أثار إفراج محكمة محلية في زامبيا، عن 5 مصريين محتجزين لديها منذ نحو 3 أسابيع في القضية المعروفة إعلاميا بـ"طائرة الذهب"، الكثير من التكهنات حول وجود صفقة بين سلطات القاهرة ولوساكا، والتساؤل بشأن مصير حمولة الطائرة من أموال ومعادن، ومصير المتهم السادس الذي ظلت هويته لغزا.

وفي مفاجأة توقعها معارضون مصريون، قررت محكمة "لوساكا الفرعية"، الجمعة، الإفراج عن 5 مصريين من الستة المحتجزين في زامبيا، بعد تنازل النيابة الزامبية عن اتهاماتها لهم بالتجسس، مع حبس 5 متهمين زامبيين.



مقاطع الفيديو التي نشرتها وسائل إعلام لوساكا كشفت عن خروج المتهمين المصريين الخمسة وهم يرفعون علامة النصر، ويستقلون إحدى الأتوبيسات، فيما أكد ميشيل عادل ميشيل بطرس أحد المفرج عنهم للصحفيين خارج المحكمة أنهم كانوا يعرفون من اليوم الأول أنهم أبرياء.



‏المشهد الذي استفز الكثيرين في مصر، ودفع بعضهم للتساؤل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عن "سبب رفع متهمين بالتهريب أو سارقي أموال شعبهم علامة النصر"، متسائلين: "على من حققوا هذا النصر؟"، خاصة وأن السلطات الزامبية صادرت الأموال والمعادن المضبوطة على متن الطائرة.

سؤال: بالله عليكم لماذا يرفع مهرب وسارق اموال شعبه بعلامة النصر؟ النصر على من؟ النصر على الحق وعلامة على انتصار الفساد فى بلاده بالطبع!! وتحيا مصر ٣ مرات!! pic.twitter.com/Lca8PrhBQE — Dr.Sam Youssef Ph.D.,M.Sc.,DPT. (@drhossamsamy65) September 1, 2023
"قصة طائرة الكنز"

وتفجرت منذ 13 آب/ أغسطس الماضي، القضية التي شغلت الرأي العام المصري والأفريقي ونالت اهتمام الصحافة العالمية، والتي كان للمعارضة المصرية في الخارج دور في الكشف عن أسماء 5 من الموقوفين على ذمتها.

فيما عجزت عن كشف شخصية المصري السادس، الذي قال البعض إنه الرجل الثاني في المخابرات المصرية العامة محمود السيسي، نجل رئيس النظام عبدالفتاح السيسي.

وفي ذلك التاريخ، أوقفت السلطات الزامبية في مطار "كينيث كاوندا" في لوساكا، 6 مصريين و4 من جنسيات مختلفة على متن طائرة أقلعت من القاهرة، وتحمل كميات من الذهب والنقد من الدولار الأمريكي، في خبر تناقلته الصحف الزامبية، ونقلته المواقع المصرية التي قامت بحذفه لاحقا.

حينها عثرت وكالة مكافحة المخدرات في زامبيا على نحو 5.7 ملايين دولار نقدا، تم نقلها لبنك زامبيا المركزي، و5 مسدسات و126 طلقة ذخيرة و602 سبيكة ذهب يشتبه في أنها مزيفة وتزن نحو 127 كيلوغراما وجهاز قياس الذهب على متن الطائرة "غلوبال أكسبرس "T7-WSS"، والمسجلة بجمهورية سان مارينو.


ولم تكشف سلطات أوساكا، على الفور عن شخصية المتهمين المصريين الستة، ولكن صفحات معارضة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، نجحت في إماطة اللثام عن شخصية 5 منهم.

وهم: مساعد الملحق العسكري بالسفارة المصرية في واشنطن (2011-2012) محمد عبدالحق محمد جودة، وتاجر الذهب الذي قدم هدايا شخصية للسيسي، منير شاكر جرجس عوض، وصاحب شركة بريطانية تقدم استشارات للقوات المسلحة المصرية مايكل عادل مايكل بطرس.

وضابط الشرطة وليد رفعت فهمي بطرس عبد السيد، وضابط الجيش ياسر مختار عبدالغفور الششتاوي، فيما  أشارت وثائق للمحكمة الزامبية إلى أن بين المشتبه بهم عسكري مصري سابق يرجح أنه ياسر الششتاوي، ورجل أعمال، إضافة إلى ضابط شرطة زامبي.

الرد الرسمي المصري ظل غائبا حتى الآن، وعندما صدر رد غير رسمي ظل غير مقنعا للكثيرين، حيث قالت "وكالة أنباء الشرق الأوسط"، الحكومية، نقلا عن "مصدر مطلع" إن الطائرة ليست مصرية، ومملوكة لجهة خاصة، وأنها عبرت القاهرة عن طريق الترانزيت فقط".

وقالت الوكالة في 16 آب/ أغسطس الماضي، إنها "طائرة خاصة، وقد خضعت للتفتيش والتأكد من استيفائها كافة قواعد السلامة والأمن"، وهو التصريح الذي ردت عليه "bbc" على الفور قائلة إن "الطائرات التي تمر في القاهرة لا يتم تفتيشها".

ذات الطائرة كانت سافرت عشرات المرات بين مطارات القاهرة ودبي وطرابلس في ليبيا، وتل أبيب، واستخدمها مسؤولون مصريون بينهم وزير الداخلية محمود توفيق في زيارته تونس 28 شباط/ فبراير الماضي، وكذلك رجال أعمال لهم ارتباطات بالنظام المصري مثل السيناوي المثير للجدل إبراهيم العرجاني.

صفحة "متصدقش"، كشفت أن البيانات الملاحية تشير إلى انطلاق الطائرة من مطار العاصمة الأردنية عمّان مساء 12 آب/ أغسطس، ووصولها منتصف الليل مطار القاهرة قبل أن تعاود الانطلاق الساعة الـ11 صباحا لتصل لوساكا بعد 7 ساعات، بحسب بيانات موقع "فلايت رادار 24".

ووفق الموقع، فإن الطائرة أجرت 361 رحلة منها 125 رحلة بدأت وانتهت بالقاهرة، فيما كشفت أن الطائرة تديرها شركة تسمى "Flying Group Middle East"، التي يقع مقرها بالإمارات، عبر مكتب تابع لشركة flying group لخدمات تأجير الطائرات التي تتخذ من مطار أنتويرب في بلجيكا مقرا لها.
وجود مقر تأجير الطائرة في الإمارات يتقاطع مع تقارير صحفية دولية بينها لصحيفة "آراب دايجست" عن دور الإمارات بتهريب الذهب الأفريقي.


"دور مثير"

وعلى الفور أثار الإفراج الزامبي السريع عن المصريين المحتجزين لديها حفيظة مراقبين ومتحدثين لـ"عربي21"، ودفعهم للحديث عن دور السفير السعودي السابق بالقاهرة أحمد قطان خلال زيارته زامبيا 23 آب/ أغسطس الماضي، في إنهاء القضية.

وقال الناشط المصري الدكتور حسام يوسف، عبر موقع (أكس): "الرجل خبير بمصر وبالقوات المسلحة المصرية وبأساليبها، ولذلك استنجدت به القيادة المصرية لإنقاذ المتهمين المصريين وخصوصا المتهم الخصوصي الخفى رقم 6 وقد كان"،مشيرا إلى ما أسماه "صفقة سال لها لعاب الأخوة في زامبيا".

السفير السعودى السابق أحمد قطان، ووزير الدولة السعودي الان لشؤون الدول الأفريقية وسفير المملكة السابق لدى القاهرة، والمنقذ السوبرمان الذى ادار صفقة الافراج عن ضباط ومهربون الطائرة المصرية فى زامبيا هو نفس الرجل الذى صرح من قبل أنه "أُبلغ رسميا"، خلال عمله في مصر، بأن أحمد شفيق… pic.twitter.com/9M4Muzd4VX — Dr.Sam Youssef Ph.D.,M.Sc.,DPT. (@drhossamsamy65) September 1, 2023
"هذا هو الراجح"

وفي قراءته لدلالات قرار المحكمة الزامبية ودور السعودية في الأزمة، قال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير عبدالله الأشعل: "غير معروف أن السعودية هي من دبرت قضية طائرة الذهب في زامبيا أم أنها هي من توسطت فيها".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "لكن الراجح أنها توسطت في حل الأزمة بين القاهرة ولوساكا".

وأشار إلى أن "هناك بعض الدوائر التي تقول إن حادث الطائرة مدبر لكي يجري توريط السيسي، حتى لا يترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة مطلع 2024، ولكني كمراقب للحالة المصرية لا يمكنني تصديق هذه الرؤية".

وعن احتمالات وجود صفقة بين القاهرة ولوساكا، قال: "من الممكن أن تكون سلطات زامبيا أخذت ما في الطائرة من حمولة، وتركت المصريين الخمسة، فلن يكسبوا شيئا من حبس المقبوض عليهم على متن الطائرة".

وبشأن غموض الموقف حول الشخص السادس، يرى الأشعل، أنه "طالما أنه غامض، فهذا يرجح أن له علاقة بالسيسي، أو يكون أحد أبنائه كما يقول البعض".


"وساطة وصفقة ومكافأة"

ومن جانبه وفي قراءته لدلالات افراج السلطات الزامبية عن عن المصريين الخمسة المحتجزين لديها، قال الخبير في العلاقات الدولية والقانون الدولي الدكتور السيد أبوالخير: "زامبيا من دول العالم الثالث ومن سمات تلك الدول عدم وجود قضاء نزيه".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد أن "الأمر لديهم يدار بالأمر المباشر من السلطات الحاكمة"، مشيرا إلى دور السلطات السعودية في القضية، خاصة وأنها "من داعمي وراعية الانقلاب العسكري في مصر منذ 2013".

الأكاديمي المصري، لفت إلى سابق تدخل الرياض "لدى الاتحاد الأفريقي عند تعليق عضوية مصر لديه، إثر الانقلاب"، مؤكدا أن الدولة العربية الخليجية قدمت الأموال للاتحاد الأفريقي لإلغاء القرار".

وأكد أنه "ولذلك فإن تدخل السلطات السعودية في القضية ليس غريبا ولا مستبعدا، خاصة وأن السفير أحمد القطان كان له دور محوري في الانقلاب".

ولذا يعتقد الخبير المصري أنه جرى عقد صفقة بين السلطات المصرية والزامبية بوساطة سعودية، بنودها "بالطبع التنازل المصري عن المضبوطات، ومعها مكافأة سخية لزامبيا"، معتقدا أن "مهندس الصفقة هو القطان".

بل ذهب للقول" "أعتقد أن المقابل، كان أكثر من ذلك؛ فالأزمة فرصة للسلطات الحاكمة في زامبيا للحصول على بعض الأموال".

وفي نهاية حديثه يرى السيد، أن عدم إعلان السلطات الزامبية عن اسم ومهنة ومهمة ودور الشخص السادس الذي كان على متن الطائرة، يأتي لأن "معرفته ستكشف حقيقة الطائرة، وتبين من المستفيد من تهريب الأموال والذهب".


"تساؤلات وغضب"

وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، تساءل الكاتب الصحفي سليم عزوز، عن مصير ملايين الدولارات التي تم ضبطها على متن الطائرة.

كفارة فقد أفرح عن المتهمين الخمسة.. والذهب تبين أنه نحاس.. فما مصير الخمسة ملايين دولار؟ مزورة؟ — سليم عزوز (@selimazouz1) September 1, 2023
‏الممثل المصري المعارض عمرو واكد، أشار إلى أن السلطات المصرية "ستتصرف كالمتواطئة".
وقال إن "السؤال المهم في فضيحة التهريب الخاصة بطائرة زامبيا هو: هل ستوجه السلطات المصرية أي اتهام لهؤلاء المهربين العائدين من التبرئة من تهمة التجسس؟".

وتابع تساؤلاته عبر موقع (إكس): "هل ستحاسبهم أي جهة في مصر على كل هذا الدولار الكاش الذي خرجوا به من مصر؟، أم أن السلطات المصرية ستتصرف كالمتواطئة كما عهدناها في هذه الجريمة؟".

السؤال المهم في فضيحة التهريب الخاصة بطائرة زامبيا: هل ستوجه السلطات المصرية أي اتهام لهؤلاء المهربين العائدين من التبرئة من تهمة التجسس؟ هل ستحاسبهم اي جهة في مصر على كل هذا الدولار الكاش الذي خرجوا به من مصر؟ ام ان السلطات المصرية ستتصرف كالمتواطئة كما عهدناها في هذه الجريمة؟ — Amr Waked (@amrwaked) September 1, 2023
"اتهام الإخوان"

لكن وعلى الجانب الآخر، فقد استغل سياسيون وإعلاميون موالون للنظام في مصر، واقعة الإفراج عن المصريين الخمسة والسماح بعودتهم إلى مصر وإسقاط كافة التهم من عليهم للنيل من المعارضة المصرية في الخارج ومن جماعة الإخوان المسلمين.

السياسي والبرلماني والصحفي مصطفى بكري، قال إن قرار الإفراج، يعني أن "الحملات المعادية عن تورط الدولة المصرية أو أشخاص ينتمون إليها لم تكن سوى أكاذيب ممنهجة من جماعة الإخوان المسلمين وتابعيهم".

وأضاف أن "الترويج بأن المصريين المتهمين كانوا 6 وليس 5 كان الهدف منه اتهام أشخاص أبرياء بزعم صلتهم بالدولة المصرية، ولم تكن تلك سوى كذبة تضاف إلى سجل أكاذيب الإخوان".

وتساءل: "أين المتهم السادس الذي طنطنتم به، ورددتم أسماء عديدة بهدف الإساءة والترويج لمخططاتكم؟".

الإفراج عن المصريين الخمسه بقرار من محكمة لوساكا بزامبيا والسماح بعودتهم إلي مصر وإسقاط كافة التهم من عليهم يعني :
- أن الحملات المعاديه عن تورط الدوله المصريه أو أشخاص ينتمون إليها لم تكن سوي أكاذيب ممنهجه من جماعة الإخوان وتابعيهم
- أن الترويج بأن المصريين المتهمين كانوا سته… — مصطفى بكري (@BakryMP) September 1, 2023
"ردود فعل عالمية"

صحيفة "الغارديان"، البريطانية، وفي تعليقها على قرار السلطات الزامبية، قالت إن "الكثير من القصة لا يزال غير واضح"، مؤكدة أن إسقاط قضية التجسس ضد جميع المصريين وزامبي واحد يأتي "دون تقديم تفسير يذكر"، واصفة "طائرة الذهب" بالغامضة، ومعلنة أن السلطات الزامبية صادرت كل ما تم ضبطه بها.

وأشارت صحيفة "الأوبزرفر"، إلى عدم صدور "أي تعليق رسمي من السيسي، أو أي عضو آخر رفيع المستوى في النظام بشأن طائرة زامبيا الذهبية، ناهيك عن أي علامة على إجراء تحقيق أو محاسبة أي شخص".

وأكدت أنه "في حين أن حقيقة ما كان يجري لا يزال مجهولا، فإن احتجاز كبار المسؤولين الأمنيين من قبل جهاز شرطة إفريقي بحوزتهم ذهب مزيف مزعوم، على متن طائرة تستخدمها الأجهزة الأمنية بشكل متكرر، يمثل ضربة قوية للنظام".

وقالت إنه "من المرجح أن يكون لذلك عواقب بعيدة المدى، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة"، مشيرة إلى أنه نظرا للسرية التي طال أمدها، حول الشخص السادس، "يُعتقد على نطاق واسع أنه لا بد أن يكون شخصا مهما للغاية".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية مصريين طائرة زامبيا مصر نظام السيسي طائرة زامبيا تهريب الاموال في مصر سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة السلطات الزامبیة السلطات المصریة على متن الطائرة طائرة الذهب عن المصریین فی زامبیا إلى أن فی مصر September 1

إقرأ أيضاً:

حجم خسائر الطيران التجسسي (إم كيو9) في اليمن.. وانعكاسه على حروب أمريكا مستقبلًا

يمانيون../
كان اسمُها كافيًا ليثير الرعب لدى من يخشى قوة أمريكا ذات يوم، لكن “الصياد القاتل”، التي تباهت به واشنطن، قد سقط في اليمن، وتعفَّرَ بالتُّراب صريعًا. فالطائرةُ التي اغتالت قادةً، وأمراء حرب، لقيت حتفَها مرةً بعد أُخرى في أجواء اليمنِ الغامضة، كما الأرض المليئة بالتعقيدات الدقيقة للبشر والجغرافية.

منذ دخول اليمن معركة “الفتح الموعود والجهاد المقدس” المساندة لغزة، تفوقت دفاعات اليمن على تعقيدات تكنولوجيا تصنيع الطيران المسير الأمريكي، وهكذا بدا الأمر، ففي أقل من ستة عشر شهرًا، تُسقِطُ القوة العسكرية اليمنية ثلاثًا وعشرينَ طائرةً من نوع “إم كيو 9” بصواريخ أرض جو محلية الصنع، أربع منها، سجلت ضمن سنوات العدوان السعوديّ الأمريكي على اليمن منذ مارس 2015م.

مع إسقاط اليمن لهذا الكم الكبير من طائرات “إم كيو9″، المحرج للصناعة العسكرية الأمريكية، فنحن نشير إلى مسألتَينِ هامَّتَينِ:- الأولى أن اليمن أسقط الدعاية الأمريكية التي تعتمد (التضخيم)، والتي رافقت هذه الصناعةَ العسكريةَ الأمريكية؛ بغرضِ التسويق، حَيثُ لم يعد هذا النوعُ رائجًا لجذب المشترين الأجانب للمسيَّرات الأمريكية. يمكن أن نتذكر أن الهند ألغت صفقة كانت قد عقدتها مع الولايات المتحدة لشراء هذا النوع من الطائرة (30 طائرة)، بعد سلسلة إخفاقات لـ “إم كيو 9” في أجواء اليمن لأكثر من مرة. وهناك دول أُخرى ألغت أَو علَّقت عقودَ شراء طائرات MQ-9، كألمانيا وأستراليا ومصر.

المسألة الثانية أن ما خسرته الولايات المتحدة بعد إسقاط اليمن لتسعَ عشرةَ طائرةَ تجسُّسٍ من هذا النوع منذ الإسناد اليمني لطوفان الأقصى، وصل إلى 570 مليون دولار. إضافة إلى 120 مليون دولار قيمة الأربع طائرات من هذا النوع أسقطتها اليمن منذ بدء العدوان على اليمن؛ أي قرابة 700 مليون دولار كخسائر لإجمالي 23 طائرة إم كيو9. تبلغ قيمةُ الطائرة مع غُرفة التحكم والأجهزة الأُخرى بين 30-33 مليون دولار. غير أن هذه الخسائر لا تشمل تكاليفَ عمل هذه الطائرات الحسَّاسة.

خسائرُ ونفقات مصاحبة:

هناك التكاليف التشغيلية لهذه الطائرة التي تسافر لمسافات طويلة، بحسب أرقام الشركة المصنَّعة (جنرال أتوميكس)، هناك نفقات مصاحبة لعمل هذه الطائرة التي تشمل أجور المشغلين “مشغلي الاستشعار”، والطيارين، وضابط العملية وفريق التجهيز والصيانة وغيرهم من طاقم العمل، وتكاليف البنية التحتية المرتبطة بهذه الطائرات، كمحطة التحكم الأرضية، ومركز العمليات، حَيثُ يتم فيه تنسيق العمليات الجوية وتحليل البيانات، ومدرج الطائرات ومنشآت الصيانة وعمليات النقل. إضافة إلى بنية تكنولوجية تشمل أنظمة اتصالات وملاحة واستشعار.

بحسب تقرير لصحيفة “واشنطن بوست” فَــإنَّ تشغيلَ هذه الطائرة يتمُّ عن بُعد بواسطة فريقَينِ في نحوِ 20 قاعدة منتشرة في 17 ولاية أمريكية، ويقود أحدُ الفريقين المهمة ويتحكمُ في الطائرة، بينما يشغِّلُ الآخرُ أجهزةَ الاستشعار ويوجِّهُ الأسلحةَ. وليس محدّدًا ما إذَا كانت حمولةُ الطائرة الـ إم كيو 9، من الصواريخ والقنابل الموجَّهة بالليزر، هي من ضمن تكلفتِها (تصل إلى 30 مليون دولار). منها 8 صواريخ موجَّهة بالليزر، و16 صاروخًا من طراز هيلفاير (Hellfire) وما يصلُ إلى 600 كيلوغرام من الوقود. يمكن ملاحظةُ بقاءِ هذه الطائرة في الجو لمسافة 1150 ميلًا، على ارتفاع يصل إلى 50 ألف قدم، والتحليق في الظروف الجوية القاسية لفترة زمنية تتجاوزُ 40 ساعةً متواصلة؛ ولأَنَّها -كما جاء في تعليقٍ لرئيسِ هيئة الأركان الأمريكية الأسبق، مارتن ديمبسي-: “ليست “طائرة بدون طيار”، بل طائرةٌ يتم التحكم بها عن بُعد بواسطة طيارين. هذه المعطيات تشير إلى نفقات تشغيل “عالية”. تقدر تكلفة الساعة الواحدة لتشغيل الطائرة MQ-9، بحوالي 1000 دولار، وتزيد التكلفة مع زيادة مدة وتعقيد المهمة التي ستقوم بها، والمنطقة التي تتم فيها. هذه الكلفة تفترض حسابات أكبرَ إذَا ما استغرَقَ عملُ هذه الطائرة المعادية ساعاتٍ طوالًا في أجواء اليمن. إذَا ما كان هذا الرقمُ دقيقًا فماذا يعني أن تبقى هذه الطائرات لعشر ساعات في الجو.. فكم ستكون تكلفة مثل هذه العملية؟

ماذا يعني لجوءَ واشنطن لهذه الطائرة رغم تكرار إسقاطِها في أجواء اليمن؟

تشير طلبات الجيش الأمريكي من شركة “جنرال أتوميكس” المصنِّعة أن يكون عددُ هذه الطائرات قد وصل إلى 360 طائرة حتى العام 2020م. وبحسب تقرير لـ “المنتدى العربي للدفاع والتسليح”، أغسطُس 2024، فقد حصلت القواتُ الأمريكيةُ على عدةِ مئاتٍ من هذه الطائرات، مع نية القواتِ الجوية الأمريكية زيادةَ أسطولها إلى 327 طائرة من هذا النوع، وهي أرقام متقاربة. ووَفْــقًا لشركة “جنرال أتوميكس” تمتلك القوات الجوية الأمريكية 300 طائرة من هذا الطراز.. وهي الأكثرُ كفاءةً للجغرافية اليمنية المعقَّدة. لذا تواصل استخدامُها في عمليات جمع المعلومات والتجسُّس في أجواء اليمن، حَيثُ هي الخيارُ الأولُ للتجسُّس ضد اليمن في الوقت الراهن، بعد نجاح اليمن في إضعاف نشاط وفاعلية العناصر والخلايا التجسسية والعملاء المرتبطين بالعدوّ.

في العام 2015م، كان قد ذكر تقرير صدر عن مكتب الميزانية في الكونغرس، أنه سيتم إنفاق 36.9 مليار دولار حتى عام 2020؛ مِن أجلِ الطائرات بدون طيار، وتطوير مواصفاتها التكنولوجية، علمًا أن الطائرةَ الواحدةَ منها تكلِّفُ الجيش الأمريكي 56 مليون دولار. ما تعتبره واشنطن فخرًا لصناعة الدرونز العالمية قد سقط بامتيَاز في اليمن رغم ما أُجرِيَ على هذا الطراز المتفوِّق من تعديلٍ على يدِ خُبَرَاءِ الشركة المصنِّعة مؤخّرًا، هذا في حَــدِّ ذاته شكَّلَ صدمةً لخبراء تصنيع الطيران المسيَّر في أمريكا.

من منظور استراتيجي، فَــإنَّ التكنولوجيا الأمريكية العسكرية كما هي في تكنولوجيا MQ-9 Reaper (الحاصدة) التي تعتمد عليها واشنطن وحلفاؤها ستصبح أقلَّ فعاليةً في المناطق التي تتواجد فيها قواتها أَو تعمل فيها بالتعاون مع شركائها. فنجاح صنعاء في إسقاط هذا الطراز المتقدم جِـدًّا يجعل من الممكن نقل هذه التقنيات وأسرارها إلى دول معادية للولايات المتحدة. كما أن إسقاط هذه الطائرة يُعَزِّزُ سُمعةَ الجيش اليمني كقوةٍ يُعتمَدُ عليها في مواجهة مشروع الهيمنة، وكجهة قادرة على تطوير تقنيات دفاعية فعالة يمكن تصديرها إلى أطراف أُخرى تبحث عن أنظمة قادرة على مواجهة التفوُّق الجوي الذي تمتلكُه القوى الكبرى (أمريكا على رأسها). فالأنظمةُ الدفاعية المتطورة التي كانت حكرًا على الدول الكبرى أَو القوى العالمية التي تمتلكُ تكنولوجيا متقدمةً مثل روسيا، الصين، والولايات المتحدة، ثم إيران وتركيا لم تَعُــد كذلك؛ فهناك تصديرٌ لكثيرٍ من أسرار التفوق الغربي إلى بقية العالم، هذا سيكونُ له كبيرُ الأثر في مواجهة مشاريع الهيمنة (للغرب) التي كانت تراهنُ على تفوُّقِها العسكري لإخضاع الشعوب والأمم.

دلالات سقوط “الصياد” المتكرّر:
للسقوط المتكرّر لطائرات إم كيو 9 في أجواء اليمن عدة دلالات عسكرية، منها أن قدرةً متطورةً للدفاعات الجوية اليمنية على رصد وتتبع وتدمير الطائرات التجسسية. هذا السقوط المتكرّر يمثل تحديًا للولايات المتحدة الأمريكية، ويظهر أن قدراتها الجوية (أمريكا) ليست محصَّنةً في المنطقة، مما يضطرها إلى إعادة تقييم استراتيجياتها وتكتيكاتها.. مع الأخذ في الاعتبار أن اليمن مُستمرّة في تحسين قدراتها الدفاعية وتطوير استراتيجياتها، حَيثُ التطلع والطموح لتحييد أَو إسقاط طائرات مقاتلة من طراز F-16 وF-35 والتي تمثل تحديًا أكبر بكثير للدفاعات اليمنية، فيما يبدو أن اليمن تسير نحو هذا الهدف الكبير، وإن استغرق كثيرًا من الوقت.

إبراهيم العنسي| المسيرة

مقالات مشابهة

  • حجم خسائر الطيران التجسسي (إم كيو9) في اليمن.. وانعكاسه على حروب أمريكا مستقبلًا
  • إلغاء هبوط طائرة أمريكية بعد تعطل أحد محركاتها..فيديو
  • انطلاق بطولة كأس الاتحاد لكرة الطائرة مايو المقبل
  • «طائرة» بني ياس تُحلِّق بأسبقية الذهاب أمام النصر
  • سمير فرج: طائرة الرئاسة الأمريكية بـ 5 مليارات دولار.. فيديو
  • النصر وبني ياس.. «صدام متجدّد» على لقب «دوري الطائرة»
  • لحظة تحطم طائرة صغيرة بعد اصطدامها بحي سكني.. فيديو
  • تحطم طائرة تحمل ستة أشخاص في نيويورك بعد أيام قليلة من حادث نهر هدسون
  • شركة طيران تكشف عن تفاصيل حادثة طائرة فاس
  • فيديو.. راعي يوثق "لحظة صادمة" لطائرة في المغرب