إيهاب الملاح

- 1 -

مرت كتابة الرواية التاريخية في أدبنا العربي الحديث بمرحلتين تأسيسيتين -فيما أتصور- في النصف الأول من القرن العشرين: الأولى؛ مرحلة التأسيس والريادة التي يمكن أن نعود بجذورها إلى الربع الأخير من القرن التاسع عشر.

في هذه الفترة تأثر أدباؤنا العرب، في بدايات النهضة الأدبية الحديثة، بما قرأوه أو تُرجم لهم من الروايات التاريخية الأجنبية (خاصة روايات سير والتر سكوت البريطاني، وألكسندر دوماس الفرنسي)، وأخذ بعضهم يحاكيها، وقد كان أبرزهم -كما أوضحنا في مقالات سابقة- جورجي زيدان الذي أخرج خلال تلك الفترة روايات (تاريخ الإسلام) وأخرج فيها 22 رواية غطت تاريخ فترات في التاريخ العربي والإسلامي منذ الجاهلية، وحتى نهاية دولة المماليك في مصر على يد محمد علي.

كانت هذه الروايات أول محاولة في الأدب العربي الحديث لإنشاء قصص يستلهم التاريخ والأحداث التاريخية ليعرض إياها في قالب مثير ومشوق، ويقدم مادته التاريخية «بغرض التعليم» وتيسير هذه المادة التاريخية لأكبر عدد ممكن من القراءة، ليهيئهم بعد ذلك لقراءة الكتب التاريخية الحديثة أو التي تتبنى الطرائق الحديثة في عرض المادة التاريخية بخلاف الطرائق التقليدية التي توارثناها عبر القرون.

وقد أخذ جورجي زيدان عن المدرسة الرومانسية اتجاهها إلى التاريخ، وإن اختلف معها في الغاية، إذ الغاية عنده -كما أوضحنا- تعليم الشباب التاريخ، ولذلك كان عرض الحوادث التاريخية وصحتها في المحل الأول من اهتمامه، أما باقي حوادث الرواية نفسها فلم يكن يأتي بها إلا تشويقا للمطالعين، فتبقى الحوادث التاريخية على حالها وتدمج فيها قصة غرامية تشوق المطالع إلى استتمام قراءتها، فيما يقول زيدان نفسه، وذلك لكي يصبح الاعتماد على ما يجيء في هذه الروايات من حوادث التاريخ مثل الاعتماد على أي كتاب من كتب التاريخ.

- 2 -

كانت الانتقالة الثانية -فيما أتصور- في كتابة الرواية التاريخية في أدبنا الحديث بمفهومٍ متطور نسبيا (هل أجاوز الحقيقة لو قلت متطورا فنيا بدرجة كبيرة) عن جورجي زيدان على يد نجيب محفوظ في رواياته «التاريخية» التي استلهم فيها التاريخ المصري القديم، كتب نجيب محفوظ رواياته التاريخية الأولى في ظل تنامي التيار الفرعوني الذي ساعد على إذكائه كثرة الاكتشافات الأثرية اللاحقة التي وضعت مجد الفراعنة أمام الأنظار، الأمر الذي خلق في مشاعر المثقفين رغبة قوية في استطلاع حياة الأجداد وأمجادهم، ولم يكن من قبيل المصادفة أن أول كتاب نشره نجيب محفوظ (سنة 1932)، كان كتابًا مترجما بعنوان «مصر القديمة» للباحث والأثري البريطاني الشهير جيمس بيكي الذي حاول صياغة التاريخ الفرعوني صياغة قصصية تأثر بها نجيب محفوظ (نشر على صفحات مجلة «المجلة الجديدة» لسلامة موسى).

كان سلامة موسى أول من لفت أنظار نجيب محفوظ إلى تاريخ مصر القديمة، وحينما كتب نجيب محفوظ روايته الأولى «عبث الأقدار»؛ نشرها في ظل ما كان يعرف ببعث التيار الفرعوني الذي انتشر في مصر عقب ثورة 1919، إذ لم يكن الكاتب الشاب آنذاك بمعزل عن تلك الروح القومية النامية، والشعور الوطني الجارف الذي كان أحد نواتج الحركة العلمية النشطة والكشوف الأثرية غير المسبوقة التي دارت حول تاريخ الفراعنة؛ وكان من أهم وأبرز تلك الاكتشافات (مقبرة توت عنخ آمون) التي شغلت الدنيا كلها لسنوات طوال.

- 3 -

ولهذا لم يكن غريبًا أن يشغل التاريخ المصري القديم الجانب الأكبر من اهتمامات وشغف «النجيب» الصغير؛ بل إنه تلاقى أيضًا مع ذلك الشغف والحنين والمتعة التي غرستها الأم في نفس ابنها الصغير، حيث كانت تصطحبه في زياراتها المتكررة والطويلة إلى المتحف المصري وللآثار المصرية القديمة. يحكي نجيب محفوظ عن تنامي هذا الشغف بدراسة التاريخ المصري القديم؛ حينما قرر أن يكتب أولى رواياته الفرعونية؛ قائلا:

«ولم ترتبط الكتابة عندي بالقراءة إلا في الفترة التي كتبت فيها الروايات الفرعونية، حيث اقتضى الأمر مني دراسة علم «المصريات»، خاصـة وقد كـان لديّ النية لكتابة تاريخ مصر بأكمله في سلسلة من الأعمال الروائية، كما فعل «جورجي زيدان» في تاريخ الإسلام».

لكن المسألة كانت جذورها أبعد من مجرد التحضر والقراءة لكتابة سلسلة من الروايات التي تسرد تاريخ المصريين في زمن الفراعنة؛ الأمر كان أعمق من ذلك بكثير؛ يقول محفوظ:

«كنت كلما علمت باكتشافٍ جديد لآثار قديمة في أرض مصر عجبت لتاريخ هذا البلد الغني الذي كان طوال تاريخه ملتقيا بحضارات العالم أجمع من الفارسية والرومانية واليونانية في العصور القديمة إلى مختلف الحضارات الغربية في العصر الحديث‏».‏

ولهذا، فقد كان للاكتشاف الأول الكبير في أوائل القرن العشرين تأثير رهيب على نجيب محفوظ‏،‏ وهو اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون عام ‏1922‏ على أيدي البريطاني «هوارد كارتر‏»،‏ ففي ذلك الوقت انبهر العالم كله بما تم إخراجه من هذه المقبرة النادرة التي لم تكن أيدي لصوص المقابر في العصور الغابرة قد وصلت إليها‏.

ورغم أن صاحبها الفرعون الصغير لم يكن من حكام مصر العظام، ولم يستمر حكمه أكثر من تسع سنوات‏،‏ إلا أن النفائس التي كانت تزخر بها مقبرته أعطت للعالم فكرة عما كان بداخل مقابر الفراعين الكبار‏،‏ من أمثال رمسيس الثاني، وأحمس، وخوفو، وأخناتون الذي خلّفه مباشرة في الحكم توت عنخ آمون‏.‏

- 4 -

كان لهذا الاكتشاف الجديد أثر أعمق مما نتخيل في حياة نجيب محفوظ لم يفارقه طوال عمره‏؛‏ لأنه كان الباعث الذي ولّد بداخله الدافع للكتابة، وحدد له الاتجاه الذي سيتخذه في كتاباته الروائية في ذلك الوقت‏؛ يقول:

«‏إنني وجدت في ذلك التاريخ كنزًا زاخرًا بالقصص والمواقف، فقررت أن أهبَ حياتي لكتابة تاريخ مصر القديم بالرواية‏،‏ وهكذا نشرت بالفعل ثلاث روايات مستوحاة كلها من هذا التاريخ القديم‏،‏ لكني بعد فترة وجدت أن ثراء التاريخ المصري ليس في القديم وحده، وإنما أيضًا في التاريخ الحديث الذي بهرني بالدرجة‏ نفسها،‏ فاتجهت إليه برواياتي‏،‏ دون أن أترك التاريخ القديم‏،‏ فقد عدت إليه مرة أخرى لأكتب رواية «العائش في الحقيقة» عن فرعون مصر الأكبر إخناتون».

لكن اتجاه نجيب محفوظ إلى التاريخ المصري القديم لم يكن يعني المعنى الحرفي فقط لـ «تاريخ الحقبة الفرعونية» من حيث هو تاريخ سياسي وسير شخصيات فراعنة وأسر حاكمة؛ بل كان أيضًا يشغله في القلب من هذا التاريخ «الأدب الشعبي الفرعوني» بالتحديد.

إذ كان من نتاج النشاط المعرفي في تلك الفترة اكتشاف كتابات وبرديات تحمل في طياتها نصوصًا وحكايات شعبية كتبت في العصور الفرعونية، وقام عدد من كبار المؤرخين والأثريين المتخصصين في تاريخ مصر الفرعوني بجمع هذه الحكايات وتصنيفها ودراستها؛ وقدم الأثري الراحل الكبير سليم حسن كتابَه المبهر «الأدب المصري القديم أو أدب الفراعنة» في جزأين؛ الأول في القصص والحكم والتأملات والرسائل، والثاني في الدراما والشعر وفنونه.

- 5 -

وأظن أن نجيب محفوظ قد اطلع على هذا الكتاب، وقرأه بوعي وتركيز؛ ولا أستبعد أن يكون قرأ كتبًا أخرى في الدائرة ذاتها؛ ذلك أن دلائل عدة تشير إلى تركيز اهتمامه على تراث الفراعنة «الأدبي»؛ وعلى الحكايات الشعبية والقصص الخيالية التي أنتجها الفراعنة في ذلك الزمن السحيق.

من ذلك، ترجمة نجيب محفوظ المبكرة جدًا لكتاب الأثري البريطاني جيمس بيكي «مصر القديمة»؛ وهو كتاب صغير الحجم يروي -في قالب قصصي- جانبًا من تاريخ الفراعين وحياتهم اليومية وتقاليدهم واحتفالاتهم الدينية، ووصف لمدنهم ومعابدهم ومسلاتهم.. إلخ،

كل ذلك في سرد جذاب يغلب عليه «التخيل» وإطلاق العنان لـ «خيال الروائي» أكثر من إيراد الوقائع التاريخية والالتزام بحرفية الحوادث والسنين.

في هذا الكتاب المبكر ستتبدى ملامح بازغة لأسلوبية الأديب المنتظر، وكذلك ستنبئ باتجاهه الأصيل لاستلهام «الأدب الشعبي» و«التراث القديم» و«التاريخ الفرعوني» في أعماله التالية...

(وللحديث بقية)

إيهاب الملاح باحث مصري في الأدب والتراث والثقافة

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: نجیب محفوظ مصر القدیم تاریخ مصر فی ذلک لم یکن

إقرأ أيضاً:

«لعبة مصائر» هلال البادي.. تكوين لمسارات مختلفة

أصدر الكاتب هلال البادي حديثًا روايته «لعبة مصائر» عن دار الانتشار العربي في هذا العام 2024م، كما عهدناه أيضا كفنان متميز صمم الغلاف لفضاء ممتد ممزوج بالبحر والصيف؛ إذ لا توجد سحب ثكلى غير أن الصورة أتت بالأبيض والأسود، مما أضفى على غلاف الرواية سيميائية وبعدًا جديدًا للمتلقي وهو يشاهده. الرواية تمتد لأكثر من ثلاثمائة وخمسين صفحة من القطع المتوسط الذي يغريك باقتنائه.

وقبل أن نتطرق للرواية سنتتبع قليلا وربما بصورة غير مكتملة مسيرة الإعلامي والمسرحي وكاتب القصة والروائي هلال البادي، حيث تعرفت على البادي في كلية الآداب بجامعة السلطان قابوس وتشاركنا في أعمال جماعة الخليل بن أحمد الفراهيدي وتابعت ما نشره البادي في الصفحات والملاحق الثقافية ثم قفزاته للنشر في القصة القصيرة والمسرح والآن بالرواية، لذا للبادي مسيرة طويلة مع القلم والاشتغال على النصوص والحفر والتنقيب والنبش والتشكيل والتكوين، وبتعدد صنوف الكتابة وتنوعها سنجد أنها مسارات ساعدت البادي في نتاجه الأخير «لعبة مصائر»، إذ يستشعر القارئ بذلك التداعي الحر في النص ثم بالمقطع المسرحي العبثي وثالثة بروح ورهان الكتابة الروائية.

ليس عبثًا أن يصدر الروائي عمله بمقطع شعري لمحمود درويش (ومن سوء حظ المؤلف أن الخيال هو الواقعي على خشبات المسارح/ خلف الكواليس يختلف الأمرُ/ ليس السؤال: متى؟ بل: لماذا؟ وكيف؟ ومن؟) حيث إن الرواية تفتح بما يكسر نمط العادة وسير الحياة ولو كان حادثًا ما وقع فجأة. لتتولى الأحداث التي تبدو لوهلة عادية وربما غير استثنائية، استطاع الكاتب أن يعبر بالمتلقي الشوارع الأفعوانية والعقبات التي تخلقها الطبيعة والبشر والاعتراضات الشبحية والزمجرات الغاضبة ليلملم كل تلك الانفعالات الخارجة من عادتها بموسيقى تنساب من قمة عقبة الشارع وهي نازلة لعلها تنسى مشاهد السيارات المحترقة أو تلك المتدهورة والوفيات المصاحبة، نوع من التماهي ومحاولة الرضا بالواقع والتعايش الملتوي مع المصائر التي تبدو متشابهة ومتعالقة بشكل سوريالي لا يستطيع أعتى الفنانين السورياليين التعبير عنه كما تذكر الرواية.

تبدأ الرواية في رسم حياة عناصرها وتلوين الأمكنة والأزمنة من خلال تعدد الشخوص وأنا الراوي ومن خلال أقاصيص الشخصيات وحكاياتهم، تتعدد الروايات بتعدد الشخوص لعبة يجيدها البادي الذي هو مسرحي بامتياز. من خلال الغنى الواقعي يسيّر الرواية سلسلة لشخصيات وأزمنة يؤرخها النص ورغم أن الرواية لا تتحدث صراحة عن الوقت المعني بسير تلك الأحداث، إلا أنه من خلال المجريات بها تكتشف أنها تنهض بثمانينيات وتسعينيات وحتى بداية الألفية الجديدة. إنها شخصيات معاصرة لم يمضِ على بعضها زمن بعيد بينما لا تزال أخرى تعيش بين ظهرانينا وممتدة في خطوط مصائرها، النهايات الحتمية أو تلك القفلات البطولية للأفلام الهليوودية غير موجودة هنا، إنها الحياة التي بها هذا وذاك، طبيعة المصائر التي كما عنونها البادي لعبة، وبمعنى سابق لعبة سوريالية ربما تندحق كساعة دالي، غير معقولة وأحيانا صادمة.

تتنوع الشخصيات التي ترسمها الرواية وتتعدد من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار إلى الوسط وكأنها تحليل سياسي يعج بها مجتمع طبيعي، فهناك الملتزم وهناك من خرج عن نطاقات المتعود والطبيعي وشذ من خلال أبواب الحياة التي سعى إليها، البادي يرسم القرية والريف والبحر والساحل وعلاقة الأشياء بالإنسان وتفاعله فيما بينه وبين محيطه ويرسم ويصف المدينة ومناطقها وبمسمياتها وهناك تبدو تأريخية الأزمنة التي تعطي تفاصيل الوقت وترجع القارئ لزمانية ولحظات مرت وتوثق لما جرى، إنها سيل الذكريات القريبة وهي طبيعة الرواية والقدرة على منح الحجر والشارع والمبنى والشركة تلك الروح وذلك البعد غير المرئي، إنها الرواية التي من خلال تعالقات منتسبيها تبنى الأحداث. يجيد البادي سبر مكنونات الشخصيات التي يقدمها في الرواية من الشيخ الكبير بالسن وذلك الطفل الصغير الذي فقد والديه في حادث بشارع الجزي وهو عائد بالهدايا ورسم الحياة في الحارة وفي المسجد وفي الفرح وفي العزاء، مكنونات الصبية ومكنونات الرجال والنساء، وحتى عندما قدم غرايس الأجنبية استطاع أن يشارك أحاسيسها وعنفوانها وصخبها وعزلتها وحزنها مع القارئ الذي سيتذكر حينها الطيب صالح وموسم الهجرة إلى الشمال ولن يتذكر كتابات صالح الأخرى.

تدور أحداث الرواية في عُمان، حيث تبدأ على ما يبدو في مسقط والعقبة والشوارع وتنتقل بسلالة إلى القرية والبحر والبدايات الأولى للشخصيات التي تنمو على مدارها لتعود إلى مسقط ثم تتراوح بين شدّ وجذب بين القرية ومسقط ومدن أخرى كنزوى وغيرها. أمّا شخصياتها فبعضها ينمو وبعضها يموت وهناك من نفاجأ بموته كما حدث مع شوين وبعضها يهاجر وبعضها يختفي وآخر ينتكس وآخر يحلق عاليا وهكذا تبدو تلك الصيرورات والمصائر مختلفة ومتنوعة ومتجانسة وغير متجانسة أيضا. الحياة في الرواية كدولاب يدور فمرة بالأعلى ومرة تحت الثرى أو فوق الأرض قليلا.

- لأنه ببساطة مش كل المجتمع أبيض! ما صح؟

من خلال سير خطوط أحداث الرواية وتقدم الشخوص في العمق الروائي أو العقدة المفتوحة، القلق المتصاعد نحو المجهول في أحيان كثيرة يستطيع القارئ أن يجد الإشارات التي يريد الكاتب أن يوصلها للمتلقي، أن يجمد تلك المصائر بفلسفة الحياة ذاتها؛ لأنه ببساطة «مش كل المجتمع أبيض، ربما هناك ألوان أخرى»، بعضها واضح ومختلف وبعضها يشبه الأبيض وبعضها يخفي لونه الحقيقي خشية من المجتمع وثيماته وعناصره، وهذا عمل روائي، أن تقول ما هو مسكوت عنه أو أن تشير إليه أو أن تقولبه في نمط قد لا يكون الشائع ولكنه بالتأكيد موجود.

في رحلة الرواية يسير خط الأمكنة بموازاة الأزمنة وتطورها ولا تتقزم بالشخوص، فالفضاء مفتوح والأحداث كثيرة والأمكنة متنوعة والشخصيات تعيش سطوتها وحضورها وعلاقاتها، مركب يحمل على ظهره مجموعة مختلفة من الأبطال أو غير الأبطال ولكن هناك صوتا لم يهمله الراوي لهم جميعهم، ذلك الصوت الذي يشق فضاء الهدوء الذي تبدو عليه الحياة إلا أن وراء الأكمة ما وراءها، ورغم أن الهدوء والبياض والثبات وأن الأشياء كما تبدو عليه ظاهرًا إلا أن صوت الرواية يقول غير ذلك ويفارق تلك النمطية والذهانية وكأنما لا أحد ينام في الإسكندرية لإبراهيم عبدالمجيد.

تطرقت الرواية لأحداث كثيرة ومختلفة، وعلاقتها بالشخصيات في الرواية وعكست التأثيرات المتبادلة التي تضفيها صروف الحياة على الإنسان، بعض تلك الأحداث محلية وربما تكون محلية جدًا كبناء مسجد أو الترشح لعضوية مجلس أو غيرها، ولكنها في تلك الخصوصية تؤثر على الأحداث التي يتفاعل معها متلقوها وفاعلوها من شخصيات الرواية، وبعض تلك الأحداث على المستوى الوطني أو على المستوى العالمي كالانتفاضة وفلسطين واحتلال العراق وغيرها، أيضًا تأثيرها على الناس وعلى طبيعة الحياة، الكثير من المناطق الساكنة في جسد الشخصيات وتفاصيل الحياة التي لا تبدو هادئة كما هي من الوهلة الأولى.

دخل البادي برواية «لعبة مصائر» تجربة جديدة في السرد الطويل والممتد والذي يعطي مساحات وارفة وربما هو ما يختلف عن القصة القصيرة التي عادة يحسب على كاتبها التمدد والتداعي، لقد وجد الروائي ضالته في طوافه وأفاض على شخصياته وألبسها شتى الأنواع من الحكايات والمقتطفات التي يمكن أن تجعل القارئ يتوقف قليلا ويشرب معها رشفة قهوة لن تكون مرة بالتأكيد، في منجز جديد يضاف لهلال البادي ولمحيطه وبلده ومن مثل هذه الأعمال سينمو الاقتصاد البنفسجي كقطاع مهم للصناعة الثقافية.

سلطان العزري قاص وكاتب عماني

مقالات مشابهة

  • دارة الملك عبدالعزيز تشارك في المؤتمر (57) لدراسات الجزيرة العربية في باريس
  • ترقب أميركي وعالمي لمناظرة بايدن وترامب التاريخية
  • الجزيرة نت تحاور محمد نجيب أبو زيد خبير البناء الأخضر المستدام
  • «لعبة مصائر» هلال البادي.. تكوين لمسارات مختلفة
  • حرّاس الكتب
  • منصة watch it تكشف عن كواليس جديدة للجزء الثاني من مسلسل «أم الدنيا» (صور)
  • أربعة مخترعين بارعين استغرق التاريخ وقتًا قبل أن يُقدرهم
  • أستاذ تاريخ يفجر مفاجأة عن مذكرات زينب الغزالي: خيال غير مقبول
  • أستاذ تاريخ: مذكرات زينب الغزالي عن التعذيب في سجون عبدالناصر فبركة وخيال جامح
  • استقالة يوسف زيدان.. ومغردون يحتفون بانفراط عقد تكوين