لجريدة عمان:
2025-04-26@11:43:46 GMT

ثقافتنا الرقمية..

تاريخ النشر: 2nd, September 2023 GMT

تُعد الثقافة الرقمية من الموضوعات المعقدة التي بدأت ضمن مجموعة من التشابكات بين الاتجاهات الرقمية وعالم الثقافة بكافة مجالاته، من خلال التقارب بين الثقافات ووسائل الإعلام والتكنولوجيا المتطورة بشكل متسارع، إضافة إلى التأثير على وسائل التواصل الاجتماعي في أشكاله الجديدة، ولهذا فإن تلك التشابكات كلها تفرض إعادة النظر في مفاهيم الثقافة باعتبارها ديناميكية قادرة على استيعاب سياقات التواصل التفاعلي والعلاقات التبادلية فيما تنشئه من أنظمة ثقافية حديثة.

إن الثقافة اليوم في ظل تلك المتغيرات تحتاج إلى تطوير على مستوى العلاقة مع مجتمع المعرفة، بل مع المعرفة نفسها باعتبارها أساسا دافعا للإبداع الثقافي، والتنوُّع الثقافي والتواصل بين مختلف الحضارات ، ولهذا فإن الثقافة الرقمية يُنظر إليها بوصفها موردا مشتركا وبيئة اجتماعية لمجتمع المعرفة، ومن خلالها يتم تحديد الممارسات والإمكانات، وكذلك التحديات والمخاطر الجديدة التي قد تواجهها أو تواجه الثقافة المجتمعية بشكل عام، لما تسببه من تغييرات على المستوى الاجتماعي والاقتصادي.

لقد شكَّلت التغييرات الناتجة عن علاقات الثقافة الرقمية تحولات اجتماعية، أنتجت أشكالا جديدة من الإنتاج الثقافي والإعلامي، وبالتالي أيضا أنواعا حديثة من طرائق الطباعة والنشر، سواء أكانت تلك الأشكال والأنواع واقعية أو افتراضية، فإنها قادت إلى فرض شراكات تتوافق مع معطيات المجتمعات العصرية سريعة التطوُّر بفضل تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، التي دفعت المجتمعات إلى تغيير منظوماتها، فأصبح لدينا ما يُعرف بمجتمع المعلومات، ومجتمع المعرفة، والمجتمع الشبكي.

تحت عنوان (كيف نفهم الثقافة الرقمية)، يؤكد تقرير الثقافة الرقمية، الديناميكيات المتغيِّرة، الصادر عن المنظمة العالمية للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، أن المجتمعات في ظل سعيها وراء التطورات التقنية تركِّز على (ثورة المعلومات) وكيفية تطويرها، ومدى التغييرات التي تطرأ على تلك الثورة، بدلا من الاهتمام بالتطوُّر الذي يحدث على ثقافة المجتمع جرَّاء تلك التغييرات، ولهذا فإن مجتمع المعرفة لن يتأَّسس بتقنية المعلومات والبيانات وحسب بل بقدرة تلك التقنية على التأثير الإيجابي في حياة المجتمعات، وإنتاج ثقافة رقمية قادرة على المواءمة بين تطوير البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتنمية الاجتماعية.

يؤكد التقرير أن الثقافة هي رأس المال الذي تقوم عليه تقنيات المعلومات والبيانات، إضافة إلى أنها والتواصل بمختلف أشكاله مترابطان ارتباطا وثيقا، فهي (نمط متكامل للمعرفة والسلوك الإنساني الذي يعتمد على قدرة الإنسان على التعلُّم ونقل المعرفة إلى الأجيال القادمة)، ولهذا فإن النسيج الاجتماعي للمجتمع هو ما يشكِّل مجموع المعلومات والبيانات الخاصة به على المستوى الاجتماعي والبيئي والاقتصادي، وبالتالي فإن جوهر الثقافة الرقمية يكمن في ثقافة المجتمع نفسه وقدرته على إنتاج مفاهيم تتناسب مع قيمه وعاداته وأخلاقه.

لهذا فإن الثقافة الرقمية اليوم تشكِّل قدرة الدولة على تأسيس مجتمع معرفة قائم على مفاهيم ثقافتها المحلية ومعطيات حضارتها من ناحية، ومفاهيم التطورات الرقمية والتقنية التي تتأسَّس على تلك المفاهيم، وفق معطيات تكنولوجيا الاتصالات من ناحية أخرى؛ فهياكل التواصل الثقافي بين أفراد المجتمع على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي، والتقنيات المتاحة تشكلان معا عنصرا أساسيا في الذاكرة الثقافية والحفاظ عليها، في ظل المتغيرات المتعددة التي تنشأ ضمن تطورات عالميَّ المعلومات والمعرفة.

إن التطورات الرقمية التي يشهدها العالم، وتوسُّع عالم وسائل التواصل الاجتماعي، إضافة إلى طفرات الذكاء الاصطناعي، يجعل من الثقافة الرقمية أساسا مفاهيميا تقوم عليه التربية الحديثة، سواء على مستوى التعليم المدرسي أو حتى التعليم الجامعي؛ ذلك لأن فهم المتعلمين لمبادئ هذه الثقافة وآفاقها، ومدى تأثيرها على المجتمع، ستمكِّنه من التعامل مع متغيراتها، بحيث يمكنه تطوير ثقافته المجتمعية بناء على واقعه وحضارته، لا على المعطيات التي تفرضها تلك الثقافة على مستوى العولمة الثقافية.

لذا فإن تخصيص مساحة تعليمية على مستوى الأنشطة الصفية أو اللاصفية أو منهجا وإن كان إثرائيا خاصا بالثقافة الرقمية، سيساعد المتعلمين على تعزيز تلك المفاهيم، وتجربة التفاعل مع وسائل التواصل التقني بشكل إيجابي وفاعل، إضافة إلى تلك الإمكانات التي تتيحها المؤسسة التعليمية لهم لتعلُّم مهارات جديدة تتعلَّق بنقد المعلومات والبيانات المتاحة على الشابكة وتحليلها، ومهارة اتخاذ القرار والقدرة على إبداء الرأي، ليكونوا دوما في قلب الثقافة الرقمية بما يشكِّل أساسا مجتمعيا يحمي ثقافتهم المحلية، ويطوِّر أنماط التفاعل الرقمي، ويعزِّز الإبداع والابتكار؛ فالمواهب الجديدة للعصر الحديث مرتبطة بالثقافة الرقمية، لأنها الأساس الذي تنطلق منه التقنية نفسها.

إضافة إلى ذلك فإن التطورات الرقمية لا يمكنها الاستقرار في المجتمع دون قبول المجتمع لها، والاستخدامات التي يؤسسَّها حسب حاجاتها وأولوياتها، وكيفية تنظيمها وفقا لمتطلبات حياته، فالتقنية بقدر ما تؤثر في حياة مجتمعنا بقدر ما يمكننا توجيه ذلك التأثير نحو جوهر أنماط حياتنا التواصلية والثقافية إذا لم نعِ أهمية تلك التطورات وحدود تأثيرها، ولهذا فإن هذه التقنية بأشكالها المتعددة تحتاج دوما إلى إيجاد أنظمة تفاعلية واعية، قادرة على توجيه تلك التقنيات نحو الإبداع والابتكار في المجالات المختلفة سواء في مجالات الطب أو حركة المرور أو وسائل الإعلام أو الفنون، أو غير ذلك.

إلاَّ أن تأثير هذه التطورات على الثقافة لا يمكن التحكُّم به، سوى بفهم الثقافة الرقمية، ودمجها بأنماط الثقافة المحلية، والإبداع والابتكار؛ فهي ثقافة قادرة على تعزيز وعي أفراد المجتمع بالتقنيات الحديثة من ناحية، وتمكين تفاعله الإيجابي الناقد مع كم البيانات والمعلومات التي يحتويها من ناحية أخرى. إن التهديدات التي تواجه ثقافتنا المحلية ليست جديدة، غير أن الرقمية ووسائل التواصل الحديثة عجَّلت في إبرازها إلى السطح، في ظل الكثير من التحديات الصحية والاقتصادية التي واجهت العالم كله وما زالت، وبالتالي فإن هذه التطورات ما زالت تشكِّل تهديدا ما لم يتعلَّم الناشئة والشباب بشكل خاص كيفية التعامل مع الثقافة الجديدة.

إن الثقافة الرقمية نتاج عمليات معقَّدة تحتاج إلى وعي وإدراك؛ فهي ليست مجرَّد تحوُّل إلكتروني وحسب، بقدر ما هي نتاج مجموعة من التقنيات والأنظمة الاجتماعية والثقافية، والممارسات الاقتصادية، التي مكَّنت من إيجاد توازن وتقارب أنتج أنماطا جديدة من الثقافة المحلية نفسها، لتكون (ثقافة رقمية) مناسبة لطبيعة المجتمع، وقادرة على تلبية احتياجاته الحالية، وتطلعاته المستقبلية، ولهذا فإننا مسؤولون عن إنتاج ثقافتنا الرقمية ضمن مفاهيم ثقافتنا، وليس علينا التأثُّر بالثقافات الأخرى سوى ضمن التفاعل الإيجابي والإيمان بالتنوع الثقافي المثري.

فالثقافة الرقمية لا تنحصر في تفاعلنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي وعدد البرامج التي نشترك بها، بقدر ما هي قدرتنا على حماية ثقافتنا في ظل هذا الكم الهائل من البرامج والمتغيرات التقنية شديدة التأثير؛ ذلك لأن الإبداع التقني الذي يحتضن الثقافة يقوم على أساس مهارتنا في إنتاج ذلك الإبداع، وتمكننا من فهم آفاقه، وبالتالي تأسيس أنظمة هذه الثقافة وفقا لذلك.

عائشة الدرمكية باحثة متخصصة في مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: وسائل التواصل مع المعرفة إضافة إلى على مستوى قادرة على من ناحیة

إقرأ أيضاً:

بعد تعليقها.. أبرز المعلومات عن معاهدة نهر السند بين الهند وباكستان

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

علقت الهند يوم الأربعاء معاهدة تقاسم نهر السند التي مضى عليها ستة عقود مع باكستان، كجزء من مجموعة من الإجراءات عقب هجوم مسلح مميت في كشمير، والذي تقول إن إسلام آباد تقف وراءه.

تورط باكستان في الهجوم

ونفت باكستان تورطها في الهجوم الذي قتل فيه مسلحون 26 رجلاً في موقع سياحي في باهالجام، وهي بلدة ذات مناظر خلابة في منطقة أنانتناج، يوم الثلاثاء في أسوأ هجوم على المدنيين في البلاد منذ ما يقرب من عقدين.

وقالت باكستان يوم الخميس، إن أي محاولات من جانب الهند لوقف أو تحويل مياهها بموجب معاهدة مياه نهر السند ستعتبر “عملاً حربياً”.

وأضاف بيان من مكتب رئيس الوزراء الباكستاني بعد أن ترأس اجتماعًا للجنة الأمن القومي: “المياه مصلحة وطنية حيوية لباكستان، وهي شريان حياة لسكانها البالغ عددهم 240 مليون نسمة، وسيتم حماية توفرها بأي ثمن”.

“إن أي محاولة لوقف أو تحويل تدفق المياه التي تنتمي إلى باكستان وفقًا لمعاهدة مياه نهر السند، واغتصاب حقوق الدول الواقعة في أسفل النهر، ستعتبر بمثابة عمل حربي وسيتم الرد عليها بكل قوة من خلال الطيف الكامل للقوة الوطنية.”

معاهدة مياه نهر السند


تخصص معاهدة مياه نهر السند، التي توسط فيها البنك الدولي عام 1960، أنهار حوض نهر السند الستة بين الهند وباكستان، مع قيام البنك بدور الضامن لها.

دخلت المعاهدة حيز التنفيذ في 1 أبريل 1960، وتم التوقيع عليها رسميًا في 19 سبتمبر 1960، في كراتشي من قبل الرئيس الباكستاني أيوب خان ورئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو.

لباكستان حقوق في الأنهار الغربية -نهر السند وجيلوم وتشيناب- للري والشرب والاستخدامات غير الاستهلاكية مثل الطاقة الكهرومائية.

تسيطر الهند على الأنهار الشرقية -رافي وبياس وسوتليج- للاستخدام غير المقيد ولكن يجب ألا تغير تدفقها بشكل كبير.

يمكن للهند استخدام الأنهار الغربية لأغراض محدودة مثل توليد الطاقة والري، دون تخزين أو تحويل كميات كبيرة.

يجادل خبراء، مثل حسن ف. خان من جامعة تافتس، بأن الهند تفتقر إلى البنية التحتية لتحويل كميات كبيرة من مياه نهر السند.

كما أنشأت المعاهدة لجنةً دائمةً لنهر السند وإطارًا لتسوية النزاعات. ورغم الحروب وعقودٍ من التوترات بين باكستان والهند،

أكثر اتفاقيات تقاسم المياه صمودًا 

لا تزال هذه المعاهدة من أكثر اتفاقيات تقاسم المياه صمودًا في العالم.

ولا تتضمن المعاهدة أي بندٍ يسمح لأيٍّ من البلدين بتعليق أو إنهاء الاتفاقية من جانبٍ واحد،

علمًا بأن المعاهدة تتضمن أنظمةً واضحةً لتسوية النزاعات.

ما المخاوف بشأن المياه؟

لطالما تجادلت الدولتان النوويتان المتجاورتان حول عدة مشاريع على نهر السند وروافده في الهند، وتنازعتا عليها لسنوات.

تعتمد باكستان اعتمادًا كبيرًا على مياه هذا النهر لتلبية احتياجاتها من الطاقة الكهرومائية والري والشرب.

وتقول باكستان إن الهند تحوّل المياه بشكل غير عادل من خلال بناء السدود والحواجز المائية عند المنبع، وهو ما تنفيه الهند.

في حال تعليق المعاهدة، تشعر باكستان بالقلق من أن تُقلل سدود الهند من تدفقات المياه على النهر، الذي يُغذي 80% من زراعتها المروية.

وتخشى باكستان من أن تُقيد الهند تدفقات المياه أو تُحوّلها، خاصةً خلال مواسم الجفاف،

مما قد يلحق الضرر بالمحاصيل، ويقلل من إنتاج الغذاء، ويفاقم ندرة المياه في المناطق المعرّضة للخطر.

وقد طلبت إسلام آباد من خبير محايد، ثم من محكمة تحكيم، التدخل في مشروعين حديثين للطاقة الكهرومائية.

واتهمت الهند باكستان بإطالة أمد إجراءات الشكاوى،

وتقول إن بناء مشروعي كيشانجانجا وراتلي الكهرومائيين مسموح به بموجب المعاهدة، كما سعت إلى تعديل الاتفاق للتغلب على هذه التأخيرات.

ويزيد هذا التعليق من التوترات بين الجارتين النوويتين، ويضغط على باكستان لطلب الدعم الدولي أو البحث عن حلول قانونية أو دبلوماسية أو عسكرية.

كما يفاقم حالة عدم اليقين في المنطقة، محوّلاً المياه إلى بؤرة توتر جديدة في علاقة هشة أصلاً

ما الذي قد يغيره تعليق الاتفاقية؟
 

من غير المتوقع أن يؤثر تعليق الاتفاقية مباشرةً على تدفق المياه إلى باكستان، إذ لا تملك الهند سعة تخزين كافية.

إلا أن خطوة الهند قد تثير حالة من عدم اليقين في النظام الزراعي الباكستاني.

وصرح مسؤولون هنود بأن تعليق الاتفاقية يعني أن الهند يمكنها التوقف عن مشاركة المعلومات والبيانات المهمة المتعلقة بتصريف المياه من السدود أو الفيضانات،

وأضافوا أن نيودلهي لن تكون ملزمة أيضًا بتصريف كميات محدودة من المياه خلال موسم الجفاف.

مقالات مشابهة

  • لحماية حقوقهم.. طرق تحرير محضر عبر مباحث الإنترنت
  • مبادرة الرواد الرقميون لتأهيل 5000 شاب في المهارات الرقمية.. «الاتصالات» تكشف التفاصيل
  • بعد تعليقها.. أبرز المعلومات عن معاهدة نهر السند بين الهند وباكستان
  • كيف تحمي أبناءك من التـ.ــحرش الإلكتروني؟.. الأوقاف توضح
  • مركز تنمية إقليم الدلتا بطنطا يحتفي بيوم اليتيم ويستقبل زيارات طلابية ضمن برامج الثقافة العلمية
  • خالد الجندي: لازم نلتزم برأي الأزهر في الفتوى العامة التي تمس المجتمع
  • فضيحة ترامبولية جديدة
  • شركة أرامكو الرقمية توفر وظائف شاغرة
  • معارض الكتب.. الكلمة التي تبني وطنا
  • استعراض التجارب الناجحة في ختام "ملهمون" بجامعة صحار