إن النظر في التطور التاريخي لعمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة يتيح وضع سياق للمتآمرين من ذوي "الخوذ الزرق" الذين ينفذون انقلابات عسكرية مثل الجنرال عبد الرحمن تشياني، الذي أطاح برئيس النيجر المنتخب محمد بازوم في 26 يوليو/ تموز الماضي.

ذلك ما خلص إليه كل من جيمي ليفين وناثان ألين، في مقال بمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية (Foreign Policy) ترجمه "الخليج الجديد"، مضيفين أن مسيرة تشياني العسكرية شهدت خدمته في بعثات الأمم المتحدة في ساحل العاج وجمهورية الكونغو الديمقراطية والسودان، بالإضافة إلى العديد من المهام الإقليمية المتعددة الأطراف.

وقالا إنه "في السنوات الخمس التي تلت نهاية الحرب الباردة (1947-1991)، سمحت الأمم المتحدة بإنشاء 20 مهمة جديدة لحفظ السلام، ما تطلب زيادة عدد القوات بمقدار سبعة أضعاف تقريبا، من 11 ألفا إلى 75 ألفا. واليوم، يتجاوز العدد 90 ألف جندي منتشرين في أنحاء العالم".

و"قد تراجعت الديمقراطيات الغنية عن حفظ السلام، مما زاد الاعتماد على دول مثل النيجر، وفي حين كانت المهمات السابقة تتضمن المراقبة على طول خطوط وقف إطلاق النار، فإن مهمات ما بعد الحرب الباردة، أكثر دموية، إذ يتم الآن تكليف القوات بتأمين وقف إطلاق النار بين الأطراف المتحاربة في الحروب الأهلية المستمرة"، بحسب ليفين وألين.

وتابعا أنه "في 1990، كانت أكبر الدول المساهمة بقوات حفظ السلام هي كندا وفنلندا والنمسا والنرويج وأيرلندا والمملكة المتحدة والسويد، وكلها ديمقراطيات ليبرالية، لكن بحلول 2015، حلت محلها بنجلاديش وباكستان وإثيوبيا ورواندا ونيجيريا ومصر، وجميعها دول أقل ديمقراطية ولها تاريخ من عدم استقرار الأنظمة".

اقرأ أيضاً

عسكريو النيجر يصدرون أمراً بطرد سفير فرنسا.. وباريس ترفض القرار

انتهاكات وأموال

و"في حين أن تأثيرات حفظ السلام على البلدان التي تنتشر فيها قوات حفظ السلام إيجابية وراسخة، فإن التأثيرات على الدول التي ترسل قوات، مثل النيجر، محل خلاف شديد"، كما أردف ليفين وألين.

وأضافا أن "الأمم المتحدة تنفق سنويا أكثر من 6 مليارات دولار على عمليات حفظ السلام، يذهب معظمها إلى القوات والتكاليف المادية. ويُزعم اليوم أن بعض الدول تحفظ السلام من أجل الربح.. ويحذر البعض من أن عمليات حفظ السلام لها تأثيرات مختلطة، إذ من المحتمل أن تؤدي إلى ترسيخ الحكم الاستبدادي والمساهمة في النزعة الانقلابية في الديمقراطيات الهشة مثل النيجر".

وأردفا أنه "في حين أن حفظ السلام قد يعمل على إضفاء الطابع الاجتماعي على الدول المرسلة وتلتزم بالقيم العالمية المرتبطة بالأمم المتحدة، إلا أن هناك أمثلة كثيرة للغاية حيث يتم التسامح مع الانتهاكات وتعزيز المعايير غير الليبرالية بدلا من ذلك".

وقالا إن "المجتمع الدولي أصبح يعتمد بشكل مفرط على هذه الدول لحفظ السلام، ولذلك يتردد في فرض عقوبات عليها، حتى عندما يخرج سلوكها إلى حد كبير عن الأعراف الليبرالية. كما تستخدم بعض الدول حفظ السلام لبناء قوات مسلحة أكثر قوة، والنتيجة في أحيان كثيرة هي جيش أكثر تمكينا، مما يخل بالتوازن مع السلطات المدنية، وغالبا في البلدان التي لها تاريخ سابق من الانقلابات".

ليفين وألين لفتا إلى أن "النيجر شهدت نموا هائلا في دورها في حفظ السلام، حيث تساهم اليوم بحوالي ألف جندي وأفراد أمن (مقابل ثمانية في 2000). وخلال تلك الفترة، أغدق المجتمع الدولي الأموال على النيجر، إذ منحتها الولايات المتحدة وحدها نحو 500 مليون دولار في العقد الماضي بالإضافة إلى التدريب والدعم لتحسين أمنها وتعزيز جيشها".

وشددا على أن "المجتمع الدولي أصبح مترددا في انتقاد قوات حفظ السلام مثل النيجر، وغالبا ما يظل صامتا في مواجهة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان أو التراجع الديمقراطي".

واعتبرا أن "هذا التردد ظهر في أعقاب الانقلاب، إذ أعرب متحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش عن "قلقه العميق" إزاء الأحداث في النيجر، ولم تصل المنظمة إلى حد إصدار عقوبات أو وقف المساعدات في أعقاب الانقلاب، وبينما قامت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) بقطع الكهرباء عن النيجر، فقد رفضت ممارسة إجراءات أكثر قوة، مما سمح بانتهاء المهلة النهائية (لإعادة بازوم إلى السلطة) دون عواقب".

اقرأ أيضاً

رافضا التدخل الخارجي.. الاتحاد الأفريقي يعلق مشاركة النيجر بجميع أنشطته

تدقيق أممي

و"في حين أن الأسباب المحتملة للانقلابات غير محددة بشكل مبالغ فيه، فإن الدول التي ترسل قوات حفظ السلام الحاصلة على قدر أكبر من التدريب والخبرة الأجنبية هي الأكثر عرضة للانقلابات، وغالبا ما تكون قوات حفظ السلام نفسها، مثل تشياني، مسؤولة عن ذلك"، كما تابع ليفين وألين.

وأردفا أن "الأدلة الواردة من النيجر تشير إلى أن (الانخراط في مهمات) حفظ السلام ربما لعب دورا في الأحداث الأخيرة، حيث زود المجلس العسكري بوسائل أكبر، بينها جيش أكثر قوة وجرأة ، للتدخل في الشؤون السياسية للبلاد".

وأضافا أن "الأدلة تشير إلى أن حفظ السلام يزيد من خطر الانقلابات، ولكن لا يمكن القول بشكل قاطع أنه يسببها، وهذا يشكل تحديا لصانعي السياسات".

وقالا إن "الأمم المتحدة قد تنظر في اتخاذ إجراءات لمنع تسرب الأموال أو المواد المخصصة لحفظ السلام، ويمكن تحقيق ذلك عبر مزيد من التدقيق والرقابة أو فرض عقوبات على قوات حفظ السلام التي تنتهك قواعد المنظمة".

و"قد تقدم الديمقراطيات الغنية المساعدة، فتعوض النقص في عمليات حفظ السلام من خلال المساهمة بأعداد أكبر من القوات بنفسها، بدلا من دفع أموال للآخرين للقيام بذلك"، كما ختم ليفين وألين.

اقرأ أيضاً

تدخل إيكواس المحتمل عسكريا في النيجر.. ماذا يعني؟

المصدر | جيمي ليفين وناثان ألين/ فورين بوليسي- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: أفريقيا الأمم المتحدة عمليات حفظ السلام انقلابات النيجر عملیات حفظ السلام قوات حفظ السلام الأمم المتحدة فی حین

إقرأ أيضاً:

الخريطة التفاعلية.. تفاصيل آخر عمليات المقاومة في غزة

ومع تصاعد هجمات المقاومة، اضطرت قوات الاحتلال إلى سحب قواتها من جباليا، وأعادت نشر قوات في شمال غزة. تفاصيل أكثر مع عبد القادر عراضة.

13/11/2024

مقالات مشابهة

  • يونيفيل: سقوط قذيفة مدفعية على مقر القطاع الغربي في لبنان
  • الأمم المتحدة: أكثر من 6360 مهاجرا أفريقيا وصلوا إلى اليمن خلال أكتوبر الماضي
  • تعرض قوة من اليونيفيل جنوب لبنان لإطلاق النار دون إصابات
  • بعد الخسارة من النيجر.. ماذا يحتاج منتخب السودان للتأهل لأمم أفريقيا 2025؟
  • منتخب النيجر يضرب السودان برياعية في تصفيات كأس أمم أفريقيا 2025
  • الأمم المتحدة تعتزم تعزيز يونيفيل بعد الهدنة في لبنان
  • برلين تنفي تورط جنود ألمان بالقتال مع إسرائيل في لبنان
  • الخريطة التفاعلية.. تفاصيل آخر عمليات المقاومة في غزة
  • أكثر 10 دول تقدّم المساعدة العسكرية إلى أوكرانيا
  • "حزب الله" يعلن عدد قتلى جيش الاحتلال بلبنان وتفاصيل عمليات تدمير الجرافات العسكرية