البداية من حجر رشيد.. خبير يشرح خطوات استعادة الآثار المصرية
تاريخ النشر: 3rd, September 2023 GMT
أكد الدكتور عبد الرحيم ريحان، عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار، أن استعادة الآثار المصرية من متاحف العالم لن يتحقق بالمانشيتات الصحفية أو المداخلات المبنية على آراء متسرعة غير مدروسة تؤدى بدورها إلى نتائج عكسية، مضيفا أنه منذ سنوات ونحن نتحدث عن عودة حجر رشيد ولن يتحقق شيئا، لعدم تأسيس قاعدة معرفية ننطلق من خلالها بمنهجية علمية تكسبنا احترام العالم والتعاطف مع قضيتنا باعتبارنا أصحاب الحق.
زخم شعبي
وبناءً عليه يضع الدكتور ريحان بحكم خبرته فى الآثار وبمعاونة الدكتور محمد عطية مدرس ترميم وصيانة الآثار بكلية الآثار جامعة القاهرة وباحث دكتوراه فى القانون الدولى قاعدة علمية قانونية للانطلاق من خلالها تعتمد على آليات وإجراءات تقسّم على المدى القريب والمتوسط والبعيد مؤسسة على عدة محاور تشمل قانون الآثار المحلى واتفاقية اليونسكو 1970 الخاصة بمنع الإتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية و اتفاقية حقوق الملكية الفكرية "الويبو" والزخم الشعبى والإعلام.
وأوضح الدكتور ريحان أن قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 يحتاج إلى تعديل العديد من المواد منها المادة 8 لضمان حقوق ملكية فكرية مادية ومعنوية للآثار، ونص المادة "تعتبر جميع الآثار من الأموال العامة - عدا الأملاك الخاصة والأوقاف - حتى لو وجدت خارج جمهورية مصر العربية وكان خروجها بطرق غير مشروعة"، والتعديل المطلوب بدلًا من " وكان خروجها بطرق غير مشروعة "تعدل كالآتى" بصرف النظر عن طريقة خروجها " لأن بعض الآثار خرجت باتفاقيات دولية سليمة مما يعطى لها شرعية دولية مثل حجر رشيد أهم آثار المتحف، والحقيقة أنه خرج بمبدأ الأقوى يمتلك، وبهذا تكون كل الآثار المصرية خارج مصر من الأموال العامة المصرية وينطبق عليها ما ينطبق على الآثار المصرية، ولحين استرجاعها وجب دفع مبالغ نظير عرضها بالمتاحف المختلفة أو استغلالها بأى شكل وبذلك نضمن لها حقوق ملكية فكرية بالقانون المحلى، وكذلك حقوق معنوية بعدم استنساخها أو استغلالها تجاريًا بدون موافقة بلد المنشأ مصر، وكذلك عدم العبث بالمومياوات المصرية بالخارج ولا يتم دراستها إلا فى وجود علماء مصريين لضمان نزاهة الأبحاث وقد سبق لمتحف وارسو إعلان أول مومياء حامل فى تاريخ مصر وثبت عدم صحة ذلك بعد قيام العلماء المصريين بدراستها.
وأضاف ريحان أنه يمكن إضافة بند بقانون حماية الآثار يسمح بمقاضاة المتاحف التى تمتلك آثارًا مصرية أمام القضاء المصرى أسوة بالتجربة الإيطالية التى استعادت مائة قطعة أثرية من متحف بول جيتى الأمريكى والمتاحف الأمريكية بالقانون المحلى بوضع مادة فى القانون الإيطالى تتيح لهم مقاضاة مديرى المتاحف المتواجد بها آثارًا إيطالية، وقد حدث أن حكم القضاء الإيطالى بالسجن ثلاثة أشهر على مديرة متحف بول جيتى لوجود قطعة أثرية ترجع إلى العصر الرومانى بالمتحف، وعلى الفور اجتمع مجلس إدارة متحف بول جيتى وقرر إعادة التمثال فورًا لإيطاليا إنقاذًا لسمعة مديرة المتحف، وقد تمكنت إيطاليا من استعادة مائة قطعة أثرية من خمسة متاحف فى الولايات المتحدة الأمريكية ومنها متحف بوسطن للفنون الجميلة بالتقاضى أمام المحاكم الأمريكية.
منع الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية
ونوه ريحان باتفاقية اليونسكو 1970 الخاصة بمنع الإتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية والتى تحتاج لتعديل بنود مجحفة تعرقل عودة الآثار المصرية ومنها المادة الخاصة بإثبات الملكية بحيث يقع عبء اثبات ملكية الممتلك الثقافي علي الدولة صاحبة طلب الاسترداد فى حالة الآثار المسجلة وفي غير تلك الحالات يقع عبء إثبات الملكية علي الدولة التي تحوز الممتلك المراد استرادده لوجود آثار عديدة هربت ناتج الحفر خلسة فهى غير مسجلة بالطبع ويضيع حق مصر فى استرداها بالمواد الحالية بالاتفاقية وتم استرداد بعضها عن طريق الاتفاقيات الثنائية، ويمكن لمصر ومعها عدد من الدول المتضررة طلب التعديل.
والنقطة الثانية هى المادة 11 من الاتفاقية ونصها " يعتبر عملًا غير مشروع تصدير الممتلكات الثقافية ونقل ملكيتها عنوه كنتيجة مباشرة أو غير مباشرة لاحتلال دولة أجنبية لبلد ما " والتى تؤكد أن خروج الآثار أثناء احتلال دولة عمل غير شرعى فكيف تقننه المعاهدة عمل غير شرعى من تاريخ 1970 وعمل شرعى قبل ذلك مما يعنى ازدواجية المعايير لذا وجب تطبيقها بأثر رجعى وبالتالى كل الآثار المصرية بالمتحف البريطانى غير شرعية.
كما ذكر بديباجة اتفاقية اليونسكو 1970 "أن المؤسسات الثقافية يجب أن تتأكد أن المجموعات الثقافية بها تكونت وفقًا للمبادئ الأخلاقية المعترف بها في كل مكان، ولذا يجب أن نحتكم إلى خروج هذه القطع من مصر بشكل غير أخلاقى خاصة مقتنيات المتحف البريطانى التى خرجت عن طريق دبلوماسيين وهواة جمع آثار دفعوا رشاوى للأهالى لجمعها كما حدث فى بردية آنى "كتاب الموتى" التيى حصل عليها (والاس بدج) مساعد أمين جناح الآثار المصرية بالمتحف البريطانى وأحد أبرز ناهبي آثار مصر خلال القرن التاسع عشر الميلادى، كما هرّب 800 جمجمة و24 صندوق آثار إلى المتحف البريطانى، والدبلوماسي "هنري سالت" الذي عينته المملكة المتحدة قنصلًا لها بمصر في العقد الثاني من القرن التاسع عشر، والذى قام بالاستيلاء على الآثار المصرية وشحنها إلى بريطانيا وغيرهم.
حقوق الملكية الفكرية
وبخصوص اتفاقية حقوق الملكية الفكرية يوضح الدكتور ريحان أنها أحد ملحقات اتفاقية التجارة العالمية التربس وملزمة للأعضاء الموقعين عليها وكان التوقيع النهائى على الاتفاقية فى المغرب فى أبريل 1994 وبدأ سريانها فى منتصف 1995 وتعمل اتفاقية حقوق الملكية الفكرية على تحقيق الحماية الفكرية بوسيلتين: الأولى هى الحصول على تصريح من مالك الحق الفكرى والثانية هى دفع ثمن لهذا الانتفاع وركزت الاتفاقية على حماية حقوق المؤلفين والمخترعين والمكتشفين والمبتكرين، وتجاهلت التراث المادى بحجة عدم وجود تكييف قانونى، ولكن الغرض الحقيقى هو استمرار استنزاف الشعوب صاحبة الحضارة واستغلال تراثها لديهم دون أى حقوق مادية أو معنوية، والمطلوب هو تقدم وزارة السياحة والآثار ووزارة الخارجية رسميًا عن طريق إدارة الملكية الفكرية والتنافسية بقطاع الشئون الاقتصادية بجامعة الدول العربية وللمنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو) بوضع التراث المادى كبند رئيسى ضمن الاتفاقية الدولية لحماية الملكية الفكرية وأن تكون مسئولية الويبو إيجاد تكييف قانونى دولى فهى التى وضعت هذا العائق لإخراج التراث المادى الإنسانى من قائمة الملكية الفكرية.
ويتابع ريحان أنه يجب استثمار الزخم الشعبى والرأى العام للمصريين داخل مصر وخارجها، ففى فبراير 2023 قامت المستشارة القانونية المصرية ببريطانيا جيهان الحسيني بمحاولة جمع 100 ألف توقيع ليكون مسموحا بأن يناقش البرلمان البريطاني طلبا لتعديل قانون المتحف البريطانى، وهذا القانون هو الذي يعيق استعادة الآثار المهربة، بشرط أن يحمل الموقعون الجنسية البريطانية أو بحوزتهم إقامة في المملكة المتحدة، ومن الجدير بالذكر أن عدد المصريين المقيمين في بريطانيا يتراوح بين 250 و300 ألف مصري، كما أن هناك جاليات عربية يمكن أن تشارك في التوقيع على العريضة.
كما أن هناك جهود جبارة من العالم المصرى العالمى الدكتور زاهى حواس المحبوب فى العالم كله وله كلمة مسموعة يمكن استثمارها وتوجيهها وفق القاعدة المعرفية لتحقيق نتائج ملموسة على المدى القريب والمتوسط والبعيد، وكذلك الدور الكبير للإعلام لوضع هذه القضية نصب أعينه والاستعانة بالعلماء المتخصصين للاستفادة من كل الرؤى، لكن الاستعجال فى الضغط على الدولة للتقدم رسميًا خاصة للحصول على حجر رشيد فمصيره الرفض، ولو تم الرفض لخسرنا حق المطالبة للأبد لأنه خرج باتفاقية دولية رسمية أى أن إطاره القانونى شرعى لكن إطاره الأخلاقى غير شرعى.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: حقوق الملکیة الفکریة الآثار المصریة حجر رشید آثار ا
إقرأ أيضاً:
فاضل الربيعي.. العودة إلى نقطة البداية
حين رأيت صور مشيّعي جنازة الباحث والمفكّر الدكتور فاضل الربيعي، ببغداد شعرت بالألم، رغم إيماننا الأكيد بالنهاية الحتميّة، كان يقف بانتظار وصول الطائرة التي أقلّت جثمانه من هولندا إلى مطار بغداد عدد من أفراد أسرته، وعشيرته، وبعض المسؤولين، ومَنْ بقي من الأهل والأصدقاء الذين ودّعوه حين غادر بغداد قبل أكثر من أربعين سنة، لتُختتم الرحلة التي تشبه رحلة كلكامش فـي نقطة البداية، وكانت الانطلاقة فـي مطلع السبعينيات، فمع تشكّل وعينا، كنا نفخر بأن عددا من الفنانين الذين نشاهد عروضهم المسرحية فـي التلفزيون، والشعراء والكتّاب الذين نقرأ له نتاجات شعرية وسردية ومقالات فـي الصحف اليومية هم من سكّان مدينتنا الشعبية (الثورة) أو (حي الرافدين) الكائنة فـي بغداد، ويسكنها الفلاحون النازحون من الجنوب، ويقاسموننا ضنك العيش، تلك المدينة كانت تفتقر لأبسط أنواع الخدمات ووسائل الراحة، ومع ذلك خرج من رحمها شعراء وكتّاب وفنّانون ورياضيّون، وهذا يمنحنا ثقة بأننا يمكن أن نكون مثلهم ذات يوم، فالمهمّشون يمكن لهم أن يقفزوا للمركز ويحتلوا مساحة متميزة فـي المشهد الفني والثقافـي على أقل تقدير، انطلاقا من فهمنا للفن كونه ابن المعاناة الشرعي.
وكان الكاتب فاضل الربيعي، الذي تجمعني به صلة قرابة بعيدة، واحدا من هذه الأسماء التي كنا ننظر لها بإعجاب حين نراها تجلس فـي المقهى، أو تسير فـي الطريق باتجاه البيت أو منه إلى خارج المدينة، حيث تشيّعه عيوننا حتى يختفـي عن الأنظار، وكان قد أصدر مجموعة قصصية عنوانها (أيها البرج يا عذابي) ونشر تحقيقات وتقارير صحفـية، أسّست له حضورا، وعزّز هذا الحضور عندما طوّر أدواته فـي الكتابة من خلال القراءة والاجتهاد الشخصي والاشتراك بدورات صحفـية، لكنه فـي عام 1979 اختفى، وحين سألنا عنه، عرفنا، عن طريق الهمس، أنه هرب من البلد أسوة بالكثير من رفاقه اليساريين، وحطّت ركابه فـي تشيكوسلوفاكيا ثم عدن، وبيروت والعمل مع الفصائل الفلسطينية، ونشر كتابه (السؤال الآخر) وكذلك عرفنا من الأهل أن رجال الأمن يتردّدون على بيت أهله بحثا عنه، حتى وصلنا خبر أنه استقرّ فـي دمشق عام 1980، ومع ذلك ضغطوا على والد زوجته بأن يذهب إلى دمشق ويقنعه بالعودة، وحين عرف بذلك غيّر مكان سكنه، كما قال لي عندما التقيت به فـي عمّان مطلع عام 1994م حين جمعنا الإعلامي سعد البزّاز فـي بيته، وكان رابعنا الصديق الشاعر عدنان الصائغ، واستغربتُ فـي تلك الجلسة أنه يتحدّث بلهجة شاميّة صرفة، وبدأت تحلّ مفردات شاميّة محل مفردات محبّبة، أليفة الوقع، كانت تجري على لسانه فـي الدارجة العراقيّة! يومها شعرتُ بالحزن، فالمسافة بينه وبين المكان الأوّل بدأت تتّسع.
فـي اليوم التالي دعانا للغداء فـي مطعم (جبري) فـي شارع الجاردن، وأكملنا أحاديثنا، قبل عودته إلى دمشق، وبعد شهور غادرتُ إلى صنعاء، ومن هناك عاد تواصلنا مجدّدا، فقد علمت أنه انتقل إلى قبرص وعمل محرّرا ثقافـيا فـي مجلة (الشاهد) التي كانت تصدر بدعم من الحكومة الليبية، وكلّفني بمراسلة المجلة من (صنعاء)، يومها نشر لي العديد من الحوارات، والمقالات، والتقارير الثقافـية.
ثم توقّفت المجلة، وبدأت تصلنا أخبار مشروعه الفكري القائم على دراسة التاريخ القديم، والسرديات العربية، والتوراتية، بعد دراسته اللغة العبرية، وأصل اليهود الذي يراه أنه يعود إلى اليمن، وبذلك فنّد مزاعم إسرائيل بحقّ الاستيطان فـي فلسطين، مكرّسا فكرة الاحتلال، وناقش فـي كتابه (الشيطان والعرش) لقاء النبي سليمان (عليه السلام) وبلقيس وفق رؤية مغايرة، وحين انتقل إلى هولندا عام 1996 م، تفرّغ لمشروعه الفكري، فنشر كتابه (فلسطين المتخيلة: أرض التوراة فـي اليمن القديم) بخمسة أجزاء، تبعه بـمجموعة كتب: القدس ليست أورشليم، أسطورة عبور الأردن وسقوط أريحا، حقيقة السبي البابلي، إرم ذات العماد من مكة إلى أورشليم- البحث عن الجنة، أساف ونائلة، وشقيقات قريش: الأنساب والطعام فـي الموروث العربي، وأبطال بلا تاريخ، وقصة حب فـي أورشليم.
والتقينا فـي عام 2011 فـي النادي الثقافـي حيث ألقى محاضرة حول المسألة اليهودية وكانت تلك زيارته الأولى والأخيرة لمسقط، وقبل حوالي عامين، انتقل للعمل فـي دبي بمركز (مجتمع) للدراسات الثقافـية والتاريخية، وكان يشغل موقع رئيس مجلس الأمناء فـي المركز، فـيما يشغل أدونيس عضوا فـي المجلس، وتواصل معي، ودعاني للكتابة فـي موقع المركز، وطلب مني مد جسور التواصل مع الدكتور نائل حنون وفعلت، وكان يتوق إلى زيارتنا قبل شهور قليلة لكن حدث طارئ حال دون ذلك حتى وصلني خبر وفاته، يوم السبت الموافق 29 مارس الماضي، عن 73 عاما، بعد معاناته من مرض عضال لم يمهله سوى شهور، ولم أستغرب وصيته التي طلب فـيها دفنه فـي العراق، فبعد هذا الطواف الفكري، والجغرافـي، والحراك الثقافـي عاد إلى نقطة البدء، وكان فـي صندوق مغلق مجلّلا بالسكون.