراً على أن يظل على الهامش.
ويعرف الونيسي، الذي يمثل تياراً براغماتياً متزايداً داخل الحركة يريد أن يقطع الطريق أمام أيّ استهداف أمني وقضائي، أن مشكلة الرئيس قيس سعيد مع الغنوشي بدرجة أولى بسبب ما علق في الأذهان من مخلفات صراع الصلاحيات وحكاية الدبلوماسية البرلمانية التي تم فهمها في سياق تهميش أيّ تأثير للرئيس سعيد في الدبلوماسية وحصر دوره في تفاصيل صغيرة.

وسيجد الونيسي لهذه الفكرة طرقاً مختلفة لتنفيذها، منها أن المؤتمر السابق للحركة قد حصر ولاية الغنوشي في دورتين متواليتين، وهو ما يعني أن مدته انتهت قانونياً. كما أن الغنوشي نفسه سبق أن ألمح إلى أنه لا يرغب في تجديد ولايته. يضاف إلى ذلك رغبة جمهور واسع من القيادات التاريخية ممن انسحب وممن بقي يطالب بترجل الغنوشي عن الكرسي.
وبدأ الرئيس الانتقالي للنهضة يجد في طريقه انتقادات لفكرة التضحية بالغنوشي، وهو في السجن، وأنه يبدو كما لو استجاب لرغبة السلطة والأحزاب القريبة منها بضرورة تحييد الغنوشي كشرط للقبول بالنهضة والحديث معها.
لكن لا شيء يوحي بأن السلطة ستفتح الباب للحوار مع الونيسي وتياره فيما لو تأكد تحييد الغنوشي عن القيادة. فهذا التنازل لا يعني لها شيئاً، خاصة أنها لا تؤمن بالأحزاب ولا بالشخصيات البراغماتية.
ويمكن للرئيس الانتقالي للنهضة أن ينظر حوالي الرئيس سعيد ليرى إن كان يحتفي بالأحزاب أم لا، بما في ذلك الأحزاب التي طالما قالت إنها حزام الرئيس وهي الأقرب له. وحين جافاها قالت إنها مع مسار 25 يوليو (تموز) حتى وإن احتكره قيس سعيد نفسه، وهذه اللغة بدت واضحة جلية في البيان الختامي للمجلس الوطني لحركة الشعب.
والأمر نفسه يتعلق بورقة الحوار التي يعرضها الونيسي على السلطة كبادرة حسن نية ورغبة في التهدئة معها. لكن الرئيس الانتقالي لا يختلف في إدارة العلاقة مع السلطة مع أسلوب الرئيس الأصلي. فهو يرسل الإشارة ونقيضها؛ من ناحية هو مع الحوار ويلمّح إلى استعداد النهضة لأن تتغير وتراجع مواقفها وخططها، ومن ناحية ثانية يقول إن سلطة 25 يوليو هي من ستسعى للحوار مضطرة مراهنا على أن الوضع الاقتصادي الصعب سيدفعها إلى ذلك رغما عنها.

ويقول الونيسي في حواره مع وكالة الأنباء الألمانية "إن منظومة 25 يوليو فشلت على كل الأصعدة ومن الحكمة (…) فتح انتخابات مبكرة وإتاحة الفرصة للجميع للمشاركة".
من الواضح أن الونيسي، وإن بدا راغباً في الاقتراب من السلطة، إلا أنه لا يريد حرق أوراقه كلها، وهو يريد أن يضع ساقا هنا وأخرى هناك. ساق مع السلطة في مسعى لإثنائها عن اتخاذ إجراءات تصعيد ضد الحركة المرهقة بسبب الخلافات والانشقاقات وجروح الحكم، وساق أخرى مع المعارضة وإلى جانب جبهة الخلاص، أي تحتفظ الحركة بجانبها "الثوري" حتى لا تفقد جزءاً من جمهورها الذي تربى على المزايدات، وخاصة حتى لا تفقد حلفاءها ممن تعودوا أن يصعدوا على أكتفاها لإطلاق الشعارات ثم ينفضّون من حولها لحظة المواجهة.
هل يمكن أن نقول إن الونيسي قدم تنازلات لإغراء السلطة بتصديقه، وتصديق أن النهضة يمكن أن تتغير. ما الذي حمله خطاب الرئيس الانتقالي للنهضة من مختلف عن تنازلات سابقة، كان أهمها القبول بتغيير اسمها من حركة الاتجاه الإسلامي بمحاميله التاريخية والسياسية إلى حركة النهضة كاسم يحتمل التأويل ونقيضه، أو التنازل الذي قاد إلى توقيع الحركة على الميثاق الوطني في 1988 الذي يحولها إلى حزب مدني ليبرالي دون مراجعات فكرية أو حركية.
إذا كانت النهضة تبحث لنفسها عن مكان في مسار 25 يوليو لماذا لا تقدم على مراجعات واضحة، دون نعم ولكن، ودون الإيحاء بالشيء ونقيضه.
هناك مراجعات تخص الحركة في الداخل، وتتعلق بما يسمّيه قادتها بالديمقراطية الداخلية. كيف يمكن أن تتماشى تجربة الحزب/التنظيم مع الشعارات التي ترفعها حول الديمقراطية والحريات والتنوع، في وقت يسيّر فيه الحزب من الداخل بصلاحيات واسعة للرئيس يمددها متى شاء.
هل يمكن أن تكون ثمة ديمقراطيتان، واحدة للداخل تستقي مشروعيتها من مفهوم للشورى يعطي صلاحيات كبرى للرئيس/الأمير وفق تأويل الشورى غير الملزمة، وديمقراطية خارجية للدولة تستهدف تقوية البرلمان وتحجيم دور رئيس الجمهورية بغاية تطويق الاستبداد. هل الاستبداد داخل الجماعة مستحب وخارجها مكروه.
لكن الأهم في هذه المراجعات أن تتم وفق مدونة مضبوطة يتبناها المؤتمر أو يأذن بإنتاجها نصاً مكتوباً، وألا تتم بشكل انتقائي كما يجري عادة على لسان هذا القيادي أو ذاك باجتهاد شخصي، أو نتيجة ضغط مّا يلجأ إلى قاعدة "الضرورات تبيح المحظورات".
ولعل أهم المراجعات المطلوبة أن يتخفف الحزب الجديد من ميراث ثقيل ومعقد لتجارب حركات الإسلام السياسي التي تصر على أن تكون حركات شمولية، فهي حركة سياسية وفقهية ودعوية وفرقة ناجية.

ماذا سيختار تيار الونيسي الذي ينتظر أن يكون التيار الغالب في المؤتمر: مسار الحزب السياسي المدني النفعي/البراغماتي الذي يهدف إلى خدمة الناس، أم يظل في صورة الحزب الثوري الذي يتبنى التغيير الراديكالي، ويضع هدفاً له السيطرة على السلطة بالديمقراطية، والاختراق الناعم، والعصيان المدني (تحرير المبادرة)، وبالانقلابات، وهي أشكال فشلت كلها في الماضي وأنتجت حركة تعيش على الخوف من الاستهداف بدل أن تكون حركة بناء ومراكمة.
الفشل في تحديد الهوية الحزبية هو الذي وضع الحركة في حالة استثناء دائمة. وغياب المؤسسات التي تفكر وتؤسس حوّل الحزب/الحركة إلى ورقة بيد قيادة مسيطرة ومؤسسات هشة وضعيفة.
طبعاً لا يمكن بناء حزب جديد بعقلية التجميع والتحشيد للوصول إلى السلطة كهدف أول وأخير. الأحزاب في المنظومة المدنية لا تحكم لوحدها، ولا تسيطر على الدولة، وهي تحتاج إلى تحالفات وتوافقات ووفق أهداف صغيرة ومحددة سلفا وترتكز بالأساس على تحسين أوضاع الناس.
هل يقدر تيار الونيسي على حسم ملف الهوية، بما تعنيه الوصاية على النمط المجتمعي، والتخفف من أعباء الجناح الدعوي من خلال فصل حقيقي وليس فصلاً وظيفياً أو تحييداً مؤقتاً.
من السهل أن يتبنى أيّ تيار خيارات جديدة، لكن الأهم توفير شروط هذا الانتقال، ليس المادية فقط من نصوص وبيانات وهياكل ومؤتمر، ولكن التأسيس لثقافة حزبية تؤمن به.. هل يتخلى الحزب عن الأسلمة وتطبيق الشريعة في وثائق ملزمة؟
ثم أيّ علاقة بعد المراجعات بالمجموعات التي غادرت النهضة وتقول نفس ما يقوله الونيسي حالياً وتبنت قبله المراجعات هل ستعود على أرضية واضحة، أم تستمر الخلافات؟

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني حركة النهضة الرئیس الانتقالی حرکة النهضة یمکن أن على أن

إقرأ أيضاً:

الرئيس الأمريكي يؤكد أهمية الاستثمارات التي تولد عوائد مالية

انطلقت النسخة الثالثة لقمة الأولوية ” FII PRIORITY “، في ميامي بأجندة تتضمن كلمة رئيسية لفخامة الرئيس دونالد ترمب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، أكد خلالها أهمية الاستثمار لتشكيل المشهد الاقتصادي العالمي.
ونوه الرئيس الأمريكي في كلمته بأهمية الحاجة إلى الاستثمارات الإستراتيجية التي تولد عوائد مالية وتأثيرًا اجتماعيًا طويل الأجل.
وقال فخامته: ” إنه لشرف عظيم أن أصبح أول رئيس أمريكي يلقي كلمة في مناسبة مؤسسة مبادرة مستقبل الاستثمار، وأتيت اليوم برسالة بسيطة لقادة الأعمال من جميع أنحاء البلاد وجميع أنحاء العالم، إذا كنت تريد بناء المستقبل، وتجاوز الحدود، وإطلاق العنان للاختراقات، وتحويل الصناعات وتحقيق ثروة.”
وأكدت القمة، التي استضافتها مؤسسة مبادرة مستقبل الاستثمار، دورها بصفتها قوة رائدة في جمع القادة والمستثمرين والمبتكرين العالميين لدفع النمو المستدام والشامل.
حضر الخطاب نخبة من قادة الاستثمار والتمويل والتقنية العالميين، بما في ذلك صاحبة السمو الملكي الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان بن عبدالعزيز، سفيرة خادم الحرمين الشريفين لدى الولايات المتحدة الأمريكية، ومعالي وزير الاستثمار المهندس خالد بن عبد العزيز الفالح، ومعالي محافظ صندوق الاستثمارات العامة رئيس مجلس إدارة مؤسسة مبادرة مستقبل الاستثمار الأستاذ ياسر بن عثمان الرميان، ومعالي وزير المالية الأستاذ محمد بن عبدالله الجدعان ، والرئيس التنفيذي لشركة تسلا؛ ومؤسس شركة سبيس إكس؛ ومؤسس شركة xAI؛ إيلون ماسك، والرئيس التنفيذي لشركة أوراكل؛ سافرا كاتز، والرئيس التنفيذي لشركة Bridgewater Associates؛ نير بار ديا، ومؤسس شركة 26North؛ الشريك الإداري لشركة واشنطن كوماندرز؛ جوش هاريس، ورئيس مجلس الإدارة الرئيس التنفيذي لمجموعة ستاروود كابيتال؛ باري ستيرنليخت، والرئيس التنفيذي السابق ورئيس مجلس إدارة شركة جوجل؛ الدكتور إريك شميدت، ومؤسس ورئيس مجلس إدارة مجموعة ساليناس؛ ريكاردو ساليناس بليجو، ومؤسس ورئيس تنفيذي ومدير معلومات في شركة فالور إكويتي بارتنرز؛ أنطونيو جراسياس، ومؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة فيستا إكويتي بارتنرز والرئيس التنفيذي لها؛ روبرت ف. سميث، ورئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم؛ جياني إنفانتينو، والمؤسس والرئيس التنفيذي لمجموعة كلور؛ نائب رئيس مجموعة شين؛ مارسيلو كلور ، والمدير الإداري لشركة إنسايتس بارتنرز؛ ديفين باريك، والرئيس التنفيذي المشارك لشركة إن إي إيه توني فلورنس.
وقدم رئيس الولايات المتحدة الأمريكية شكره، لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء – حفظه الله -، على استضافة المحادثات في الرياض لإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، كما شكر معالي محافظ صندوق الاستثمارات العامة رئيس مؤسسة مبادرة مستقبل الاستثمار الأستاذ ياسر الرميان، على حسن تنظيم قمة الأولوية.
وأدار رئيس اللجنة التنفيذية للمؤسسة ريتشارد أتياس، جلسة حوارية مع فخامة الرئيس دونالد ترمب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، تناولت النجاح في مجال الأعمال وإنجازاته في الحياة وإرثه ونصائحه الاستثمارية للأجيال القادمة، مؤكدًا فخامته أن والده كان مصدر إلهام كبير له، متناولاً القيم الأساسية التي يجب أن يجسدها القادة العظماء.
وتضمنت قمة الأولوية مناقشات شائقة حول موضوعات عالمية، ومنها توسيع أسواق الكربون، والاستدامة البحرية والمحيطات الأكثر هدوءًا، والصحة البشرية والقدرة على تحمل التكاليف، والقادة في الاستدامة والقوى العامل.
وأطلقت مؤسسة مبادرة مستقبل الاستثمار على هامش النسخة الثالثة لقمة الأولوية تقرير مستقبل العمل العالمي: السلسلة الثانية، الذي يدرس الفرص والتحديات التي تواجه أسواق العمل في عصر التحول التكنولوجي.

مقالات مشابهة

  • الرئيس الفلسطيني: الاحتلال يهدف إلى تقويض حل الدولتين وإضعاف السلطة الوطنية
  • الرئيس الفلسطيني: الاحتلال يسعى لتقويض حل الدولتين وإضعاف السلطة الوطنية
  • الرئيس الأمريكي يؤكد أهمية الاستثمارات التي تولد عوائد مالية
  • متلازمة سياسية سودانية
  • المؤتمر التنويري “الخامس عشر” يستضيف الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل
  • بن شرادة: تحقيق المصالحة يستلزم تقديم تنازلات فعلية لصالح الوطن
  • ما وراء انقسامات التنظيمات التي تحالفت مع الدعم السريع؟
  • أوزين: تصويت الحركة لصالح قانون الإضراب تشريع للوطن
  • فاينانشال تايمز: التساؤلات الخفية بخصوص خليفة شي جين بينغ تتصاعد في الصين
  • الأمير عبدالعزيز بن سعود يرأس وفد المملكة المشارك في المؤتمر الوزاري العالمي الرابع لسلامة الطرق الذي يقام في مراكش