لجريدة عمان:
2024-11-12@22:51:28 GMT

أزمات التطبيع تفجر الجدل السياسي في المنطقة

تاريخ النشر: 2nd, September 2023 GMT

في وقت متزامن وبالصدفة البحتة لكن ذات الدلالة السياسية الرمزية، تعرضت الحياة السياسية في مصر وجارتها من الغرب الشقيقة ليبيا إلى هزة شديدة بسبب قضية التطبيع مع إسرائيل. ففي ليبيا فجر الكشف الذي قام به وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين عن لقاء سري جمعه مع وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش في روما مؤخرا لمناقشة خطوات التطبيع إلى ردة فعل شعبية غاضبة وفورية من مختلف فئات الشعب الليبي، فاقت كل التوقعات وأكدت تجذر العداء لدى كل الشعوب العربية للتطبيع مع إسرائيل قبل انسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد 1967 وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة.

وضعت أخبار التطبيع السري الحكومة ورئيسها تحت أقوى ضغط سياسي كان الأول من نوعه الذي يحظى بإجماع الليبيين المختلفين على كل شيء منذ انتهاء حكم العقيد القذافي قبل ١٢ عاما.

وفي مصر شهد أكبر تجمع لأحزاب المعارضة المصرية وهي الحركة المدنية تصدعا شديدا بين مكوناتها من الأحزاب اليسارية والقومية والليبرالية بما يهدد وجودها كائتلاف وطني ويهدد قدرتها على المشاركة بندية في الحوار الوطني الذي دعاها إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. والسبب هنا كان، أيضا، الخلاف حول التطبيع مع رفض رموز قومية أن ينضم لصفوفها ناشر وحقوقي مصري اختير لترؤس الأحزاب الليبرالية الموجودة ضمن الحركة المدنية في الوقت الذي تواجدت فيه أدلة واضحة على أنه قام بالتطبيع مع إسرائيل وكتب مقالات مشتركة مع رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية الأسبق عاموس يادلين.

وتصاعد الخلاف لينتقل من الاجتماعات «الجبهوية» المغلقة إلى وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي ومن السياسة إلى القضاء. ولفت نظر المراقبين لهذه المعركة السياسية أن هذه هي المرة الأولى في العقود الأربعة من التاريخ المصري المعاصر أن تيارا سياسيا - بغض الطرف عن ممارسة رئيسه التطبيع - ويطلب في الوقت نفسه التضامن السياسي معه.

أدت هذه السابقة إلى ارتباك غير متوقع في المشهد السياسي المصري سيكون لها تأثير ملموس على استحقاقات مهمة منها إجراء الانتخابات الرئاسية خلال أشهر قليلة.

ما يجمع الحدثين المصري والليبي من جذر مشترك هو الموقف الشعبي العربي العام من التعامل مع قضية التطبيع -قبل حصول الفلسطينيين على حقوقهم المشروعة - كخطيئة سياسية.

ولم تفعل السنوات شيئا سوى تعميق الموقف الشعبي العربي في كراهية التطبيع وجعلها تزداد ويزداد معها الغضب على ممارسته وممارسيه و«تجريسهم» وإنهاء دورهم العام مهما كان وزنهم. إذ تزايدت الممارسات الوحشية والعنصرية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين قصفا وقتلا وهدما للمنازل، وتفاقم الضم الاحتلالي التوسعي في الضفة الغربية وخنقها بمئات المستوطنات غير الشرعية وأخفقت الاتفاقات الإبراهيمية واتفاقات السلام قبلها في تحقيق ما قالت إنه سيوقف ضم إسرائيل للضفة، إذ فاجأهم اليمين المتطرف الحاكم بتوسيع الاستيطان ومحو أي فرصة لحل الدولتين وإفقاد الأجيال الجديدة أي أمل في عملية أوسلو وما تبعه من انحيازها الحازم لخيار المقاومة كما تشهد على ذلك العمليات الفدائية المتكررة في جنين وطولكرم ونابلس.

٢- انفجار الغضب من عملية الالتفاف على الرأي العام الداخلي: في الحالة الليبية يبدو مصدر الغضب الرئيسي عائدا لما قد يعتبره الرأي العام الداخلي تحايلا أو التفافا من مؤسسة الحكومة على قناعة راسخة عنده مثل رفض التطبيع -قبل حل القضية الفلسطينية -عبر خطوات سرية وغير معلنة ربما مفاجأته بعد فترة من طبخها بالأمر الواقع الذي قد لا يجد مفرا من التسليم به. وكان من المستحيل تقريبا أن تصمد الحكومة الليبية أمام هذا الضغط الوطني الذي شمل الشارع والقوى السياسية ومجلس القبائل الليبية فضلا عن البرلمان والمجلس الرئاسي لولا انحناؤها أمام عاصفة الغضب وسيرها مع التيار الجارف، فأنكر رئيس الحكومة علمه أو موافقته على لقاء الوزيرة الليبية مع الوزير الإسرائيلي وأحالها للتحقيق ثم أقالها وغادرت هي البلاد لتفادي الغضب الشعبي.

٣- في الحالة المصرية تبدو المعركة الأخيرة حول التطبيع جزئيا بعيدة عن المؤسسة الرسمية، إذ تعبر بقدر أكبر عن التغير الجوهري الذي طرأ على التيارات السياسية المصرية، حيث انتقل جزء من التيارين اليساري والليبرالي في العقود الثلاثة الأخيرة إلى التماهي مع أولويات الغرب في قضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة وحرية اختيار الجندر وحقوق المثليين والعابرين جنسيا..إلخ. وتراجعت أولويات الاستقلال الوطني والعدالة الاجتماعية وتراجعت معها أولويات القضايا القومية مثل القضية الفلسطينية ولم يعد التطبيع مع إسرائيل بالتالي من المحظورات عند اليسار الليبرالي أو عند الليبراليين العرب الجدد كما هو عند اليسار الاجتماعي واليسار القومي.

بعبارة أوضح كانت المعركة السياسية حول التطبيع تعبيرا تاريخيا عن تحولات خرجت فيها مجموعات سياسية مصرية جزئيا أو كليا من الجبهة الوطنية الشاملة لمقاومة التطبيع التي كانت تضم في مصر جميع التيارات السياسية.

٤- جزء كبير من رفع درجة سخونة المعركة حول التطبيع تمثل فيما يمكن وصفه بالميكافيلية السياسية لجماعات الإسلام السياسي والتي تتحرر من الالتزام المبدئي برفض التطبيع مثل كل التيارات الوطنية والقومية. فمنذ قبول الحزب الإسلامي تأييد الغزو الأمريكي للعراق ومشاركته في مجلس الحكم الانتقالي الذي أسسه بول بريمر أصبح موقف هذا التيار من الإمبريالية الغربية أو من التطبيع مع إسرائيل موقفا يتفق مع المصلحة السياسية لفصيله في هذه الساحة العربية أو تلك وليس موقفا مبدئيا. وتدل على ذلك الحالة الأخيرة في الأسبوع نفسه بساحتين مختلفتين. إسلاميو ليبيا كانوا من القوى الشعبية الغاضبة من لقاء وزيرة خارجيتهم مع وزير خارجية العدو.. بينما وقف الإسلام السياسي المصري ومعظم خطابه بات يأتي من الخارج مع الناشط الليبرالي -رغم أنه يقوم بالتطبيع المحرم مع إسرائيل - فقط نكاية في السلطة السياسية المصرية.

هذا الاستخدام والاستغلال السياسي لقضية مبدئية ومركزية لدى الشعوب العربية ضاعف من أصداء المعركة حول التطبيع وخلق حالة غير مفهومة من الفوضى السياسية كتلك التي أثارها في وقت من الأوقات دعوات رموز الإسلام السياسي الصريحة لحلف الناتو في ٢٠١١ للتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية للإطاحة بالرئيس السوري أو للإطاحة بالزعيم الليبي السابق وهي دعوات اكتوى العالم العربي منها وما زال بحروب أهلية أو بصراعات مسلحة تتجدد من وقت لآخر بين أبناء الوطن الواحد.

حسين عبدالغني إعلامي وكاتب مصري

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التطبیع مع إسرائیل

إقرأ أيضاً:

يعشق إسرائيل وشعبها .. تعرف على سفير أمريكا الجديد لدى تل أبيب الذي اختاره ترامب

سرايا - أعلن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، اليوم الجمعة، اختياره الحاكم السابق لولاية أركنسو مايك هاكابي سفيرا لدى إسرائيل.

وقال ترامب في بيان إن هاكابي "يعشق إسرائيل وشعب إسرائيل، وشعب إسرائيل يبادله العشق. سيعمل مايك بلا هوادة من أجل عودة السلام إلى الشرق الأوسط".

وفي وقت سابق، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تعيين يحيئيل ليتر في منصب سفير إسرائيل لدى الولايات المتحدة، على أن يتسلم مهامه مع تنصيب الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب رسمياً.

وكان ليتر يشغل منصب رئيس مقر نتنياهو عندما كان وزيرا للمالية، حسبما ذكر موقع قناة "I24NEWS" العبري.

وأعلن ديوان نتنياهو أن السفير الجديد سيسافر إلى واشنطن حتى يتبادل المهام مع هرتسوغ "في المستقبل القريب".

وفي إطار اختيارات ترامب لفريقه، نقلت شبكة "سي إن إن" عن مصدرين، اليوم الثلاثاء، أن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب اختار حاكمة ولاية ساوث داكوتا كريستي نويم لتولي حقيبة الأمن الداخلي في الإدارة الأمريكية الجديدة.

وكريستي سياسية أمريكية من الحزب الجمهوري ولدت يوم 30 نوفمبر 1971 في ووترتاون في داكوتا الجنوبية.

وأعلن ترامب اختيار عضو مجلس النواب الجمهوري، مايك والتز، مستشارا له للأمن القومي.

ويعد والتز، وهو ضابط متقاعد من القوات الخاصة في الجيش، من أبرز منتقدي الصين.





تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع صفحتنا على تيك توك


طباعة المشاهدات: 1153  
1 - ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. 12-11-2024 10:17 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
رد على :
الرد على تعليق
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
اضافة
قرية بريطانية ترى الشمس 12 دقيقة فقط بريطانيا تتجه لحظر شبكات التواصل الاجتماعي على الأطفال دولة عربية الثالثة عالميا في تجارة الألماس .. من هي؟ وعدهم باستخراج الذهب من التراب بقدراته "الخارقة" .. سوري يحتال على عائلة تركية زيارة "غير مألوفة" للنائب أحمد الصفدي إلى... الجيش يفتح باب التجنيد للذكور بمهنة سائق - تفاصيل أول بيان من حماس بعد القمة العربية والإسلامية غير... بالفيديو .. حريق ضخم في سوق "البالة" وسط... توجه حكومي لفرض قيود على الطرود البريدية في الأردن قانون روسي يحظر الترويج لأسلوب حياة من دون أبناءالحوثيون: نفذنا عمليتين ضد سفن للبحرية الأميركية في...9 شهداء في غارات إسرائيلية على لبنانارتفاع عدد الشهداء في غزة إلى 43665تأجيل قرار محكمة ترامب بشأن إدانة ترامبمقتل 15 شخصًا في اشتباكات داخل سجن بالإكوادوروزير داخلية حكومة الوفاق الليبية يفرض الحجاب قائلا...اعتقال أشخاص تحدّوا حظرًا على الاحتجاج في هولنداتوقف عمل مطار بن غوريون بسبب القصف من لبنان فنان مصري يكشف سر أزمته مع عادل إمام: رفضت دور المتحرش جديد صفعة عمرو دياب .. إحالته إلى المحكمة بعد أسبوعين سكران ومترنح .. فنان مصري يثير ضجة في مطار برلين "قولتلهم أنا عندي بنات" .. محمد التاجي... خطوبة أحمد داش على فتاة من خارج الوسط الفني جمال موسيالا .. كيف تحول إلى الصياد الأول في أوروبا؟ النشامى يختتم تحضيراته بعمان ويغادر إلى البصرة غداً وفاة لاعب إكوادوري شهير بحادث مأساوي لماذا وصف رودري المصري صلاح ب"السكين"؟ "الحسين للشباب" تستضيف الجماهير بالمجان لمتابعة مباراة الأردن والعراق - رابط قرية بريطانية ترى الشمس 12 دقيقة فقط بريطانيا تتجه لحظر شبكات التواصل الاجتماعي على الأطفال دولة عربية الثالثة عالميا في تجارة الألماس .. من هي؟ وعدهم باستخراج الذهب من التراب بقدراته "الخارقة" .. سوري يحتال على عائلة تركية بينها دولة عربية .. أكثر الدول شراء للذهب خبز بتقنية الليزر لأول مرة في مصر بيع زوج من جرار الخزف النادرة بـ12 مليون دولار وعدهم باستخراج الذهب من التراب بقدراته "الخارقة" .. سوري يحتال على عائلة تركية جثة و7 مصابين .. فرح بمصر ينتهي بمعركة بسبب معاكسة السيدات أغرب عملية احتيال .. بنك مزيف بكامل موظفيه

الصفحة الرئيسية الأردن اليوم أخبار سياسية أخبار رياضية أخبار فنية شكاوى وفيات الاردن مناسبات أريد حلا لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر(وكالة سرايا الإخبارية) saraynews.com
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2024
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...

مقالات مشابهة

  • يعشق إسرائيل وشعبها .. تعرف على سفير أمريكا الجديد لدى تل أبيب الذي اختاره ترامب
  • الأطباء تفجر مفاجأة عن طبيبة كفر الدوار وسام شعيب
  • ارتفاع قياسي في نسبة الهجرة من إسرائيل وسط أزمات متصاعدة
  • ارتفاع قياسي في نسبة الهجرة من إسرائيل وسط أزمات متصاعدة.. فيديو
  • «الأعلى للثقافة» ينظم ندوة عن الرؤية السياسية لتطورات الوضع في المنطقة
  • إسرائيل: الوحش الذي صنعه الغرب ولم يعد يسيطر عليه؟
  • الرئيس الفلسطيني يدعو لتعليق عضوية إسرائيل بالأمم المتحدة وعدم التطبيع معها  
  • عباس يدعو لتعليق عضوية "إسرائيل" بالأمم المتحدة وعدم التطبيع معها
  • عباس يدعو لتعليق عضوية إسرائيل بالأمم المتحدة وعدم التطبيع معها
  • السعداوي: الاستفتاء الذي يجري الحديث عنه هو خطوة عشوائية.. والرئاسي وحكومته طرفان في الأزمة السياسية