سوريا: حسابات جنوبية... وإشكالات شرقية
تاريخ النشر: 3rd, September 2023 GMT
بينما تجتذب انتفاضة محافظة السويداء في الجنوب السوري اهتمامات محلية ودولية واسعة وعلامات استفهام كبيرة، فُتحت جبهة قتال في شرق سوريا بين العشائر العربية وميليشيا «قسد» (قوات سوريا الديمقراطية). وجاء فتح هذه الجبهة وسط تطوّرات تستحق الرصد... والتساؤل أيضاً.
انتفاضة السويداء، ومعها «جارتها» درعا ومناطق أخرى من سوريا، انطلقت من أكثر من مجرّد معاناة معيشية يومية.
وبالنظر إلى دور طهران المركزي في المشروع الاحتلالي، وإشراف أزلامها وأدوات أزلامها على قطاع المخدّرات، وفي مقدمها «الكبتاغون»، فإن الوضع لن يتغيّر من دون قطع «ممرّ طهران - بيروت» الإيراني عبر أراضي سوريا والعراق.
الواقع أنه منذ بدأت انتفاضة الجنوب السوري، شنّ معسكر إيران بعربه وعجمه ضدها حملة مضادة على مختلف المستويات، شملت شقّ القيادات الدينية عبر مشايخ تابعين، وتشويه الانتفاضة وأهدافها عن طريق أبواق إعلامية ارتزاقية وطائفية معروفة المرجعية.
أيضاً، كان لافتاً بين الفينة والفينة اللعب على «الوتر القومي»، خصوصاً لدى الكلام عن سعي واشنطن إلى تقسيم «الهلال الخصيب» وفصل الأراضي السورية عن الأراضي العراقية من خلال عملياتها العسكرية في المناطق الحدودية بجنوب سوريا وشرقها من التنف إلى البوكمال. وحقاً، هذا الاتهام لا يخلو من الطرافة... ذلك أن «عروبيّي الشعارات» الذين حكموا سوريا والعراق لعقود أمضوا جُلّ فترات احتكارهم السلطة والبلدين في حالة عداء. بل لقد وصل هذا العداء إلى حد تأييد الحكم السوري «البعثي» الغزو الأميركي للعراق وإسقاطه حكمه «البعثي» عام 2003!!
طبعاً، لا يصح هنا أن نتناسى حقيقتين أخريين؛ الأولى أن حدود هذين الكيانين، التي رسمها التقاسم الانتدابي البريطاني الفرنسي، حدود مصطنعة، ولقد عدّلت بعد ترسيمها الأولى وفقاً لما عرف بـ«اتفاقية سايكس بيكو». والثانية أنه تنتشر على جانبي خط الحدود الحالي العشائر العربية ذاتها.
غير أن الأسوأ هو أن المُتباكين والشاكين من «المؤامرة» الأميركية لـ«فصل» سوريا عن العراق، يتجاهلون، وهم العالمون، أن القوة المتحكِّمة بمصيري الكيانين الشقيقين غير عربية. بل هي تخوض حرباً مفتوحة وشرسة وتفتيتية ضد الهوية العربية، سلاحها التأجيج المذهبي والطائفي، وذخيرتها التهجير والاقتلاع والتبديل السكاني والابتزاز بـ«داعش» ومثيلات «داعش».
في أي حال، تكمن الإشكالية السياسية اليوم في أن استراتيجية «قسد» تقوم علناً على طرح الفيدرالية في مناطق الغالبية الكردية، في حين أن عدداً لا بأس به من مناطق سيطرة «قسد» ذات كثافة عربية. ومعظم العشائر العربية في هذه المناطق ترفض أن تُعامل كأقلية تحت سلطة كردية بينما تفصلها حدودٌ تعتبرها مصطنعة عن إخوتها وأبناء عمومتها. إلا أن المكوّن العربي في العراق - وتحديداً العربي السنّي - أقلية تعيش في ظل هيمنة إيرانية مسلّحة عبر «الحشد الشعبي» والأحزاب التي تدعمها طهران. وهكذا، يُخشى - من حيث تدري العشائر أو لا تدري - أن يخدم القتال الجاري في شرق سوريا مصالح طهران ونظام دمشق... ويوفّر لهما الذريعة من أجل المحافظة على «ممر طهران - بيروت» الذي هو الشريان الحيوي الذي يغذّي الاحتلال الإيراني.
هذا في الشرق، أما في الجنوب، فقد لمّح بعض الذين انتقدوا خلال الأسبوعين الأخيرين رفع منتفضي السويداء أعلام الموحّدين الدروز – الذين يشكلون غالبية سكانية كبيرة في المحافظة - إلى وجود نيات انفصالية. بيد أن المنتقدين أغفلوا حقيقة أن الموحّدين يشكّلون أقليّات صغيرة - وإن كانت مؤثرة - في كل من سوريا ولبنان وفلسطين والأردن، ولقد رفضوا مراراً السعي إلى «دولة درزية مستقلة».
كذلك، غفل المنتقدون عن أنه إبان انتفاضة السويداء الأولى كان المطلب الأساسي لـ«حركة رجال الكرامة» ألّا يقاتل العسكريون الموحّدون خارج مناطقهم، من منطلق رفضهم المطلق إهراق الدم السوري، ما سيعمّق الشرخ بين مكوّنات الشعب الواحد. ومن ثم، فإن رفع أعلام التوحيد في الانتفاضة الحالية جاء ليجنّبهم رفع أي من العلمين السوريين المختلف بشأنهما بين الثورة ونظام دمشق.
إزاء هذه الصورة المرتبكة للمشهد السوري وأبعاده الإقليمية لا بد من التساؤل عن مواقف القوى الكبرى... هل لها دور تشجيعي أو تحريكي للتطوّرات الحاصلة، خاصة في الجنوب والشرق؟ وهل تبدّلت مقارباتها وأولوياتها خلال الفترة القصيرة الماضية... أو تأثرت بتغيّر المعطيات والحسابات الدولية، بما فيها حرب أوكرانيا؟ وهل عادت القوى السورية - بما فيها النظام - إلى القراءة الخاطئة للنيّات والمصالح؟
راهناً القوة الوحيدة، باعتقادي، التي تعرف تماماً ما تريده وتواصل تنفيذه بثقة، هي إيران. إلا أنه ما كان للإيرانيين تحقيق النجاحات التي حققوها في سوريا حتى الآن لولا 4 عوامل...
- الدعم الروسي سياسياً وعسكرياً... وخصوصاً جواً. إذ يُشك في أن ميليشيات إيران كانت ستحقق ما حققته ميدانياً لولا الغطاء الجوي الروسي.
- «اللا استراتيجية» الأميركية عبر رئاسات باراك أوباما ودونالد ترمب وجو بايدن.
- غضّ الطرف الإسرائيلي، ولا سيما أنه التزم طوال الفترة الماضية بموقفَي واشنطن؛ الاكتفاء بـ«تغيير طهران سلوكها» والإبقاء على نظام دمشق.
- التساهل العربي الذي يعطي في كل مرة إشارات تفهمها طهران ودمشق على أنها ضعف وتقبّل، فينتهي الأمر بزيادة معاناة السوريين وتشديد قبضة طهران على المنطقة.
(الشرق الأوسط)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه السويداء سوريا درعا سوريا درعا السويداء مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
الحوثيون وتنظم القاعدة.. تفاصيل اتفاق سري سينفذ في محافظة جنوبية وتعاون في مهام أمنية واستخباراتية ولوجستية
أبرزت معلومات نُشرت مؤخرًا، عن اتفاق سري، أُبرم بين ميليشيا الحوثي الانقلابية، و"تنظيم القاعدة"، يهدف إلى تنفيذ عمليات إرهابية مشتركة بين الجانبين في إحدى المحافظات المحررة، علاوةً على أداء مهام أمنية واستخباراتية ولوجستية.
وكشف موقع "إرم نيوز" الإماراتي عن مصادر الخاصة أن "المحافظة المحررة التي جرى اختيارها، هي محافظة أبين جنوبي اليمن، المتاخمة للعاصمة المؤقتة للبلاد عدن".
وتكشف التفاصيل، أن: "ميليشيا الحوثي، قامت بإطلاق سراح قيادي في تنظيم القاعدة الإرهابي، يُكنى بـ"أبو عطاء"، إلى جانب مجموعة من عناصر التنظيم، من السجن المركزي في صنعاء، والدفع بهم عبر تسهيل تنقلهم إلى محافظة أبين، لإتمام وتنفيذ المُخطط وفق ما جرى الاتفاق عليه".
*"القاعدة ذراع الحوثي لاستهداف الجنوب"*
وفي هذا الصدد، قال المتحدث العسكري باسم القوات المسلحة الجنوبية المقدم محمد النقيب إن "ميليشيا الحوثي تتعامل مع تنظيم القاعدة الإرهابي كذراع عسكرية خاصة بها لاستهداف الجنوب، بعد أن عجزت من خلال ميليشياتها في الجبهات الحدودية، وبالتالي فهي تعمل وفق إستراتيجية لاستعادة قدراتها التي كانت قبل عمليتي سهام الشرق وسهام الجنوب وما قبلها من عمليات عسكرية"، لافتًا إلى أن: "مخزون صنعاء من الإرهاب كبير، فكرًا وميليشيات ومشاريع، عابرة للحدود ومن في السجون".
وأكد النقيب، في حديث لـ"إرم نيوز" أن: "هذه المعادلة باتت واضحة في تطورها إلى تحالف إستراتيجي بين تنظيم القاعدة والميليشيات الحوثية، ودون شك لها تداعياتها ومهدداتها الخطرة على أمن واستقرار المنطقة والإقليم".
وتخوض القوات المسلحة الجنوبية، منذ أكثر من عامين، حربًا مُباشرة مع العناصر "الإرهابية والمُتطرفة"، في إطار حملة عسكرية شاملة أطلق عليها اسم "سهام الشرق"، وذلك بهدف تطهير المحافظات الجنوبية الشرقية من أي تواجد لها فيها، وتحديدًا في محافظتي أبين وشبوة، وقد تمكنت في فترات متعاقبة من استعادة السيطرة على عدد من المواقع الإستراتيجية الحيوية والمهمة، التي ظلت لسنوات تخضع لسيطرة التنظيم.
*علاقات متنامية*
وأوضح النقيب أن "قواتنا بدأت في الحرب على الإرهاب عقب تحرير العاصمة عدن من الميليشيا الحوثية"، مضيفًا أنه و"منذ ذلك الوقت وحتى اليوم، ونحن نؤكد بأننا وفي الوقت الذي نخوض فيه المعركة ضد الإرهاب، هناك من يدعم هذه التنظيمات الإرهابية، ويعيد ترتيب صفوفها ويموّلها لوجستيًا، ومن ثم إعادتها نحو الجنوب".
وبيّن المتحدث العسكري، أن: "هناك انعكاسات بكل تأكيد، إلا أن قواتنا أعدت نفسها لمثل هكذا معركة وفق تخطيط مدروس وخطط متجددة، تأخذ في الحسبان أن كل هزيمة تُمنى بها العناصر الإرهابية وخسارة وفرار، ستجد هناك عند ميليشيا الحوثي محاولة معالجة وإعادة ترتيب وتسليح وتوجيه مجددًا نحو الجنوب، الذي يشكل من خلال قواته المسلحة سياجا وحائط صد لأخطر التحالفات الإرهابية في العالم القاعدة والحوثي ومن خلفهم إيران".
وكان الكثير من التقارير المحلية والدولية، قد تطرقت في نشرات عدة سابقة لها، للحديث عن التعاون المتنامي بين الطرفين (القاعدة والحوثيين)، وكان آخر تلك التقارير الدولية، ما ذكره فريق الخبراء الأممي، في تقريره السنوي الذي نشره مؤخرًا حول اليمن، وألمح إلى هذه العلاقة بين الطرفين.
ولطالما أطلقت الحكومة اليمنية المُعترف بها دوليًا، تحذيراتها حول تنامي تلك العلاقة بين الطرفين، وآخر تلك التحذيرات جاءت عبر تصريحات أوردها وزير الإعلام، معمر الإرياني، في منشور له على حسابه بمنصة "إكس"، بداية الشهر الجاري، مُسلّطًا الضوء على مخاطر هذا التعاون الإرهابي.
*"خروج التعاون إلى العلن"*
بدوره، قال الصحفي المهتم بالشأن العسكري والأمني، أحمد شبح، إن: "التعاون بين ميليشيا الحوثي وتنظيم القاعدة ليس وليد اللحظة، فالجماعتان بينهما قواسم مشتركة متعددة من ناحية الفكر والنهج والممارسات والأساليب. وأن ذلك التنسيق ظل بعيدًا عن الأضواء. الجديد اليوم هو خروجه إلى العلن، والانتقال إلى التعاون المُباشر".
ولفت الشبح، في حديثه لـ"إرم نيوز"، إلى أنه: "فيما يخص الصفقات الأخيرة التي تم الكشف عنها بين التنظيمين، فهي تنسف ادعاءات ميليشيا الحوثي التي ظلت لسنوات تسوّق نفسها بأنها تُحارب القاعدة وداعش ومحاولاتها الترويج بأنها يمكن أن تكون شريكة في جهود محاربة الإرهاب".
*"فصل جديد من التصعيد"*
ويرى الشبح أن هذا التحالف يشير "إلى اتجاه الميليشيا الحوثية لتنفيذ عمليات في المناطق الخاضعة للحكومة الشرعية، وخصوصًا في المحافظات الجنوبية والشرقية، عبر القاعدة والابتزاز الإقليمي والدولي بهذا الملف في ظل الهُدنة الهشة وما نجم عنها من تفاهمات غير مُعلنة"، مضيفًا أن "اللعب بات في فراغ التباينات الداخلية بين القوى المناوئة لميليشيا الحوثي ورخاوة القبضة الأمنية في المناطق المحررة، وكذلك توفير فاعل رديف في حال تعرضت الميليشيا الحوثية لأي ضربة".
ويُرجّح الشبح، الذي عمل في فترة سابقة في الإعلام العسكري لوزارة الدفاع، أن هذا: "الأمر سيقود إلى تنفيذ عمليات منسقة أكثر دقة وأوسع وصولًا، ضد أهداف حيوية تحت مظلة القاعدة، قد تمتد إلى انخراط القاعدة في عمليات في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن، وأننا سنكون أمام فصل جديد من التصعيد".
ومضى الشبح، بقوله: "ويبدو الدور الإيراني أكثر وضوحًا في هذا الجانب، فإستراتيجية طهران تقوم على استخدام التنظيمات الإرهابية والجماعات الـمُتطرفة، وقد شاهدنا ذلك في دول عربية أخرى".
*"الثقة مفقودة"*
إلى ذلك، أشار الخبير اليمني في شؤون الجماعات المتطرفة، سعيد الجمحي، إلى أن: "الحديث عن إطلاق ميليشيا الحوثيين سراح قيادي في القاعدة أو عدد من عناصر التنظيم من السجن المركزي بصنعاء، ليس جديدًا، فتبادل المعتقلين بين ميليشيا الحوثيين والقاعدة بات معروفًا، ويجري في إطار مصالح كلا الطرفين، وكذلك ظاهرة غض البصر بالنسبة لميليشيا الحوثيين عن تحركات القاعدة وتواجدها في بعض المناطق التي تسيطر عليها".
واستبعد الجمحي، في حديث لـ"إرم نيوز"، تطور العلاقة بين الطرفين إلى الحد الذي يجري فيه تنسيق عمليات أمنية واستخباراتية مشتركة بينهما، معزيًا ذلك إلى أن الثقة بينهما لا تزال مفقودة وغير قائمة.
ويرى الجمحي، أن: "مثل تلك الأنباء تأتي للتخويف وخاصة فيما يتعلق بالتنسيق لتحركات مشتركة لاستهداف المحافظات الجنوبية. ومثلها أيضًا ما يقال عن مسيّرة أمريكية استهدفت سيّارة تقل قياديين من ميليشيا الحوثيين وعناصر من القاعدة في بعض المناطق، وهنا لا أنفي ضربات المسيّرات الأمريكية واستهدافها لتحركات قيادات القاعدة، وإنما المبالغة في وصف الهدف، بأنه (حوثي/قاعدي)".
وأوضح الجمحي: "أن أي مبالغات أو عدم الدقة في التعامل مع تنظيم القاعدة خاصة والجماعات المتطرفة عامة، لن يفيد، بل ربما سيؤدي إلى نتائج عكسية، حيث سيدفع نحو مزيد من توحيد الجهود والتعاون بين المستهدفين، وسيؤخر الحلول المنشودة للتخلص من الفكر المتطرف ومعالجة المشكلة".