عن أهمية مركز البحوث والدراسات.. وضروراته المُلحّة
تاريخ النشر: 2nd, September 2023 GMT
كُتبت الكثير من المقالات في سلطنة عمان حول أهمية إنشاء مركز للبحوث والدراسات الاستراتيجية في بلادنا، لعلّ آخرها ما كتبه «في هذه الجريدة» قبل أسبوع الكاتب والصحفي عوض باقوير، إضافة إلى الكثير من الندوات والمؤتمرات التي أوصت بأهمية إنشاء مثل هذه المراكز البحثية في سلطنة عمان. وهذا المقال يكمل الكثير من الأفكار التي طرحت حول أهمية إنشاء مثل هذا المركز الذي لم يعد في هذا التوقيت بالذات نوعا من الترف ضمن هياكل الحكومات (لم تكن البحوث والدراسات الحقيقية ترفعا في يوم من الأيام)، بل أصبح ضرورة استراتيجية ملحة لا بدّ منها في هذه المرحلة من النهضة العمانية المتجددة التي نعيشها في عهد حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، حفظه الله ورعاه.
وإذا كان مقال باقوير قد تحدث عن أهمية وجود مركز للبحوث الاقتصادية فإنني أتحدث عن مركز للبحوث والدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل يمكن أن يكون إطار عمل المركز أكبر من ذلك بكثير ليضم، أيضا، البحوث والدراسات الثقافية والحضارية ويضم أقساما لقياس الرأي بشكل علمي ومنهجي يختلف عن آليات قياس الرأي العام المستمدة من توجهات الفاعلين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فهي قياسات، رغم أهمية متابعتها، إلا أنها ليست علمية ولا يمكن أن تبنى عليها توجهات الحكومات في طريق مسيرها نحو المستقبل.
وغني عن القول إن مراكز البحوث والدراسات استثمار مهم في سياق صناعة وإنتاج الأفكار التي تستطيع دائما تقديم حلول للكثير من التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتجنب الدول المغامرات القائمة على الرؤية الذاتية والفردية المحدودة سواء في توجهاتها السياسية أو الاقتصادية أو حتى في توجهات البناء الاجتماعي الذي يحمل هو الآخر مستوى مرتفعا من الأهمية.
وإذا كان ثمة حساسيات حول الأدوار التي تقوم بها مراكز البحوث والدراسات وتداخلها مع أدوار «صناع السياسات» التي يرى البعض أنها تخضع، أحيانا، لمنطق لا يستقيم مع منطق البحوث والدراسات العلمية فإن هذه الحساسيات تتلاشى حين تحديد الدور الأساسي لمثل هذه المراكز البحثية المتمثل أساسا في إنتاج المعرفة والأفكار التي تعين «صناع السياسات» في بناء سياساتهم المتكاملة بحيث يكون دور المراكز وسيطا نزيها وغير مسيس، بين الباحثين وبين صناع السياسات.
لا يمكن أن نتحدث اليوم عن خطط سلطنة عمان في البحث عن طرق وآليات لتنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على موارد النفط والغاز في ظل غياب مركز بحوث ودراسات استراتيجية يعمل بشكل متكامل في إنتاج الأفكار والمعرفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية! إن وجود مثل هذا المركز المستقل يمكن أن يقوم بدور محوري في هذا المسعى، ويمكن عبره تحديد قطاعات النمو الجديدة التي يمكن أن تتناسب مع توجهات السياسات في سلطنة عمان وكذلك التوجهات الاجتماعية والثقافية، وتقييم الفرص الاستثمارية وتقديم رؤى قيمة للتنمية الاقتصادية المستدامة. والأمر نفسه فيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية الكثيرة التي تؤرق الجميع في ظل التحولات التي يشهدها العالم، والتي يكون لها انعكاسات سياسية واقتصادية.
إن الموقع الجغرافي لسلطنة عمان يفرض هو الآخر وبشكل ملح دائما، وجود مركز للبحوث والدراسات؛ لأن أحد أهم معالم الاستقرار في منطقة ملتهبة مثل منطقة الشرق الأوسط تتشكل عبر فهم شامل للمنطقة من النواحي التاريخية والحضارية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفهم نظرة العالم لمنطقة الشرق الأوسط، ومركز البحوث المقترح يمكن أن يكون بمثابة مركز لتحليل التحولات الجيوسياسية وديناميكيات التجارة والعلاقات الدولية. ولا شك أن هذه المعرفة ذات أهمية كبرى في بناء سياسات سلطنة عمان الخارجية وعلاقاتها مع المنظمات الإقليمية والعالمية.
إن من بين أهم الوظائف التي يمكن أن تقوم بها مراكز البحوث والدراسات الاستراتيجية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية استطلاعات الرأي، وهي استطلاعات مهمة جدا في إنتاج الأفكار والمعرفة المعينة لصناع السياسات، خاصة في مرحلة صعبة تقوم فيه بعض وسائل التواصل الاجتماعي ببناء رأي عام قائم على أفكار ومعلومات مضللة وخطيرة.
ورغم نجاح سلطنة عمان خلال العقود الماضية في مسارات بناء السياسة الخارجية وبشكل جيد فإن هذا لا يعني عدم الحاجة إلى المركز/ المراكز إذ يمكن أن تكون المعرفة والأفكار التي تنطلق منها صناعة السياسات في سلطنة عمان أكثر ثراء.. إضافة إلى ذلك فإن التحولات الكبيرة التي يشهدها العالم تحتم أن تكون صناعة السياسات مبنية على أفكار ومعرفة أكثر حداثة حتى تكون النتائج أكثر رسوخا وفاعلية. وفي هذا السياق لا يمكن أن نغفل الأدوار التي قامت بها بعض الوحدات البحثية في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية.. ولكنها تبقى وحدات متفرقة وصغيرة وآن الأوان لتتحول إلى مركز متكامل وشامل.
إن بناء مركز بحثي بمستوى مراكز البحوث والدراسات العالمية المعروفة من شأنه، أيضا، أن يساهم بصناعة نظام معرفي واسع في سلطنة عمان يفرز مع الوقت دراسات كثيرة خارج إطار المركز من خلال توفيره لمعلومات دقيقة للباحثين في الجامعات والكليات المتخصصة في سلطنة عمان أو توفيره لمعلومات لمؤسسات بحثية خارجية، ما يساهم في إيجاد شبكة من الخبراء والعلماء، وبالتالي، مشاريع بحثية تعاونية، وتبادل المعرفة، وتطوير العقول البحثية الحقيقية التي تقوم على أساس الأفكار والمعرفة وليس على معلومات هشة لا تتصف بالمهنية العلمية.
شخصيا، على يقين تام أن مثل هذا المشروع ضمن اهتمامات الدولة في المرحلة الحالية؛ نظرا للأهمية الكبيرة التي يتطلبها . ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أن جلالة السلطان المعظم، حفظه الله ورعاه، وجّه في نوفمبر من عام2021 بإنشاء وحدة لدعم اتخاذ القرار تتبع الأمانة العامة لمجلس الوزراء بهدف رفع مستوى الأداء من خلال تعزيز كفاءة صنع القرار. ومثل هذه الوحدة يمكن أن تكون، مستقبلا، جزءا من مركز أكبر هو المركز الذي يدور حوله الحديث، أو يمكن القول إن مراكز البحوث والدراسات الاستراتيجية تضم مثل هذه الوحدات أو تقوم بمثل الدور الذي تقوم به هذه الوحدة.. ولا شك أن إنشاءها ينطلق من فهم عميق لأهمية البحوث والدراسات في اتخاذ القرارات السليمة.
عاصم الشيدي رئيس تحرير جريدة عمان.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی سلطنة عمان الأفکار التی مرکز للبحوث یمکن أن مثل هذه
إقرأ أيضاً:
الاستثمارات الأجنبية في سلطنة عمان تتجاوز 26.6 مليار ريال
العُمانية: شهدت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر لسلطنة عُمان خلال السنوات الخمس الماضية زيادة تجاوزت 17.6 بالمائة لتبلغ القيمة التراكمية للاستثمارات الأجنبية المباشرة 26.677 مليار ريال عُماني حتى الربع الثالث من عام 2024.
ويعكس هذا النمو المتسارع نجاح سلطنة عُمان في تعزيز مكانتها كمركز عالمي جاذب للاستثمار، مدعومًا بمبادرات استراتيجية وبيئة استثمارية محفزة وبنية أساسية متطورة.
وأكد معالي قيس بن محمد اليوسف وزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمار أن التوجيهات السامية المتعلقة بتطوير البيئة الاستثمارية، شكلت دافعًا قويًّا لبناء مستقبل اقتصادي واعد، مدعوم باستراتيجيات واضحة ومتكاملة، موضحًا أن المؤشرات الإيجابية لقطاع الاستثمار تدل على نجاح هذه السياسات والمبادرات التي انتهجتها سلطنة عُمان في توفير مناخ متكامل لاستقطاب المشروعات الاستثمارية.
وقال معاليه: إن الإجراءات المتخذة بشأن استكمال إنشاء محكمة الاستثمار والتجارة تعكس حرص الحكومة على توفير بيئة قانونية مستقرة تشجع على جذب الاستثمارات الأجنبية، مشيرًا إلى أن الوزارة ملتزمة بتقديم التسهيلات اللازمة والحوافز التنافسية لتسهّل على المستثمرين ممارسة الأعمال التجارية في بيئة ديناميكية.
وأضاف معاليه أن تطوير البيئة الاستثمارية والتجارية يُعد من الأولويات الرئيسة لدفع عجلة التنمية المستدامة، مبينًا أن الوزارة تعمل على تنفيذ مجموعة من المبادرات لتنويع الاقتصاد الوطني وتوفير فرص العمل في مختلف القطاعات.
من جانبها قالت سعادة ابتسام بنت أحمد الفروجية وكيلة وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار لترويج الاستثمار: إن قطاع الاستثمار في سلطنة عُمان يعمل على مراجعة سياسات الاستثمار وقوانينه وحوافزه وتقييمها والعمل على الترويج للاستثمار الأجنبي من خلال المشاركات الترويجية المحلية والإقليمية والدولية في المعارض والمنتديات الاستثمارية المهمة وتنفيذ الحملات التسويقية لاستقطاب المستثمرين.
وأضافت سعادتها أن الفرص الاستثمارية يتم تأطيرها وتعزيزها بدراسات جدوى ومن ثم إتاحتها للمستثمرين من أجل تعزيز الاستثمار في القطاعات المستهدفة وتسريع وتيرة جلب المزيد من الاستثمارات الأجنبية لسلطنة عُمان وتنمية مصادر التنويع الاقتصادي وتعزيز حجم الإيرادات غير النفطية في الناتج المحلي بما ينعكس إيجابًا على ثقة المستثمرين ويعزز المؤشرات التنافسية لسلطنة عُمان.
وأوضحت سعادتها أن الحكومة ممثلة بوزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار والجهات ذات الاختصاص بالاستثمار، تركز في الفترة الحالية على عدد من القطاعات الرئيسة التي تنبثق من "رؤية عُمان 2040" وهي: قطاع النقل واللوجستيات والطاقة المتجددة وتقنية المعلومات والأمن الغذائي والسياحة والتعدين والصناعات، إضافة إلى القطاعات المساندة والمكملة؛ أهمها قطاع الاقتصاد الدائري والصحة والتعليم.
من جهتها أشارت الإحصاءات الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات إلى أن المملكة المتحدة تصدرت المرتبة الأولى من بين الدول المستثمرة في سلطنة عُمان حتى الربع الثالث من عام 2024م بواقع 13.66 مليار ريال عُماني، ثم الولايات المتحدة الأمريكية باستثمارات 5.25 مليار ريال عُماني، ودولة الإمارات العربية المتحدة بقيمة 836.5 مليون ريال عُماني، ودولة الكويت بقيمة 833.5 مليون ريال عُماني، وجمهورية الصين بـ 817.8 مليون ريال عُماني، و551.9 مليون ريال عُماني قيمة الاستثمارات القادمة من سويسرا.
فيما بلغ حجم الاستثمارات القطرية في سلطنة عُمان بنهاية الربع الثالث من العام الماضي 488.3 مليون ريال عُماني، و375.7 مليون ريال عُماني من مملكة البحرين، وبلغ حجم الاستثمارات القادمة من مملكة هولندا وجمهورية الهند نحو 359.1 مليون ريال عُماني، و286.1 مليون ريال عُماني على التوالي.
وأشارت سعادة وكيلة وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار لترويج الاستثمار إلى أن هذه الإحصاءات توضح أن نشاط قطاع الصناعات التحويلية حقق في الاستثمار الأجنبي المباشر قيمة استثمارية بلغت 2.13 مليار ريال عُماني، والوساطة المالية بقيمة 1.36 مليار ريال عُماني، ثم الأنشطة العقارية بقيمة 969.1 مليون ريال عُماني.
وأوضحت سعادتها أن وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار قامت بحوكمة الفرص الاستثمارية ضمن منصة "استثمر في عُمان"، مبينة أنه تم نشر 20 فرصة استثمارية في قطاعات السياحة والتطوير العقاري والطيران واللوجستيات والصناعة، وتخصيص أراض للفرص الاستثمارية الصناعية (قطاع الصناعات التحويلية) بالتعاون مع المؤسسة العامة للمناطق الصناعية "مدائن"، حيث أبدى المستثمرون اهتمامهم بالاستثمار في أراض بالمدن الصناعية في كل من الرسيل، وصحار، وسمائل.
وأشارت سعادتها إلى أن الوزارة قامت خلال العام الماضي بالترويج لسلطنة عُمان دوليًّا في 21 فعالية، واستقبال وفود من 23 دولة، ونظمت 8 فعاليات ترويجية محلية، واستهدفت 6 دول من مجموعة العشرين و4 أسواق بالتعاون مع غرفة تجارة وصناعة عُمان، موضحة أن هذه الجهود تهدف إلى استقطاب مختلف القطاعات ورفع قيمة الاستثمار الأجنبي.
من جهته قال المهندس ناصر بن خليفة الكندي الرئيس التنفيذي لاستثمر في عُمان: إن صالة "استثمر في عُمان" تجمع في مظلتها مختلف المؤسسات الحكومية لتسهيل رحلة المستثمر وتعمل على استقطاب مستثمرين أصحاب رؤوس الأموال الضخمة للاستثمار في القطاعات ذات الأولوية الاستراتيجية، وتعد نافذة رقمية لترويج البيئة الاستثمارية في سلطنة عُمان وتعريف المستثمرين بالفرص الاستثمارية المتاحة من خلال خارطة واضحة.
وأضاف أن عدد المشروعات الاستثمارية التي تتم معالجة طلباتها بلغت 59 مشروعًا بقيمة 3.2 مليار ريال عُماني منها 29 مشروعًا تقدر بـ1.2 مليار ريال عُماني تم توطينها، حيث جاءت كل من الهند والصين ومصر في صدارة الدول المستثمرة من حيث أعداد المستثمرين، وقطاع الصناعة في مقدمة القطاعات الاستثمارية يليه قطاعا الطاقة المتجددة والصحة.