أفريقيا.. عمليات حفظ السلام الأممية تغذي الانقلابات العسكرية
تاريخ النشر: 3rd, September 2023 GMT
إن النظر في التطور التاريخي لعمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة يتيح وضع سياق للمتآمرين من ذوي "الخوذ الزرق" الذين ينفذون انقلابات عسكرية مثل الجنرال عبد الرحمن تشياني، الذي أطاح برئيس النيجر المنتخب محمد بازوم في 26 يوليو/ تموز الماضي.
ذلك ما خلص إليه كل من جيمي ليفين وناثان ألين، في مقال بمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية (Foreign Policy) ترجمه "الخليج الجديد"، مضيفين أن مسيرة تشياني العسكرية شهدت خدمته في بعثات الأمم المتحدة في ساحل العاج وجمهورية الكونغو الديمقراطية والسودان، بالإضافة إلى العديد من المهام الإقليمية المتعددة الأطراف.
وقالا إنه "في السنوات الخمس التي تلت نهاية الحرب الباردة (1947-1991)، سمحت الأمم المتحدة بإنشاء 20 مهمة جديدة لحفظ السلام، ما تطلب زيادة عدد القوات بمقدار سبعة أضعاف تقريبا، من 11 ألفا إلى 75 ألفا. واليوم، يتجاوز العدد 90 ألف جندي منتشرين في أنحاء العالم".
و"قد تراجعت الديمقراطيات الغنية عن حفظ السلام، مما زاد الاعتماد على دول مثل النيجر، وفي حين كانت المهمات السابقة تتضمن المراقبة على طول خطوط وقف إطلاق النار، فإن مهمات ما بعد الحرب الباردة، أكثر دموية، إذ يتم الآن تكليف القوات بتأمين وقف إطلاق النار بين الأطراف المتحاربة في الحروب الأهلية المستمرة"، بحسب ليفين وألين.
وتابعا أنه "في 1990، كانت أكبر الدول المساهمة بقوات حفظ السلام هي كندا وفنلندا والنمسا والنرويج وأيرلندا والمملكة المتحدة والسويد، وكلها ديمقراطيات ليبرالية، لكن بحلول 2015، حلت محلها بنجلاديش وباكستان وإثيوبيا ورواندا ونيجيريا ومصر، وجميعها دول أقل ديمقراطية ولها تاريخ من عدم استقرار الأنظمة".
اقرأ أيضاً
عسكريو النيجر يصدرون أمراً بطرد سفير فرنسا.. وباريس ترفض القرار
انتهاكات وأموال
و"في حين أن تأثيرات حفظ السلام على البلدان التي تنتشر فيها قوات حفظ السلام إيجابية وراسخة، فإن التأثيرات على الدول التي ترسل قوات، مثل النيجر، محل خلاف شديد"، كما أردف ليفين وألين.
وأضافا أن "الأمم المتحدة تنفق سنويا أكثر من 6 مليارات دولار على عمليات حفظ السلام، يذهب معظمها إلى القوات والتكاليف المادية. ويُزعم اليوم أن بعض الدول تحفظ السلام من أجل الربح.. ويحذر البعض من أن عمليات حفظ السلام لها تأثيرات مختلطة، إذ من المحتمل أن تؤدي إلى ترسيخ الحكم الاستبدادي والمساهمة في النزعة الانقلابية في الديمقراطيات الهشة مثل النيجر".
وأردفا أنه "في حين أن حفظ السلام قد يعمل على إضفاء الطابع الاجتماعي على الدول المرسلة وتلتزم بالقيم العالمية المرتبطة بالأمم المتحدة، إلا أن هناك أمثلة كثيرة للغاية حيث يتم التسامح مع الانتهاكات وتعزيز المعايير غير الليبرالية بدلا من ذلك".
وقالا إن "المجتمع الدولي أصبح يعتمد بشكل مفرط على هذه الدول لحفظ السلام، ولذلك يتردد في فرض عقوبات عليها، حتى عندما يخرج سلوكها إلى حد كبير عن الأعراف الليبرالية. كما تستخدم بعض الدول حفظ السلام لبناء قوات مسلحة أكثر قوة، والنتيجة في أحيان كثيرة هي جيش أكثر تمكينا، مما يخل بالتوازن مع السلطات المدنية، وغالبا في البلدان التي لها تاريخ سابق من الانقلابات".
ليفين وألين لفتا إلى أن "النيجر شهدت نموا هائلا في دورها في حفظ السلام، حيث تساهم اليوم بحوالي ألف جندي وأفراد أمن (مقابل ثمانية في 2000). وخلال تلك الفترة، أغدق المجتمع الدولي الأموال على النيجر، إذ منحتها الولايات المتحدة وحدها نحو 500 مليون دولار في العقد الماضي بالإضافة إلى التدريب والدعم لتحسين أمنها وتعزيز جيشها".
وشددا على أن "المجتمع الدولي أصبح مترددا في انتقاد قوات حفظ السلام مثل النيجر، وغالبا ما يظل صامتا في مواجهة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان أو التراجع الديمقراطي".
واعتبرا أن "هذا التردد ظهر في أعقاب الانقلاب، إذ أعرب متحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش عن "قلقه العميق" إزاء الأحداث في النيجر، ولم تصل المنظمة إلى حد إصدار عقوبات أو وقف المساعدات في أعقاب الانقلاب، وبينما قامت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) بقطع الكهرباء عن النيجر، فقد رفضت ممارسة إجراءات أكثر قوة، مما سمح بانتهاء المهلة النهائية (لإعادة بازوم إلى السلطة) دون عواقب".
اقرأ أيضاً
رافضا التدخل الخارجي.. الاتحاد الأفريقي يعلق مشاركة النيجر بجميع أنشطته
تدقيق أممي
و"في حين أن الأسباب المحتملة للانقلابات غير محددة بشكل مبالغ فيه، فإن الدول التي ترسل قوات حفظ السلام الحاصلة على قدر أكبر من التدريب والخبرة الأجنبية هي الأكثر عرضة للانقلابات، وغالبا ما تكون قوات حفظ السلام نفسها، مثل تشياني، مسؤولة عن ذلك"، كما تابع ليفين وألين.
وأردفا أن "الأدلة الواردة من النيجر تشير إلى أن (الانخراط في مهمات) حفظ السلام ربما لعب دورا في الأحداث الأخيرة، حيث زود المجلس العسكري بوسائل أكبر، بينها جيش أكثر قوة وجرأة ، للتدخل في الشؤون السياسية للبلاد".
وأضافا أن "الأدلة تشير إلى أن حفظ السلام يزيد من خطر الانقلابات، ولكن لا يمكن القول بشكل قاطع أنه يسببها، وهذا يشكل تحديا لصانعي السياسات".
وقالا إن "الأمم المتحدة قد تنظر في اتخاذ إجراءات لمنع تسرب الأموال أو المواد المخصصة لحفظ السلام، ويمكن تحقيق ذلك عبر مزيد من التدقيق والرقابة أو فرض عقوبات على قوات حفظ السلام التي تنتهك قواعد المنظمة".
و"قد تقدم الديمقراطيات الغنية المساعدة، فتعوض النقص في عمليات حفظ السلام من خلال المساهمة بأعداد أكبر من القوات بنفسها، بدلا من دفع أموال للآخرين للقيام بذلك"، كما ختم ليفين وألين.
اقرأ أيضاً
تدخل إيكواس المحتمل عسكريا في النيجر.. ماذا يعني؟
المصدر | جيمي ليفين وناثان ألين/ فورين بوليسي- ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: أفريقيا الأمم المتحدة عمليات حفظ السلام انقلابات النيجر عملیات حفظ السلام قوات حفظ السلام الأمم المتحدة فی حین
إقرأ أيضاً:
خبراء مصريون يرفضون التهجير ويطالبون بتفعيل مبادرة السلام العربية
عقدت مجموعة العمل الوطنية لمواجهة مخططات تهجير الفلسطينيين مؤتمراً لمناقشة التداعيات الوطنية والإقليمية لخطط التهجير الإسرائيلية، ولبحث آليات التصدي لمحاولات تصفية القضية الفلسطينية، وذلك بمشاركة عدد من المسؤولين السابقين ورؤساء مراكز الدراسات والفكر الاستراتيجي، من أبرزهم الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية عمرو موسى.
وأكد موسى خلال مداخلته أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي الحالية غير مؤهلة لأي مباحثات سلام، مشدداً على أن التغيير الداخلي في "إسرائيل" يُعد شرطاً أساسياً لإنجاح أي مفاوضات مستقبلية مع الدول العربية.
وأضاف أن ما تقوم به الاحتلال الإسرائيلي يمثل تهديداً صريحاً للنظام العالمي، وأن قبول المجتمع الدولي بهذه السياسات يعني عملياً إقراراً بانهيار منظومة القانون الدولي.
وتضم مجموعة العمل الوطنية، التي انطلقت في شباط/ فبراير الماضي، كلاً من المركز الوطني للدراسات، ومركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إضافة إلى خبراء من مركز الدراسات الاستراتيجية بالقوات المسلحة.
وفي افتتاح المؤتمر، شدد رئيس المجموعة ومدير مركز الأهرام، أيمن عبد الوهاب، على أهمية التنسيق بين مراكز الفكر لمواجهة التهديدات الكبرى، وفي مقدمتها قضية تهجير الفلسطينيين، التي تمثل تهديداً مباشراً للأمن القومي المصري وللمنطقة ككل.
وقدّم مستشار المركز الوطني للدراسات والمنسق العام للمجموعة، اللواء أحمد فاروق، ورقة تحليلية تناولت تفاصيل المخططات الإسرائيلية لتهجير الفلسطينيين، وأهدافها التي تتراوح بين الأبعاد الأيديولوجية والدينية والمصالح الاقتصادية.
فيما حذّر مستشار مركز الدراسات الاستراتيجية للقوات المسلحة، اللواء وائل ربيع، من أن التهجير يمثل جزءاً من مشروع طويل الأمد للتمدد الإسرائيلي، مؤكداً أن مواجهته تستدعي إدراك هذا البُعد الزمني.
وتطابق هذا الطرح مع ما ذهب إليه مساعد وزير الدفاع الأسبق، اللواء محمد الكشكي، الذي شدد على أن أي مبادرة لا تضمن حقوق الشعب الفلسطيني مصيرها الفشل.
وفي السياق ذاته، اقترح وزير الخارجية المصري الأسبق نبيل فهمي إعادة تفعيل المبادرة العربية للسلام التي طُرحت عام 2002 في قمة بيروت، والتي نصّت على إنشاء دولة فلسطينية على حدود عام 1967، وعودة اللاجئين، وانسحاب الاحتلال الإسرائيلي من الجولان، مقابل تطبيع العلاقات مع الدول العربية.
من جانبه، رأى عضو مجلس الشيوخ، اللواء أيمن عبد المحسن، أن توحيد الموقف العربي لم يعد خياراً بل ضرورة، لا سيما في ظل ما وصفه بـ"الطموحات الإسرائيلية التوسعية" التي تطال أراضي دول مثل سوريا ولبنان.
وفي مداخلة أخرى، شددت المديرة التنفيذية للأكاديمية الوطنية للتدريب، رشا راغب، على أهمية توحيد السردية العربية حول القضية الفلسطينية، خاصة بين الشباب، وتوظيف أدوات القوة الناعمة والقنوات غير الرسمية في هذا الاتجاه.
أما مستقبل المقاومة الفلسطينية، فقد تناولته ورقة بحثية قدّمها مستشار مركز الأهرام، عمرو الشوبكي، حيث رجّح أن تتجه المرحلة المقبلة نحو المقاومة السلمية في ظل تراجع قدرات الفصائل المسلحة، ومنها "حماس"، منذ أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، داعياً إلى دعم مصر للدور السياسي للمقاومة وتعزيز موقع السلطة الفلسطينية.
وفي تعقيبه، أكد مساعد رئيس المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، طارق فهمي، أن حركة حماس ستظل رقماً حاضراً في المشهد الفلسطيني، لافتاً إلى سعيها لتحقيق أهداف استراتيجية قد تتجاوز الوساطات العربية، رغم استمرار مصر في لعب الدور الأبرز على ساحة غزة.
وفي ختام المؤتمر، أصدر المجتمعون بياناً شددوا فيه على أن تهجير سكان قطاع غزة لا يمثل فقط تهديداً مباشراً للأمن القومي المصري، بل يطال استقرار الشرق الأوسط والمجتمع الدولي ككل، كما يضع مستقبل تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل على المحك. ودعا البيان إلى تعزيز التعاون العربي وبناء موقف موحد لدعم الجهود المصرية في إعادة الإعمار، وتفويض لجنة عربية مصغرة للتفاوض مع الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب، لعرض تداعيات التهجير على الأمن الإقليمي والدولي.
كما أوصى البيان بإحياء المبادرة العربية لعام 2002 باعتبارها مدخلاً لتحقيق حل الدولتين، وبالتكامل بين مراكز الفكر والخبراء الاستراتيجيين لإنتاج معرفة تساهم في تفعيل قرارات الأمم المتحدة وإنهاء الاحتلال، بما يعزز الأمن القومي المصري والسلام الإقليمي والدولي.